تحدثت في مقالي السابق عن الإرهاب: نشأته, أنواعه, عقابه وطريقة القضاء عليه. لكنني اليوم أعتقد أن هذا الموضوع الخطير لم يأخذ حقه من الدراسة والفهم, فالإرهاب موضوع الساعة وكل ساعة. ومع أنني لست من المتشائمين بطبعهم لكنني أرى أنه ليس للإرهاب أو الإرهابيين أو العمليات الإرهابية من نهاية. ولن تقدر أمريكا ولا كل دول العالم مجتمعة أن تقضي على الإرهاب؛ ببساطة لأنني أرى أن الإرهاب والعمليات الإرهابية ليست جرائم يرتكبها الإرهابيون فحسب, وإلا لما كان القضاء عليها مستحيلاً, ولست أرى أن العمليات الإرهابية هي من اختراع جماعة بن لادن وأيمن الظواهري والزرقاوي ومن على شاكلتهم كما تصوره لنا وسائل الإعلام. فما أفهمه عن الإرهاب أنه روح شرير, كائن حي يعقل, يتحرك, ويوسوس في صدور الناس, أو قل أرواح شريرة عينها الشرير الأعظم الوسواس الخناس في مثل هذا الوقت من الزمان لتتميم خطته لتدمير الأرض وما عليها ومن عليها. فهو كما يعلمنا تنزيل الحكيم العليم الكتاب المقدس أن الشيطان يعلم أن له زماناً يسيراً, وقتاً قليلاً يمارس فيه قتله وتدميره وخرابه في الأرض قبل أن يأتي تبارك اسمه سيد كل الأرض المسيح يسوع مرة أخرى, حكماً عدلاً بين الناس وبينهم وبين ربهم سبحانه وتعالى, ويقبض على هذا الوسواس اللعين, ويطرحه في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت.
ونظرية الأرواح الشريرة وعيثانها في الأرض فساداً لمذكورة في كتب الأديان جميعاً, فالعالم الذي نعيش فيه هو عالم روحي أو عالم أرواح, فالإنسان روح خالدة من عند ربي, والشياطين أرواح مغضوب عليها إلى يوم الدين ومحفوظون في قتام الظلام معاقبين إلى أن يأتي رب العالمين المسيح تبارك اسمه الذي له كل سلطان وهو ديان الأحياء والأموات. والملائكة أرواح خادمة له جل شأنه, وحتى عنه تبارك اسمه قال الكتاب إن الله روح, وما الأجساد المنظورة المتحركة على الأرض إلا مستودعات أو هياكل لضم الأرواح وحفظها إلى يوم تعود الروح إلى خالقها فيسقط الجسد في التراب ويعود إليه مرة أخرى لأنه من التراب وإلى التراب يعود. فإذا كنا نعيش في عالم الروح وكل من حولنا أرواح فلا بد لنا أن نفهم ونفسر كل ما يحدث معنا أو في عالمنا بطريقة روحية كتابية مسيحية, وخاصة موضوع الإرهاب.
ولعله من الأهمية القصوى أن نفهم طبيعة الإرهاب الروحية. فإذا فهمنا من هو الإرهاب, لعرفنا من هو المنوط بمحاربته وكيف ننتصر عليه, وما هي خطته وكيف نفضحها ونفشلها فنصبح في النهاية من الرابحين.
لقد علمنا سيد الخلق وأعظم الأنبياء والمرسلين تبارك اسمه أن العدو, أي الشيطان, الوسواس الخناس لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك, هذه هي رسالته وإرساليته على الأرض, لا يعرف أن يعمل غيرها, وقد كرس نفسه لها منذ أن طرده القدير جل شأنه من عرشه وأسقطه كالبرق من سمائه ليصبح رئيس سلطان الهواء. هو لا يعرف الحب فليست المحبة من طباعه وتكوينه, وهو لا يعرف العطف فليست الشفقة من خصاله وتصميمه, ولا يعرف الصفح فهو عدوه اللدود, فالكراهية والحقد والقتل والقسوة والانتقام والدينونة و تحميل الضمائر بالذنب هي من صفاته وطباعه ومكوناته الأساسية. فهو لا يتورع أن يفجر عرساً ويحوله إلى جنازة كبرى فهو يتشفى برؤية الخلق جرحى وموتى وحزانى, وهو لا ينزعج من أن يدفع رصاصة أو جنزيراً أو سيفاً أو قنبلة في يد سفاح قاتل يملأ قلبه بالكراهية وحب الانتقام وسفك الدماء ليفصل رأس أبٍ أو زوج أو حبيب عن جسده، تنتظره عائلته ليعود إليها سالماً فلا يعود.
واذا كان هذا الروح الشريرحسب ما علمنا كتاب الكتب لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك, إذاً فالإرهاب هو روح تسكن في أجساد هؤلاء الذين يسرقون ويذبحون ويُهلكون, والعجيب أن هذه الثلاثة صفات التي ذكرها تنزيل الحكيم العليم تنطبق تماماً على إرهابيي اليوم, فوسيلة أساسية ورئيسية من وسائل تمويلهم هي السطو والسرقة واقتسام الغنائم بالإغارة على محلات الذهب والصيدليات وتجارة التجار ورجال الأعمال. ولو سمحت لهم الظروف لساقوا نساء ضحاياهم سبايا ولنكحوا منهم ما ملكت أيمانهم, لكننا اليوم في القرن الحادي والعشرين فاختلفت طرق السطو والامتلاك. أما عن الذبح والإهلاك فحدث ولا حرج.
ولِفهم روح الإرهاب وكيفية التعامل معه لا بد لنا أن نفهم أن هناك أرواحاً تابعة ومكملة ومساعدة لروح الإرهاب لتمكينه من إتمام مهمته. وأهم هذه الأرواح هي:
روح التدين: وهذا هو أسوأ الأرواح في نظري على الإطلاق فهو الذي يستغل الدين فيلقي على جرائم القتلة واللصوص نوعاً من الروحانية التي ينخدع بها البشر فيباشرون قتلهم وسرقتهم وإهلاكهم تحت ستار الدين. وهذا الروح الشرير السيئ يعلم أن أكبر محرك ودافع للإنسان ليرتكب مالا يمكن أن يتصوره أحد هو المحرك والدافع الديني. فإذا تمكن هذا الروح من إقناع الشباب أن عمليات السرقة والقتل والإهلاك هذه هي ما أوصى به الله في أي من كتبه, أسرع المغفلون والمخدوعون المساكين بالتطوع للدفاع عن دين الله, وإذا أقنعهم أن الاستشهاد هو أن تموت وتقتل معك أكبر عدد ممكن من الأمريكان أو الإنجليز أو اليهود أو حتى من أهل الكتاب لسارعوا في تفجير نفوسهم وتدمير المباني والمنشآت وأخمدوا صوت الطرب, صوت العريس وصوت العروس.
ولروح التدين عدة أساليب واستراتيجيات يتبعها مع الغافلين المغيبين. أولاً التفسير الخاطئ والناقص للآيات الدينية والأحاديث, وقصص الأنبياء, وأقوال الآباء وأولياء الله الصالحين وهو يقدم لهم أنصاف الحقائق ويذكرهم بأنصاف الآيات وينسخ غيرها, أو يقنعهم بأن المولى تبارك اسمه قد نسخ ما لا يريدون أن يؤمنوا به أو ما يمليه عليهم هذا الروح الشرير. فكل ما في أذهانهم هو أنه “إن رأى أحدكم منكراً فليقومه بيده” ونسوا أو تناسوا بقية الحديث. وأنساهم هذا الروح الشرير أن “لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن” وذكرهم فقط بـ “قاتلوهم حيث وجدتموهم” فالسابقة وما شابهها نسخت ما قبلها.
ومن الأرواح الأخرى المصاحبة في عملها لروح الإرهاب, روح الخوف, وهذا الروح الشرير يعمل في الإرهابيين وفي ضحاياهم, ففي الإرهابيين يقنعهم أن الأسلوب الوحيد الذي يجعل العالم كله يسمع لهم هو بأن يهددوهم ويقتلوهم ولعل ذلك البيان الذي أرسلته جماعة الجهاد إلى الكاتب الكبير سيد القمنى وقبلها قتل الشهيد فرج فودة وغيره لخير دليل على سيطرة هذا الروح على القاتلين. ويصبح تراجع الكاتب القدير سيد القمنى عن أفكاره وكتاباته والتوبة عنها, الأمر الذي لا ألومه عليه, هو الحل الأمثل في مثل هذه الأمور. لقد اتهم الكثيرون سيد القمنى بالخوف والجبن والانسحاب من المعركة ووجهوا له اللوم علناً أو سراً لكنني أهنئه على حكمته واتخاذه القرار السليم في الوقت السليم وبالطريقة السليمة, لقد حاول الإرهابيون جر الكاتب الكبير إلى معركة بالسيف والرصاصة والقنبلة (وهذه أساليب روح الخوف) وهددوه وهددوا الحكومة بل ومصر كلها بمثقفيها وكتابها, بأن لا أحد يستطيع أن يحميه منهم ومن غدرهم في تحد سافر لسلطة الحكومة والبوليس في مصر, الذي أخفق هذه المرة, كما أخفق في مرات كثيرة قبلها, حتى استفحل وتوحش روح الخوف وروح الإرهاب في عمله داخل مصر وبين أهلها. لقد آثر ـ في رأيي ـ الكاتب الكبير أن لا يدخل معركة لا يعرف كيف يستخدم سلاحها, فالكلمة المكتوبة والمسموعة هي سلاح الكتاب والمثقفين والمتعلمين, فلو تصدت له هذه الجماعة بالكلمة والقلم لنازلهم وأرجعهم إلى صوابهم أما أن يطالبوه بالتصدي لرصاصهم وقنابلهم فهذا مالم يتعلمه وما لا يليق بعالم مثله حتى أن يجربه. أليس من العجيب أن يرسل روح الخوف رسالة إلى كاتب كبير يطلب منه التوبة وإلا قتله, هل تصح التوبة تحت تهديد السلاح, هل يصح القتال حتى يؤمنوا أو يدفعوا الجزية عن أيديهم وهم صاغرون, أليست التوبة والإيمان فضائل قلبية دفينة في الإنسان لا يستطيع أحد مهما أوتي من قوة ومن رباط الخيل أن يدنو منها.
هل التوبة تحت تهديد السلاح هي توبة مقبولة عند الله, أو الناس, هل الإيمان تحت الترهيب والترغيب هو إيمان صحيح, هل يستطيع التعذيب في السجون, أو الحاجة في البيوت أو الاضطهاد في الأشغال والأعمال والإسكان أن يقنع أحداً بأن يؤمن بدين الآخر. وهل تقدر هذه الأساليب عينها أن تثني من يؤمن بدين الآخر أن يرجع في كلامه ويتوب, لكنه روح الخوف وأعماله الشريرة في البشر المساكين المغيبين.
إن كانت الإجابة على هذه الأسئلة البسيطة هي لا, أفلا يفيق المعذِبون ويرجعوا عن تعذيبهم ويتقوا الله. أفلا يستيقظ الغافلون, أفلا يعقلون.
نحن نعلم أن روح الإرهاب والتدين والخوف لا يريدوننا أن نسمع إلا لأصواتهم باسم الدين, لا كتابات تخالف رأيهم, لا دين للآخر ولا حياة كريمة للآخر إلا إذا أذعن لهم وقبل إيمانهم, لا شريعة إلا شريعتهم, لا كتب إلا كتبهم, لا حركة إلا بإذنهم, لا إقامة للآخر في بلادٍ اغتصبوها من أهلها وادعوا أنها بلادهم والويل كل الويل لمن يخالفهم أو يعترض على تصرفاتهم إن كان فرداً أو جماعة أو حكومة أوغيرها. لكننا نعلم أن الذي فينا أقوى من الذين علينا فلن نخضع لهم. ولعل أهم ما في موضوع فهم الإرهاب على أنه روح هو معرفة كيف نحارب روح الإرهاب. الحقيقة أن الروح لا يمكن أن يتغلب عليه إلا روح مثله. فالصراع في عالم الروح لا يمكن أن يكون بالرصاصة وبالسيف والقنبلة, فلا يستطيع التغلب على روح التدين سوى روح الحق أي روح المولى القدوس تبارك اسمه, ولا يستطيع أن يقهر روح الحقد والكراهية إلا روح المحبة, ولا يستطيع أن يدمر روح القتل والموت إلا روح الحياة التي في المسيح يسوع “إن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات” لذلك فأنا أدعو كنيسة المسيح التي اقتناها الله بدمه أن تفيق من غفلتها وتعلم أن حرب الإرهاب والانتصار على روح الحقد والكراهية والقتل والدمار الشامل الذي نراه لهي مسؤوليتها الأولى في هذا العالم. وإن لم يستحضر جسد المسيح روح المسيح, روح القوة والمحبة والعقل السليم, روح الحكمة والمشورة والمعرفة إلى مصر وإلى بلادنا العربية بالصوم والصلاة والتوبة والرجوع عن طرقنا الردية وطلبنا وجه الرب وتعلمنا كيف نقاوم هذه الأرواح الشريرة الإرهابية لن ينعم العالم بسلام من الله بل ستصير الأمور إلى حال أردأ. فالكنيسة وحدها هي القادرة على إيقاف الإرهاب وروحه في العالم.
إلى كل إرهابي, إلى كل من لا تعرف المحبة طريقها إلى قلبه, إلى كل من يبغض الآخر في أي دين من الأديان, أقترح عليه أن افتح قلبك لرسول المحبة والعطف والشفقة والسلام, السيد المسيح يسوع الذي ترنمت الملائكة يوم مولده وقالت “وعلى الأرض السلام” الذي لم تحدث حرب واحدة طيلة أيام حياته على الأرض (وفقاً لما دونه لنا التاريخ). افتح قلبك له فيطرد من حياتك روح الإرهاب, اقبل المسيح رباً وسيداً ومخلصاً وستنعم بالسلام والمحبة والغفران.
اللهم خلص الإرهابيين والإرهابيات,واغفر ذنوب المذنبين منهم والمذنبات, واكتب أسماء من يقبلونك منهم في سفر الحياة, وانصرنا على أنفسنا واحفظنا في سلامك إلى يوم الممات, يا أرحم الراحمين يا رب العالمين. آميــــــن.