في مثل هذه الأيام والظروف التي يمر بها العالم أجمع تحت وطأة وتأثير ڤيرس كورونا، ذاك الڤيرس الواحد الذي دمر الاقتصاد العالمي، وحبس سكان العالم كله، الكبار والصغار، الرجال والنساء والأطفال، لمدد زمنية مختلفة ومتفاوتة في بيوتهم، وحصد الملايين من أرواح البشر في كل مكان، وتزايدت بسببه أعداد المصابين بالأمراض النفسية والعضوية وغيرها، في مثل هذه الظروف يتبارد إلى الذهن السؤال المحير: أين هو الإله القدير المتسلط في مملكة الناس، والمتحكم فيها، والقادر على إنقاذ العالم ومن فيه بكلمة من فمه، تبارك اسمه، بما أنه الإله القادر على طي الأرض، وما، ومن عليها كرداء فتتغير، كما هو مكتوب عنه في كتاب الله الوحيد الكتاب المقدس: “أنت يا رب في البدء أسست الأرض، والسماوات هي عمل يديك. هي تبيد ولكن أنت تبقى، وكلها كثوب تبلى، وكرداء تطويها فتتغير. ولكن أنت أنت، وسنوك لن تفنى”؟. هذا السؤال الذي تختلف الإجابة عليه من شخص لآخر، وفقًا لما إذا كان السائل ملحدًا بالله ناكرًا لوجوده أو مؤمنًا به وبوجوده على العرش، أو وفقًا لديانة السائل، فبعض الديانات تحرم على الإنسان أن يتحدث مع الخالق، سبحانه، فهو بالنسبة لهم إله محتجب، صامت، لا يمكن الاتصال والارتباط به بعلاقة شخصية بينه، سبحانه وبين أحد خلائقه، بالرغم من أن هؤلاء الخلائق بنصوص دينهم يؤمنون أن الله بالنسبة لهم “أقرب من حبل الوريد”، وهذا مفهوم وطبيعي أن يكون الله بالنسبة للإنسان أقرب من حبل الوريد، حيث أنه – تبارك اسمه – يملأ السموات والأرض، فالمشكلة ليس في بعده أو قربه هو سبحانه عنهم، بل في قربهم أو بعدهم هم عنه، حيث أنه غير مسموح لهم، وفقًا لتعاليم دينهم، من الاقتراب منه والحديث إليه بصفة شخصية، وما أدل على ذلك من قيام الدنيا ومن فيها ضد الكاتب الكبير توفيق الحكيم عندما تجرأ وكتب في جريدة الأهرام مقاله الذي كان بعنوان “حديث مع الله”. فكل ما يستطيعون أن يعملوه في أمر اتصالهم بالله، هو أن يدعون باسمه سبحانه ويرفعون أيديهم وعيونهم وقلوبهم راجين عفوه وصفحه ورحمته، حتى يغفر لهم ذنوبهم ويكفرِّ عنهم سيئاتهم ويتوفاهم مع الصديقين والأبرار ويقيهم عذاب القبر عند دفنهم في التراب وعذاب النار يوم لا ينفع مال ولا بنون، هذا كل ما يستطيعون فعله في علاقتهم به سبحانه، ليس هذا فقط، بل تتوقف إجابة السؤال السابق وهو أين هو الله من كل ما يحدث بعالمنا اليوم وخاصة فيما يتعلق بڤيرس كورونا وتأثيره على البشرية! على ما إذا كان مسموح للإنسان أن يسأل هذا السؤال ويفكر في إجابته أم محرم عليه بتعاليم ديانته حتى التفكير فيه، فـ “عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم”، و”يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم”، فلا تناقش ولا تجادل ولا تفكر يا أخ إنسان في حقيقة وجوده، تبارك اسمه أو إمكانية عمل علاقة شخصية معه، سبحانه أو الحديث معه حتى لو كان الحديث من طرف واحد وطريق واحد من الإنسان إلى خالقه فقط وليس العكس.
والغريب والمحير في الأمر أن آلاف الكنائس على مستوى العالم كله، والتي لاشك أنها تضم الكثير والكثير جدًا من رجال ونساء الله القديسين والقديسات أصحاب الصلوات المقتدرة في فعلها، الذين لهم علاقة روحية شخصية أبوية صحيحة مع المولى، تبارك اسمه، والذين صلوا وصاموا وتضرعوا وطلبوا ببكاء ودموع من الله أبيهم الذي في السموات، سبحانه، أن يخبرهم لماذا سمح لهذا الڤيرس أن يضرب الأرض وما عليها فشل حركتها، ولماذا يبدو وكأنه لا يستمع إلى صلواتهم وتضرعاتهم، ومتى سيتحنن على الأرض والساكنين عليها ويرفع عنها هذه الغمة فــ “من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه. لا يحفظ إلى الأبد غضبه، فإنه يسر بالرأفة. يعود يرحمنا يدوس آثامنا وتطرح في أعماق البحر جميع خطاياهم”. ويفتح كنائسنا لنلتقي معًا مرة أخرى في داخل مباني الكنيسة، كما تعودنا من قبل حدوث الجائحة.
ولكن بالرغم من كل هذه لم يرفع القدير هذا الڤيرس من الأرض، ومازال الحال على ما هو عليه، ولازالت الأعداد الغفيرة تموت وتذهب إلى مصيرها الأبدي بسببه، ولازالت معظم الكنائس في معظم البلاد مغلقة بأمر الحكومات للتقليل من انتشار ڤيرس كورونا، وكأننا كمؤمنين نضارب الهواء، فليس من يسمع لنا ولا من يستجيب صلواتنا. وكأن القدير الذي استغفره وأتوب إليه جبار لا يستطيع أن يخلص، ومسافر يميل ليبيت فلا يهتم بالأرض وما عليها من صالحين وطالحين، أشرار وقديسين.
والغريب والمحير أن الكتاب المقدس في عهده القديم، التوراة والأنبياء والمزامير يحكي لنا عن استجابات فورية مذهلة لصلوات بسيطة رفعها البشر له، تبارك اسمه، فهذا يعبيص الذي قال عنه تنزيل الحكيم العليم: “ودعا يعبيص إله إسرائيل قائلاً: ليتك تباركني وتوسع تخومي وتكون يدك معي وتحفظني من الشر حتى لا يتعبني. فأتاه الله بما سأل”. وهذا إيليا النبي الناري يصلي ويقول: “أيها الرب إله إبراهيم وإسحق وإسرائيل لُيعلم اليوم أنك أنت الله في إسرائيل وأني أنا عبدك وبأمرك قد فعلت كل هذه الأمور. استجبني يا رب، استجبني ليعلم هذا الشعب أنك أنت الرب الإله وأنك أنت حولت قلوبهم رجوعًا. فسقطت نار الرب وأكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب ولحست المياه التي في القناة. فلما رأى جميع الشعب ذلك سقطوا على وجوههم وقالوا: الرب هو الله، الرب هو الله”. ذلك إيليا الذي قال فيه الوحي: “كان إيليا إنسانًا تحت الآلام مثلنا، وصلى صلاة أن لا تمطر، فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر ثم صلى أيضًا، فأعطت السماء مطرًا، وأخرجت الأرض ثمرها.”. وغيرهم وغيرهم الكثير والكثير.
ولحيرتي من إيجاد إجابة مقنعة شافية كافية لسؤالي السابق وهو لماذا لم يرفع القدير ڤيرس كورونا من الأرض ويرجع الأمور إلى ما كانت عليه قبل أن يضرب هذا الڤيرس اللئيم الشرير الأرض ومن عليها، لذا قررت دراسة الأسباب التي، إن جاز التعبير أن أقول، تمنع المولى – تبارك اسمه- من استجابة صلواتنا. قمت بدراسة العديد من الصلوات التى رُفعت إليه، سبحانه، فتجاهلها ولم يُستجب لها، كان الهدف من دراستي هو أن أعرف لماذا لم تستجب صلواتنا كمؤمنين بالمسيح واثقين في قدرته على عمل المستحيل في أذهاننا عندما نصلي له، سبحانه. وجدت من ضمن هذه الأسباب على سبيل المثال لا الحصر:
١- إذا ما كان المصلي مربيًا ومستحسنًا وقابلاً ومراعيًا لإثم في داخله ومُصر على العيش فيه، فيقول كاتب مزمور ٦٦: “إن راعيتُ إثمًا في قلبي لا يستمع لي الرب”. وما من شك أن الغالبية العظمى في عالمنا اليوم ليس فقط هم من يرعون إثمًا داخلهم بل هو من يخترعون الآثام والخطايا ويمارسونها سواء في السر أم العلن، وفي كثير من الأوقات بتصاريح ملوكية ورئاسية من مسؤولي بلادهم.
٢- إذا كان المصلي رجلاً ذا رأيين ومتقلقلاً في جميع طرقه وبالتالي، فصلاة هذا المصلي لن تكون مقترنة بالإيمان الثابت والراسخ في الله ونابعة عن قلب وعقل غير متزعزع فيه، سبحانه، كما جاء في الآيات البينات التى ذكرت في رسالة يعقوب: “إن كان أحدكم تعوزه حكمة، فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير، فسيعطى له. ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة، لأن المرتاب يشبه موجًا من البحر تخبطه الريح وتدفعه. فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئًا من عند الرب. رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه”.
٣- إذا ما كان المصلي يطلب إما أمور ليست ضرورية أو جوهرية أو أمور لا توافق في ترتيبها من حيث الأهمية مع ترتيب المشيئة الإلهية، كما كان الحال في صلاة سليمان واستجابة الرحمن.
ولا شك إن هناك على الأقل نوعين من الاستجابات الإلهية وفقًا لما دونه الكتاب المقدس.
ب- استجابة مرحلية غير مرئية أو ملموسة في التو واللحظة، وهي تلك الاستجابة التي تأتي على مراحل وقد لا ينتبه الإنسان إلى تحقيقها إلا بعد فترة من الزمان.
أما عن الاستجابة الفورية، المرئية والملموسة فهي:
كما حدث مع نبي الله إيليا في القديم، حيث استجاب له المولى بطريقة فورية، مرئية وملموسة عندما طلب من المولى – تبارك اسمه – أن تنزل نار من السماء وتأكل ذبيحته لإثبات أن الرب هو الله وأنه هو، أي إيليا، عبده ونبيه وأن الله ليس هو البعل أو أي إله آخر غيره.
ونفس الأمر حدث مع إيليا أيضًا عندما صلى أن لا تمطر السماء فتوقف المطر ثلاث سنين وستة أشهر، ثم صلى طالبًا نزول المطر فنزل في الحال.
وهكذا كانت استجابة المولى لسليمان الملك عندما صلى إليه سبحانه وقت تدشينه لبيت الله، حيث يقول الكتاب في (2أخ ٧: ١-٣): “ولما انتهى سليمان من الصلاة نزلت النار من السماء وأكلت المحرقة والذبائح وملأ مجد الرب البيت. ولم يستطع الكهنة أن يدخلوا بيت الرب لأن مجد الرب ملأ بيت الرب. وكان جميع بني إسرائيل ينظرون عند نزول النار ومجد الرب على البيت وخروا على وجوههم إلى الأرض على البلاط المجزع وسجدوا وحمدوا الرب لأنه صالح وإلى الأبد رحمته”.
وهنا، وبناء على النص الكتابي السابق، فإنه لابد من فهم أن هناك عدة أشياء كان من المحتم أن تصاحب استجابة الرحمن لصلاة سليمان في القديم أو كنيسته في الجديد، حتى يحقق الله صلوات أعضائها الذين هم جسد المسيح الحي:
أ- تعامل الله فقط مع الذبيحة المقدمة إليه، فأساس تعامل الله معنا واستجابة صلواتنا ليس لأجل بر فينا ولا لصلاح عملناه، بل لأجل المسيح، الذبيح العظيم الأوحد، الذي سدد عنا كل ما كان علينا من ديون واحمال الخطية ووجد لنا فداء أبديًا.
ب- لابد من نزول نار من السماء، فالأمور الحادثة على الأرض مقررة ومحددة من السماء، وحسم المعارك ضد أي وباء أو جائحة وإنهائها والتغلب عليها لابد أن يحسم في السماويات أولاً، ولابد أن تكون النار ووسائل القضاء عليه نازلاً من السماء وبأمره، تبارك اسمه، فنارنا نحن التى نحاول أن نوقد بها الذبيحة بأنفسنا هي نار غريبة غير مقبولة لدى الله لإتمام عمل الذبيحة. ولابد من اقتحام مقدمها كما هو مكتوب: “وأخذ ابنا هرون ناداب وأبيهو كل منهما مجمرته وجعلا فيهما نارًا ووضعا عليها بخورًا وقربا أمام الرب نارًا غريبة لم يأمرهما بها. فخرجت نار من عند الرب وأكلتهما فماتا أمام الرب”. وبعد أن تنزل نار من السماء لتأكل الذبيحة أي تمحو خطايانا وآثامنا تجعلنا هذه النار والذبيحة المقبولة كاملين في المسيح، له كل المجد.
ج- لابد للكهنة والقسوس وخدام الهيكل أن يعمل كل منهم دوره المكلف به من الله ويعدوا المشهد بالكامل وفقًا للكلمة النبوية التي هي أثبت لنزول النار من السماء وامتلأ بيت الله، الذي هو نحن، بالمجد الإلهي وبعدها ينسحبون من المشهد تمامًا ويتم فيهم المكتوب: “ولم يستطع الكهنة أن يقفوا للخدمة بسبب السحاب لأن مجد الرب ملأ بيت الله”. فوقوف الكهنة في المشهد في أي وقت من الأوقات لخير دليل على عدم نزول النار من السماء وعدم قبول الذبيحة المقدمة منهم لله وعندها سيظل بيت الله باردًا خاليًا من المجد الإلهي. ويصبح الكهنة ما هم إلا ممثلون يلعبون دورهم في لعبة الكنيسة وبالتالي ستظل لهم صورة التقوى لكنهم منكرون قوتها.
د- لابد من الصلاة الواعية الواثقة في الله المحددة بما يعني القدير أولاً، لا كما يحلو لنا وفقًا لأغراضنا الخاصة المغرضة ومصالحنا الشخصية وتطلعاتنا الذاتية، فلماذا تصلي الكنائس لكي يوقف الله القادر على كل شيء جائحة كورونا وهو – سبحانه – يبدو وكأنه لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم؟ هل يصلي الكهنة والقسوس والمؤمنون لإله مجهول غير موجود؟، حاشا! هل يصلون بطريقة خاطئة ولتحقيق أغراض شخصية لا تتوافق مع مشيئة الله وإرادته من ترك هذا الڤيرس يجول ويصول ويقتل من يشاء ويبقي من يشاء؟ ربما. وهل يمكن أن يصلي الكهنة والقسوس والشعب المسيحي المخلص الطيب بالطريقة الخطأ أو للغرض الخطأ؟ نعم. ويبدو هذا واضحًا من عدم استجابة المولى لصلواتهم. وهل من تأكيد كتابي لما يبدو أنني أدعيه في إجابتي للأسئلة السابقة؟ بكل تأكيد.
لكن قبل أن أقدم ما لديّ من مثل كتابي معروف لكل من يقرأ الكتاب المقدس، دعني أسأل زملائي الخدام وأحبائي الشعب المسيحي، ترى لماذا نصلي نحن وكنائسنا لكي يوقف الله زحف وتأثير هذا الڤيرس؟ ربما تكون الإجابات التي يمكن لبعض المخلصين الطيبين المؤمنين الحقيقيين أن يذكروها هي شيء مثل: لأن الكنيسة وحشتنا، ونتمنى أن نعود لكي نعبد الرب مع الإخوة والأخوات المؤمنين، ولأنه شيء محزن أن لا نستطيع الذهاب إلى الكنيسة كما تعودنا منذ سنين هذا عددها. ولربما قال الراعي لأنني أكره أن أعظ لكراس خالية، أو لأن العطاء ودخل الكنيسة قد قل والكنيسة لديها مجالات كثيرة للخدمة والتبرعات قلت كثيرًا. والسؤال: هل هذه أسباب كافية لكي نصلي ليوقف الله تأثير الڤيرس على الأرض؟ وهل لدينا من التمييز الروحي الذي يسمح لنا أن نميز هل علينا أن نصلي أو لا نصلي لهذا الأمر؟ وماذا يمكن أن نقول في صلاتنا؟، فكثيرًا ما صلينا بطريقة خاطئة لتحقيق أهداف شخصية ليست حسب أولويات المولى في استجابة الصلوات. أما الدليل الكتابي على ذلك، فهي صلاة سليمان أحكم من عاش على الأرض من لم يكن مثله في حكمته لا قبله ولن يكون بعده حسب النص الكتابي.
قدم سليمان خمس طلبات لله عند تدشين هيكله وفي حضور المجد الإلهي في الهيكل، كلها تدور حول نفسه وبيته وسلامة شعبه الجسدية ليس إلا.
كانت الطلبة الأولى لسليمان من المولى – تبارك اسمه – أن يحفظ المولى وعده الذي وعده لداود أبيه بأن تستمر عائلة داود في حكم إسرائيل إلى الآبد، فسأل المولى قائلاً: “والآن أيها الرب إله إسرائيل، احفظ لعبدك داود أبي ما كلمته به قائلاً: لا يعدم لك أمامي رجل يجلس على كرسي إسرائيل، إن يكن بنوك طرقهم يحفظون حتى يسيروا في شريعتي كما سرت أنت أمامي.
أما الطلبة الثانية التى طلبها سليمان الملك الحكيم، فكانت أيضًا تختص به وببيته وملكوته وكأنه يؤكد على المولى أن لا ينسى ما وعد به داود أبيه، أو أن سليمان كان يخشى أن يرجع الله في كلامه أو ينسخ ما خرج من شفتيه مع أن القدير أعلن في كتابه المقدس أنه لا ينقض عهده ولا يغير ما خرج من شفتيه ولا يرجع في كلامه، لكن سليمان قال له سبحانه: “والآن أيها الرب إله إسرائيل، فليتحقق كلامك الذي كلمت به عبدك داود.”.
وكانت طلبة سليمان الثالثة من الرب هي: أن أسمع صلاة من يصلي لك تجاه هذا البيت وإذا سمعت فاغفر. دون ذكر لتوبة المغفور له أو رجوعه عن طرقه الردية أو حتى مجرد اعترافه القلبي أو الشفاهي بخطيته، قال سليمان: “لتكون عيناك مفتوحتين على هذا البيت نهارًا وليلاً على الموضع الذي قلت إن اسمي يكون فيه، لتسمع الصلاة التي يصليها عبدك في هذا الموضع. واسمع تضرع عبدك وشعبك إسرائيل الذين يصلون في هذا الموضع، واسمع أنت في موضع سكناك في السماء، وإذا سمعت فاغفر”.
تمامًا كما نصلي نحن اليوم بأن يفتح لنا الله كنائسنا دون الاعتراف بخطيتنا أو حتى التفكير في أننا ربما نكون السبب في اجتياح هذه الجائحة عالمنا بسبب شرنا وإثمنا وبعدنا عنه، تبارك اسمه.
أما الطلبة الرابعة لسليمان، فكانت للمغفرة للإنسان عندما يخطئ ضد صاحبه. ولم يذكر شيئًا عن من يخطئ ضد المولى نفسه، مع أن هذا هو بيت القصيد. فكل خطأ ضد مخلوق بواسطة الله هو في الحقيقة خطأ ضد خالقه. وطلب سليمان عقاب الله للمخطئ ولم يطلب منه – سبحانه – الغفران للمخطئ إذا ما اعترف بخطئه وتاب عنه. في ذلك قال سليمان لله: “إذا أخطأ أحد إلى صاحبه ووضع عليه حلفًا ليُحلِّفه، وجاء الحلف أمام مذبحك في هذا البيت، فاسمع أنت من السماء واعمل، واقض بين عبيدك إذ تحكم المذنب فتجعل طريقه على رأسه، وتبرر البار إذ تعطيه حسب بره.”.
أما الطلبة الخامسة لسليمان، كانت هي طلبة الرجوع إلى الأرض وبلغة الكورونا في هذه الأيام طلب الرجوع إلى الكنيسة كعهدنا بها قبل بداية الجائحة. ومن الواضح أن صلاة سليمان في هذه الجزئية بالذات ركزت على غفران خطية الشعب، لا لأنهم أهانوا الله بعصيانهم وخطيتهم وتركهم وصاياه، بل لإرجاعهم إلى الأرض التى أعطاها سبحانه لهم، أي لمصلحتهم الشخصية وليس لتوبتهم ورجوعهم إليه، سبحانه، تقول صلاة سليمان الحكيم في هذه الجزئية: “وإن انكسر شعبك إسرائيل أمام العدو لكونهم أخطأوا إليك، ثم رجعوا واعترفوا باسمك وصلوا وتضرعوا أمامك نحو هذا البيت، فاسمع أنت من السماء واغفر خطية شعبك إسرائيل، وأرجعهم إلى الأرض التي أعطيتها لهم ولآبائهم”.
ونستطيع أن نرى من طلبات سليمان الخمس الأولى من الله أن جميعها أرضية نفسانية زمنية مادية، فهي لأجل بيته وبيت أبيه، والخلاف بين الإخوة في الشعب الواحد، والرجوع إلى الأرض وكلها لا علاقة لها بالترتيب الإلهي لأهمية الطلبات المقدمة إليه، سبحانه. ويبدو ذلك واضحًا أن في استجابة المولى لصلاة سليمان وفي رده سبحانه عليه أن الاستجابة ليست لصالح عائلة داود، ولا تأكيدًا بأنه لا يغير ما خرج من شفتيه، ولا حتى لغفران خطية فرد أخطأ ضد آخر، أو إرجاع الشعب ككل إلى أرضه، بل كانت الاستجابة خاصة بتوبة شعبه بالكامل، توبة قلبية ورجوعهم إليه، أجاب الرب سليمان على صلاته بالقول: “إن أغلقت السماء ولم يكن مطر، وإن أمرت الجراد أن يأكل الأرض، وإن أرسلت وبأ على شعبي، فإذا تواضع شعبي الذين دعي اسمي عليهم وصلوا وطلبوا وجهي، ورجعوا عن طرقهم الردية فإنني أسمع من السماء وأغفر خطيتهم وأبرئ أرضهم”.
وهنا في رد المولى – تبارك اسمه – على سليمان وصلاته نرى أربعة أمور تدل على غضب الله على شعبه إن لم يتوبوا، وأربعة أشياء أخر لابد أن يعملها الشعب العاصي الخاطئ للدلالة على توبتهم وللرجوع إليه، وعندها سيقوم المولى من جانبه بعمل ثلاثة أشياء تدل على غفرانه- تبارك اسمه – لشعبه.
أما الأربعة أمور التي يعملها الله وتدل على غضب الله على شعبه فهي:
١- إغلاق السماء: “إِن أغلقت السماء”: وهذ هو أسوأ عقاب يمكن أن يقع على الإنسان. فليس هناك ما هو أسوأ من السماء المغلقة في وجه الإنسان على الأرض، وليس هناك من شك في أن السماء الآن مغلقة أمام الأرض، حروب وأخبار حروب، صراعات وانفجارات، مجاعات وأوبئة وزلازل، الناس تصرخ من المظالم الكثيرة وليس من يسمع لهم، المؤمنون يصلون ويتضرعون إلى الله لإنهاء زمن الكورونا، فيغلق لهم كنائسهم واجتماعاتهم ولقاءاتهم ويوقف طقوسهم الدينية التى هو منها براء. اللهم ما إلا عدد قليل من البقية التقية على الأرض التى مازالت السماء مفتوحة لهم وستظل مفتوحة إلى أن يصعدوا إليها.
٢- منع المطر: “ولم يكن مطر”، والمطر هو ما يعطي الحياة للمخلوقات حسب ما خطه الخالق سبحانه وهو ما يحفظ الأرض اليابسة من التشقق والبوار والخراب، وهو الوسيط في نمو المزروعات، وبدونه لا يمكن للأرض أن تُخرج مزروعاتها أو تُعطي ثمرها. وكلها تشير إلى جدوب وتيبس حياة الإنسان على الأرض، وإن تسربت بعض المياه بطريقة أو أخرى ونبت خضار في الأرض وعد – سبحانه – أن يرسل الجراد.
٣- إرسال الجراد: “وإن أمرت الجراد أن يأكل الأرض”. وإرسال الجراد هو لكي يقضي على القليل مما تنتجه الأرض إن وجد. ولعل من الواضح أن الكتاب لم يقل يأكل الشجر أو الأخضر، بل يأكل الأرض نفسها. وهو يشير إلى الأعداء الظاهرين المهاجمين للبشر المغضوب عليهم والضالين.
٤- إرسال الوبأ على شعبه: “وإن أرسلت وبأ على شعبي”، أي ما هو موجه ضد أجساد الناس مباشرة، فالمطر والجراد موجهان ضد ما هو خارج عن جسد ونفس الإنسان بالرغم من تأثيرها غير المباشر على الجسد والنفس. أما الوبأ فهو التأثير المباشر على النفس والجسد وبالتالي الروح.
أما الأربعة أشياء التى لابد أن يعملها الشعب العاصي الخاطئ للدلالة على توبتهم وللرجوع إليه سبحانه، حتى يرضى عنهم فهي:
ا- التواضع: “فإذا تواضع شعبي الذين دعي اسمي عليهم”. فالتواضع هو بوابة الطريق إلى قلب الله، لأنه جلت قدرته “يقاوم المستكبرين”، فينزل عليهم غضبه وعقابه، “أما المتواضعون فيعطيهم نعمة” تمكنهم من الرجوع إليه وقبوله لهم مهما كانت حالتهم من تعاسة وفشل وضياع ومرض وحزن، فهو الملجأ الوحيد لنا من كل ذلك.
٢- الصلاة: “وصلوا”، الصلاة التى هي حسب مشيئة الله والتى تركز على خصاله وأوصافه وكمالاته ومراحمه وقدراته وكفارته ومحبته لنا، لا تلك التي تفيح منها رائحة أنانيتنا وحبنا لذاتنا وتمركزنا حول نفسنا واحتياجاتنا وتمنياتنا.
٣- طلب وجهه تعالى: “وطلبوا وجهي” أي طلبه هو سبحانه لشخصه لا لعطاياه أو هباته أو حتى مراحمه وإنقاذه لنا من هذا الڤيرس الشيطاني البغيض.
٤- الرجوع عن الطرق الردية: “ورجعوا عن طرقهم الردية”. فلن يسمع الله لصلاة الكنيسة كشعبه إن لم ترجع عن طرقها الردية، فإذا لم يكن هناك رجوع حقيقي للكنيسة عن طرقها الردية في هذه الأيام الشريرة، فسيكون هذا خير دليل على أنها لم تتواضع بعد، وبالتالي لن تكون محققة لأول وآخر شرط من الشروط الأربعة التى أعلنها المولى، سبحانه وطلب تنفيذها حتى يستطيع أن يلتفت إليها ويستجيب صلواتها.
أما الثلاثة أشياء التى وعد المولى في صلاحه أنه سيقوم بعملها من جانبه والتي تدل على غفرانه – تبارك اسمه – لشعبه فهي:
ا- أسمع من السماء: أي أنني لن أكون بعيدًا عنهم وعن صراخهم وطلباتهم، بل أنا أسمع من السماء، فبعد أن كانت السماء مغلقة بقوله: “إن أغلقت السماء”، ستفتح أمام صلواتنا وستصعد صلواتنا إليه – سبحانه – في السماء.
٢- وأغفر خطيتهم: فلا استماع لصلواتنا ولا إرسال للمطر بعد غلق السماء، ولا انتهار للجراد، ولا إيقاف للوبأ إلا بعد اعترافنا بخطيتنا والحصول على غفرانه – تبارك اسمه – لخطيتنا.
٣- إبراء الأرض: “وأبرئ أرضهم”. فلقد لعنت الأرض بسبب خطية آدم، ولعنت أرض كل منا، نفسه وروحه وجسده، مع لعنة آدم في القديم إلى أن جاء المسيح، فحمل عنا اللعنة في جسده على الخشبة، لكن الأرض وما عليها ومن عليها فهي مازالت ملعونة، باستثناء من حصلوا على البركة في المسيح يسوع، إذ الله أبونا باركنا بكل بركة روحية في السماويات، ولن تبرأ أرضنا إلا إذا تواضعنا، وصلينا، وطلبنا وجه الرب، ورجعنا عن طرقنا الردية، فعندها فقط سيسمع سبحانه من السماء ويغفر خطيتنا ويبرئ أرضنا.