كثر الحديث في هذه الأيام التى نمر بها عن الملامح والصفات والتوقعات لما سيكون عليه العالم والكنيسة في “زمن ما بعد كورونا”. وينقسم الخلق عامة فيما يتعلق بهذا الأمر إلى ثلاثة أقسام:
١- قسم يمكن تسميته بقسم المغيبين وهم المجموعة التى تثق بأن العالم سيظل كما هو وسيستمر فيما هو عليه، فهذا صباح وهذا مساء يومًا ثانيًا ثم يومًا ثالثًا ثم رابعًا وهكذا تسير الأيام حلوها مثل مرها بكورونا أو بغير كورونا، لا فرق كبير في أذهانهم، ما دام هناك خروج ودخول من وإلى البيت، وذهاب إلى الكنيسة بلا تباعد اجتماعي، أو حتى إذا كان هناك تباعد اجتماعي أو حبس منزلي كامل بسبب كورونا وغلق للكنائس والدنيا جميعًا، كل هذه لن تحدث فرقًا كبيرًا أو صغيرًا في حياتهم الفارغة المملة السخيفة التى ينتظرون نهايتها والذهاب بعدها إلى مصائرهم الأبدية المحتومة والتى لا يعلم أغلبهم أين ستكون ولسان حالهم ما دونه الكتاب في القول: “ما كان فهو ما يكون والذي صنع فهو الذي يصنع فليس تحت الشمس جديد، إن وجد شيء يقال عنه انظر. هذا جديد. فهو منذ زمان كان في الدهور التي كانت قبلنا”. “من حين رقد الآباء كل شيء باق هكذا من بدء الخليقة”.
٢- القسم الثاني يصفه الناس بأنه القسم السوداوي المتشائم الذي لا يرى أو يتوقع سوى الأسوأ في كل الأمور والأحداث، وهذا القسم يرى أنه لن يكون هناك ما يعرف بـ “زمن ما بعد كورونا”، فالڤيروس لن يختفي تمامًا وسيطور ويحور من نفسه، وستأتي موجات ثانية وثالثة ورابعة منه في صور وأشكال كثيرة، وبالتالي لن تتغير الأحوال كثيرًا عن ما هي عليه الآن، بل ستزداد سوءًا وتباعدًا وإحباطًا وستؤدي إلى مزيد من المشاكل الأسرية والكنسية والاجتماعية، ومزيد من الشرور والجرائم والجوع والفشل الاقتصادي إلى آخره.
٣- أما القسم الثالث، فيعرفون أنفسهم بأنهم قسم المتفائلين المقبلين على الحياة، فالحياة لديهم جميلة على أي حال، سواء تواجد ڤيروس كورونا أم اختفى، فليس هناك من أمر لا نهاية له، ونهاية أمر خير من بدايته، وأن الڤيروس سيختفي، وما هي إلا أسابيع وستظهر الأمصال واللقاحات وستقضي عليه تمامًا، وسيصبح يومًا ما في خبر كان، وبالتالي فهم يرون أنه بكل تأكيد سيكون هناك ما يعرف ب “زمن ما بعد كورونا”.
وحيث أن الكنيسة هي جزء من العالم الذي نعيش فيه، فتفكير أعضائها والمترددين عليها، سواء من المؤمنين الحقيقيين بالمسيح ربًا ومخلصًا وسيدًا على حياتهم أو أولئك المسيحيين الاسميين، تفكيرهم لا يختلف تمامًا عن تفكير من حولهم من البشر، فالثلاثة أنواع المذكورة سابقًا موجودة بينهم، وسيظل كل من أتباع هذه الأنواع الثلاثة على قناعاتهم الشخصية، فيما يتعلق بهذا الأمر، أي مجموعة من يرون أن لا فرق، سواء أكان هناك “زمن ما بعد كورونا” أم لن يكون، ومجموعة من يرون أنه سيكون هناك بكل تأكيد “زمن ما بعد كورونا” ومجموعة من يرون أنه سوف لا يكون هناك ما سيعرف بـ “زمن ما بعد كورونا”.
والملاحظ أن الغالبية العظمى من الفرق الثلاث السابق ذكرها يبنون آراءهم ومعتقداتهم وبالتالي نمط حياتهم وتصرفاتهم فيما يتعلق بهذا الأمر على التمنيات أو التخمينات أو بعض الحسابات والتحليلات المنطقية، أو ما يسمعونه من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، بالرغم من أن ما تعلنه وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي متغير متضارب ومتضاد بعدد ساعات النهار. أما بالنسبة لأرباب الكنائس والمترددين عليها، فالغالبية العظمى منهم عادة ما يبنون آراءهم على تعاليم روحانية غيبية، أو افتراضات عقلية منطقية، أو اختبارات روحية شخصية أو آيات كتابية، كالآيات “لا يدع رجلك تزل.لا ينعس حافظك. إنه لا ينعس ولا ينام حافظ إسرائيل. الرب حافظك. الرب ظل لك عن يدك اليمنى. لا تضربك الشمس في النهار ولا القمر في الليل. الرب يحفظك. من كل شر يحفظ نفسك. الرب يحفظ خروجك ودخولك من الآن وإلى الدهر” أو “الساكن في ستر العلي في ظل القدير يبيت” أو “إذا اجتزت في المياه فأنا معك وفي الأنهار فلا تغمرك. إذا مشيت في النار فلا تلذع واللهيب لا يحرقك”. تلك الآيات التى ما قيلت لمثل حالة كورونا هذه التى نحن بصددها، ولا علاقة لها بما يحدث في عالم الطب والأوبئة أو حتى ما يحدث في عالم الروح أو الكنيسة الآن.
القليلون جدًا جدًا إلى جانب كل المجموعات السابق ذكرها هم الذين يبنون آراءهم وتوقعاتهم على حقائق كتابية إلهية راسخة وآيات وتعاليم سماوية منزلة ومدونه خصيصًا لمثل هذه الأوقات والمتضمنه في الكلمة النبوية الإلهية التى هي أثبت.
فلا التمنيات ولا التخمينات ولا المنطق البشرى المبني على قناعات عقلية أو حتى إثباتات ملموسة منظورة بعيوننا يمكن أن تحدد لنا بالتدقيق ماذا سيكون عليه ”زمن ما بعد كورونا“، فالأمر ليس متروكًا لا للتمنيات ولا للتخمينات أو الحسابات المنطقية حتى نعرف به الغيب، نعم قد تساعد كلها على محاولة التخمين ومحاولة اكتشاف ما يمكن أن يحدث في المستقبل، لكن حساباتنا وتخميناتنا وتمنياتنا كبشر قد تكون أيضًا سببًا أساسيًا خطيرًا، ومدمرًا لنفوسنا وأعصابنا وبيوتنا، وسببًا في إبعادنا عن معرفة حقيقة ما يحدث لنا أو حولنا سواء في الحاضر أو المستقبل.
وأنا أتساءل: لماذا التمنيات والحسابات والتخمينات ولدينا إله في السموات بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديمًا كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه يسوع المسيح الذي أعلمنا بكل شيء، ولدينا الروح القدس الذي يعلمنا ويرشدنا ويقودنا إلى آخره، من خلال الكلمة النبوية وهي الأثبت والتى نفعل حسنًا إن انتبهنا إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم؟، وبناء عليه فلابد ولا مفر من الرجوع إلى كتاب الله الوحيد الكتاب المقدس لنرى بما لا يدع مجالاً للشك ماذا قاله عن ما يمكن أن يحدث للكنيسة في “زمن ما بعد كورونا”، أي زمن ما بعد الأوبئة والحروب والكوارث على اختلافها.
ولرب سائل يسأل: وهل ذكر الكتاب المقدس شيئًا يشير من قريب أو بعيد عن ڤيرس كورونا؟، وإذا ما كان سينحسر ويمضى إلى حال سبيله ويرحم العباد من غدره وفتكه بالضعفاء منا، أم سيبقى إلى الأبد؟، وكيف سيكون حال الكنيسة بعد أن ينحسر ويمضى من عالمنا إن كان سينحسر ويمضى قريبًا أو بعيدًا؟
والإجابة البسيطة المباشرة لهذا السؤال، لا لم يذكر الكتاب المقدس لفظة كورونا أو ڤيروس كورونا بحصر اللفظ على الإطلاق، لكنه ذكر لنا كلمة وبأ أو وباء أو أوبئة أكثر من ٥٢ مرة في العهدين القديم والجديد، وذكر الكثير والكثير جدًا عن الأوبئة بوجه عام، وبعض أسباب حدوثها، وأن منها ما يرسله هو، سبحانه جلت وعلت حكمته عن الفحص والاستقصاء، على البشر نتيجة لشرورهم وفجورهم وبُعدهم عنه، وعدم الامتثال لأوامره التى وضعها – تبارك اسمه – حماية للبشر من الأوبئة والأمراض، وحذرهم منها وأعطاهم الطريقة الصحيحة الأكيدة في التعامل معها والتغلب عليها، إذا ما تواضعوا وصلوا وطلبوا وجهه ورجعوا عن طرقهم الردية.
ولقد ذكر الكتاب المقدس عدة أسباب تؤدي إلى إصابة الناس بالڤيروسات والأمراض وعوامل الاضمحلال، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
١- أول هذه الأسباب هي خطية الإنسان وعصيانه لأوامر ربه الذي أوصاه بها، لا إرضاءً لذاته تعالى، بل لصالح الإنسان وحمايته وسعادته، ذكر كتاب الله الكتاب المقدس “أنه بإنسان واحد، (والمقصود هنا هو آدم أول خليقة الله) دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطا الجميع”، وبكل تأكيد إنه من مسببات هذا الموت الڤيروسات والبكتيريا الضارة والجراثيم وغيرها.
٢- سبب آخر يجعل الله سبحانه يسمح للوباء بضرب البشر هو عناد وإصرار رؤسائهم وملوكهم وحكامهم على إيذاء شعبه – تبارك اسمه – واستعبادهم دون أن يخافوه جل شأنه وكأنهم هم الحاكمون بأمرهم وليس بأمره، تبارك اسمه، ودون أن يعرفوا أو يعترفوا أن لله وحده حق التعامل مع شعبه وتقرير مصيرهم ومسيرهم وليس لآخر سواه، فلقد قال موسى النبي ما أرسله به الله لفرعون ملك مصر، محذراً إياه قائلاً، يقول يهوه: “فإنه الآن لو كنت أمد يدي وأضربك وشعبك بِالوبأ لكنت تباد من الأرض”.
٣- سبب ثالث عندما يكسر قادة شعبه – تبارك اسمه – من الرؤساء والسلاطين والملوك أو حتى من رؤساء الطوائف والمذاهب والقسوس والوعاظ والمرنمين والقادة الروحيين والمسؤلين عن شعبه، عندما يكسرون شريعته – تبارك اسمه – التى وضعها أيضًا لحمايتهم وسلامتهم، فيضطر (إن جاز التعبير) أن يصيبهم بالوبأ، فيموت منهم الكثير جسديًا وروحيًا ونفسيًا، كما عمل مع شعبه القديم حين عد داود الملك والنبي والمرنم الحلو، الرجل الذي هو حسب قلب الرب، عد الشعب دون أمر مباشر منه سبحانه، وتعدى داود وصيته تعالى ولم يفدِ كل ذكر ابن عشرين سنة فما فوق بفضة الفداء حسب الشريعة، لذا يقول الوحي المنزل من العلي سبحانه: “ولما قام داود صباحًا كان كلام الرب إلى جاد النبي رائي داود قائلاً، اذهب وقل لداود هكذا قال الرب: ثلاثة أنا عارض عليك فاختر لنفسك واحدًا منها فأفعله بك. فأتى جاد إلى داود وأخبره وقال له: أتأتي عليك سبع سني جوع في أرضك أم تهرب ثلاثة أشهر أمام أعدائك وهم يتبعونك أم يكون ثلاثة أيام وبأ في أرضك. فالآن اعرف وانظر ماذا أرد جوابًا على مرسلي. فقال داود لجاد: قد ضاق بي الأمر جدًا. فلنسقط في يد الرب لأن مراحمه كثيرة ولا أسقط في يد إنسان. فجعل الرب وبأ في إسرائيل من الصباح إلى الميعاد، فمات من الشعب من دان إلى بئر سبع سبعون ألف رجل”.
٤- سبب رابع هو نسيان الله من الناس وخاصة شعبه والتصرف بين الناس وكأن لا فرق بينهم وبين الآخرين الذين يعبدون البعل والأصنام والآلهة الغريبة التى اخترعوها لأنفسهم وكتبوا لها كتب دينية يقرأونها ويطيعونها ويفسرونها بما يتوافق مع أمزجتهم واحتياجاتهم وتصورات قلوبهم الشريرة وفي هذه النوعية من الناس قال عنها كتاب الكتب “ولكن إن لم تسمع لصوت الرب إلهك لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه وفرائضه التي أنا أوصيك بها اليوم تأتي عليك جميع هذه اللعنات… يلصق بك الرب الوبأ حتى يبيدك عن الأرض التي أنت داخل إليها لكي تمتلكها”.
٥- ولقد أنبأ سيد الأرض والسماء حين كان بجسده على الأرض بأنه في آخر الأيام، ونتيجة طبيعية لشر الناس وإثمهم، بكل ما يحدث اليوم من حروب ومجاعات وأوبئة وزلازل في قوله: “لأنه تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن”.
ولقد عصت هذه الحقائق البسيطة على الكثير من القسوس والقادة والمشيرين والكثير من مقدمي البرامج المسيحية التليفزيونية فحاولوا، ولا زالوا يحاولون، بكل طاقاتهم أن يدافعوا عن الله، ومنهم من قام مُخْلِصًا بعمل حلقة خاصة كاملة من برنامجه التليفزيوني الإسبوعي للدفاع عن الله وقد أعطى الحلقة عنوانًا كان بالنسبة لي عنوانًا خطأ ليس في مكانه، صادمًا ومستفذًا، حيث كان البرنامج بعنوان: “الدفاع عن الله” وكأنه سبحانه والعياذ به منه، متهم بأنه هو من جلب الڤيروس على البشر لا لشر عملوه ولا لمحاولاتهم المستمرة لتصنيع مثل هذه الڤيروسات وتطويرها والتلاعب بالمادة المعروفة في تكوين الخلية وضبط صفاتها والمسماة ”دي إن أيه“ لنشر الفساد وإخضاع الشعوب لأچنداتهم الخاصة، وكأنه سبحانه يسعى لينتقم من خلائقه على الأرض دون خطأ من جانبهم أو فعل عملوه فأدى بنا جميعًا لما نحن عليه اليوم في زمن الكورونا، وهكذا صور صاحب البرنامج المولى – تبارك اسمه – وكأن لا دخل له في نشاط وغدر هذا الڤيروس وأمثاله ضد خلائقه، وأصر على أن الله لا يرسل وبأ أو مرضًا أو سيفًا على شعبه والسبب الأساسي لهذا، على حد قوله، أن الرب صالح، وكأن الله ستنتفي عنه صفة الصلاح إن هو أرسل وبأ على شعبه، نعم، كلنا متفقون أن الله محبة، وأن الرب صالح لا يرسل وبأ أو مرضًا على شعبه لمجرد إيذائهم، أو التسلي بآلامهم وعذابهم، أو لعدم اهتمامه بهم، أو حتى ليرجعهم إليه عن ضلالهم، أو لعقابهم إن هم أخطأوا وابتعدوا عنه، تبارك اسمه، لكن الحقيقة الغائبة عن أذهان الغالبية العظمى من المؤمنين هي أن الله لكونه صالحًا، وليس فقط صالحًا بل ومحبة، ورحيمًا، وطويل الروح، وكثير الرحمة، إلا أنه هو أيضًا قاض عادل، لذا وضع في عدله وقضائه قوانين وأوامر ووصايا تحكم حياة البشر والمؤمنين به، تبارك اسمه، مكتوبة منذ الأزل على ضمائرنا، وفي كتابنا السماوي المقدس والمنزه عن كل باطل، الهدف منها جميعها هو خير الإنسان وسعادته، وصونًا له وحماية لحياته من كل ضرر يمكن أن يلحق به، لكي يستطيع الإنسان أن يحيا في سلام مع الله، وسلام مع نفسه، وسلام مع قريبه وجاره، ولذا قال سبحانه لشعبه في القديم والجديد محذرًا ”إذا سلكتم في فرائضي وحفظتم وصاياي وعملتم بها، أعطي مطركم في حينه وتعطي الأرض غلتها وتعطي أشجار الحقل أثمارها. ويلحق دراسكم بالقطاف ويلحق القطاف بالزرع فتأكلون خبزكم للشبع وتسكنون في أرضكم أمنين. وأجعل سلامًا في الأرض فتنامون وليس من يزعجكم. وأبيد الوحوش الرديئة من الأرض ولا يعبر سيف في أرضكم. وتطردون أعداءكم فيسقطون أمامكم بالسيف. يطرد خمسة منكم مئة ومئة منكم يطردون ربوة ويسقط أعداؤكم أمامكم بالسيف. وألتفت إليكم وأثمركم وأكثركم وأفي ميثاقي معكم. فتأكلون العتيق المعتق وتخرجون العتيق من وجه الجديد. وأجعل مسكني في وسطكم ولا ترذلكم نفسي. وأسير بينكم وأكون لكم إلهًا وأنتم تكونون لي شعبًا. أنا الرب إلهكم الذي أخرجكم من أرض مصر من كونكم لهم عبيدًا وقطع قيود نيركم وسيركم قيامًا، لكن إن لم تسمعوا لي ولم تعملوا كل هذه الوصايا وإن رفضتم فرائضي وكرهت أنفسكم أحكامي فما عملتم كل وصاياي بل نكثتم ميثاقي فإني أعمل هذه بكم. أسلط عليكم رعبًا وسلاً وحمى تفني العينين وتتلف النفس وتزرعون باطلاً زرعكم فيأكله أعداؤكم. وأجعل وجهي ضدكم فتنهزمون أمام أعدائكم ويتسلط عليكم مبغضوكم وتهربون وليس من يطردكم وإن كنتم مع ذلك لا تسمعون لي أزيد على تأديبكم سبعة أضعاف حسب خطاياكم. فأحطم فخار عزكم وأصير سماءكم كالحديد وأرضكم كالنحاس. فتفرغ باطلاً قوتكم وأرضكم لا تعطي غلتها وأشجار الأرض لا تعطي أثمارها وإن سلكتم معي بالخلاف ولم تشاءوا أن تسمعوا لي أزيد عليكم ضربات سبعة أضعاف حسب خطاياكم. أطلق عليكم وحوش البرية فتعدمكم الأولاد وتقرض بهائمكم وتقللكم فتوحش طرقكم وإن لم تتادبوا مني بذلك بل سلكتم معي بالخلاف فإني أنا أسلك معكم بالخلاف وأضربكم سبعة أضعاف حسب خطاياكم. أجلب عليكم سيفًا ينتقم نقمة الميثاق فتجتمعون إلى مدنكم وأرسل في وسطكم الوبأ فتدفعون بيد العدو.
أما لماذا لم يذكر الوحي في كتاب الله الوحيد، الكتاب المقدس ڤيرس كورونا المستجد بالذات، فلأن الكتاب المقدس وفكر الله من ناحية الأوبئة والأمراض لهو أوسع وأعم وأشمل من الحديث عن مجرد نوع واحد من عائلة كورونا الڤيروسية، فالكتاب المقدس ليس كتابًا متخصصًا في علم الأمراض، حتى يذكر كل مرض على حدة وطريقة مقاومته والتغلب عليه، ومع ذلك فهو يتضمن الحكمة المطلقة التى تحكم الأطباء وترشدهم للتشخيص والعلاج الصحيح لكل ما يعترض البشرية من أوبئة إن هم طلبوا مشيئته وحكمته في علاج الأمور.
لقد قررت في هذا المقال أن أجعل ڤيرس كورونا يقول لي رأيه فيما إذا كان سيكون هناك ”زمن ما بعد كورونا“ أم لا، لذا قررت أن أستكمل حديثي الذي بدأته في مقال سابق لي بعنوان “حديث مع ڤيروس كورونا”. وسأقارن بين ما سيقوله لي وبين ما هو مدون في كتاب الله الوحيد عن هذا الأمر.
توجهت للڤيروس مباشرة بالسؤال: ماذا تظن أنه سيتم في “زمن ما بعد كورونا”، وبعد أن يتم فتح الكنائس ورجوع المسيحيين إلى كنائسهم: أجابني كورونا هذان سؤالان وليس سؤال واحد، قلت قسمهما كما تريد لكن أجبني عليهما، قال الڤيروس السؤال الأول: ماذا سيتم في “زمن ما بعد كورنا”، والسؤال الثاني: ماذا سيحدث مع المسيحيين بعد أن يتم فتح الكنائس ورجوع الناس إلى كنائسهم. قلت حسنًا: ما هى إجابتك على السؤال الأول؟، قال الڤيروس من قال لكم إنه سيكون هناك زمن ما يعرف بـ “زمن ما بعد كورونا”، قلت: هل معنى ذلك أنك تريد أن تقول لي إن العالم سينتهي بانتهائك أيها الڤيروس؟، أجابني، لا لست أعلم متى ستكون نهاية العالم ولا أنتم تعلمون، لكن ما أردت أن أقوله لك إنه ليس هناك نهاية وانحسار واختفاء كامل لي إلى نهاية العالم، أنا فيروس كورونا، فنحن مجموعة ڤيروسات ولسنا ڤيروسًا واحدًا، ونحن دائمو التحور والتطور والظهور بصورة أو أخرى إلى أن يأذن ربك ذو الجلال والإكرام أن تحترق الأرض وما عليها بالنار، وعندئذ لن يكون هناك زمن “ما بعد كورونا” ولن يكون هناك ڤيروسات أو حتى بشر، وعندها سترجع الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة، كما كانت في القديم قبل أن يقول القادر على كل شئ ليكن نور فكان نور. ويبقى الأمر يومئذ لله القدير أن يعيد دورة الأرض، سواء بأن يخلق غيرها أم لا، فهذا ليس من اختصاصنا ولا يعلمه إلا هو وحده العليم بكل شئ، سبحانه.
قلت ماذا تظن في نفسك أيها الڤيروس؟، هل تظن أنك نبي من الله مرسل لأرضنا لتخبرنا بما لابد أن يكون، أم بأنك قادر على علم الغيب والمستقبلات؟ قال كورونا، أنا لست نبيًا من الله ولا ابن نبي، ولا عالم بالغيب، ولا يحتاج الأمر إلى نبي من الله كان أم من الشيطان ولا بعالم للغيب، قلت فمن أين جئت بإجابتك على سؤالي متى تكون نهايتك ومتى تكون نهاية الزمان؟
أجاب كورونا، إجابتي على متى تكون نهايتنا كڤيروسات كورونا، فقد جئت بها من كتب العلم والمعامل والمختبرات والتجارب العلمية وخبرات العلماء التي عايشتها منذ قرون عديدة، والدليل على ذلك أننا موجودون كڤيروسات منذ خلقنا في القديم وحتى اليوم، ولم يحدث أنه في وقت من الأوقات، منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا، إن استطاع العلماء أو العلم، حتى بصورته الحالية من تقدم في المعرفة والأجهزة والعقاقير والخبرات العلمية، أن يقضي على أي منا تمامًا. قلت لكنك تعلم أن هناك العديد من المعامل الطبية والمراكز العلمية والدول الغنية تتسابق في إنتاج الأمصال واللقاحات والأدوية وعن قريب جدًا ستنتج هذه المعامل والمراكز والشركات ما سيقضي عليكم ويخلصنا من شركم، بل إن بعض الدول قد أعلنت بالفعل عن إنتاجاتها من المضادات القاضيات عليكم. أجابني كورونا منذ أن رقد الآباء آدم وحواء والخليقة تتمنى اختراع علاج أو لقاح وخلافه يقضي علينا جميعًا ولكن هيهات!، قلت إذًا ما فائدة الأبحاث العلمية ومحاولة إيجاد اللقاح المضاد لكم، قال إن فوائده متعددة، فقد تقلل من سرعة انتشارنا، أو من تقصير لمدة وجودنا في جسم الإنسان أو الإضعاف من قوة تأثيرنا على الجسم البشري وغيرها لكنها لم ولن تتمكن من القضاء علينا بالكامل كما تعتقدون أنتم أيها البشر. وبالتالي لن يكون هناك ما تسمونه “زمن ما بعد كورونا”. قلت: إن كان كلامك هذا صحيحًا وأنه لا وسيلة للتخلص منك أيها الكورونا، فهل ستظل كل أماكن العبادة وغيرها مغلقًا للأبد، أجابني لا، فهناك وقت لابد أن تفتح فيه الكنائس أبوابها وستستقبل المصلين بها وخاصة إذا تمكن البشر من إنتاج ما يستطيع ان يحد من انتشارنا بين الناس.
عند هذا الحد، قلت لن أجعل هذا الڤيروس يجيبني على سؤال الثاني وهو: ماذا سيكون عليه حال الكنيسة في “زمن ما بعد كورونا” حيث من الواضح إنه لن يكون هناك ما سيعرف بـ “زمن ما بعد كورونا”، بل سأسأل نفسي ما تراه يمكن أن تكون عليه حال الكنيسة العامة بعد أن تفتح مبانيها لاستقبال المصلين بها.
وكعادتي حين محاولة الإجابة على أي سؤال يتعلق بأمر يحدث مع الناس عامة وشعب الله خاصة، أذهب إلى كتاب الكتب لأرى ماذا كانت ردود أفعال البشر وخاصة شعب الله في القديم والجديد عند تعرضهم لنفس ذات الأمر كجائحة أو وبأ مثل ما نمر به في العالم أجمع في هذه الأيام. ومنه أستطيع أن أرى بناء على ما دونه الوحي ما سيحدث معنا نحن أيضًا.
يقول المولى – تبارك اسمه – لشعبه في القديم على فم نبيه عاموس: “أرسلت بينكم وبأ على طريقة مصر. قتلت بالسيف فتيانكم مع سبي خيلكم وأصعدت نتن محالكم حتى إلى أنوفكم، فلم ترجعوا إليّ يقول الرب”.
ولعل سفر القضاة لخير دليل على عدم مبالاة الناس حتى بالحروب وبالكوارث الطبيعية أو المرضية كاجتياح ڤيروس كورونا للعالم أجمع وقتل الملايين من البشر. فشهد عنهم الوحي قائلاً: ”وعند موت القاضي كانوا يرجعون ويفسدون أكثر من آبائهم بالذهاب وراء آلهة أخرى ليعبدوها ويسجدوا لها. لم يكفوا عن أفعالهم وطريقهم الرديئة”. وذكر سفر القضاة عن بني إسرائيل، شعب الله في القديم بعد كل عقاب لهم:
”وعاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب، فشدد الرب عجلون ملك موآب على إسرائيل لأنهم عملوا الشر في عيني الرب“.
”وعاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب بعد موت إهود“.
”وعاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب وعبدوا البعليم والعشتاروث وآلهة آرام وآلهة صيدون وآلهة موآب وآلهة بني عمون وآلهة الفلسطينيين وتركوا الرب ولم يعبدوه”. وبناء على ما تقدم أرى أن هذا ما سيحدث مع الكنيسة وخاصة في مصر وكنائس المصريين في كل العالم، سيرجع الناس إلى الكنائس منفعلين ومتأثرين وبعضهم باكين على الزمن الذي ضاع منهم دون إمكانية لحضور الكنائس وسيظل هذا الانفعال ربما لأسابيع قليلة، وسيحاول بعض الوعاظ أن يقرعوا ويلوموا أعضاءهم على ما كانت عليه حالتهم في زمن ما قبل كورونا، وعلى عدم الاهتمام بالكنيسة ودفعهم العشور ووقوفهم بجانب الكنيسة في زمن غلق الكنائس، وسيستمر المغيبون في تغييبهم وروحنتهم للأمور، ثم بعدها سينسى الجميع الأمر كله، وكأن شيئًا لم يكن، وكأن الكنائس لم تغلق وكأن الناس لم تغب عن التلامس مع بعضها البعض، وستبدأ المشاكل الكنسية التى توقف أصحابها عن بثها خلال فترة غلق الكنائس في الظهور مرة أخرى، وسيحاول البعض الآخر شحن أعضاء كنيسته بأن مجد البيت الأخير سيكون أعظم من مجد البيت الأول وأن ”زمن ما بعد كورونا“ سيكون أمجد من زمن ما قبلها، وستنتشر الكثير من الهرطقات التى بدأ أصحابها بالحديث عنها في زمن الكورونا، وغيرها الكثير من التعاليم الكتابية وغير الكتابية والأساليب الإلهية وغير الإلهية في إيقاظ الكنسيين أو حتى المؤمنين من غفلاتهم وسكونهم الذي أصابهم في زمن كورونا وزمن ما قبل كورونا.
والحقيقة إن المؤشر الأساسي لما سيكون عليه الفرد بالنسبة لعلاقته بالكنيسة في زمن فتح الكنائس بعد كورونا ستحدده ما كان عليه الفرد في زمن كورونا، فالطريقة التى صرفت بها الوقت في زمن الكورونا هي التى ستحدد ماذا ستعمل في وقتك بعد الكورونا، والطريقة التى قيمت بها ما تملك من مال ولو قليل وكيفية صرفك لمالك سيحدد علاقتك بالمال في زمن ما بعد الكورونا، ومواظبتك على دفع عشورك وعطاياك وهباتك لعمل الرب وقت الكورونا هو الذي سيحدد عطاءك في زمن ما بعد الكورونا، فإن لم تكن قد أعطيت من إعوازك وحرصت على أن تقدم للرب عشورك حتى لو ندر دخلك من المال وقتها، لن تحرص في زمن ما بعد كورونا على دفع عشورك وعطاياك وتقدماتك، فكلها لابد أن نعطى من إعوازنا وليس فقط من وفرة ما لدينا.
إن لم يكن الكتاب المقدس رفيقك وصديقك وكلمة الرب هي قوتك في زمن الكورونا، حيث كان لديك الوقت والراحة لقراءة حتى الكتاب كله، فلن تستطيع أن تستمتع به في زمن ما بعد الكورونا.
إن لم تكن مقدرًا لأهمية وقيمة حضور الكنيسة الغالية في حياتك وأهمية لقائك مع الإخوة والأخوات في كنيستك المحلية، فلن تسعى للقائهم ولن تعلو قيمتهم في نظرك وحياتك في “زمن مابعد الكورونا”. إذا لم تستطع أن تتمتع بوجودك مع عائلتك وأولادك وشريك حياتك وتجمعهم كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها في زمن الحظر ولديك من الوقت الكثير، فلن تتمكن من ذلك في “زمن ما بعد كورونا”.
سيظهر قريبًا أعمال الكتاب والمحللين والمؤلفين للقصص والكتب عن التصوف والصوفية بأكثر تفصيل وستظهر أعمالهم عن المعبد والعبادة والعابد والمعبود، وسيزداد خلط التبن مع الحنطة وستعطى شهادات الدكتوراه للذين سيحاولون إثبات أن المسيح كان في علاقة عاطفية مع مريم المجدلية أو علاقة مثلية مع يوحنا الحبيب، كما حدث ويحدث الآن في أمريكا، فمن الواضح أن كثيرًا من الحاصلين على الدراسات اللاهوتية من كليات لاهوت ليبرالية مصرية لابد أن يسيروا دون وعي على درب أمثالهم من نفس الكليات الأمريكية.
وستزداد نسبة حالات الطلاق سواء أكان طلاقًا حرفيًا منظورًا للجميع بانفصال الزوج عن الزوجة في المحكمة أم طلاقًا معنويًا خفيًا مستترًا عن أعين الآخرين والمحيطين بهم، لا يعلم به سوى الزوج والزوجة فقط مع استمرار تمثيلية العيش معًا في هناء وحب ووئام أمام الناس، والله على عبيده ستار، فالكثيرون ينتظرون زمن ما بعد الكورونا لينتقموا جهارًا من الطرف الآخر الذي سمحت لهم الأقدار رغمًا عن أنوفهم أن يحبسوا معه ومع أولاده في المنزل لأيام وأسابيع حتى يشاء القدر لتحريرهم من سجنهم، وآخرون اتخذوا قرار الانفصال المعنوي لبقية أعمارهم على الأرض طالت أم قصرت. وفي كل الأحوال وعلى أحسن تقدير سيقل الاهتمام بالعلاقة الحميمة بين الزوج والزوجة، فالحالة النفسية المتوترة، والأعصاب المشدودة، والأخبار المحبطة المتضاربة، والبحث عن المجهول في علاقات زوجية روتينية وخاصة إذا كانت علاقات مريضة قبل عزل كورونا، والتباعد الاجتماعي الذي يمارسه بعض الأزواج حتى على السرير الواحد خوفًا من أن يكون الطرف الآخر قد أصيب بالكورونا من خارج المنزل بطريقة أو أخرى سيقلل من محبة واهتمام كل طرف بالآخر وسيتأكد كل منهما أن بإمكانه أن يعيش دون هذه العلاقة الحميمية، لم لا وقد عاشها شهور التباعد الاجتماعي!، وستحل المرأة اللعوب التى تنتظر الزوج على مواقع الإنترنت الإباحية محل الزوجة التى ما عادت تهتم باحتياجات زوجها، أضف إلى ذلك كله قلة الدخل المادي الذي تعرضت له الغالبية العظمى من الأسر وخاصة الفقيرة منها والتى تعتمد في دخلها على القوت اليومي لعائلها. لقد أدى العزل الإجباري للناس داخل منازلهم إلى زيادة الأعمال الشريرة وزيادة في عدد المجرمين في كافة المجالات، وزيادة نسبة الانتحار وزيادة كبيرة في مرضى الأمراض النفسية والعقلية مع زيادة نسبة متعاطي المخدرات والمسكنات والأدوية المنومة والمغيبة للوعي ولن تكون الكنائس أحسن حالاً من غيرها، فسيزداد التدين والرياء والمحبة بالكلام لا بالعمل والحق، فلكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين، وسيتعود الناس على الغياب من الكنيسة والتباعد عن الاجتماع وتخدير الضمائر بمشاهدة الخدمات على الفضائيات ووسائل الاتصال الاجتماعي، غير عالمين أنه ليس هناك ما يعوض عن شركة المؤمنين والتواجد معًا في مكان العبادة، كما سيكثر التباعد عن القسوس والخدام الذين سيظهر معدن معظمهم في مثل هذه الأحوال سواء أكان خشبًا أم عشبًا أم قشًا أو كان فضة أو ذهبًا أو حجارة كريمة، فعمل وشخصية وقوة احتمال ودعوة كل منهم لاحتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح ستُمتحن بالنار.
وفي وسط كل هذا ستظهر جماعة البقية التقية التى لم تحن ركبة لبعل سواء قبل زمن كورونا أو أثنائه أو ما بعد زمن كورونا. وسيزداد أعداد البقية التقية ولمعانهم ومحبتهم بعضهم لبعض وسينضم إليهم الذين أيقظتهم عزلة زمن كورونا وعرفوا نعمة الله المتفاضلة بأن يجعلنا خدام عهد جديد على غير استحقاق فينا، ونعمة التواجد وسط عائلة الرب المكونة من الأخوات والإخوة القديسين في المسيح يسوع ونعمة الحصول على الوقت الذي قضيناه في البيت، ونعمة وجود العائلة المحروم منها كثيرون وغيرها وغيرها وغيرها.
وبالإجمال كما قال لنا يوحنا الرائي بالروح القدس في نهاية سفر الرؤيا بعد أن دون ما كان وما هو كائن وما هو عتيد أن يكون، كتب: “من يظلم فليظلم بعد. ومن هو نجس فليتنجس بعد. ومن هو بار فليتبرر بعد. ومن هو مقدس فليتقدس بعد”. فاستفد بما أنت فيه، فليس هناك في رأيي ما يسمى بـ “زمن ما بعد كورونا”.