صحافة الانحدار

17

العدد 29 الصادر في فبراير 2008
كونشينة الايام ومقالات أخرى
صحافة الانحدار

ما أخطر المنعطف والمنحدر الذي تسرع فيه عربة الإعلام المصري، وخاصة الصحافة في هذه الأيام الغبراء التي نعيش فيها، الأمر الذي يحذر بشدة من اصطدامات مؤكدة ومحققة لا يعرف مدى تأثيرها على البلاد إلا المولى تبارك اسمه.

يرى البعض أن مصر والصحافة المصرية تتمتع بحرية لم يسبق لها مثيل منذ أن قامت مصر الحديثة حتى اليوم، فلم يحدث في يوم من الأيام أن كان لدينا كل هذا الكم من الجرائد والمجلات والمطبوعات، ولم يكن هناك من قبل هذا العدد الهائل من الصحافيين والكتاب، فالسوق مليء بالمئات منهم وأغلبهم يتصارع ويتزاحم ليطل برأسه علينا لإثبات وجوده وجذب الأنظار إليه بغض النظر عما برأسه، إن كان هناك شيء من أصله في هذا الرأس ومدى صلاحية هذه الرأس للكتابة والإقناع. ويرى البعض أيضاً أن من مظاهر حرية الصحافة في مصر أننا نستطيع أن نكتب أي شيء بأي شكل في أي وقت وفي أي موضوع.

لكن ما يراه البعض أنه حرية للصحافة والإعلام يراه البعض الآخر وأنا منهم دلالة على حالة الفوضى والفراغ والسطحية والغيبوبة المؤذية التي تعيشها مصر هذه الأيام، ولا يحتاج الأمر إلى مفكر أو محلل أو حكيم ليتعرف على هذه الحقيقة السابقة، فالمتأمل العادي في صحافتنا هذه الأيام يرى عدة خطوط واتجاهات أساسية، بل قل منعطفات أو منحدرات مخيفة وسخيفة تنزلق فيها الصحافة المصرية العربية. أما هذه المنحدرات فهي:

1- منحدر ترك القضايا المجتمعية الأساسية والرئيسية والتفرغ للكتابة في التفاهات والثانويات. خذ على سبيل المثال، تنشغل الصحافة والكتاب بحكم المحكمة لضم صغيرتين لحضانة والدهما الذي أشهر إسلامه، ويكتب الصحافيون أن من أسباب الحكم أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع في مصر، وأن أم الطفلتين ستأخذ بناتها إلى أماكن غير إسلامية، يقصد الكنائس، وستطعمهما ما يحرمه الإسلام، أي لحم الخنزير، وكأن هذه هي القضية الأساسية الرئيسية أن الطفلتين إذا عاشتا مع والدتهما ستتنجسان بأكل الخنزير، وهذا رجس من الشيطان. ولو أعطيت الفرصة لهذا الخنزير، من يخافون من أكل لحمه ليتكلم، لأشفق على الطفلتين وفكر فيهما وفي مصلحتهما أكثر من البشر الذين يبلعون الجمل ويصفون عن البعوض، كما قال تنزيل الحكيم العليم الكتاب المقدس. لم يكتب لنا صحافي واحد أو يستضف طبيباً للأمراض النفسية أو أخصائياً اجتماعياً أو خبيراً في الجرائم والجنايات ليسألهم عن تأثير هذا الحدث في حياتهما وفي علاقتهما بأبيهما وأمهما، وعن إجبارهما ليكونا على دين أبيهما الجديد الذي لم يتربيا عليه، هذا إن كان أبوهما قد اعتنق الإسلام عن قناعة شخصية وليس هرباً من ضغوط مجتمعية، أو احتياجات مادية أو خلافات عائلية أو طمعاً في الحياة الفانية وتغافلاً عن حياته الأبدية، المهم أن لا يذهبا إلى الكنيسة التي تعلمهما أن يحبا أعداءهما وأن يباركا لاعنيهما وأن يحسنا إلى مبغضيهما وأن يأكلا الخنزير المسكين الذي لا حول له ولا قوة، فهو نجس في نظر الشريعة، ومذبوح في آخر أيامه، وأداة اتهام للصغار المساكين. وهكذا الحال مع غيرهما من الأطفال والكبار والصغار. تركنا هموم الناس وتحدثنا عن بول البعير، ورضاعة الكبير والصغير. نسينا أن هناك من يعيشون في عشش من صفيح، في هذا البرد القارس، ويمارسون كل أنواع الموبقات من جنس ودعارة ومخدرات وشذوذ وسرقة وقتل ونهب، نسينا أن شبابنا أصبح بلا أمل ولا عمل ولا هدف في الحياة فتطرف في تطبيق مبادئ ديانته بحثاً عن سبب وجيه يحيا لأجله، وأي سبب أفضل من نشر دين الله في الأرض بالقوة والسلاح والجنازير، وليس المهم أن تحرق الكنائس أو البيوت، فالبطالة والعيش بلا هدف وأمل ومسئولية في الحياة, هو ما يدفع هؤلاء الشباب لطرق الرذيلة والعنف.

