طارق حجي.. وطاعون العصر

9

مدحت بشاي

لا شك أننا نعيش مرحلة نحتاج فيها إلى المزيد من رسائل التنوير العاقلة والمتزنة والداعمة لتجاوز آثار هجمات تتارية ظلامية شديدة الوقع باتت تداهمنا.. هجمات متتالية مدعومة من الخارج والداخل فكريًا وماليًا ودعائيًا وسياسيًا من جانب أصحاب مصالح، لهم في مصرنا أطماع بالية، وتشاركوا معًا في الإضرار بالبشر والفكر الإنساني الحر بضراوة وانعدام للضمائر..

وقد كانت جريدتنا الرائعة إحدى منصات الفكر التنويري وواحة الأقلام الداعمة له، عبر نشر والترويج لإبداعات أهل الإصلاح والتنوير..

ولعل من أهم أصحاب رسالات التنوير عبر العقود الأخيرة الكاتب والمفكر “د. طارق حجي”، الحقوقي الأكاديمي والإداري والممارس (وصل بكفاءة إلى منصب مدير شركة شل العالمية في منطقتنا)، والأهم أنه صاحب الإصدارات الفكرية الهامة والرائعة المترجمة لأهم اللغات العالمية ..

لرؤاه وكتاباته بعض الركائز لعل أهمها ما يلي :

 • الإيمان بأن التقدم “ظاهرة إنسانية” قبل أية صفة أخرى.

 • أن “التعددية” هي أروع حقائق الحياة.

 • أن التعصب الديني والقومي والوطني والعرقي والأيديولوجي كلها ظواهر “ضد التقدم” و”ضد الإنسانية”.

 • “الغيرية” هي من أهم القيم الإنسانية في عصر “ما بعد الأيديولوجيات”.

 • “عالمية المعرفة” و”عالمية العلم” هما من أهم معالم التطور المعاصر للإنسانية.

 • الديموقراطية (وما يواكبها من حقوق الإنسان وحقوق المرأة والحريات العامة) هي من أهم منجزات القرنين الماضيين، قبل (وأهم من) كل إنجازات العلوم التطبيقية.

•  الأديان هي شأن خاص ولا علاقة لها إطلاقًا بإدارة المجتمعات والحياة، كما أنها ليست أساس أو مصدر القيم والأخلاق (كشأن خاص)..

وعليه، كان انتظار القارئ العربي والمصري لإصدارات “حجي” في تلك الفترة التي ينبغي فيها استثمار وجود قيادة سياسة داعمة لرسالات الفكر التنويري .. وأستأذن قارئ جريدتنا الغراء في عرض بعض أفكار ورؤى إصداره الأحدث: “الطاعون”.

يعرض المفكر “طارق حجي” في كتابه “الطاعون قراءة في فكر الإرهاب المتأسلم” الفكر الذي يشكل مرجعية جماعات الإسلام السياسي التي تقف وراء موجة العمليات الإرهابية في العالم خلال نصف القرن الأخير، وأهمها الوهابية والإخوان والسلفية والقاعدة وداعش والنصرة وبوكو حرام.

وتؤكد فصول الكتاب أن هذه الجماعات فروع لشجرة واحدة ذات جذرين هما الوهابية والإخوان، مؤكدًا أنه «بينما يوجد ملايين المسلمين المسالمين والمعتدلين فإن كل أتباع الإسلام السياسي هم إرهابيون أو القاعدة التي تفرز الإرهابيين”.

وحول عقلية تلك الجماعات يقول: “مما لا شك فيه أن عقلية الإسلام السياسي تقوم على ركائز من أهمها عدم الإيمان بالأوطان بالمعنى الحديث، إنما الإيمان بالأمة الإسلامية، وأشهر المقولات المتعلقة بهذه الجزئية هي مقولة سيد قطب الشهيرة: ‘الوطن هو حفنة تراب عفن’، ففكرة الوطن وبلدنا مصر لا وجود لها في العقيدة الإسلامية السياسية.”

ويدعونا الكاتب ألا ننسى أن مهدي عاكف عندما كان المرشد العام للتنظيم قال في كلمتين ما يلخص موقف الإخوان من مصر: “طز في مصر”، ومهدي عاكف هو أيضًا مَنْ قال إنه يقبل أن يرأس مصر مسلم من باكستان ولا يقبل أن يرأس مصر قبطي.

ويؤكد الكاتب في مقدمة كتابه أن وضع غير المسلمين بوجه عام، والمسيحيين بوجه خاص، في أي مجتمع يحكمه الإخوان لا يمكن أن يكون وضعًا عاديًا، ولا أدل على ذلك مما حدث للكثير من المسيحيين في العراق وسوريا وفلسطين والأردن مع مجرد اتساع المد الفكري للإخوان، فالعراق الذي كان حاضنًا لمعظم الطوائف والمذاهب المسيحية الشرقية شبه خالٍ من المسيحيين. وسيبقى عقل الإخواني فيما يتعلق بالمسيحي مرتبطًا بتعبير “أهل الذمة”، وستبقى أوضاعهم كما هي في أمة إسلامية لا تحتمل المواطنة. وربما يكون من المفيد جدًا هنا أن نقارن بين أوضاع الأقليات في الهند وأوضاع الأقليات في باكستان، فبينما يتعرض غير المسلمين في باكستان لأشكال عديدة من العنف والعدوان فإن العكس صحيح في الهند.

ويؤكد كاتب “الطاعون” على أن مفهوم التعددية مترسخ بقوة في ثقافة وعقلية المجتمعات المتقدمة، حيث يُنظر إليه على أنه أحد المحركات الرئيسية للتقدم وأنه مطلب للنهوض بالإنسان. والمجتمعات التي لا تؤمن بالتعددية والتي لا يتجه مناخها الثقافي العام إلى قبول نتائجها لا يمكن أن تمضي قُدمًا.

ومثلما دقت الماركسية ناقوس الموت المتمثل في التعددية، فإن كل النظم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي وضعتها كانت تقوم على سحق التعددية أيًا كانت، وسحق كل مَنْ لم يمتثل لمبادئها الأساسية. ولذا فإن الإسلام السياسي هو الآخر بشكل أساسي ضد التعددية، حتى لو زعم الإسلاميون خلاف ذلك. بالنسبة للإسلامي الذي يعتقد أن أيديولوجيته هي الحقيقة المطلقة، فإن أي انشقاق هو أمر بغيض يتعارض مع كلمة الله نفسه. والواقع أن الإسلاميين يقحمون الله في جميع المجالات الدستورية والقانونية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية وحتى العلمية، ومن الأمثلة على ذلك نظرية التطور التي أدانها الإسلاميون على نحو تدريجي باعتبارها تدنيسًا للدين.

ويخلص الكاتب إلى أن قبول الآخر هو الثمرة الجدلية للتعددية. فبالنسبة للمؤمن بالتعددية، تعتمد الحياة على التنوع في جميع المجالات والنظم والأفكار والمبادئ، ويستلزم هذا قبول الآخر بغض النظر عن الشكل الذي يأخذه الآخرون.

ويضيف “حجي” أنه من المؤكد أنهم سيقولون أيضًا إنه لا يمكن لأي من النساء المسلمات أو النساء غير المسلمات أن يصبحن رؤساء دول، وسيقول مَنْ يعتقد ذلك إنه يؤمن بحرية العقيدة ولكنه سيحدد ما يعتقده الآخرون في مصر اليوم.

وفي سطور الإهداء، كتب “حجي”: “الدين مطلق، والسياسة  نسبية، وكل مَنْ يريد أن يخلط بين المطلق والنسبي يصل به إلى خلطه لمنتج ضد العقل وضد العلم وضد الإنسانية وضد مسيرة التقدم.”

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا