كعادتي كلما طفت على سطح الأحداث المتلاحقة والمتلاطمة الأمواج بأسرع مما يستطيع المرء أن يتابعها ببصره، وبالتالي يعجز عن أن يسبر غورها أو أن يتناولها بالتفكير والتحليل، ليقف على تشخيص أسبابها وطرق علاجها والبدائل المتاحة للتعامل معها، أجد نفسي مرغمًا على أن أقارن هذا الحدث أو ذاك بما يحدث في الكنيسة في هذه الأيام، في مصر والبلاد العربية، حيث أن اهتمامي بالكنيسة وأحوالها وما يحدث معها وبها وفيها، أيًا ما كان وما هو كائن وما سيكون من أمرها، هو جُل اهتمامي، وأول أولوياتي في الحياة الدنيا.
واليوم، إذ يتكلم الجميع، الدول، والأمم المتحدة، والعالم كله عن سد النهضة ومدى تأثيره على إثيوبيا والسودان ومصر، وجدتني أقارن بين سد النهضة الإثيوبي الذي سيسد النهضة عن مصر ودول المصب، وبين سد النهضة الكنسي الذي سدَّ ومازال يسد النهضة عن الكنيسة في مصر والبلاد العربية لسنوات كثيرة، والذي بُني في عالم الروح خصيصًا ليمنع النهضة من الحدوث في مصر والدول العربية، ولذا فسأقارنهما في عدة نقاط أساسية وجوهرية، فعلى سبيل المثال لا الحصر:
أولًا: سد النهضة الإثيوبي والسد الكنسي المصري وزمن بداية الحديث عن كل منهما، ومَن هو الذي بدأ بالحديث عنهما، وما مرا به من خطوات منذ القديم وأثناء السنين القليلة الماضية.
ثالثًا: ما كان وما هو كائن وما لابد أن يصير من نتائج لبناء كل من سد النهضة المادي الإثيوبي والسد الروحي المصري من جفاف وتشقق في الأرض والمجاعات الحادثة والتي ستحدث، وخاصةً في مصر، بسبب وجودهما.
رابعًا: كيفية التعامل مع سد النهضة الروحي لتأتي النهضة إلى مصر والوطن العربي.
أولًا: بدء الحديث عن سد النهضة الإثيوبي كما جاء في موقع الويكيبيديا الموسوعة الحرة.
قال الموقع ما نصه:
كانت دول حوض النيل في السابق مستعمرات لدول أجنبية ثم حصلت هذه الدول على استقلالها، وظهرت أولى الاتفاقيات لتقسيم مياه النيل عام ١٩٠٢ في أديس أبابا وعُقدت بين بريطانيا بصفتها ممثلة لمصر والسودان وبين إثيوبيا، ونصت على عدم إقامة أي مشروعات سواء على النيل الأزرق أو بحيرة تانا ونهر السوباط، ثم ظهرت اتفاقية بين بريطانيا وفرنسا عام ١٩٠٦ وظهرت عام ١٩٢٩ اتفاقية أخرى، وهذه الاتفاقية تتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وأن لمصر الحق في الاعتراض في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده. وهذه الاتفاقية كانت بين مصر وبريطانيا التي كانت تمثل (كينيا وتنزانيا والسودان وأوغندا) لتنظيم استفادة مصر من بحيرة ڤيكتوريا وتم تخصيص ٩٢,٣ ٪ لمصر و ٧,٧ ٪ للسودان.
(إلى هنا تم اقتباس ما كتبه موقع الويكيبيديا عن بداية الحديث عن سد النهضة الإثيوبي).
ويمكننا بكل وضوح أن نرى عدة متشابهات بين ما حدث مع كل من السدين، سد النهضة الحجري الإثيوبي وسد النهضة الروحي الكنسي.
يبدأ الحديث بأن دول حوض النيل كانت مستعمرات ومحتلة من العدو الإنجليزي وحصلت على استقلالها، وهكذا كانت الكنيسة، مستعمرات وأرواح وأجساد مستعبدة للعدو إبليس، الحية القديمة، ولكنها تحررت منه عندما انهزم العدو المحتل، وأُشهر جهارًا في موقعة الصليب، وفقًا للقول الكتابي عن سيد كل الأرض، المسيح يسوع تبارك اسمه، أنه “جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا، ظافرًا بهم فيه”، أي في موقعة الصليب. وبناءً على نصرته تبارك اسمه، كان لابد للعدو أن يستسلم ويبعد عن الكنيسة ولا يبرم المعاهدات لا معها، ولا كممثل لها مع غيرها، حتى لو كانت هذه المعاهدات والاتفاقات تبدو وكأنها لمصلحتها، فالعدو، أي عدو في أي مكان أو زمان، لا يعمل إلا لصالحه هو، ولا يبرم المعاهدات إلا تحقيقًا لأطماعه الشخصية ومصلحة مملكته فقط، ولتثبيت أقدامه وتقنين وجوده في البلاد المحتلة أو المستعمرة منه. ويقول التقرير السابق: “ظهرت أولى الاتفاقيات لتقسيم مياه النيل في ١٩٠٢”، ومن الواضح من كلمة “ظهرت” أن تفكير العدو في الاستفادة من مياه النيل عن طريق تحكُّمه في الدول التي كانت قد تحررت منه أو على وشك أن تتحرر منه يعود إلى ما قبل ١٩٠٢، وما كان هذا التاريخ إلا بداية إعلان فقط عن تدخله ليبرم المعاهدات مع، أو نيابةً عن، هذه الدول، حتى يظل متحكمًا فيها وفي مياهها. أما سد النهضة الروحي المصري، فقد بدأ منذ آلاف السنين، أو قُل بدأ قبل تأسيس مصر بل قبل تأسيس العالم، إذ يقول الكتاب المقدس في تأكيده على هذه الحقيقة للمؤمنين المولودين من الله، يقول عن دم وصليب المسيح: “عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى، بفضة أو ذهب، من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء، بل بدم كريم، كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح، معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم، ولكن قد أُظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم.” وكتحصيل حاصل، إن كان دم المسيح معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم، تكون خطط الشيطان لسقوط الإنسان وكل ما يترتب على وجود هذه الخطط الشيطانية والتي من بينها بناء ليس سدًا واحدًا بل سدود روحية ضد النهضة الكنسية في مصر، يكون كل هذا معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم أيضًا. وما نحن اليوم إلا بمشاهدين لفيلم معاد لزمن وتأثيرات ونتائج بناء العدو لسد النهضة عن الكنيسة.
