روح رابعة العدوية الصوفية

62

العدد 164 الصادر في مايو 2019

روح رابعة العدوية الصوفية

    كتبت أكثر من مرة، في أكثر من مقال سابق، وقلت في أكثر من حديث إذاعي أو تليفزيوني، وفي عظاتي الكثيرة، إننا نعيش في عالم روحى له تأثير مباشر على كل ما نفكر به أو نقوله أو نعمله أو حتى نلمسه. هذا العالم الروحي الذي نعيش فيه يتكون، إن جاز التعبير، من خالق وثلاثة مكونات أو مخلوقات روحية عاقلة وهم: الإنسان، والملائكة، والشياطين، أما الخالق فهو الله السرمدي سبحانه، أصل الوجود، من لا مثيل له ولا يقارن بأحد من خلائقه أو ما صنعت يداه، فكما هو مدون في كتاب الله، الكتاب المقدس، إنه، تبارك اسمه، روح، حيث قال عن نفسه في كتابه الكريم، الإنجيل، “الله روح والذين يسجدون لله فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا”.

    وهكذا هو الحال مع الإنسان فهو روح تسكن في جسد ترابي، والملائكة الأخيار هم أرواح، والملائكة الساقطة الأشرار وزعيمهم الشيطان هم أيضًا ارواح. هذه الأربعة هي كل ما نعرفه عن المكونات الروحية لعالمنا المادي الذي نعيش فيه، لذا فنحن نعيش بعالم روحي بحت، وما المادة والمنظور والملموس الذي نراه ونلمسه، وكل ما بالكون المعروف لدينا، ما هو إلا صنعة واحد أو أكثر من هذه الأربعة، مجتمعة أو متفرقة.

    وفي اعتقادي الخاص أن من بين الأرواح الساقطة هناك روح شيطاني خبيث شرير يعمل الآن كالسرطان الخفي المدمر في كنيسة الله الناطقة بالعربية، وفي الكثير من أعضائها وخدامها ومرنميها، فكما يبدأ السرطان الخفي في بدايته كورم خبيث صغير دون ألم أو أعراض تدل على وجوده بالجسم، ثم لا يلبث أن يكبر وينتشر ويظهر أنه يأكل في الجسد السليم حتى يستأصل هكذا هو الحال مع هذا الروح الشرير.

    وحيث أن الكتاب المقدس أطلق بعض أسماء البشر على الأرواح العاملة بهم أو من خلالهم، كاسم “روح إيزابل” ليصف الروح الشرير الذي كان يعمل في، ومن خلال، الملكة الشريرة إيزابل وزوجها الشرير أخآب، الذي طالما وصفه الكتاب المقدس بالرجل الذي أخطأ وجعل إسرائيل يخطئ. وكذلك الحال مع “روح إيليا” نبي الله الناري في القديم، أو “روح ضد المسيح” الذي وصفه يوحنا الحبيب بالتفصيل في رسالته الأولى التى كتبها للكنائس، لذا سأشير أنا، في هذا المقال، إلى ذلك الروح الشرير، الذي يعمل في الكنيسة هذه الأيام، باسم “روح رابعة العدوية الصوفية”.

    وعليه فإنه بالضرورة بما كان أن يدرس القادة والقسوس والخدام والمسؤلون الرسميون والروحيون صفات هذا الروح وطرق تلونه بألوان وأشكال مختلفة حتى يتمكن من السيطرة عليهم وجرهم إلى ما هو غير كتابي، بل وفي بعض الأوقات شيطاني، ولعل أهم صفات هذا الروح الشرير “روح رابعة العدوية الصوفية” الواجب دراستها، وما يجب التنبيه إليه والتركيز عليه، فيما يتعلق بخطورة التعامل مع هذا الروح هو:

    1- روح رابعة العدوية هو روح الخلط بين التبن مع الحنطة، “الروحي السماوي” و”الروحي الأرضي”، أما “الروحي السماوي” فهو كل ما هو من فوق، النابع من عند أبي الأنوار، الذي لا يعتريه تغيير ولا ظل دوران، والمتجه إلينا من السماء إلى الأرض، من محبة غامرة، ونعمة متفاضلة، وطريق مباشر مفتوح ومكرس لنا من إلهنا القدوس إلى محضره تعالى في الأقداس، ذلك الطريق الذي ينبغي علينا كأولاد لله أن نتقدم فيه بثقة إلى عرش النعمة، فننال رحمة ونجد نعمة عونًا في حينه، دون حجاب يفصل بيننا وبينه سبحانه وتنازل إلينا، فقد شق القدير- تبارك اسمه – الحجاب الذي كان يفصل بينه وبين الإنسان فعليًا، ليس في هيكل سليمان فحسب، بل في عرش الله نفسه – تبارك اسمه – في السماء في نفس لحظة شقه للحجاب في هيكل سليمان الأرضي عندما نكس المسيح يسوع – تبارك اسمه – رأسه على الصليب، قائلاً: “قد أكمل”، شق الله الحجاب الحاجز بين الإنسان والله كلي الوجود من أعلى إلى أسفل، فأصبح لقاؤنا معه اليوم – تبارك اسمه – متاحًا لنا كلما أردنا اللقاء، لنختبر رؤية إله المجد مباشرة بعيون إيماننا، فنفرح بفرح لا ينطق به ومجيد، هذا كله، هو ما وصفته في مقالي هذا “الروحي السماوي”، بالمقابل بما وصفته أعلاه “بالروحي الأرضي” وهو كل أمر أو تعليم أو مثل إنساني روحي وكل ما هو نابع من الأرض وأساسه أرضي ومتجه من الأرض إلى السماء، أي الأمور والأفكار والمعتقدات الأرضية الغيبية وكل ما هو محدود ووقتي زائل غير كتابي من تأمل باطني صوفي، وتفريغ وتسكين للعقل والروح في الحضرة الصوفية، والتعبير عن حب الإنسان لله سواء بالموسيقى أو الشعر والتجارب الشعورية، والخلط بين حلاوة الشعر وتجربته الشعورية، ورصانة تركيب جمله وقوافيه وأوزانه، وموسيقاه ودقة طبوله، والتمايل في حركات أقل ما يقال عنها إنها شيطانية، وعزلة صاحبه في الحضرة وهيامه في حب الله، والمحاولة للاتحاد به سبحانه في جهلنا، غافلين أنه قد اتحد هو سبحانه بنا، وسكن بداخلنا، فنحن – إن جاز التعبير-  في حضرته كل حين في المسيح يسوع، نحن الذين متنا معه بالصليب فأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات.

    وما من شك على أهمية التنبيه وتحديد واكتشاف كل ما هو أرضى، وبين ارتباطه وتأثيره الروحي بقائله وعليه، وتأثيره في عالم الروح على سامعيه ومقتبسيه ومستخدميه، وخطورة الأبعاد الروحية للاستدلال به على بعض المبادئ الروحية المسيحية الكتابية، ومحاولة إيجاد أرضية مشتركة ثابتة له في كتاب الله الوحيد، الكتاب المقدس. فهذا خلط بين التبن والحنطة، المسيح مع بليعال، حتى وإن أنكر الصوفيون هذه الحقائق.

    ٢- الصفة الثانية من صفات “روح رابعة العدوية الصوفية” إنه روح يركز كل التركيز على الله وأسمائه وصفاته ويتجاهل كل التجاهل ذكر اسم المسيح كالله الظاهر في الجسد، فلم أجد بيت شعر واحدًا من أشعار الصوفيين، على اختلاف أنواعهم وأعمارهم وثقافاتهم يتحدث عن حقيقة المسيح كالله الظاهر في الجسد، وعلى رأسهم رابعة العدوية، فحقيقة الله المتجسد في جسد المسيح بالنسبة لنا كمسيحيين، أو حتى كمجرد فكرة بالنسبة لهم كصوفيين لم تذكر أبدًا في كتاباتهم أو أشعارهم، بالرغم من أن هذه الحقيقة كانت لابد أن تكون هي أول ما يعلنه الله الحي الحقيقي مالئ السموات والأرض لحظة اتصالهم به، بأية وسيلة من الوسائل، تمامًا كما حدث مع تلاميذ المسيح يوم كان بجسده على الأرض، فبالرغم من أن بطرس ويعقوب ويوحنا لم يكونوا من الصوفيين، وبالرغم من أنهم كانوا يسيرون مع المسيح نفسه، تبارك اسمه، يرونه بعيونهم المجردة، يتكلمون معه  فمًا لفم، يلمسونه بأيديهم، إلا أن أهم ما عمله معهم الله الآب، مالك السماء والأرض، في حياة المسيح، تبارك اسمه، بالنسبة لهم هو أنه جعل المسيح يأخذهم ويصعد بهم إلى جبل عال منفردين وتغيرت هيئته قدامهم، وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور، ورأوا مجده مجد وحيد من الآب، وشهد لهم صوت من السماء: “هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا”.

    أما بعض أسباب حتمية التركيز على اسم المسيح وشخصه وكمالاته وحده دون شريك له، فهي كالتالي:

    أ- لأن كل الذين يؤمنون بوجود الله من البشر، بغض النظر عن من هو هذا “الله” في أذهانهم، وما هي صفاته ومدى تواصله معهم، يناجونه ويسبحون بحمده مع اختلاف فهمهم له واختبارهم الشخصي معه، كلهم يقولون يارب، يا الله، بالرغم من تعدد آلهتهم، فليس ثمة مشكلة أن ينشد منشد صوفي، أو يغني مغني مسلم، أو حتى يرنم مرنم مسيحي ويسبحون جميعًا باسم الله، فما لفظ الجلالة “الله”، بعيدًا عن ماهيتها ومضمونها وكينونتها، في عقل وإيمان كل الفئات السابقة، سوى أرضية مشتركة بين كل من يؤمن أن هناك “الله”، ولا يعترض عليها أحد حتى اقتنع البعض من المسيحيين الاسميين بالقول: “وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون”، وصدقوا أن إلهنا وإله غيرنا من المسلمين واحد، وإنا نحن له لمسيحيين، وإن له هم لمسلمون، مع أن إلهنا هو المسيح يسوع المتجسد، تبارك اسمه، تعين الله في جسد إنساني، الموجود قبل كل الدهور، الإله الحق من الله الحق، المولود غير المخلوق، هذا هو المسيح عيسى بن مريم، قول الحق الذي فيه يمترون، وهو المرفوض تمامًا لدى المسلمين الذين يروننا كمسيحيين،  مشركين بالله، وكفارًا، وضالين ولن يقبل منا ديننا يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون، لأننا لسنا له سبحانه بمسلمين، لذا لزم أن يكون حجر الزاوية في تعامل الإنسان مع الله هو شخص المسيح يسوع – تبارك اسمه – الذي لم يعط اسم آخر تحت السماء به ينبغي أن نخلص، حيث أنه الوسيط والشفيع الوحيد بين الله والناس، كما نص صراحة الكتاب المقدس على ذلك.

    ب ـ الأمر الثاني الذي يجعل روح “رابعة العدوية الصوفيه” لا يذكر اسم المسيح ويتجاهله تمامًا هو أن الوسواس الخناس وأتباعه من أرواح شريرة لا يخافون من مجرد ذكر الله فقط، فمكتوب عن الشياطين أنهم يؤمنون بوجوده تعالى ويقشعرون من هذه الحقيقة، لكنهم مازالوا يمارسون غوايتهم لبني البشر وأعمالهم الشريرة، لكن الشيطان الشرير وأتباعه من الملائكة الساقطين يرتعبون من اسم الله في المسيح، فالله تبارك اسمه، كما يصوره روح رابعة العدوية الصوفية وكما يظنه الغالبية العظمى من البشر، يسكن في سماه بعيدًا عن الناس غير مبال لما يحدث معهم ولهم، بل والأكثر من ذلك هو الذي قدَّر لهم أعمارهم وأقدارهم وعلَّقها في أعناقهم وكتبها عليهم كتابًا موقوتًا، لكن العدو الشرير يرتعب ويقشعر ويصرخ ويهرب أمام الله في المسيح، فعندما تقابل – تبارك اسمه – وهو بالجسد على الأرض مع مجنون كورة الجدريين صرخ اللاجئون أمام المسيح وتوسل إليه الشياطين أن لا يرسلهم للهاوية وأن لا يعذبهم قبل الوقت، كما هو مدون في أماكن كثيرة بكتاب الله الكتاب المقدس.

    ج ـ الأمر الثالث الذي يجعل روح رابعة العدوية الصوفية لا يذكر اسم المسيح ويتجاهله تمامًا هو أن العدو، أي إبليس، يعرف أن المعركة الفاصلة التى هُزم فيها ولم ولن تقوم له قائمة بعدها هي معركة الصليب، ولذا فهو يعلم أن الغلبة هي في الصليب، ويعلم أنه وكل جيوشه قد نزع المصلوب المقام من الأموات، يسوع المسيح، تبارك اسمه، سلطانه في معركة الصليب وأشهره جهارًا، فمكتوب عن المسيح: “إذ جرد الرياسات والسلاطين (الشيطانية) أشهرهم جهارًا، ظافرًا بهم في الصليب”. لذا فالعدو يتجنب كل ما له علاقة بالمسيح وبالصليب وعليه، فهو يقنع الناس أنهم “ما صلبوه وما قتلوه ولكن شبه لهم”، وكتحصيل حاصل إن لم يكن هناك صليب، فليس بالتبعية هناك قيامة من الأموات، وإن كان المسيح لم يقم، فلا توجد قيامة أموات، وإن لم يكن هناك قيامة أموات، فباطل يكون إيماننا بالأمر كله.

    دـ النقطة الرابعة التى بسببها يحاول العدو الشرير أن يبعد المسيح واسمه في محاولة الاتصال بالله سواء في الحضرة الصوفية أو غيرها لأنه يعلم أن المسيح هو الفادي، والمخلص، والديان، ومن سيأتي ثانية لاختطاف المؤمنين به، وغيرها الكثير، وهو يعلم أن مع المسيح لا يحتاج الإنسان إلى شيء، لأن الإنسان يستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويه وبالتالي، فلا داعي لتفريغ النفس والعقل ولا داعي للحضرة والانعزال والتأمل الباطني وغيره من الممارسات الصوفية الشيطانية والمتمثلة في روح رابعة العدوية الصوفية. ولا داعي للهيام في حب الله والتغني بمحبة الإنسان لله وكأن الحب من طرف واحد وفي اتجاه واحد من الإنسان الساكن الأرض إلى الله الساكن السماوات، فأن يحب الضعيف، أي الإنسان، القوى الذي هو الله، فهذا أمر معروف ومقبول إنسانيًا، وفي مجمله ليس للإنسان فضل فيه، ولكن أن يحب القوي الضعيف، فهذا لابد أن يكون منبعه الله نفسه، وخاصة إذا كان الإنسان الضعيف خاطئًا فاسدًا وأعوزه مجد الله. وعلى نفس هذا المنوال أن يناجي الإنسان الضعيف، المحدود، الفقير، الشقي والأعمى والعريان والمسكين، يناجي الله القوى ويسبح بحمده ويغيب عن وعيه كلما حاول السمو بتفكيره ليصل له سبحانه، فهذا مفهوم ولكن أن يتواصل العلي مع الإنسان ويعلن نفسه له في صورة إنسان يعيش بين الناس، يفرح ويبكي ويصلي ويجوع ويجول يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس، فهذا ما لم يتم وما لم يكن ليتحقق إلا في شخص المسيح، يسوع تبارك اسمه.

    وبناء على ما تقدم نرى أنه من الواضح من عدم ذكر المسيح وكمالاته أن روح رابعة العدوية هو روح إسلامي ينكر ألوهية المسيح وصليبه وقيامته، إذًا فهو روح ضد المسيح، الروح الذي يريد أن يصل إلى الله بعيدًا عن المسيح وتجسده وحياته الطاهرة على الأرض وصلبه وقيامته وصعوده إلى السماوات حيًا ليجلس عن يمين العظمة في الأعالى، وهذا من رابع المستحيلات، فالكتاب المقدس ملئ بالآيات البينات التى تشهد عن أن المسيح هو الله الظاهر في الجسد، وأن لا خلاص إلا به، وبالتالي لا توجد شركة بين الإنسان والله إلا من خلال الوجود في المسيح، ولا يمكن اكتشاف من هو الله بعيدًا عن المسيح، فالله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر، وحتى لو صدقنا أن كل الذين عاشوا وماتوا قبل مجئ المسيح لم يسمعوا عنه، مع أنه لم يترك نفسه بلا شاهد، منذ أن بشّر القدير حواء أن من نسلها سيأتي من سيسحق رأس الحية أي إبليس،  أفلم تسمع رابعة العدوية الصوفية عن المسيح، تبارك اسمه، وهي المولودة بعد مئات السنين من مجيئه إلى الأرض؟ أم أنها أرادت أن تؤسس لاهوت محبة حر موازيًا للاهوت المسيح للتواصل معه سبحانه مباشرة دون الحاجة للمسيح لكي تكون مقبولة لدى الله.

    ٣-  روح رابعة العدوية هي روح تشويش في أذهان خدام الله، حتى الأمناء المخلصين منهم، فكم وكم لغير الأمناء والمخلصين!، ولشعب الله البسيط الذي يصفق لكل ما يقولونه لهم والذي يحتاج إلى روح التمييز ليكتشف حقيقة ما يسمع سواء من المستقيمين أو المنحرفين منهم!، ويعرف بالروح القدس كيف يغربل ويفصل التبن عن الحنطة في كل ما يلقى في آذانه، سواء من على المنابر الكنسية أو البرامج التليفزيونية من بعض القنوات المسيحية اليبرالية، تلك التى تغلل بها روح رابعة العدوية وسيطر على مسؤليها ومقدمي برامجها وحواراتها، وأفقدهم الحس والتمييز الروحي بين ما هو سماوي وما هو أرضي، ولا عجب أن يزداد في هذا الوقت بالذات من تاريخ كنيسة لاودوكية الكلام عن رابعة العدوية وعلاقتها بالله، وتردد اشعارها في حب الله حتى من على منابر كنائسنا وكأنها من صلب كتابنا المقدس، من خدام مخلصين ممسوحين أمناء متحمسين ذاع صيتهم في الحديث عن علم النفس والفلسفة والعبادات والديانات الشرقية وقام مقدامهم  بتسجيل حلقات تليفزيونية في قناة سات ٧، التى هي أبعد ما تكون عن التركيز على الروحيات، فهل ضاقت بنا الدنيا ونضب معين كتابنا المقدس لنستخدم إشعار رابعة العدوية من على منابرنا لنصف بها حب الإنسان لله؟  أليس هناك في أشعار داود النبي أو أساف ما يفوق ولا يقارن بأشعار رابعة العدوية الصوفية؟، ألم يقل بولس فليسوف الأمم ورسولهم لكنيسة كورنثوس: “أنا لما أتيت إليكم أيها الإخوة، أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة مناديًا لكم بشهادة الله، لأني لم أعزم أن أعرف شيئًا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبًا. وأنا كنت عندكم في ضعف، وخوف، ورعدة كثيرة. وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع، بل ببرهان الروح والقوة، لكي لا يكون إيمانكم بحكمة الناس بل بقوة الله”.

    إن دراسة دقيقة للحلقة التليفزيونية التى استضاف بها أحدهم في برنامج “الله في الأدب العربي” الدكتور ماهر صموئيل، عن رابعة العدوية في قناة سات ٧ لخير دليل على ما أقول عن تشويش روح رابعة العدوية على عقول المؤمنين والخدام  ليقبلوا تسجيل مثل هذه الحلقات التليفزيونية، فمع إقراري الكامل بحب الدكتور ماهر صموئيل للرب، وإخلاصه وتفانيه في توصيل كلمته تعالى للنفوس الغالية على قلبه إلا انني أرى عدة نقاط كان من الواجب عليه أن يلتفت إليها قبل بث حلقات حواره في برنامج “الله في الأدب العربي”:

    أولها: إن هناك فرقًا بين تقديم الله في الأدب العربي بصوره المختلفة في أذهان العرب عامة كأديان ومذاهب وملل ونحل ومن بينها المسيحية وبين التركيز على الله في أشعار رابعة العدوية وحدها، فدراسة حياة رابعة العدوية كشخصية لهي مليئة بالتشويش العالي جدًا، فالمعلومة المؤكدة الوحيدة عن رابعة العدوية أنها مولودة في البصرة العراق وأنها كانت تؤمن بالصوفية وهي إحدى علاماتها المتميزة، فيما عدا ذلك، فهناك خلاف بَين على تاريخ ميلادها، تاريخ وفاتها، مكان دفنها، حياتها قبل أن تتصوف وتنعزل بنفسها وفترات الصمت الطويلة التى كانت تعيش بها، قال البعض عنها إنها لم تكن عاهرة يومًا، بل كانت متصوفة منذ صغر سنها وقال الأستاذ نادر عدلي، الناقد السينيمائي في نفس البرنامج: “إنها جربت كل المتع الممكنة في حياة البشر”، واتفق معه الأستاذ طارق الشناوي، الناقد السينيمائي أنها “امرأة داعرة عرفت الإيمان وعرفت نور الإيمان، فأصبحت رابعة العدوية”، والسؤال هنا أي إيمان هذا الذي عرفته رابعة العدوية، الداعرة حتى أصبحت رابعة العدوية، هل هو إيمان المسيح يسوع الذي حول السامرية العاهرة إلى قديسة فيه، أم إيمانها بالله بعيدًا عن المسيح؟، ألا يشبه هذا الفكر ما ينادي به المرنم والمنشد الصوفي وأتباعه من مقدمي البرامج على نفس الشاشة التى أذاعت هذا البرنامج؟، فلماذا إذًا نلوم المرنم وحده ونصمت عن مناقشة غيره؟  فهل يعنى ذلك أن هناك علاقة روحية بالله بعيدًا عن المسيح يسوع ولاهوت محبة حر، وبر موازٍ لبر المسيح وعهد غير العهد الإبراهيمي كما يدعي البعض؟ أم أن الأمر كله ما هو إلا تشويش عال من روح رابعة العدوية الصوفية على أذهان الخدام والمرنمين؟.

    النقطة الثانية في التشويش العالي المصاحب لعمل وروح رابعة العدوية الصوفية، يظهر في مقارنة اختبار علاقتها بالله والاتصال به وإظهار حبها له باختبار الميلاد الثاني الذي ننادي به في المسيحية وفقًا للحقائق المدونة عنه في كتاب الله الوحيد، الكتاب المقدس، فهل ولدت رابعة العدوية الصوفية الولادة الثانية كما ذكرت في حديثك التليفزيوني؟  فقد تساءلت عن حب رابعة العدوية الصوفية لله وقلت إن “حب كهذا هل يمكن معه أن لا تغفر للآخر أو تكره الآخر أو تتصرف بعنف؟” ثم قلت “وهي دي الديانة الحقيقية، ده اللي بنسميه في المسيحية اختبار الولادة التانية، فهي هنا ولدت الولادة الثانية، دبت فيها الحياة اتجهت إلى الله كشخص بهذه الأشواق”.

    ثم في الحلقة رقم ٢ عن رابعة العدوية تتأوه وتقول “آه لو عرفت الله الذي أعلن في يسوع المسيح”، فهل حقًا يا صديقى أنك تؤكد أن رابعة العدوية ولدت الولادة الثانية أم أنك تنفي عنها حصولها على الولادة الثانية؟، وسؤالي لو كانت رابعة العدوية ولدت الولادة الثانية، أفلا يعنى هذا أنها قبلت المسيح مخلصًا شخصيًا وخاصة أنها ولدت بعد صلب المسيح وقيامته وذياع خبره في كل المسكونة؟، وإن كانت قد قبلته، فكيف لم تكتب عنه بيت شعر واحدًا كما تفضلت أنت وقلت هذه الحقيقة على منبر قصر الدوبارة؟  ألا يؤدي الحديث عن “روح رابعة العدوية الصوفية” إلى هذا التشويش العالي في أذهان المؤمنين بالمسيح؟.

    ثالثًا: ثم ماذا يا صديقي العزيز عن مقارنتك حب الهوى عند رابعة العدوية وبين حب عروس النشيد، فتقول: “حب الهوى كما يصفه نشيد الأنشاد  هذا أبلغ رد على من يهاجمون سفر نشيد الأنشاد”، ثم تارة تقول الآية الكريمة التى قالها يوحنا الحبيب، نحن نحبه لأنه أحبنا أولاً، مع أنك تقول في وصفك لحب رابعة العدوية الصوفية لله كأنها تقول له : “أحبك يارب ليس لأنك أحببتني، بل لأنك جدير بهذا الحب”، ألا يتعارض هذا مع قول يوحنا الحبيب: “نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً”. فمن هو البادئ بالحب، هل الله أم رابعة العدوية؟، ومَن مِن المفروض أن يبدأ بالحب، المحدود أم اللا محدود؟، الفعال لما يريد أم المفعول به ما يريده الفعال لما يريد؟، أليست هذه كلماتك مخاطبًا بها السامعين لك من على نفس ذات المنبر السابق والتي قلت فيها “في فترة من الفترات بُهرت برابعة العدوية، وبالحلاج، وبغيرهم من كتاب العشق الإلهي، لكن تعرفوا بعد دراسة طويلة عريضة عن العشق الإلهي اكتشفت أنهم بيتكلموا كتير عن حبهم ليه بس ولا مرة اتكلموا عن حبه هو ليهم، تغنت رابعة العدوية، مع كل تقديرى لها عن حبها له، قالت له أحبك حبين، حب الهوى وحب لأنك أهل لذاك، لكن يبقى سؤالي: أنا لا أعرف ما الذي حدث في الخفاء في قلبها، لكني أستطيع أن أقول إن المعقولية المنطقية والأخلاقية تجعلنى أن أقول إنه من العبث أن أحب من لا أعرفه ومن المستحيل أن أحب من لم يحبني، وإذا افترضت أنني سأحب الله والله يحبني، هنضطر نلجأ تاني للمعقولية المنطقية من ينبغي أن يكون البادئ، غير المحدود أم المحدود، هل أبدأ أنا بالحب لله، فيكون حب الله رد فعل لحبي فيكافئني أم ينبغي أن المعقول والمقبول أن يبدأ الله بالفعل ويكون حبي أنا مجرد رد فعل؟، هذا هو المنطقى، هذا هو المعقول أن يبدأ هو، الله هو دايمًا البادئ، الله هو دايمًا صاحب الفعل غير المحدود هو المبدئ، فما هي قصة المسيحية، نحن “نحبه لأنه هو أحبنا أولاً”.

    ٤- روح رابعة العدوية هي روح انقسام وتشويه لسمعة الخدام، لعله من الواضح جدًا أن مجرد الحديث عن الصوفية والإنشاد الديني وروح رابعة العدوية الصوفية يخلق انقسامًا كبيرًا بين الخدام، بعضهم البعض وبين متابعي خدماتهم، أليس هذا ما حدث منذ أيام قليلة عندما هاج الفيس بوك وتصارع الأصدقاء بين مؤيد ومعارض لما كتب من النقد لهذه الحلقات؟  ولست أشك أن روح رابعة العدوية يستغل الكلام عنها وعن صوفيتها في:

    أ- ضياع هيبة الخدام والمرنمين في أعين متابعيهم واقتياد العامة من الناس إلى حالة من الأحباط الشديد بسبب سقوط بعض رجال الله المستخدمين في بالوعة الرد على المقاومين.

    ب- تحويل تركيز الخادم لمثل هذه المناقشات والمجادلات السخيفة والغبية وضياع وقته فيما يضر جسد المسيح ولا يفيده في شئ.

    جـ- انقسام في العائلات والاجتماعات والتجمعات بسبب تأييد هذا الخادم أو ذاك والدفاع الواعي أو غير الواعي عن الخدام والتغاضي عن بعض أخطائهم وفقًا لمكانهم أو مكانتهم أو مواجهة أخطاء بعضهم.

    د- خلط التبن مع الحنطة، فالحلقة الواحدة يتحدث فيها المسيحي والمسلم واللاديني والناقد السينيمائي والمسرحي وخادم الإنجيل، الكل يتحدث عن موضوع واحد، وعادة ما يحاول الخادم المُخلص أن يعيد الحديث إلى الروحيات وأن يقدم المسيح من خلال حب رابعة العدوية الصوفية لله، فلست أظن أن الخادم الأمين كان يعرف من هم الذين سيتكلمون معه في الحلقة من الضيوف أو ماذا سيقولون حول رابعة العدوية الصوفية ويصبح التشويش عالي المستوى وتقدم كلمات وأفكار ووجهات نظر مخالفة تمامًا لتعاليم المسيح ويضطر الخادم أن يصمت إذا سمعها أو يسمعها بعد إذاعة الحلقة، فيندم ندمًا كبيرًا ولكنه يعاود الكَرة مرة ومرات.

    وأخيرًا أقول إن روح رابعة العدوية هي:

    روح محاولة الوصول لله بطريقة الإنسان.

    روح تركيز على الإنسان الصوفي دون الله.

    روح تصوير أن العلاقة بالله قاصرة على المريدين الصوفيين.

    روح يجذب الناس للأشعار والعمل الفنى الشعري أو الموسيقى دون الله نفسه.

    أما الإصلاح للفرد والكنيسة والمجتمع لا يمكن أن يحدث إلا باكتشاف خطط مثل هذا الروح الشرير ولا يأتي إلا بموهبة تمييز الأرواح وكشفها ومقاومتها والخضوع لله، فتهرب منا. دعونا من روح رابعة العدوية والحلاج وغيرهم ولنمتلئ بالروح الوديع الهادئ، روح المسيح، الروح الذي يعطى  “محبة فرح سلام، طول أناة لطف صلاح، إيمان وداعة تعفف”. ولنحذر من “روح رابعة العدوية الصوفية”.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا