ما من شك في أننا نعيش في عالم روحي، فحتى أجسادنا أعطاها لنا المولى جل شأنه بمولدنا من أمهاتنا لكي تحتوي أرواحنا. وبالرغم من تشعب الأمور المحيطة بالروح الإنسانية وكل ما يتعلق بها إلا أننا، كأغلبية تعيش في هذا العالم المادي، نتفق على أن الروح هي من عند ربي، وأننا نعيش في عالم روحي. ولا شك في أنه بما أن الإنسان روح له نفس ويسكن في جسد إذاَ فالمحرك الحقيقي لكل ما يعمله الإنسان إنما هو نابع عن روحه، ويتأثر ويتشكل بنفسه، وما يعمله الإنسان يُعْمَل ويخرج إلى العالم المنظور من خلال جسده. فعلى سبيل المثال، قرارات الفرد منا واختياراته هي متعلقة بنوعية روحه ومدى اتصالها بالله سبحانه وتعالى ومدى انسجامها واتفاقها مع حالة نفسه وجسده، ونتاج تفاعل هذا كله ينتج لنا في النهاية شيء ما نراه بعيوننا في عالم المحسوس والملموس. وقد ذكر كتاب الله الوحيد، الكتاب المقدس، في مقاطع كثيرة فيه ما يؤكد هذه الحقائق التي أذكرها الآن، كقوله تعالى: “وفي السنة الأولى لكورش ملك فارس عند تمام كلام الرب بفم إرميا نبه الرب روح كورش ملك فارس فأطلق نداء في كل مملكته وبالكتابة أيضًا”، ثم “ونبه الرب روح زربابل بن شالتيئيل والي يهوذا، وروح يهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم، وروح كل بقية الشعب فجاءوا وعملوا الشغل في بيت رب الجنود إلههم”. وكذلك في قوله تعالى: “وأهاج الرب على يهورام روح الفلسطينيين والعرب الذين بجانب الكوشيين”، وهكذا.
ولعل ما يحدث في أمريكا اليوم وتولي الرئيس ترامب مقاليد الرياسة فيها يمكن أن يجعلنا نقول: “ونبه الرب روح ترامب” ليقوم بترشيح نفسه للرئاسة ليحدث التغيير الهائل الذي أحدثه لأمريكا والأمريكان في غضون أيام قليلة، وحفظه من محاولتيّ اغتيال، كانت إحداهما مؤكدة وعلى وشك أن تنهي حياته وهو في وسط أنصاره، وجعل القادر على كل شيء الرصاصة التي أُطلقت عليه ممن أراد قتله فقط تلمس وجهه وأذنه وتدميهما لكن لا تنهي حياته، ليثبت للعالم كله أنه الإله المتسلط في مملكة الناس يحيي مَنْ يشاء ويميت مَنْ يشاء وهو على كل شيء قدير.
وحيث إنني كعادتي أرى كل الأحداث المصرية والعالمية من خلال العدسات الروحية المهتمة بالكنيسة المصرية، وأقوم بالتفكير والمقارنة بين ما يحدث في العالم المحيط بنا وبين ما يحدث في الكنيسة في مصر، وأعمل على الاستفادة من هذه المقارنة لصالح الكنيسة ولمعرفة ما ينبغي أن تكون عليه الكنيسة اليوم في مصر، لذا فلقد عقدتُ مقارنة بين الحال في أمريكا قبل تولي ترامب الحكم فيها وبعد توليه عليها بأيام قليلة وبين ما يحدث في الكنيسة المصرية اليوم منذ سنين عديدة وحتى اليوم.
ولعله من الواضح، حتى للمتأمل البسيط ورجل الشارع الكنسي العادي، أن هناك أوجهًا للتشابه والاختلاف في نقاط كثيرة مشتركة بين روح ترامب التي حفظها الله سالمة لتولي الرئاسة وإحداث التغيير الكبير الذي تم بالفعل خلال الـ ٤٨ ساعة الأولى من حلفه لليمين الدستورية ليصبح الرئيس الشرعي لأمريكا، وبين ما يحدث في كنيسة الله العلي في مصر وما ينبغي أن يحدث فيها من تغيير.
ولستُ أدرى لماذا شُغِلْت بأن أقارن بين ما أصدره ترامب في ساعاته الأولى كرئيس لأمريكا من قرارات لإصلاحها وحمايتها وضمان مستقبل أفضل لها ولمواطنيها وبين ما يجب أن تصدره الكنيسة المصرية من قرارات لإصلاح حالها والدفاع عن أعضائها وكتابها المقدس، وإن لزم الأمر، للدفاع عن مسيحها وربها، الذي لا يحتاج أن يدافع عنه أحد من البشر بل هو سبحانه الذي يدافع عنا جميعًا وهو الفعال لما يريد تبارك اسمه، يدافع عن كل ما تقدم في المجتمع المصري المسيحي والإسلامي والإلحادي الذي تعيش فيه في مصر اليوم.
وإليك جزء بسيط مما تيسر من هذه المقارنة والدروس المستفادة منها:
أ- لقد أطلق ترامب شعار “أمريكا أولًا” على حملته الانتخابية قبل أن يفوز بالانتخابات ويصبح الرئيس الحالي، وأصر على أن ينفذ ما وعد به منتخبيه بعد أن تحقق له ما أراد وصار رئيسًا، وهذا ما جعله يرى عدة أمور من منظور مختلف عن سائر الرؤساء السابقين له، وخاصةً الديمقراطيين منهم، وبدأ، حتى قبل توليه مقاليد الأمور، في البحث عن الأسباب والمسببات لما وصل إليه حال أمريكا والأمريكان هذه الأيام، ورأى ورأى معه كل أعضاء فريقه وكل مَنْ له أعين مفتوحة وعقل يستعمله أن أمريكا لم تعد الدولة التي أرادها الله أن تكون، فبدلًا من أن تكون رأسًا لا ذنب أصبحت اليوم لدى بعض الدول أقل من ذنب يدوس عليه رؤساء وملوك دول لا قيمة لهم في الواقع بالمقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية، وأصبحت أمريكا بدلًا من أن تخيف العالم كله لأن لها جيشًا بألوية أصبحت تخاف الجيوش الأخرى التي لأقل البلاد قيمةً وتأثيرًا في عالمنا هذا، وتحاول مجاملتهم على حساب نفسها ومصالحها. وبالتالي تحول اهتمام الرؤساء الأمريكيون من التركيز على أن تكون أمريكا أولًا، والأمريكي أولًا، أصبحت أوكرانيا أولًا، إيران أولًا، السعودية أولًا، روسيا أولًا، وغيرها. وهذا عين ما يحدث في الكنيسة اليوم ومنذ سنوات عديدة وعلى يد رؤساء وقادة مختلفين لها، فلم يعد العضو العابد هو مَنْ تسعى الكنيسة لخلاصه وبنائه والدفاع عنه هو أولًا، بل أصبحت الكنيسة تتجاهل مصالح أعضائها والمترددين عليها وتخاف وتجامل كل مَنْ حولها على حسابهم، وخاصةً الرئاسات الحكومية والإسلامية. لذا ذهبت الكنيسة لمد الجسور مع الإخوان المسلمين حتى قبل أن يُعلَن رسميًا توليهم لمقاليد الأمور في مصر، واكتفت بترديد الشعارات والحكم الإنسانية والمقولات التي أصبحت ترندات تحسب لقائليها مثل: “ربنا موجود”، و”مصر وطن يعيش فينا وليست وطنًا فقط نعيش فيه”، و”إذا حرقوا لنا الكنائس سنصلي مع إخواننا المسلمين في جوامعهم”، وذهبت وفودها لمقابلة عدة ملوك ورؤساء لعدة دول أجنبية لتخطب ودهم، وأقامت موائد الرحمن للقادة والشيوخ المسلمين وسمحت لهم أن يقفوا على منابرها وأن يفطروا رمضان في صالاتها ويأكلوا على طاولاتها، وأعطتهم الميكروفونات في قاعاتها ليرفعوا الآذان للصلاة ويعلنوا من فوق أرضها أن “لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله” وأنه “قد كفر الذين قالوا إن المسيح عيسى بن مريم هو الله” وأنهم “ما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم”. كل هذا يحدث على أرضها وردود أفعالنا كقادة وقسوس وكنيسة مصرية هي أننا نعلن على الملأ أن الشيخ الطيب، إمام المسلمين الأكبر، هو إمام لكل المصريين بما فيهم نحن المسيحيين، بالطبع لأننا مصريون. فمتى ستصبح الكنيسة أولًا؟ ومتى سيصبح المسيحي المؤمن بالمسيح إيمانًا قلبيًا أولًا في قلب وعقل المسئولين عن الكنيسة؟ ألم يوصنا بولس الرسول قائلًا: “فإذًا حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع، ولا سيما لأهل الإيمان”؟ ألم يقل لتلميذه تيموثاوس: “لأننا لهذا نتعب ونعير، لأننا قد ألقينا رجاءنا على الله الحي، الذي هو مخلص جميع الناس، ولا سيما المؤمنين”؟ أولم يوصيه قائلًا: “إن كان أحد لا يعتني بخاصته، ولا سيما أهل بيته، فقد أنكر الإيمان، وهو شر من غير المؤمن”؟ إذًا متى سيكون للكنيسة قادة يضعون شعارًا لحياتهم ومناصبهم هو “الكنيسة أولًا” و”المؤمنون أولًا” و”أهل البيت أولًا” و”أهل الإيمان أولًا”. أتمنى أن تكتب كل كنيسة على اختلاف طوائفها هذا الشعار “الكنيسة أولًا” وتضعه على القائمتين والعتبة العليا لها وفوق منبرها ومذابحها وتطبعه على كل أوراقها الرسمية وغير الرسمية وفوق كل اجتماع لمؤتمراتها، لعل الكنيسة تصحو من نومها العميق فيغير القدير حالتها. أما الدروس المستفادة من هذه النقطة فهي كالتالي:
أ- أنه مهما كانت درجة الفساد التي وصلت لها الدولة أو الكنيسة أو الجماعة، فهذا الفساد يمكن تغييره إلى قوة دافعة وخبرات سماوية للإصلاح إذا ما صحت الكنيسة من غيبوبتها وأعطت الفرصة لإلهها وسيدها المسيح أن يسمع من السماء ويغفر خطيتها ويبرئ أرضها.
ب- الأمر الرئاسي الثاني الذي اتخذه ترامب هو إلغاء حق الجنسية الأمريكية بالولادة من مهاجرين غير قانونيين، الأمر الذي استغله الملايين من البشر من كل أقطار العالم لتأتي نساؤهم الحوامل إلى أمريكا ويمكثن بها ويتمتعن بكل العناية الطبية المجانية لهن كما يتمتع بها الأمريكان إلى أن يلدن أطفالهن فيحمل الأطفال في التو واللحظة الجنسية الأمريكية وتصبح لهم كل حقوق الأمريكان. وبالرغم من أن هذا القرار الذي اتخذه الرئيس ترامب بإلغاء الحصول على الجنسية الأمريكية بالولادة مخالف للدستور الأمريكي، لكن كما كتبتُ سابقًا في مقالي المعنون “الدستور خُلق لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل الدستور” فإن الدستور يمكن تغييره بواسطة الشعب الذي وضعه، ودساتير العالم كله يمكن أن تتغير لفائدة مواطنيها حتى لا تكون الدساتير سلاحًا يُشهر في وجه المواطنين الذين وضعه ممثلوهم، حتى لو كانت بنوده في غير مصلحتهم.
وما أحوج الكنيسة عامةً، والطائفة الإنجيلية خاصةً، لأن تراجع دستورها المكتوب أو المتعارف عليه، هذا في حالة كان لها دستور من أصله، تراجع دستورها في ضوء كلمة الله فلا تقبل أن يكون به ما ترفضه كلمة الله من مواد دستورية من بينها التحيز والتمييز العنصري والطائفي في عدد الممثلين لكل مذهب إنجيلي وطريقة ترشح وانتخابات الرئيس والمسئولين وأعضاء المجلس الملي الإنجيلي العام في مصر، ولا ترفض الكنيسة في هذا الدستور المبادئ الكتابية الإلهية التي دوَّنها القدير كطريقة اتخاذ قرارات هذا المجلس وطريقة إدارة الكنائس والطائفة وغيرها الكثير. فلا يصبح تولي قيادة الكنائس والمجلس قاصرًا على طائفة واحدة، ولا تُتخذ قراراته من خلال عدسة وعيون مذهب واحد فقط، ولا يصبح المواليد الجدد في مذهب واحد هم أصحاب الجنسية الإنجيلية الذين يُسمح لهم عندما يكبرون بتولي قيادة الطائفة الإنجيلية في مصر، مما قد يدفع بعض الحوامل بالرؤى الإلهية السماوية من نساء المجامع الأخرى غير المشيخية لأن يغيرن أماكن إقامتهن وكنائسهن ومجامعهن ليلدن أطفالهن في الكنيسة المشيخية حتى يحصلوا على كل امتيازات المذهب المشيخي، بما فيها إمكانية تولي رئاسة الطائفة أو أن تكون فرصهم أكثر من غيرهم للدخول ضمن أعضاء المجلس الملي الإنجيلي العام.
ج- ألغى ترامب الأوامر التنفيذية التي عززت حقوق المثليين والمتحولين جنسيًا، تنفيذًا لتعهده بأن الحكومة الأمريكية لن تعترف إلا بجنسين فقط هما الذكر والأنثى، وأكد أنه سيوقف “جنون التحول الجنسي” ولن يسمح للمتحولين من الرجال للنساء بأن يشاركوا في مباريات ومسابقات النساء.
وبالرغم من بُعد الكنيسة الإنجيلية المصرية عن أمر الاشتراك أو قبول المتحولين جنسيًا كقسوس أو قادة أو مسئولين رسميين فيها، إلا أن الكنيسة عامةً تخشى الكلام بوضوح عن هذا الأمر لأسباب كثيرة من اختراع روح الخوف المسيطر على العالم كله. فكم من البيوت والكنائس والمجامع لا تقاوم فعليًا المثلية الجنسية فيها وتحول النساء فيها إلى رجال وتحول الرجال والقادة والقسوس فيها إلى نساء، حتى لو كانت هذه الكنائس تعلم حقيقة هذا التحول، فكم من كنائس تتحكم فيها المرأة بالرئاسة أو القيادة، سواء رسميًا في العلن أو من وراء الستار في السر أو الخفاء، حتى لم يعد الأعضاء يعرفون مَنْ هو قائد أو قسيس أو شيخ هذه الكنيسة، أهو من يرونه يقف على المنبر يعظهم ويخطب بصوت عال وبطريقة رجولية خشنة وشجاعة في الحاضرين للاجتماع أم هي زوجته الجالسة أمامه والتي عادةً ما تحركه وتتحكم حتى فيما يقوله في عظته النارية المنبرية بعيونها ورموشها وتجبره على أن يقول ما تريده هي، وما تسمح وتصرح به هي، وليس ما يريده الروح القدس أن يقوله للكنيسة؟ أليست هذه الحالة والحقيقة المعروفة أن كنائس كثيرة اليوم يحكمها ويسوقها ويتحكم فيها المثليون، فأنت لا تعرف مَنْ هو القسيس، والكل يعرف أن الكنيسة لها قسيسان: الراعي وزوجته وقد يكون ابنه أيضًا. أليست هذه مثلية روحية ينبغي أن نتوب عنها، فيعرف كل من الرجل والمرأة دوره في العائلة والكنيسة والطائفة؟
د- ألغى ترامب أوامر تنفيذية تهدف إلى مساعدة السود واللاتينيين والأمريكيين الأصليين والآسيويين وسكان جزر المحيط الهادي. وكان قد قال في خطاب تنصيبه: “سأنهي سياسة الحكومة المتمثلة في محاولة هندسة العرق والجنس اجتماعيًا في كل جانب من جوانب الحياة العامة والخاصة.”
ألا يمكن أن تتعلم الكنيسة المصرية على اختلاف طوائفها هذا المبدأ البسيط الذي اتخذته روح ترامب بالنسبة للمواطنين الأمريكيين بأن تتعامل أمريكا مع مواطنيها، كل مواطنيها، لا على أساس النوع أو العرق أو الطائفة، ولا على أساس أن هذا القس أو الكاهن أو الشيخ أو العضو هو أرثوذكسي، كاثوليكي، إنجيلي مشيخي أو رسولي أو من كنيسة الإيمان أو الخمسينية ونهضة القداسة وغيرها؟ ألا يمكن أن تتعامل الكنيسة ورئاساتها مع كل مواطنيها على أنهم سواسية كأسنان المشط ولا فضل لعربي على أعجمي منهم إلا بالتقوى، فهذا ما يحدده الله سبحانه وتنازل إلينا ولا تحدده الكنيسة.
هـ – أصدر الرئيس الأمريكي أمرًا تنفيذيًا لحماية حرية التعبير في مواجهة ما أسماها “الرقابة الحكومية التي شهدتها ولاية الرئيس السابق بايدن”، ونص الأمر على منع أي جهة حكومية من استخدام مواردها بهدف تقييد حرية التعبير، سواء عبر الضغط على منصات التواصل الاجتماعي أو عبر أي وسائل أخرى.
ألا يمكن للكنيسة المصرية أن تضمن لأعضائها استخدام نفس المبدأ السابق الذي اتخذه ترامب وتسمح لهم بالتعبير عن آرائهم ومناقشة مسئولي الطوائف والكنائس في كل ما يعملون أو يقولون دون اضطهاد أو إقصاء أو شلح أو حرمان أو حل أو ربط أو حرب روحية بغيضة دفينة ضد المعبِّر عن رأيه؟ فأصحاب الآراء الجريئة المعلنة المكتوبة، سواء في الجرائد أو المجلات أو وسائل التواصل الاجتماعي، يتنكر جميع الكذبة من المسئولين حتى من معرفة مَنْ هم، ولا تُفسح لهم المجالات للتعبير عن آرائهم، وإذا نشروا آرائهم حتى كرواية أو قصة يرفض المسئولون عن المكاتب المسيحية بيعها إما خوفًا من محتوياتها أو بغضًا لكاتبها، تمامًا كما حدث معي عند كتابة قصة “ليلة سقوط القاهرة” والمتوفرة للبيع في بعض المكتبات المسيحية، والتي رفضت بعض المكتبات المسيحية الأخرى عرضها أو بيعها، بالرغم من أن القصة تحمل رقم إيداع مصري ودولي ومطبوعة في مصر وتباع في المكتبات بثمن التكلفة، حيث إنني لا أبغي عائدًا ماديًا من كتابتها.
أما آخر ما اكتب عنه من قرارات روح ترامب كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية فهو إعلانه في أمر تنفيذي حالة طوارئ وطنية على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة لوقف تدفق المهاجرين غير النظاميين، والذين وصفهم في خطابه بعد أدائه القسم بـ”المجرمين”، معلنًا أنه سيرسل جنودًا إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.
ألا يمكن أن تصحو الكنيسة وتعلن نفس هذا الأمر وهو وقف تدفق المجرمين إلى قاعاتها ومنابرها وخدماتها، والذين يخلطون الحق بالباطل، ويخلطون كل ما هو طاهر وجليل وصيته حسن بما هو قذر ومنحط وسيئ السمعة من تعاليم شيطانية غير كتابية، وتتواطأ معهم بعض الكنائس وقسوسها وكهنتها وتسمح لهم بالترنيم والوعظ وإرشاد الآخرين من فوق منابرها؟
أما أوجه الشبه بين ما يحدث في أمريكا وما يحدث في مصر فهي كثيرة على أي حال أذكر منه ما يلي:
أ- مكتوب على الأمريكان أن يكون رئيسهم إما من الجمهوريين أو من الديمقراطيين، فليست هناك إلا كتلتان سياسيتان، جمهوريون أو ديمقراطيون، هما اللتان تتحكمان في الانتخابات الرئاسية واختيار مَنْ سيصبح رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، أما الطائفة الإنجيلية في مصر فمكتوب عليها إن يكون رئيسها قسًا إنجيليًا مشيخيًا. ومع أن المجلس الملي الإنجيلي العام يسمح بترشح أي قسيس أو حتى عضو عادي في أي كنيسة معترف بها في مصر، إلا أن المصوتين في الانتخابات لاختيار الرئيس فثلاثة أرباعهم من المشيخيين والربع الآخر من غيرهم. أليس هذا مضحكًا ومضللًا لأعضاء الكنيسة الإنجيلية أن يُسمح لأي قس من أي مذهب بالترشح لكن يصوت على اختياره ثلاثة أرباع المجلس من غير مذهبه؟ ولم يعد للعلمانيين مكان للترشح لرئاسة الطائفة لسنين هذا عددها مع أن الرئيس الأول الذي تولى رئاسة المجلس الإنجيلي العام في مصر كان باشا لكنه لم يكن قسًا.
ب- أمريكا أغنى دول العالم وأكثرها قوة وتأثيرًا على العالم، والكنيسة هي أغنى كيانات العالم وأكثرها قوة، ويمكن أن تكون أكثرها تأثيرًا على العالم أيضًا. فالكنيسة هي أغنى كيانات العالم لأن عريسها وسيدها المسيح يمتلك الأرض وما عليها المسكونة والساكنين فيها. وهي أكثر كيانات العالم قوة وتسليحًا لأن قائدها ورئيسها هو رب الجنود الأسد الخارج من سبط يهوذا الذي خرج غالبًا ولكي يغلب والذي لم يُهزم في معركة ما أبدًا والذي يستطيع أن يبيد أعداءه بكلمة من فمه. والكنيسة أكثر كيانات العالم تأثيرًا على مَنْ حولها لأن إلهها يدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة، فليت الكنيسة تعلم ذلك، وتتحرك بوحيه، وعندئذٍ لن يقف أحد أمامها ولن يستطيع أحد هزيمتها لأن ربها وإلهها يقودها في موكب نصرته كل حين.
ج- الانتخابات الأمريكية يشترك فيها كل الأمريكان، ودستور أمريكا لا يسمح بتحكم الحزب الواحد أو الشخص الواحد، والشعب الأمريكي هو الذي يقرر مَنْ هو رئيسه، وتتكرر الانتخابات كل أربع سنوات، ولا يمكن لرئيس فيها أن يتولى أكثر من دورتين متتاليتين مهما كان عبقريًا وفذًا ولا مثيل له بين أترابه. أما الانتخابات المسيحية الكنسية الإنجيلية فيشترك فيها فقط أعضاء ما يُعرف بالمجلس الملي الإنجيلي العام، ويُسمح فيها بتحكم الحزب المشيخي الواحد بل وبشخص واحد يظل على كرسيه إلى ما لا نهاية، مهما كان هذا الرئيس يحمل من علامات استفهام في حياته وشخصيته وإدارته وتصرفاته وهو في منصبه، ولا يشترك بها المؤمنون أو المسجلون حتى في دفاتر عضوية كنائسها من كافة الطوائف والمجامع، ودستورها يسمح بإعادة انتخاب رئيسها إلى ما لا نهاية.
د- في الانتخابات الأمريكية، لا بد أن يواجه المرشح للرئاسة الناس في أماكنهم ويتكلم معهم عن احتياجاتهم ويدرسها، وله برنامج انتخابي يشرحه لرجل الشارع العادي وتترك الفرصة للمنتخبين، والمرشح الذي يلبي احتياجاتهم هو مَنْ يفوز بالانتخابات. أما في الكنيسة الإنجيلية، فلا داعي لأن يواجه المرشح الناس في أماكنهم ولا حتى في مكانه هو، ولذا فهو لا يعرف احتياجاتهم، فعلى كل حال هم لن يشتركوا في اختياره، وليس من الضروري أن يكون له برنامج انتخابي يعرضه على منتخبيه من عامة الناس أو حتى على القسوس، حيث إن منتخبيه على كل حال ليسوا من عامة الشعب بل من الصفوة الذين يعرفونه جيدًا ويحيطون به ويصفقون له في كل الأحوال إن أصاب أو خاب.
هـ – وكما أن الانتخابات الأمريكية بها الكثير من الغش والتلاعب والتربيطات المسبقة والمصالح الشخصية لاختيار الرئيس، هكذا أيضًا انتخابات رئاسة المجلس الملي الإنجيلي العام. وهذا ليس كلامي أنا، بل اقرأ كتاب “الانحرافات في انتخابات رئاسة الطائفة الإنجيلية” للقس الراحل مكرم نجيب والذي كان راعيًا للكنيسة العريقة، كنيسة مصر الجديدة الإنجيلية المشيخية، والذي رشح نفسه ليفوز برئاسة الطائفة الإنجيلية ككل، والذي كتب كتابه بعد أن حصل في الانتخابات على صوت واحد فقط، وهو بالطبع صوته هو، وفشل في أن يُنتخب كرئيس للطائفة الإنجيلية.
وما من شك في أن روح الرئيس المنتخب هي التي تحدد المسار أو على الأقل ترسم له ولمن حوله الطريق الذي سيسير فيه في فترة رئاسته.
أما اختياراته للوزراء ومساعديه والعاملين معه لتحقيق أهدافه في فترة توليه الحكم، فهذا يكون باختياره هو، لكن في الوقت نفسه لابد أن يكون المرشح لمنصب معين خاضعًا لفحص مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأمريكي.
تبقى هناك عدة أسئلة لا بد من التفكير فيها والإجابة عليها لو كنا نريد حقًا إصلاح حال الكنيسة المصرية، ومن بين هذه الأسئلة ما يلي:
لماذا لا يكون لنا ككنيسة مجلس شعب ومجلس شورى وتختار هذه المجالس رئيس الطائفة ومعاونيه بعد فحصهم والتأكد من إخلاصهم وعلمهم وخلفياتهم لفائدة هذه المجالس؟
لماذا لا يكون لدينا نص في دستور الطائفة الإنجيلية يتم فيه تحديد مدة جلوس رئيسه على العرش وكم مرة يُسمح فيها بترشيح الرئيس وإعادة انتخابه؟
لماذا لا يكون هناك تجديد نصفي لنصف الأعضاء بالمجلس الملي الإنجيلي العام؟
باختصار، الكنيسة تحتاج لروح ترامب لتقف ضد كل ما يحدث بها من فوضى ومحسوبية وقهر للمذاهب الصغيرة في العدد ولأعضائها وللمسئولين عنها.
قد لا يحدث كل هذا الذي كتبته سريعًا أو قد لا يحدث حتى في حياتي على الأرض، لكنني أكتبه لعدة أسباب:
١- لأني سأعطي حسابًا عما قلته في عظاتي وما كتبته في جريدة “الطريق والحق” للمسيح ديان الأحياء والأموات، وعندها سأقول لسيدي الرب: “لقد تكلمتُ وكتبتُ ووعظتُ وحذرتُ عشرات المرات ولم يسمع أحد.”
٢- لأن ما أكتبه هذا وما كتبته في الـ ١٦ سنة الماضية في جريدة “الطريق والحق” وما ناديتُ به من على المنابر واللقاءات الخاصة والعامة سيكون إما شاهد للكنيسة بأنها سمعت وعملت أو شاهد ضدها لأنها لم تسمع وبالتالي لم تعمل.
٣- لأن ما أكتبه قد يكون سببًا في إيقاظ البعض من رؤساء المجامع أو القسوس أو أعضاء الكنائس للمطالبة بحقوقهم ورفض تحكم اللاعب الواحد في مباراة الكنيسة المصرية وقادتها مع العالم حولها.
اللهم امنحنا روحك، روح الحق لا الضلال، اللهم أنر عقولنا واشف ضمائرنا وأعماقنا، اللهم نبه أرواح قادتنا وشعبنا، اللهم اركب السحاب وأنقذنا من نفوسنا وشعورنا، بالضعف كان أم بالفشل والتشويش على أذهاننا.
اللهم إني قد كتبتُ، اللهم فأشهد.