أتذكر يوم أن كنت طالباً بكلية طب أسنان القصر العيني وكثيراً ما كنا نشاهد مظاهرات الطلبة قادمة من جامعة القاهرة ومارة أمام القصر العيني. لم يفكر أحدنا في أن ينضم لهذ ه المظاهرات، وكان المتظاهرون يسبوننا ويطلبون منا أن نخلع البالطو الأبيض وننزل معهم للتظاهر، كانوا يتهموننا بعدم الوطنية وعدم الاكتراث بالقضايا العامة. ولم تكن الحقيقة هكذا، بل كان لدينا ما يشغلنا ويملأ أوقاتنا من دراسة وكد وعمل وعيادات ومرضى ومسئوليات، فلا وقت لدينا للمظاهرات والإضرابات والاعتصامات، أما معظم طلبة كليات التجارة والآداب والحقوق فكانوا يقضون أغلب أوقاتهم في المطاعم والكافتريات ثم ينخرطون في المظاهرات.

ما أقل ما يكتب الصحافيون عن هذه الموضوعات الجادة الملحة، ولا وقت لمتابعتها وإيجاد الحلول العملية لعلاجها. إن مرضت راقصة من الدرجة الثالثة أو سافرت أو طُلقت انشغلت بها الصحف والمجلات، لكن إن مات الآلاف بسبب الحروب والاجتياحات والعنف والإرهاب مر الأمر على الصحافة بأسرع من البرق اللهم إلا بخبر هنا أو هناك. كم من أولاد الشوارع المسيحيين والمسلمين يعيشون في الطل والجريمة، ولا يسأل عنهم لا مسيحيين ولا مسلمين، ولا تكتب عنهم الصحافة إلا إذا حدثت مصيبة توربينية كبرى لتتناولها الصحف والجرائد من باب الفرقعة الصحفية وزيادة المبيعات. لا من مجهود خالص لوجه الله سبحانه وتعالى لحل مشكلة هؤلاء الصغار.

2- إن المنحدر الثاني الذي تندفع فيه الصحافة والإعلام هذه الأيام هو منحدر الفتنة والوقيعة بين أبناء الوطن الواحد والمصير الواحد والمستقبل الواحد. وتختلف الوقيعة باختلاف الزمان والمكان، لا فرق من إحداث الوقيعة بين مسلمين ومسيحيين، مسلمين ومسلمين، أرثوذكس وإنجيليين. أما الوقيعة بين مسلمين ومسيحيين فما أسهلها، فلها جذور تمتد إلى القرن السادس الميلادي وكلما مرت السنوات والأيام ازدادت رسوخاً وانتشاراً وأثمرت عدة ثمرات أنضجها أحداث إسنا وغيرها مما سبقها من فج الثمار، أما الوقيعة بين المسيحيين بعضهم البعض فواضحة، والأمثلة على ذلك كثيرة وآخرها مقالة بعنوان: “البابا شنودة… زواج البروتستانتي باطل”. والكاتب مسيحي ولست أدري إن كان الكاتب يؤيد هذا الكلام أم يشجبه، لكن ما أراه وأشمه في مثل هذه المقالات والأخبار الصحفية هو رائحة محاولة الوقيعة بين الكنيسة الإنجيلية والأرثوذكسية في مصر. وما هو الجديد في الأمر، فلقد قالها قداسة البابا أكثر من مرة قبل هذا، فهذه وجهة نظره للحفاظ على كنيسته الأرثوذكسية وإيمانها وطقوسها وتقاليدها، ولست أظن أن هناك إنجيلياً واحداً أو كما تسميه المقالة بروتستانتياً واحداً سوف يكره أو يحقد أو ينقم على البابا شنودة بسبب هذا التصريح. ولم يفت كاتب المقال أن يؤكد لنا أن البابا شنودة والبابا بندكت يرى كل منهم أن أتباع طائفته هم المسيحيون الحقيقيون وأما سواهم فلا. ولعل أروع ما في الاضطهاد والمعاناة التي يعانى منها المسيحيون على اختلاف طوائفهم هو أنهم مدعوون للوحدة، ليرى العالم أننا واحد فيؤمن بالله الآب والمسيح يسوع الذي أرسله كما وعدنا سيد كل الخلق.

3- أما المنحدر الثالث فهو منحدر استغباء القارئ ومحاولة التعمية الإخبارية أو تلوين الحوادث لتظهر بصورة تتناسب مع ميول الكاتب ودوافعه، حسنة كانت أم سيئة. فلقد عجبت لذلك الكم من الأحاديث التي أجرتها الصحف والمجلات مع قداسة البابا شنودة الثالث هذا العام وبالذات في هذا التوقيت، توقيت عيد الميلاد. وكذلك الحفاوة المبالغ فيها لمذيعين ومشاهير قضوا ساعات أمام الكاتدرائية وداخلها للاحتفال بعيد النصارى ونقل احتفالاتهم عبر البرامج المختلفة، الأمر الذي لم يحدث بهذا الكم سابقاً وفي غضون أيام قليلة. وأنا أتساءل هل لأحداث إسنا والعنف والإرهاب الذي حدث فيها علاقة بهذه الأحاديث والاحتفالات, هل كان هذا رداً على الأقباط بالداخل والخارج الذين طالبوا البابا بعدم الاحتفال بالعيد احتجاجاً على ما يحدث للمسيحيين في هذه الأيام. ولا يخفي على القارئ الفطن أن مضمون الأسئلة التي وجهت لقداسة البابا شنودة معاد مكرر لم يضف شيئاً جديداً ولم يتناول حلولاً لمشاكلنا في هذه الأيام. مما يؤكد أن الذين أجروا الأحاديث أجروها لمجرد إجراء الحديث، أو لتوريط غبطته في بعض الإجابات التي قد تحسب عليه ويتداولها المغرضون والمتربصون. والحقيقة أنني من أشد المغرمين بمتابعة أجوبة قداسة البابا وردوده على الصحافيين والمذيعين وتحليلها وقراءة ما بين سطورها، وأرى أنه لو فهم الصحافيون إجابات البابا شنودة في عمقها ودلالاتها لكفوا عن هذه اللقاءات والأسئلة حتى لا يتورطوا هم في سماع ونشر ما لا يريدون.

في كل الأحاديث الصحفية مع قداسة البابا سأل فيها الصحافيون بلا استثناء عن إسنا وما جرى فيها وأرادوا توريطه في تحديد قصة واحدة من القصص العديدة التي ترددت في الأجواء عن سبب هذه الأحداث، ثم سألوه عن من يتهم في أنه وراء هذه الأحداث. ولعل هذه الأسئلة جميعها تدل على سطحية السائل وعدم معرفته بشخصية قداسة البابا، فلم يحصل السائلون على إجابات لهذه الأسئلة لكنه علق على أن ما يقال له صلح والذي حدث في إسنا ليس في الحقيقة صلحاً بين المتخاصمين المتحاربين، فأي صلح هذا الذي يتم على مستوى المسئولين الحكوميين وقساوسة الكنائس التى حرقت بيوت أعضائها، أي صلح هذا الذي يحضره رجال الأمن وكأنه صلح على أسنة الرماح وتحت تهديد السلاح، فالصلح غير المصحوب بالاعتذار والتوبة واستغفار المولى تبارك اسمه على الخطأ والوعد بأن لا تتكرر مثل هذه الأفعال لا يعتبر صلحاً بل هو وسيلة وباب ليهرب منه المعتدي دون أن يُعاقب. لقد دأبت الصحافة والإعلام في الآونة الأخيرة على مهاجمة الأقباط الذين يعيشون في المهجر واتهامهم بعدم الوطنية والانتمائية إلى مصر وأنهم وراء كل المشاكل التي تحدث في مصر، وكأنهم هم السبب في قتل المصلين في كنائسهم وحرق بيوت المسيحيين في قراهم وغيرها مما يحدث في مصرنا الحبيبة، وأصبح الآن كل الكُتاب والإعلاميين الذين يعيشون بالخارج سواء لفترة مؤقتة أو دائمة، وخاصة أولئك الذين يتحدثون عن ما يحدث في مصر بالصراحة والوضوح اللذين تعودوا عليهما في التعبير عن قضاياهم ومشاكلهم في البلاد التي هاجروا إليها، أصبحوا متطرفين، محرضين على إثارة الفتنة، غير وطنيين وغير منتمين للمحروسة مصر، وكأن الانتماء والوطنية يحتمان على المهاجر أن يرى ما تطن له الآذان في بلده ويسكت ولا ينشر غسيلها الوسخ. فإذا كنت قبطياً تعيش في الخارج فأنت من أقباط المهجر المغضوب عليهم والضالين. فعندما قدمت طلباً للحصول على ترخيص لجريدة تم ترخيصها بالخارج من قبل، جاء رد الأمن بالرفض، والسبب كان أعجب من الرفض نفسه، وهو بالنص: “لعلاقته بأقباط المهجر”. وفي إحدى زياراتي لمصر عندما أردت عبور حاجز رجال الجمارك بالمطار ومددت يدي بجواز سفري لموظف الجمارك نظر إلى الجواز وسألني: الدكتور ناجي، من أقباط المهجر، مش كده؟ وهم باستجوابي وكأنه أحد لواءات البوليس المصري وأنا المتهم بجريمة أنني من أقباط المهجر، ولولا ردي القاطع عليه الذي أغلق عليه باب الاسترسال في وقاحته لربما حدث لأحدنا أو كلانا ما لا تُحمد عقباه.

لعل ما دفعني لذكر هذه الأمثلة هو ذلك السؤال اللئيم الذي وجهه أحد الصحافيين لقداسة البابا والذي قال فيه بالنص: وكيف تعاملتم قداستكم مع بيانات العلمانيين وأقباط المهجر التي تضمنت إملاءات على قداستكم تطالبكم بالتوقف عن استقبال المهنئين بعيد الميلاد وعدم إذاعة القداس في التليفزيون أسوة بما حدث سنة1981؟ أجاب البابا قائلاً وقد تغاضى قداسته عن كلمة إملاءات التي دسها الصحفي في سؤاله إما بعلم وقصد، وهي كلمة لا ينبغي أن تُقال لقداسة البابا، فالبابا لا يمكن لأحد أن يُملي إرادته عليه وأقباط المهجر لم يُملوا على البابا هذا الأمر، بل كانوا المنبر الذي تحدث من خلاله أقباط ليسوا من المهجر فحسب، بل ومن مصر مطالبين قداسته بالامتناع عن إذاعة القداس الإلهي، وهناك فرق كبير بين الطلب والإملاء. أما إذا كان الصحفي لم يقصد استخدام هذا الأسلوب وهذه اللغة ولم يعلم معنى كلمة الإملاء فهذه مصيبة صحفية لغوية يمكن علاجها. جاءت إجابة قداسة البابا واضحة وبسيطة: “هذا لون من التطرف نرفضه جميعاً، وأنا أتذكر أنني قلت لبعض أولادنا في المهجر إذا رأيتم شعلة من النار فكروا في إطفائها ولا تلقوا عليها حطباً.. هؤلاء الذين في الخارج يقترحون هذه الاقترحات، ليسوا على مستوى المسئولية.. فليأتوا إلى مصر ويقولوا هذا الكلام”. وللأمانة الصحفية أقول إنني لم أكن من أنصار هذه الفكرة بالتوقف عن استقبال المهنئين وعدم إذاعة القداس للأسباب الآتية:

أولاً: لأن معظم المهنئين لا يؤيدون قيام وإشعال الحرائق والأحداث بين المسيحيين والمسلمين، فهذا تهديد لهم ولمناصبهم وكراسيهم، حتى لو كانت القلة القليلة فيهم تؤمن بأن تنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.

ثانياً: ما الذي كان من الممكن أن يضيفه أمر عدم استقبال المهنئين وعدم إذاعة القداس، فالعالم كله يتحدث عن وضع الأقليات في مصر، وتقارير أمريكا والاتحاد الأوربي تشير إلى هذا الأمر، وهيئات حقوق الإنسان لا تهدأ عن ذكر كل التفاصيل التي تجري حتى في الكواليس داخل مصر. لقد اختلف الزمان عما كنا فيه سنة 1981 فيومها لم يكن هناك أقمار صناعية ولا فضائيات ولا إنترنت تنقل الحدث في ساعة وقوعه كما هو الحال اليوم، فكان لابد من إحداث هزة أرضية عنيفة في مصر حتى يعرف العالم ما يحدث للأقباط فيها، أما اليوم فتكفي عبارة واحدة يقولها قداسة البابا في لقائه مع أحد الصحافيين في الكاتدرائية لتصل إلى العالم أجمع. لعل أحكم ما في إجابة قداسة البابا – وكلها حكيمة – هي جملته الأخيرة التي قال فيها” :هؤلاء الذين في الخارج يقترحون هذه الاقتراحات، فليأتوا إلى مصر ويقولوا هذا الكلام”. فهل قصد قداسته أن الذين في مصر لا يمكن ولا يقدروا أن يقولوا هذا الكلام؟ هل لابد من الهجرة وترك البلاد حتى نتكلم بما نريد؟ أليس لأننا لا يمكننا الكلام في بلادنا لذلك هاجرنا واتخذنا من بلاد مهجرنا منبراً لإسماع أصواتنا للعالم كله.

4- إن آخر ما أذكر من منحدرات الصحافة والإعلام، ولعل أخطرها، هو منحدر إهانة المسيحيين عن طريق إهانة كتابهم ومعتقداتهم وحتى مسيحهم تبارك اسمه. فكثر اليوم الذين يدعون العلم والثقافة والتعمق في الكتاب المقدس كلمة الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وكل من كان مغموراً مخموراً هاجم الكتاب المقدس وكاتبه، والحقيقة أننا كمسيحيين لا يجب أن نستاء أو نكره أو نقتل من يهاجم كتابنا ويتهمه بالتحريف، وذلك لأن كتابنا أشهى من الذهب والإبريز الكثير الذي إذا ما وضع في النار خرج لامعاً مصقولاً كالمرآة التي تعكس النور والإشراق فتعمى العيون الرمداء، وكالحجر الذي إذا وقع عليه أحد يترضض وإن وقع هو على أحد يسحقه، فإن كان الكتاب المقدس كتاب الله فهو يجيب عن نفسه ولا يحتاج لمهاجمة المنتقدين ولا لتكسير المحلات والإضرابات من قبل المدافعين عنه. فما نال كتاب آخر على وجـه الأرض مثل ما ناله كتابنا المقدس من اتهامات وتمحيصات وهجوميات، ولا يزال فيه هدى للناس ورحمة. أما إذا كانت هذه الاتهامات والتهكمات على كتاب الله الكتاب المقدس تحدث كرد فعل لما يقدمه أحد الكهنة من أفكار حول القرآن وما جاء فيه في الفضائيات ومواقع الإنترنت فلست أظن أن هذه هي الطريقة المثلى لإسكات هذا الكاهن، فالطريقة المثلى هي بالرد على الفكرة بالفكرة وعلى التعليم بالتعليم وعلى السؤال بالجواب وعلى ذكر الحكيم بذكر الحكيم وليهدي الله من يشاء ويسمح بأن يضل من يُضل نفسه، فالمولى تبارك اسمه لا يُضل أحداً، بل يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون.

اللهم قنا شر الفتن والانقسامات وأعطنا حكمة وفهماً ونوراً لنميز المتخالفات، اللهم اهدنا وآلنا للمستقيمات، وأبعد عنا شرورنا والسيئات، اللهم احمنا من الانزلاق في المنحدرات والمنعطفات، اللهم أنقذ مصرنا من البدع والهرطقات، واعف عنا وارحمنا حتى نلقاك بعد الممات. آمين

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا