(شبنة هو ابن عم الطفلة التي ماتت أمها أثناء ولادتها وسبقها أباها، وقد اتفق شبنة مع عمته رفقة أن تسمى الطفلة اليتيمة هداسا. كانت العمة “رفقة” هي الأم الروحية لكل أبناء عشيرتهم. أضاع “أبيحائل”، والد الطفلة، قبل مماته ثروته مع تجار غرباء ولم يحتمل الخيانة فمرض.
وبسبب علاقة شبنة (مردخاي) بهذه الطفلة الصغيرة التي غزت محبتها قلبه، أعاد اكتشاف نفسه. لقد وجد أنه لا زال قادرًا على العطاء والحب والاهتمام، واختبر مشاعر من نوع جديد أضفت الحيوية والانتعاش على حياته. تطورت العلاقة بين شبنة والطفلة الصغيرة وأصبح يخاف عليها من أي شيء. التحق مردخاي بالعمل في القصر الملكي. وذات يوم، أقام الملك حفلًا كبيرًا تسللت إليه هداسا سرًا، رأت أمور لم تتوقعها، عاد مردخاي من الاحتفال متوعكًا. وفي أحد الأيام عاد مردخاي ووجد الحزن يخيم على بلدته واكتشف ما كان يخاف منه لقد أخذوا هداسا إلى القصر فماذا يحدث لها (يمكنك قراءة الحلقات السابقة على موقع الجريدة.)
– نعم… هل أنت؟ يا إلهي… هذا مستحيل وغريب… كيف وصلت إلى ههنا؟
– لقد سُرقت… وأتوا بي للقصر وخصوني… ومن يومها وأنا في خدمة بيت النساء… لم أعرف يومًا لماذا حدث هذا معي… صارعني إحساس بتخلي يهوه عني… وبتُ أتجرع مرارة الحزن والوحدة وإحساسي أن يهوه تركني… إلى وقت مجيء “هداسا”… أدركتُ أنه وجودي بالقصر كان لسبب ما… اسمي الآن “هتاخ”.
– ولكن… كيف التقيت بها وكيف عرفت القصة؟
– سأقول لك… ولكن قبل كل شيء أريدك أن تطمئن أبي وأمي وإخوتي… وتقول لهم إني في أفضل حال.
– سأفعل بالتأكيد.
– استرقتُ السمع وهي تصلي… لغتها أظهرتها فبادرتُ بالحديث محاولًا مساعدتها، ثم حكت هي لي عن الجزء الآخر من قصتي حين أتى والدي إلى منزلك… لقد عرفتني من الشامة السوداء الموجودة أعلى حاجبي الأيسر.
– صرخ “مردخاي” بانفعال: حمدًا للرب… حمدًا للرب.
رد “هتاخ” بحذر:
– اخفض صوتك… حتى لا نتعرض للخطر.
ابتلع “مردخاي” ريقه وقال بانفعال وبصوت منخفض:
– نعم… نعم… أعلم.
– أردتُ أن أطمئنك عليها.
– اسمع… قل لها ألا تكشف عن هويتها… لا تخبر عن شعبها ولا عن جنسها.
– حسنًا… سأفعل… لماذا لا تدخل من البوابة الخلفية؟
– عادي… لقد اعتدتُ أن أدخل من باب الخيل أسهل.
– دخولك منها سيمكِّنك من المرور نحو بيت النساء وأنت ذاهب في طريقك لقاعة الكتبة… يمكنك أن تنزل عن الفرس وتترجل متمشيًا ركز على النافذة المنسدل منها وشاح أحمر اللون… ستكون واقفة هناك كل صباح… هي تعرف موعد دخولك وخروجك… ولكن لا مجال للعواطف… لا تبكِ ولا تقف أو تشير أو أي شيء مر مرور عادي… واختلس النظر.
– حسنًا… ولكن إن أردت أن أخبرها أي أمر أو أستعلم عن سلامتها؟
– أنا ألتقيك من يوم إلى يوم عند الاحتياج هنا… وكل مرة نتفق على المرة التالية… وإذا جدت أمور لن نضع الوشاح عند النافذة ونلتقي في نفس مساء اليوم.
احتضن “مردخاي” “هتاخ” ومضى في طريقة مسرورًا وقد أدرك أن أموره يديرها سيد الأرض كلها… فرغم كل محاولاته المستميتة طوال الفترة الماضية لم يتمكن من الوصول بأي ثمن لبيت النساء، والآن جهَّز له يهوه طريقًا مأمونًا ومضمونًا.
كان أول شيء فعله هو أنه رفع صلاة اعتذار عما بدر منه في حق إلهه المحب… الذي رغم جهالته لم يتعامل معه بالمثل. لم تشغله الفرحة عن أن يخبر العمة “رفقة” وبقيه الجماعة، ولكنه قرر الذهاب لبيت “صادوق” أولًا محملًا برسالة ابنه “يؤاخ” أو “هتاخ” كما أسموه في القصر.
*********
– هللويا… هللويا… مجدًا للرب.. حمدًا لك يهوه… عرفت أنك ستستجيب صلواتي.
هكذا صرخت العمة “رفقة” وهي تسجد بصعوبة للأرض… كانت تضحك وتبكي في آن واحد… هي وجميع النساء فيما امتلأت الأفواه بكلمات الشكر والحمد ليهوه القدير… مد “مردخاي” يده ليقيمها مجلسًا إياها على كرسيها… وهي تتأمل ملامحه فلأول مرة يبتسم ويتهلل منذ فترة طويلة.
– أنا لا أشك في أمانة يهوه واعتنائه بنا… عينه علينا… لا يغفل ولا ينام.. إذن البنات بخير.
– نعم… لم أتوقع أبدًا أن تسير الأمور هكذا.
– لكل شيء تحت السموات غرض… الرب صنع الكل لغرضه حتى الشرير أيضًا.
– نعم… يهوه هو المهيمن… العلي… إيل إيليون… المتسلط في مملكة البشر.
– أعتقد أنك مدين له باعتذار “مردخاي”.
– نعم، عمتي… لقد بالغتُ في رد فعلي بجهالة.
– أسأتُ فهمه… لم أثق به كما اعتدتُ… ولكنه لم يعاملني بحسب حماقتي.
– اذهب يا ابني لتعوض صلواتك الفائتة… يبدو أننا أمام حدث غير عادي… وأنت تحتاج كل طاقتك الروحية من أجله.
قام “مردخاي” ورجع بيته شاكرًا فرحًا… ذهب ليصلي… مطمئنًا ومسبحًا. وفي يوم اللقاء الأسبوعي، رفعت كل الجماعة شكرها ليهوه على عنايته واهتمامه ويده التي تعمل حتى في الخفاء. كان الشكر على موضوعين: الأول هو اطمئنانهم على الفتيات، والثاني هو عثورهم على “يؤاخ” وترتيبات يهوه العجيبة التي أوصلته لهذا المكان ليتزامن مع وقت وجود الفتيات بالقصر.
*********
على الجانب الآخر… كان الملك في خضم صراعات عنيفة… وقد نجحت مشورة هذا الـ “هامان” وتمكن الجيش الفارسي من إحكام الحصار على الجنود الإسبرطيين وتطويقهم بآلاف المقاتلين من المؤخرة فأبادوهم عن بكرة أبيهم.
وبعدها توالت الانتصارات في معارك الأرتيميسيوم وثيرموبايلي، واقتحموا بيلوبونيز ثم تقدموا نحو أثينا في الجنوب، وتمكنوا من الاستيلاء عليها في غضون أيام، وأمر الملك “أحشويروش” بحرقها في نوبة غضب بسبب مقاومتها.
وباستيلائهم على أثينا، سيطر الملك على شمال اليونان، ما شجعه على الدخول في معركته التالية وهي سلاميس… وبمرور الوقت – وكما هي عادته – فقد الملك شغفه بالحرب… شعر بالملل… لم يعد تحدي الانتصار يثيره بعد أن لحقت به هزائم نكراء، خاصةً بالأسطول، وأجبرته على العودة إلى العاصمة، تاركًا ابن عمه “ماردونيوس” في ساحة المعركة مع الأسطول.
*********
بعد فاصل زمني طويل… وقف الملك من جديد في شرفة غرفته الخاصة… وحيدًا من جديد يتطلع المدينة والقصر ليشعر بالضيق والفشل… فرغم كل قوته وكل سلطانه، ذاق طعم الهزيمة في الحرب، وأدرك أن الأمر سيطول فرجع. لسعته نسمات الليل الباردة… فتذكر ذلك الشال الثمين الذي وجده يوم مأساة “وشتي” فأخرجه ولفه حول كتفيه.
وقف “مردخاي” في حجرته الخاصة يؤدي صلواته ويشكر إلهه الذي نجاه من موت محقق… ولأنه رتب وجود “هتاخ” من وقت بعيد ليتواصل مع محبوبته “هداسا”… وقف ممتنًا مدركًا أنه لولا الرب لابتلعه الأعداء حيًا… فقد أدرك أن الانتصار في الحرب ليس للأقوياء… ولا الغنى لذوي الفهم… ولا الحظوة للعلماء… وأن الحرب للرب الذي يصنع انتصارًا للضعفاء.