ومع أن الخطط والتصميمات الشيطانية لبناء سد النهضة الروحية موجودة من قبل تأسيس العالم كما ذكرت سابقًا، إلا أنه كان من المستحيل خروجها إلى حيز التنفيذ الفعلي على الأرض إلا بموافقة المسئولين عن الكنيسة في مصر والعالم العربي على بناء مثل هذه السدود، بل والاشتراك في تشييدها. وسواء كانت هذه الموافقة منهم على بنائها معلومة لديهم أم كانوا يجهلون من الأصل أنهم وافقوا عليها واشتركوا في بنائها، وسواء كانت الموافقة بإخلاص وتلقائية وعفوية أم بدراية ولؤم وتعمد، فالنتائج في كل الأحوال واحدة وهي تقليل أو منع المياه الروحية الواصلة إلى الكنيسة المصرية وإصابتها بالجفاف وعدم الإثمار المادي والروحي، فالمياه هنا تشير فيما تشير إليه في الكنيسة، وحسب تعريف كلمة الله الكتاب المقدس، إلى تدفق وغمر مصر بكلمة الله الحية الفعالة التي هي أمضى من كل سيف ذي حدين، وفقًا للقول الإلهي عن الكنيسة أن المسيح يسوع تبارك اسمه طهّر كنيسته من كل استعمار وعبودية وقذارة للخطية بغسل الماء بالكلمة. فلقد قال الوحي المقدس: “أيها الرجال، أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها، لكي يقدسها، مطهرًا إياها بغسل الماء بالكلمة، لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة، لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك، بل تكون مقدسة وبلا عيب.” وهكذا فعل عدو الكنيسة أيضًا، فمحادثاته بشأن سد النهضة الروحية عن العالم، وخاصةً مصر، كانت جاهزة قبل أن يسقط آدم وحواء في الخطية، كما عملت بريطانيا، والتي كانت ممثلة لمصر والسودان، وإثيوبيا.
ويقول التاريخ إنه قد ظهرت اتفاقية أخرى بين بريطانيا وفرنسا عام ١٩٠٦ ثم ظهرت اتفاقية أخرى أيضًا فيما يتعلق بتقسيم مياه النيل عام ١٩٢٩. وهكذا ظل العدو يعمل الاتفاقات بينه وبين نفسه، وبينه وبين مستعمرين لقلوب وعقول الجماعات والشعوب، ويفرضها على دول حوض النيل، تمامًا كما يعمل العدو الشيطان الخطط والمعاهدات والاتفاقات ضد الكنيسة، بينه وبين مملكة الظلمة التي هي مملكته، ويفرضها على الكنيسة عامةً، والكنيسة في مصر خاصةً بمختلف طوائفها. والمصيبة الكبرى أنه كما خضعت مصر في القديم للدولة المستعمرة وتركتها تتفاوض وتعقد الاتفاقات باسمها ونيابةً عنها، رضخت الكنيسة منذ زمان طويل للخطط الشيطانية وتركته يمثلها ويتكلم باسمها، خالطًا المسيح مع بليعال والتبن مع الحنطة، فيغني تواشيحه ومدائحه في عقر دارها، ويصلي ويؤذن فوق منابرها، ويعقد اتفاقياته الشريرة نيابةً عنها بين المولد والميلاد، الصوفية والروحانية السماوية، بر المسيح وبر ولاهوت المحبة الحر، الخبز والخمر اللذين يُستخدمان في عمل فريضة العشاء الرباني وجسد المسيح ودمه، قيامة المسيح من الأموات وظهوره للأحياء وقيامة القديسين الموتى وظهورهم للناس على الأرض وفوق قباب الكنائس، وغيرها الكثير من المعاهدات. وأقنع بعض القادة والمرنمين والمشيرين والسياسيين والقسوس، الذين لبسوا رداءً أكبر من حجمهم بكثير، أقنعهم أن ما يبنونه هو الحق الإلهي والكتابي بل وهو سد النهضة الذي سيجلب النهضة والخير والعمق الكتابي لهم ولمصر والدول العربية، ولم يلتفتوا أو ينتبهوا إلى أن سد النهضة الشيطاني المبني من حجارة الصوفية ولاهوت المحبة الحر والله في الأدب العربي والترجمات الإسلامية للكتاب المقدس لن يجلب النهضة إلى مصر، ولن يوفر لها النور الذي يجعل الخلق يمشون ويتكلمون ويتحركون في النور، بل جلب وسيجلب لها الظلمة والحيرة والإحباط والعار والدمار والإهانة والازدراء من المسيحيين وغير المسيحيين في مصر والعالم كله.
والعجيب أن الاتفاقية السابقة والتي ظهرت في عام ١٩٢٩ كانت تتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وأن لمصر الحق في الاعتراض، (فقط حق الاعتراض)، في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده. وهذه الاتفاقية كانت بين مصر وبريطانيا (التي كانت تمثل كينيا وتنزانيا والسودان وأوغندا) لتنظيم استفادة مصر من بحيرة فيكتوريا. وما من شك، والعجيب أيضًا، أن العدو، المحتل البريطاني في هذه الحالة، يقف هنا موقف المفاوض باسم، والمتفق مع، الدول: مصر وإثيوبيا، فلم يكن يكفي بريطانيا أنها محتلة ومستعمرة لمصر ولدول المنبع والمصب للنيل، بل أصبحت هي المدافعة عن حصة مصر والمتعاقدة والمتعاهدة معها على اتفاقية توزيع المياه. ومما يلفت الانتباه في هذا الاتفاق هو نصه على أن لمصر حق الاعتراض في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات على النهر وروافده، ولم تعط الاتفاقية لمصر حق الدفاع المسلح عن نفسها ومصالحها ومياهها، ولا حق الوقوف ضد الدولة التي تضر بمقدراتها. وهكذا الحال بالنسبة لسد النهضة عن الكنيسة في مصر والعالم العربي، فالعدو لا يكترث ولا يخاف من مجرد أن تعترض الكنيسة، وان تشكوا من اضطهادها، ومن خطط العدو ضدها لسد النهضة عنها، ولا يكترث للصراخ في الفضائيات والجرائد والمجلات من أن العدو بنى ضد النهضة في مصر سدًا منيعًا فمنع عنها المياه الحية القادرة أن تحيي قادتها ورجالها حتى يدافعوا عن الكنيسة بكل ما أوتوا من قوة إلهية سماوية. العدو لا يخشى الأصوات العالية، التهديد والوعيد بعمل شيء ضده؛ العدو لا يخشى ولا يرهب أو يهرب إلا أمام مَن يخضع لله ويقاومه ويفضحه ويسلط الأضواء الإلهية عليه وعلى خططه وأفكاره الشريرة التي علَّمنا الكتاب المقدس أننا يجب ألا نجهلها؛ العدو يكره مَن يقدم “الحقيقة وبس” ويسكت صوته بكل إمكانياته، ويبني سدًا بينه وبين مشاهديه ومحبيه؛ العدو لا يهرب ولا يخضع إلا أمام أولئك الذين يحيون ويتحركون ويوجدون بذاك الذي انتصر عليه في الصليب، والذي اشترى لنا النصرة بدم صليبه، وهو سبحانه ينتظرنا نحن جسده أن نقدِّر ونوقر ما عمله لأجلنا على الصليب ونطلب أن تُفَعَّل في حياتنا قوة القيامة.
ثانيًا: موقف إثيوبيا والكنيسة من سد النهضة الإثيوبي والكنسي المصري.
أما موقفا إثيوبيا والكنيسة من سدِ نهضة كل منهما فمتباينان تمام التباين في عدة نقاط وأفعال، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
أ. إثيوبيا تركز في مشروعها، ولا تسمح لأية دولة، ولا لتجمعات دولية، إفريقية كانت أم عالمية، أو حتى لدول العالم أجمع في الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، أن تشتتها وتحول أنظارها عن إتمام مشروعها والانتهاء منه وفقًا لخطة زمنية محكمة ومدروسة وضعتها هي بنفسها لنفسها، من البداية للنهاية، أي من بداية دراسة المشروع، ثم بدء الإعلان عنه، ثم بدء البناء، ثم بدء الملء الأول، ثم الانتهاء من الملء الثاني، وتصر على المضي قدمًا في تنفيذ خطتها مهما كلفها الأمر، تمامًا كما فعل نحميا نبي الله في القديم عندما قرر أن يبني سور أورشليم المنهدم ويوقف أبوابه وعوارضه، ويحصِّن المدينة المقدسة ويطهِّرها لتليق باسم رب الجنود، فلم يلتفت نحميا لا لخطط الأعداء ضده، ولا لمحاولات مساومته ومناقشته في أية جزئية من جزئيات بناء السور حتى لا يتم تعطيله عن المضي في تكملة بنائه، ولم ينشغل حتى بمحاولات قتله شخصيًا، وغير ذلك الكثير.
أما الكنيسة فقد بُني السد ضد نهضتها نتيجة لأجل سيطرة روح السبات عليها، فهي نائمة ومشتتة في عدة اتجاهات ومشروعات ومحاربات وهرطقات والجري وراء الإرساليات والهيئات المحلية والعالمية، وقد سمحت لكل من هب ودب من قسوس ومرنمين وشيوخ وقادة ومشيرين وسلطات أمنية وحكومية وكنسية، وحتى الغرباء عن مصر والأجانب الذين لا يعرفون طباعها وبيئتها وتحدياتها، سمحت لهم جميعًا بأن يتدخلوا في حياتها وفي تعاليمها، في أزمنة وأوقات افتقادها، يملون عليها إرادتهم، ويشترون صمتها أو كلامها بدولاراتهم وعطاياهم وحلاوينهم، ويزيدون من تشتيتها وغيها وتحويل أنظارها عن خلاص النفوس وبناء المؤمنين اجتماعيا وعلميًا وسياسيًا وماديًا، وتحويلها من الدفاع عن أرضها وعرقها وعرضها وعما هو ضروري وأساسي ولا يقبل المساومة أو التأجيل. فكل ما تعمله الكنيسة اليوم هو أنها تتناقش وتتصارع حول نقد لا نقض، وحرفية الإصحاحات الأولى من سفر التكوين من عدمه، وإن كان هناك ملك ألفي أم نهاية لحظية للعالم كله، وإن كان جسد ودم المسيح اللذان تأكلهما وتشربهما في فريضة كسر الخبز هما جسد ودم المسيح الحقيقي أم هما مجازيان ورمزيان، وإن كان هناك ما يسمى بمعمودية الروح القدس، أو إن كانت المواهب الروحية مازالت صالحة للاستخدام أم أنها كانت فقط تُستخدم في بداية الكنيسة الأولى، وهل هناك ضرورة ونصوص كتابية تقنن تعميد الأطفال أم لا، وإن كانت هناك جهنم حقيقية ملموسة بها ظلمة ونار ودود وبكاء وصرير أسنان إلى أبد الآبدين أم كلها تعبيرات مجازية أو رمزية ولم يكن يقصد المسيح في كلامه عنها أنها حرفية. وتختلف الكنسية ويلهيها عدوها عن هدف وجودها الحقيقي وهو أن تكون ملحًا ونورًا في الأرض وممثلة حرفية للمسيح يسوع إلهها، فيخرج فرسانها للخلاف أيضًا حول قضايا سخيفة تافهة يلقيها الشيطان في قلبها كمدى روحانية: الاستماع للأغاني والاستمتاع بالفن، ونقد المسلسلات والأفلام والأغاني العالمية، وإطعام الصائمين في رمضان.
أما العجيبة الكبرى فهي أن الكنيسة تهتم جدًا بسد النهضة الإثيوبي، وتصدر البيانات والتصريحات التي تدين بناء وملء السد، ويتكلم قادتها عن خطورته وتأثيره على مصر، وكأن قادتها ورجالها أصبحوا خبراء وعلماء في البناء والماء والجيولوجيا والفضاء وعلم الاجتماع وغيرها من التخصصات المتعلقة بوجود ونتائج بناء سد النهضة، وهم أيضًا يؤيدون رئيس الجمهورية في كل تصريحاته وخطواته وخططه لعلاج هذا الموضوع الخطير. وهذا الأخير جميل ومحمود، لكن الكنيسة في نفس الوقت لا تعلم، أو تجهل، أو تهمل وتنسى، أو تتناسى الالتفات إلى سد النهضة الروحية المبني من عدو النفوس ضدها وضد نهضتها، وكأنه غير موجود، وكأن الكنيسة تعيش أزهى عصورها الأمنية والروحية، ولا تلتفت إلى خطط عدوها الذي يتحرك في كل اتجاه ليحكم قبضته على مجرى المياه الروحية التي يريد أن يرسلها القدير إليها.
ب. من نقاط الاختلاف بين إثيوبيا والكنيسة في معالجة كل منهما لسد النهضة أن إثيوبيا تخطط وتقوم بعمل دراسات ولقاءات ومناقشات ومناقصات وتعمل في الكثير من الاتجاهات لتحقيق غاياتها وأحلامها ومشروعاتها، أما الكنيسة فلا تعلم ماذا تريد أن تعمل، والى أين هي ذاهبة، وليست لديها خطط مكتوبة واضحة مدروسة ومحددة لما تريد أن تعمله في حياتها في مصر، كأفراد أو جماعات أو حتى كطوائف أو مجلس موحد للكنائس، فخططها دائمًا ردود أفعال عشوائية لحظية غير مدروسة أو محددة لكل ما يحدث لها ومعها ومن حولها، وهي مرهونة بما يمكن أن يوافق عليه الكبار والأمن المصري من عدمه، فما يصّنفه الأمن على أنه من الأشياء المحظورة يكون محظورًا، وما يقول إنه مباح فهو مباح، حتى لو كانت الأوامر الصادرة للكنيسة من الأمن مضادة للصادرة لها من المسيح يسوع نفسه رأس وعريس ورب الكنيسة، بل قل رب العالمين. فلو قال المسئولون على اختلاف سلطاتهم أن الكرازة بالإنجيل ومشاركة إيمان المسيحي مع كل مَن حوله من البشر محظور ويعاقب عليه العرف والقانون، أصبحت الكرازة محظورة في الكنيسة، حتى لو أمر المسيح أتباعه ومحبيه بالذهاب للعالم أجمع، والكرازة بالإنجيل للخليقة كلها، وتعميد المؤمنين به تبارك اسمه من خلال كرازة تلاميذه لهم، وتعليمهم ما جاء بالتوراة والإنجيل، وتلمذة التائبين الراجعين من كل أمة ودين وشعب ولسان، وجعلهم تلاميذ له تبارك اسمه ليذهبوا هم أيضًا بدورهم للعالم أجمع ويكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها، وهو أهم وآخر ما أعطاه السيد المسيح لتلاميذه ولمؤمنيه من أوامر وتوصيات. ومع ذلك فالكنيسة لا تكرز، ببساطة لأن الكرازة بالإنجيل لا يوافق عليها الشرير وأتباعه في الأرض، الذين لا سلطان لهم على أجساد المؤمنين إن لم يكونوا قد أعطوا هذا السلطان من فوق، من السماء، أي من شخص المسيح، ولا سلطان لهم البتة على أرواحهم وحياتهم. وهكذا تصير خدمة الكنيسة وسيرها في الأرض وتطلعاتها رهن الموافقات الأمنية الحكومية، وموافقات مجالسها ومصالحها الكنسية، وآراء، وفي بعض الأحيان، شطحات بعض رجالاتها الأمناء المخلصين أو الأشرار المغرضين أو المغيبين المساكين.
ج. من بين الفروق أيضًا بين الكنيسة وإثيوبيا في مسألة سد النهضة أن إثيوبيا تعرف إمكانياتها ومحدوديتها وقدر نفسها وتطلب المساعدات والخبرات العلمية والعملية الدولية لبناء سدها وإتمام مشروعها، أما الكنيسة فلا تعرف إمكانياتها التي لها في المسيح، ولا تعرف محدوديتها بدونه، وتتناسى أنها بدونه تبارك اسمه لا تستطيع أن تعمل شيئًا، ولذا فهي في معظم الأوقات لا تطلب مساعدته، ولا تستفيد بخبرات أتباعه تبارك اسمه العلمية والعملية والدولية، ولسان حالها وحال رؤسائها: “أنا غني وقد استغنيتُ ولا حاجة لي إلى شيء”، وبذلك فهي تبني حاجزًا وسدًا للنهضة فتعرقل وتفسد النهضة الروحية التي يريد الله أن يعملها في وسطها.
د. إثيوبيا تستعد بكل إمكانياتها وحتى بالسلاح الحربي للدفاع عن سدها ومائها وطاقتها الكهربائية، وتدرب جيشها ورجالها على استخدام أسلحتها العسكرية الجسدية الإنسانية غير القادرة على الوقوف في وجه أعدائها ولا على هدم حصونهم. أما الكنيسة فلا يتذكر جُل قادتها وخدامها وشعبها أنها في صراع وحرب روحية مستديمة مع قوات الشر الروحية في السماويات، بل يسخر معظم قادتها حتى من فكرة وجود حرب روحية شيطانية، فهم لا يؤمنون أن هناك شياطين اليوم في عالم الروح، بالرغم من أن كتاب الله الوحيد الكتاب المقدس سبق فحذَّرهم بحصر اللفظ في قوله: “فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات”، وأمر أعضاءها: “احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير، وبعد أن تتمموا كل شيء أن تثبتوا”، وعلَّمهم أن “أسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون.”
ثالثًا: ما كان وما هو كائن وما لابد أن يصير من نتائج بناء وملء سد النهضة الإثيوبي الحجري وسد النهضة الروحي الكنسي.
ففيما يخص ما كان، فإن مصر لم تنتبه ولم تفهم خطط العدو الإثيوبي لتستفيد بمياهها، وظنت أن النيل هو ملكها، ومصدر سعادتها وازدهارها، وأنه ليست هناك قوة في الأرض تستطيع أن تمس النيل ولا مياهه بضرر، وأن مياه النيل من حقها، ولا يمكن أن تجف مياهه وتنشف أرضه، فهي دولة المصب الأخيرة، ولذا فقد أسأت استخدام بَرَكَةْ مياه النيل في كل عصر من عصورها. ففي عصر الفراعنة، كان ملوكها يتعبدون ويكرمون إله المياه وإله النيل، وتنكَّروا للإله الوحيد الحقيقي الذي خلق المياه بكلمة قدرته، والذي يمطر على الأشرار والصالحين، وبدلًا من أن تستخدم السلطات الفرعونية النيل لبركة مصر ومَن فيها، استخدمته لقتل أطفال شعب الله، فالتاريخ الوحيد الصحيح والمدوَّن في كتاب الله الوحيد الكتاب المقدس يقول: “ثم أمر فرعون جميع شعبه قائلًا كل ابن يولد تطرحونه في النهر( أي في النيل) لكن كل بنت تستحيونها.” وهكذا عكَّر ونجَّس الفراعنة مياه نهر النيل بخطية وجريمة إغراق الأطفال الأطهار الأبرياء وقتلهم فيه، فوجبت اللعنة الإلهية على نهر النيل وبالتالي على مصر جمعاء، تلك اللعنة التي جعلت القدير، الفعال لما يريد، يقتل في الضربة العاشرة من ضرباته لمصر كل بكر من أبكار مصر، من بكر الفرعون الجالس على العرش إلى بكر الجارية التي تطحن على الرحى، فالحساب والعقاب من جنس العمل؛ قتل الفرعون القليل من أطفال شعب الله، فقتل الله للفرعون كل بكر في كل بيت من بيوت المصريين. وحيث أن عقاب السماء لمصر بقتلها الأبكار لا يغفر ولا يمحو جريمة الفرعون والشعب المصري للأبد، مهما طال الزمان على ارتكابها، فهذه الخطايا والذنوب والشرور لا تسقط بالتقادم أو بفعل الحسنات ليذهبن السيئات، حتى لو كانت الحسنة بعشرة أمثالها، وحتى لو ضاعف الله لمن يشاء، وأن مثل هذه الجرائم لا تسقط إلا بالاعتراف بالجريمة، والإقرار بأنها جريمة، وبطلب العفو والصفح والغفران من رب العباد، لذا فمازالت وستظل تلك اللعنة التي جلبها الفرعون على نيل مصر عالقة بالمصريين وبالنيل في مصر إلى أن ينوب ويتوب رئيس لمصر، مع قادتها الدينيين والسياسيين، ينوبوا ويتوبوا عن المصريين جميعًا، ويذهبوا بكل تواضع ومهابة واقتناع روحي إلى البقعة ذاتها من النيل التي كان الشعب المصري يلقى فيها بأولاد العبرانيين، وينوبوا جميعًا عن المصريين في الاعتذار لله سبحانه وتعالى، والتوبة وطلب الغفران والصفح منه، وإدانة ما ارتكبه الفرعون في القديم والمصريون الأوُل من خطية وشر وجرم استخدامهم مياه النيل التي وهبها لهم القدير لخيرهم وارتوائهم ورفاهيتهم، فاستخدموها لقتل أطفال شعبه الأبرياء.
رابعًا: كيفية التعامل مع سد النهضة الإثيوبي وسد النهضة الروحي لتأتي النهضة إلى مصر والوطن العربي.
أما سد النهضة الإثيوبي فأنا لا أدعي معرفة كل ما لابد أن يحدث تجاهه لأسباب كثيرة، فأنا لست برجل عسكري أو سياسي أو من القادة في مصر، فسد النهضة الإثيوبي قد بُني بالفعل وامتلأ، والخيارات الموجودة أمام حكومتي المصب وخاصةً مصر أصبحت منحصرة إما في الاستسلام وقبول الهزيمة وقبول الأمر الواقع وتحكم إثيوبيا في كمية المياه المرسلة إلى مصر، أو في الخيار العسكري وتحطيم السد، الأمر الذي كان لابد أن يحدث بمجرد العلم بعملية البداية في بناء السد وقبل ملئه أو حتى اكتمال بنائه، أو في المفاوضات الفردية أو الجماعية والدولية مع إثيوبيا لحل هذه المشكلة الكبرى. والحق يقال إن لكل خيار من هذه الخيارات وجاهته وأهميته، لكن في الوقت نفسه لكل منها موانعه وخطورته وتداعياته التي قد تكون في صالح دول المصب أو في غير صالحها. فقد مر وولى زمان إمكانية وقوف مصر في وجه إثيوبيا ومنعها بطريقة أو أخرى من بناء السد، أو منعها من ملئه، فالسد قد بُني وتم الانتهاء من بنائه،، والسد قد مُلئ وتم الانتهاء من ملئه، والسد الآن قائم ومملوء رغمًا عن أنف مصر سواء قبلت هذا طوعًا واختيارًا أو قصرًا وإجبارًا، وولى زمان المفاوضات حول كل ما يتعلق ببناء السد وملئه وتوزيع مياهه، وولى زمن تحكيم المجتمع الدولي، فالمجتمع الدولي رفض اتخاذ قرارات حازمة ضد إثيوبيا وأحال الأمر إلى غيره. أما الخيار العسكري فلستُ أعتقد أن له مكانًا الآن، فضرب السد سيؤدي إلى إغراق دولتي المصب بمياهه وإعلان حرب بين عدة دول قد تصبح حربًا عالمية، إذ أنه ستنضم إلى إثيوبيا وإلى دولتي المصب الكثير من الدول المستفيدة والمدعمة والمغرضة والتي على رأسها أمريكا ومن بينها إسرائيل.
أما سد النهضة الكنسي، فالشكر للقدير أن زمن اختيار الحلول للتخلص منه لم يمض بعد، ولكنني أيضُا أحذِّر من أن زمن الحلول للتخلص منه قد ينتهي بأسرع مما نتوقع ونحن مازلنا على الأرض، وعلى حين غرة دون أن نعلم، فهذا لا يعلمه إلا علام الغيوب، ففرص الرجوع والتوبة وإصلاح ما أفسدناه ككنيسة لن تكون متاحة إلى الأبد، فهناك أزمنة وأوقات جعلها الآب السماوي في سلطانه ونحن لا نعلم ولن نعلم عنها شيئًا. والأمر ليس كما يعتقد البعض أن الفرصة ستظل متاحة أمام الكنيسة لتحصل على النهضة إلى آخر يوم لوجودها على الأرض، فهذا أمر غير كتابي؛ الفرصة مقدمة لنا الآن، فإن خسرناها قد لا نجدها إلى الآبد.
لكن على أي حال فالشكر لله أنه إذا تحطم سد النهضة الروحي ضد مصر والوطن العربي فلن يؤدي ذلك إلى إغراق دولتي المصب بفيضان المياه المميتة، تلك التي قال عنها الوحي: “إذا اجتزت في المياه فأنا معك وفي الأنهار فلا تغمرك”، بل ستغرقها مياه بركة بحر سباحة لا يُعبر يكون مصدرًا لازدهارها ونهضتها الحقيقية وخصوبة تربتها للإثمار، وخلاصًا للنفوس من كل نشف وجدوبة وتشقق وعطش للأرض والناس، وسببًا في غمر المصريين وملئهم من الروح القدس.
وحسب رؤيتي الشخصية للأمور، فإن الطريقة الصحيحة للتعامل مع سد النهضة المصري الروحي وتحطيمه لابد أن تكون كالتالي:
أ. تبدأ الكنيسة المصرية بدراسة كتابية مسيحية للأسباب والمسببات لسد النهضة عنها، ولابد من أن تفهم الكنيسة الطريقة الكتابية للتعامل مع كل سد للنهضة أقامه العدو إبليس ضد البشرية والمؤمنين، في القديم والحديث، في البلاد والأزمان المختلفة، أي لا بد من الرجوع إلى كتاب الله الوحيد، الكتاب المقدس، ودراسة الأمور الكتابية التي سطَّرها الكتاب وكانت سببًا في سد النهضة عن الشعب القديم، والتي من أبرزها عصيانهم وتمردهم على الله، ولابد من دراسة المتطلبات الإلهية من الكنيسة ليحطم الله سد النهضة الشرير ويهبنا تدفقًا للنهضة الروحية الكتابية الصحيحة.
ب. ولتحطيم سد النهضة الشيطاني، لابد للكنيسة من دراسة أنواع المواد والأحجار الشيطانية التي يستخدمها العدو في بناء سد النهضة، حتى نعرف كيف نتعامل معها وكيف نحطمها، فيحدث بالنسبة له سد نهضته الشيطانية والتي تسد الطريق أمام حدوث نهضة حقيقية في الكنيسة اليوم. فقد علمنا الكتاب المقدس أنه لا بد أن ننقي الطريق من الحجارة حتى يعود شعبه إليه وحتى يختبرون نهضتة الحقيقية في قوله: اعبروا اعبروا بالأبواب هيئوا طريق الشعب أعدوا أعدوا السبيل نقوه من الحجارة أرفعوا الراية للشعب”، أما عن أنواع الأحجار التي استخدمها العدو ليبني سد النهضة ضد الكنيسة في مصر والوطن العربي، فأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
* حجر العنجهية الطائفية والافتخار بمن هي الكنيسة الأم ومن هي الكنيسة الأجنبية الدخيلة على المسيحية في مصر.
*حجر الاتهامات وتخوين أحدنا الآخر، والصراع في المحاكم الملية والعرفية والمدنية المصرية، وتخيلات انتصارنا، أحدنا على الآخر، ومنع ممارسة الحرية الشخصية لكل مجمع أو مذهب يبغي التخلص من سيطرة جماعة يرى أنها ظالمة له.
* حجر الاعتماد على التمويلات الخارجية لكنائس وجماعات وهيئات مغرضة ولها أجنداتها الخاصة والتي تريد أن تجبر الكنيسة المصرية على اعتمادها والموافقة عليها.
* حجر التعاليم الصوفية الفاسدة وخلط الإنشاد الروحي المسيحي مع الإنشاد الديني الإسلامي، وخلط أقوال وأشعار رابعة العدوية والحلاج مع صفات وأقوال الراقدين من القديسين الحقيقيين، أو خلط أقوال الآباء والقديسين وغيرهم وجعلها مساوية لأقوال الله المدونة في الكتاب المقدس.
* حجر تعاليم الشفاعات وظهور أجساد القديسين والقديسات الراقدين والراقدات، سواء في المسيح أو للذين هم راقدون خارجه، وكذلك تعاليم المطهر وخروج الماء والدم من أجساد الموتى بعد موتهم بسنين وربط هذا بكلمة الله كدليل على أن الله لا يترك نفسه بلا شاهد.
* حجر المفهوم الخاطئ لكلمة نهضة، حيث يزرع العدو الكثير جدًا من المفاهيم الخاطئة في أذهان البشر أجمعين وخاصةً المؤمنين الذين لو أمكنه لأضلهم سواء السبيل. يقنع الشيطان الحية القديمة المؤمنين أن النهضة هي اجتماعات انتعاشية ليلية تُعقد في مكان ما ويُدعى لها واعظ شهير قد تكون موهبته هي الوعظ وقد تكون غيرها من المواهب التي يعطيها المسيح بالروح القدس لأولاده من المؤمنين الحقيقيين، ويُدعى لهذه الاجتماعات الجميع من الخطاة والمولودين ثانية، وعادةً ما يصاحب هذا الواعظ أو ذاك نوع خاص من المرنمين الذين يجذبون الكثيرين بموسيقاهم أو ترنيمهم أو كليهما. وقد تصاحب ذلك دعوة عامة مكتوبة توزع على الناس وغالبًا ما يُكتب عليها: “نتشرف بدعوتكم لحضور النهضة التي ستبدأ بمشيئة الرب في تمام السابعة من مساء الجمعة وتستمر لمدة أسبوع وذلك بالمكان الفلاني”، ثم دائمًا ما تُختم بعبارة “تعال مصليًا وادع الآخرين”. ويجئ الناس، ويجيء المرنم ويجيء الخادم؛ المرنم يرنم الترنيمات التي تعجب الناس وتلهب أيديهم بالتصفيق على نغماتها، فمعظمهم قد اختبروا هذا النوع من الموسيقى والنغمات والكلمات سابقًا وعرفوا أنها تشد الناس إليهم وتحفزهم على الترنيم معهم والتصفيق على نغماتها، حتى لو كانت هذه الترانيم تخلو من ذكر اسم الرب يسوع المسيح وتكتفي بذكر اسم الله العلي الجبار ساكن السماء. والخادم لا يتكلم عن الخلاص المجاني بيسوع المسيح وحده، ولا يذكر أن يسوع المسيح هو الطريق الوحيد للسماء وأنه ليس هناك بر آخر سوى بر المسيح يمكن أن يضمن للإنسان الخلود في نعيم أعده القدير للمخلصين، وبالتالي لا تبكيت على خطية، ولا ندم، ولا بكاء ولا حزن على عصياننا للروح القدس، ولا قرع صدر حقيقي ولا رأس منكس إلى أسفل وقلب ولسان يقولان: “اللهم ارحمني أنا الخاطي”، ولا توبة قلبية صادقة، وكتحصيل حاصل، لا تغيير في حياة مَن يدعي أو مَن يظن أنه تائب ونادم على الخطايا تحت تبكيت الروح القدس. مع ذلك، يصدق الجميع أنها نهضة وقد تكون في الحقيقة هي سد النهضة. النهضة الحقيقة هي تبكيت للنفوس وتوبة صادقة من القلب وتمليك السيد الرب يسوع وحده على الحياة والكيان كله والامتلاء اليومي من الروح القدس، والجوع والعطش لكلمة الله وحمل صليبه وتبعيته تمامًا حيثما يمضى.
* حجر غياب الكبير أو المعتبرين أعمدة في الكنيسة الذين يرون رؤى الله بعين مكشوفة ويعلنونها للكنيسة فتقع هيبة إلههم عليهم وعلى الكنيسة فتنصاع لهم بالروح القدس وتغمر النهضة الأرض.
* حجر عدم الجري للشريعة وللشهادة وإحلال ودخول المنطق البشري الجسدي النفسي الشيطاني وغياب المنطق الروحي الإلهي المبني على مبدأ “رأى الروح القدس ونحن”.
* حجر تولي السلطة ورئاسة الطوائف لمن هم ليسوا بالضرورة مَن يكونون من أناس الله القديسين المسوقين من الروح القدس، وبالتالي لم يخترهم الرب بل اختارهم الناس لملء هذه المناصب لمصلحة ما أو لسبب أو آخر.
* حجر غياب مبدأ الانتهار والتأديب الكنسي، وبالتالي سيادة مبدأ مجاملة الخلق على حساب الحق الكتابي، وترك بعض الخدام والقسوس والمرنمين والفضائيات يعيثون في الكنيسة وفي الأرض فسادًا ويحاولون أن يعلِّمونا ويحفزونا لنشر مبدأ زواج الفتاة المسيحية بالمسلم للدلالة على نشر ثقافة التسامح بين الأديان.
* حجر الخوف من السلطات وتهديد المحيطين بالكنيسة وقادتها من تصرفات وردود أفعال البوليس والسلطات إزاء إزالة سد النهضة الذي بناه العدو الشرير لمنع حدوث النهضة الحقيقية في مصر.
* حجر العبث بترجمات الكتاب المقدس وإدخال ما هو ليس بموحى به من الله من تعاليم وألفاظ وقناعات إسلامية متحججين بتبسيط كلمات الله الواردة في الترجمة التي بين أيدينا أمام غير المسيحيين لنربح على كل حال قوم,
ولعل واحدًا من أخطر أنواع الأحجار التي يستخدمها العدو ضد كنيسة الله هو حجر عدم تمييز ما يحدث في الخفاء من استعدادات العدو لسد النهضة الروحية عن مصر والوطن العربي، والاستخفاف بخطط العدو وترتيباته وتصريحاته، وعدم التحرك الفوري بمجرد اكتشافنا الخطر القادم إلينا قبل أن يأتي، هذا ما حدث تمامًا في مسألة بناء سد النهضة الإثيوبي، فالمعروف أنه خلال فترة حكم الإمبراطور هيلا سيلاسي (رجل الدين الأرثوذكسي)، قام مكتب الاستصلاح الأمريكي بين عامي ١٩٥٦ إلى ١٩٦٤ بتحديد نهائي لمكان سد النهضة الإثيوبي على مجرى النيل الأزرق، ولكن بسبب الانقلاب العسكري عام ١٩٧٤ توقف المشروع من سنة ١٩٧٤ وحتى أكتوبر ٢٠٠٩، وكان التسلسل الزمني لعملية بناء سد النهضة الإثيوبي كما يلي:
1956– 1964 تم تحديد الموقع النهائي لسد النهضة الكبير الإثيوبي بواسطة مكتب الولايات المتحدة للاستصلاح States Bureau of Reclamation (إحدى إدارات الخارجية الأمريكية) خلال عملية مسح للنيل الأزرق أجريت بين عامي 1956 و1964 دون الرجوع إلى مصر حسب اتفاقية 1929.
أكتوبر2009- أغسطس2010 : قامت الحكومة الإثيوبية بعملية مسح للموقع.
نوفمبر 2010 : تم الانتهاء من تصميم السد.
31 مارس 2010 : وبعد يوم واحد من الإعلان عن المشروع، تم منح عقد قيمته4.8 مليار دولار دون تقديم عطاءات تنافسية للشركة الإيطالية ساليني.
2 أبريل 2011: وضع رئيس وزراء إثيوبيا السابق ملس زيناوي حجر الأساس للسد وقد تم إنشاء كسَّارة للصخور جنبًا إلى جنب مع مهبط للطائرات الصغيرة للنقل السريع.
15 أبريل 2011: أعاد مجلس الوزراء الإثيوبي تسمية السد بسد النهضة الإثيوبي الكبير حيث كان في البداية يُطلق عليه مشروع إكس وبعد الإعلان عن عقود المشروع سُمي بسد الألفية.
مايو 2010: أعلنت إثيوبيا أنها سوف تتقاسم مخططات السد مع مصر حتى يمكن دراسة مدى تأثير السد على المصب.
مارس 2012: أعلنت الحكومة الإثيوبية عن ترقية لتصميم محطة توليد كهرباء السد، وزيادتها من5250 ميجاوات إلى6000 ميجاوات.
يوليو 2019: التاريخ المقرر فيه أن يتم الانتهاء من المشروع.
15 يوليو 2020 :أعلن وزير الري الإثيوبي عن البدء في ملء سد النهضة رغم عدم التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا مؤكدًا أن صور الأقمار الاصطناعية الأخيرة لسد النهضة كانت صحيحة.
والأسئلة التي ينبغي أن تفرض نفسها علينا كدولة وبالتالي ككنيسة هي: أين كانت الدولة المصرية منذ ١٩٥٦ وحتى اليوم؟ ماذا كان يعمل الضباط الأشرار أصحاب انقلاب ١٩٥٢؟ هل كان يعرف أحدهم أن هناك دولة اسمها إثيوبيا يمكن أن تبني سدًا للنهضة فتكون سبب منع النهضة عن مصر؟ وما الذي قاموا به من خطوات عملية ضد هذا السد؟ هل اكتفوا بالصراخ والشكاوي والتحذير والوعيد والمفاوضات والاحتجاجات بينما العدو يتقدم في تحقيق مخططه الشيطاني الذي وصل إلى حد أن مصر الآن لا يمكنها أن تضرب السد وإلا ستكون الخسارة أكبر وأفدح من أن تتحملها الدول المعنية جميعها؟ أليست هذه هي الأسئلة التي لابد أن توجه أيضًا للكنيسة العامة في مصر؟ أين كنتِ يا كنيسة الله عندما بنى العدو الشرير سدًا للنهضة أمامك في مصر؟ أين كنتِ يوم قام المحتل الإسلامي باحتلال أرضك؟ أين كنتِ يوم أصدر العزبي باشا قراراته العمرية بخصوص بناء الكنائس؟ أين كنتِ يوم بُنيت جامعة الأزهر وقيل لك إن أولادك لا يمكنهم الالتحاق بها كأترابهم المسلمين؟ أين كنتِ عندما كُتبت الدساتير والمعاهدات التي خلت من أي ذكر لكِ؟ أين كنتِ حين قُتل أولادك وشُرد أهلك وخُطفت بناتك القصر؟ أين كنتِ حينما هُدمت مبانيك وسُرقت أوراق امتحانات أبنائك وأُعطيت للفاشلين؟ أين كنتِ عندما قُتل كهنتك وقسوسك وأودعوا في السجون؟ أين كُنتِ عندما حُكم على أبنائك القصر بالسجن لمدة ٥ سنوات لا لشيء إلا لأنهم أدانوا تصرفات جماعة داعش الإجرامية؟ أين كنتِ عندما تعرت أم من أمهاتك، وهي واحدة من بناتك كما يحلو لك أن تطلقي هذه الصفة على نسائك؟ هل اكتفيتِ بالشعارات والكلمات المأثورة؟ هل اكتفيتِ بأن ربنا موجود، أو أن مصر وطن يعيش فينا وليس فقط نعيش فيه، أو أننا نعيش في أزهى عصورنا، أو أنه ليس هناك اضطهاد واقع علينا في مصر؟ هل اكتفيتِ بصياح في جبل المقطم لمدة دقائق وشبابك ورجالك ونساؤك يهتفون: “يسوع يسوع يسوع”؟ هل اكتفيتِ بتصاريح اعتماد بعض كنائسك الموجودة قبل عشرات السنين أو مئات السنين بأمر المسيح؟
ولو كنتِ يا كنيسة استيقظتِ من نومك من قريب أو بعيد لكان لدينا أمل في أن يُزال سد النهضة من أمامك، ولكنا انتظرنا بصبر وبسكوت أن يأتي مشتهى الأمم ويعرف المصريون الرب ويُعرف الرب في أرض مصر. فلقد أدى عدم حراكك واكتراثك واتخاذك لمواقف حازمة مشرفه في الدفاع عن أولادك إلى فقداننا الثقة فيكِ وفي أنفسنا، وحتى فقدان بعضنا الثقة في إلهنا القدير القادر على كل شيء في أنه بإمكانه أن يحمينا ويدافع عنا وهو الفعال لما نريد، وهو الذي نستغفره ونتوب إليه ونحتمي به منه.
أخيرًا، أقول لكل من اهتم ببناء سد النهضة الإثيوبي وتجاهل أو تناسى أو لم يكترث لوجود سد النهضة الروحية في مصر والوطن العربي، أقول: أفيقوا أيها الأحباء، انتبهوا أيها السادة، فسد النهضة الإثيوبي لن يبقى إلى الأبد مهما طال بقاؤه، فالأرض والمصنوعات التي عليها سوف تحترق يومًا بالنار، ولا دخل لسد النهضة الإثيوبي بالمصير الأبدي للبشر. أما سد نهضة الكنيسة فسيؤدي إلى تيهانكم ومعاناتكم وعطشكم في الأرض، فتتسولون من المحسنين ليلقوا لكم بفتات الروحيات والتعاليم الغاشة، وستجدب أرضكم وسينقطع ثمركم وستخلصون في اليوم الأخير كما بنار إذ سيحترق عمل كل واحد منكم، أما إذا اتحدنا معًا في صلوات وأصوام وتكريس لأنفسنا فستُهدم سدود نهضة الشرير وستغمرنا مياه البركة الروحية إلى أن يجئ إلهنا فنقابله على سحاب المجد ونراه عينًا لعين، ونأتيه بأيدي ممتلئة مما أعطانا إياه من ثمار مياه النهضة.
إلهنا نسألك أن تعطنا اليقظة والعيون المفتوحة لنرى سد النهضة الذي بناه العدو الشرير أمام حياتنا وبيوتنا وعائلاتنا وكنائسنا حتى يسد النهضة عن الوصول إلينا.
اللهم اسمع صلواتنا وأعطنا أن نمارس سلطانك الممنوح لنا على تحطيم كل آلة تصور ضدنا وكل سد يمنع وصول كلمتك وروحك إلينا.
اللهم وحد صفوفنا وأصلح شأننا ونق سرائرنا ونفوسنا وعقولنا مما يسد النهضة عن الوصول إلينا، اسمع يا سيد صلاتنا فأنت إلهنا وربنا.