سقطات خطيرة

2

عـادل عطيـة

   ما معني أن يستوقفك أحدهم، وأنت على الطريق، طالبًا منك بما يشبه التوسل والتضرع أن تأخذه بسيارتك إلى إحدى المناطق النائية خارج مدينتك، لأنه يريد الرجوع إلى بيته في ذلك الوقت المتأخر من الليل والذي تتوقف فيه كافة وسائل النقل والمواصلات وتنقطع فيه حركة الناس، وما أن تفعل ذلك، لأنك تؤمن بأن مَنْ يعرف أن يعمل حسنًا ولا يعمل فذلك خطيّة له، حتى يفاجئك هذا الغريب لدى اقترابكما من مكان مهجور بأن يخرج من طيّات ملابسه سلاحًا أبيض ماضيًا، ويأمرك تحت التهديد بالذبح بالتوقف، ثم يأخذ ما معك من متعلقات ثمينة، ونقود، وربما يستولي على سيارتك؟ وعندما تستفيق من هذا الكابوس المرعب، تشكر الله لأن هذا المخادع لم يقتلك. وتقرر، بتصميم بالغ، أنك لن تساعد أحدًا أبدًا!

   وما معنى أن يطرق أحدهم بابك، مع اقتراب كل عام دراسي، بملابس رثة يستعطفك ودموعه لا تكف عن التوقف، ويطلب أن تعطيه مالًا لشراء احتياجات أولاده من ملابس وحقائب وأدوات مدرسية. وبعد أن تعطيه ما يكفي حاجته، لأنك تعلمت في طفولتك أن العطاء فضيلة، تكتشف بعد سنوات وبالمصادفة أنه على وشك الانتهاء من بناء آخر دور في عمارته، فإذا بالغضب ينتابك لوقوعك فريسة لهذا المتلاعب بمشاعرك، وتقرر بتشديد ألا تكرر مد يدك الكريمة بالمساعدة، فقد أصبت بداء “البغض الشديد لفعل الخير”؟!

   وما معنى أن ترسل لأصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي بمشاعر من قلبك، ومن إرادة مخلصة، صورًا ثابتة أو متحركة، صُممت لتُرسل كتحيات صباحية أو مسائية، وفي مناسبات أخرى كثيرة، ليحذرك الإعلام أن هذه التصميمات صُنعت خصيصًا لتحمل لك ولغيرك فيروسات سارقة ومدمرة، تسلب منك كافة بياناتك وصورك وأسرارك من هاتفك، وأنك لو فعلت ذلك، فهناك خطأ جسيم تقترفه، فتمتنع عن تداولها، إرسالًا واستقبالًا، حتى ولو كانت آمنة، حفاظًا على محتويات جهازك وأجهزة أحبائك؟!

   وما معنى أن تُصبح ألوان قوس السماء الجميلة والرائعة هي ذاتها ألوان شعار المثليين، وأن العلامة التي تُؤكد لنا بان الله يريد لنا الحياة أصبحت علامة الخطيئة والموت؟!

   المعنى بات واضحًا، وهو أن هناك أرواحًا شريرة تنتشر في عالمنا، تستخدم وسائل الخير لاقتلاع الخير منك، وتستخدم عاطفتك الكريمة في تدمير مشاعرك الإنسانية، وتستخدم كل الوسائط التي تحمل لك الجمال والمحبة والود لكي تجعلك تخشاها وتخافها وتكف عن الإعجاب بها واستخدامها في تواصلك، فلا يبقى في دائرتنا سوى بشر بلا قلب، وبلا ضمير، وبلا أخلاق!

   فهل هناك انتصار على الجانب الآخر من هذه السقطات الخطيرة؟

   علينا أن نتعلم في محنتنا هذه أن العالم جميل جدًا، مع أنه حافل بالخداع والتشويهات والأخطار، فان كان بعضها أكمد قاتم، فبعضها شفاف، وبعضها يتوهج بألف لون ولون بهيج!

   قد تكون كلمة “ثقة”، كلمة غريبة ورسمية هذه الأيام، لكنها شعور يتحدث عنه أناس واثقون في الإنسانية باقتناع مؤثر، مما يشجعنا على الإفلات من سجن الريبة الذي رفعنا جدرانه بأيدينا!

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا