“رفعتُ عيني للسما” لا أقصد العمل المبارك الذي عمله الرب يسوع المسيح قبيل الصليب حين صلى الصلاة الشفاعية المباركة للآب عندما:
«تكلم يسوع بهذا ورفع عينيه نحو السماء وقال: أيها الآب، قد أتت الساعة. مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضًا.» (يوحنا1:17). ومن يستطيع سوى المسيح أن يرفع عينيه نحو السماء ونحو رب السماء ، فنحن البشر كلنا خطاة لا يمكننا أن نتطلع للسما نظير ذلك العشار الذي «وقف من بعيد، لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء، بل قرع على صدره قائلاً: اللهم ارحمني، أنا الخاطئ.» (لوقا 13:18).
لكنني أقصد بهذه العبارة اسم الفيلم التسجيلي الذي قدمته فرقة من قرية “البرشا” المصرية والذي فاز بجائزة “العين الذهبية” لأفضل فيلم في مهرجان مدينة “كان” الفرنسية. هذا الفيلم قدمته مجموعة فتيات بسيطات من قرية ريفية من قلب محافظة المنيا، ويحكي عن مصر وحضارتها، كما يسلط الضوء على بعض القضايا كالزواج المبكر، والعنف الأسري، وتعليم الفتيات. وهذه الجائزة هي الأولى التي تفوز بها مصر منذ نشأة هذا المهرجان.
ولدي هنا بعض الملاحظات على هذا العمل الذي اشتهر وانتشر بشدة في كل منصات السوشيال ميديا.
أولًا: الاجتهاد هو طريق النجاح
لم يأتِ نجاح هؤلاء بالصدفة بل بالكد والكفاح على مدار خمس سنوات، وما أجمل ما قيل عن الاجتهاد في سفر الأمثال:
“أفكار المجتهد إنما هي للخصب، وكل عجول إنما هو للعوز” (الأمثال5:21).
“العامل بيد رخوة يفتقر، أما يد المجتهدين فتغني” (الأمثال4:10).
“نفس الكسلان تشتهي ولا شيء لها، ونفس المجتهد تسمن” (الأمثال4:13).
“يد المجتهدين تسود، أما الرخوة فتكون تحت الجزية” (الأمثال24:12).
“أرأيت رجلا مجتهدا في عمله؟ أمام الملوك يقف، لا يقف أمام الرعاع” (الأمثال29:22).
ثانيًا: الإيمان قبل كل شيء
قيل إن النجاح له جناحان كالطائر، جناح الاجتهاد وجناح الإيمان، فأنا أبذل الجهد كالطالب الذي يستذكر دروسه، ولكن يعتمد على الرب بكل القلب، لأن مَنْ يضمن سلامة عقلي؟ وصحة جسدي؟ لذلك يقول الكتاب العظيم:
«توكل على الرب بكل قلبِك، وعلى فهمك لا تعتمد« (الأمثال 5:3).
ثالثًا: القليل من الإمكانات
رغم بساطة بنات البرشا وإمكانياتهم المتواضعة، إلا أنهم حققوا نجاحًا أذهل العالم.
صديقي وصديقتي
من كان يدري أن حجارة ومقلاعًا في يد غلام صغير كداود تُسقِط بطلًا مغوارًا كجليات؟
أذكر قصة الطالبة التي كانت في طريقها للامتحان وهي تشعر بقلة ما حصلته واستذكرته، وبينما هي نازلة على سلم البيت، وقبل أن تخرج إلى الشارع، نادتها أمها وقالت لها:
“بنيتي: تذكري أن داود قتل جليات بزلطة!” إيمانًا من الأم بأن الرب سيبارك ويستخدم ما عندها. فالقليل كثير إذا كان الرب فيه.
رابعًا: المعونات من إله السموات
“رفعتُ عيني للسما”هذا ليس شعارًا نرفعه أو عنوانًا نكتبه، بل ينبغي أن يكون أسلوب حياتنا، وهل ننسى قول السيد الصادق:
«أنا الكرمة وأنتم الأغصان. الذي يثبت في وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا» (يوحنا 5:15).
يتساءل المرنم في أسلوب استنكاري بديع:
«أرفع عيني إلى الجبال، من حيث يأتي عوني؟!» لا وألف لا، لأن: «معونتي من عند الرب، صانع السماوات والأرض” (مزمور1:121-2).
لا نفع يُرجى سيدي من عون إنسان.
فخذ بيدي يا منجدي يا خير معوان
خامسًا: التقدير الصحيح
لم تلق فرقة “رفعتُ عيني للسما” التقدير والإشادة في أي مكان، إلا في مدينة “كان”، فالتقدير له مكانه وله زمانه، وعلينا ألا ننتظر التقدير من البشر . فمردخاي الأمين قام بواجبه وحرس الملك وحفظ حياته، ولم يلق تقديرًا أو مديحًا وقتها، لكن الرب حفظه له في وقته.
هناك قول أعجبني وهو: “ما أتفه ما ربحوا من مديح الناس وما أعظم ما خسروا من مديح السيد.”
لا تقل يا عزيزي: “تعبي باطل، الناس لا تستحق الخدمة، ليس مَنْ يقدرني!” لكن تذكَّر المكتوب:
أما أنا فقلت: «عبثًا تعبت، باطلًا وفارغًا أفنيت قدرتي. لكن حقي عند الرب، وعملي عند إلهي» (إشعياء4:49).
سادسًا: السما ستعلِّمك
وقد تسألني: هل توافق على مثل هذه الأعمال كإقامة الحفلات وعمل أفلام ومسلسلات؟ فأجيبك:
نحن هنا لا نحلل أو نحرم، لكن نذكر بمبادئ الكتاب، فعندما أكون مُخلصًا وأرفع عيني للسما، يقينًا سأتعلم:
(1) هل هذا العمل يمجد الله ويشرفه؟ فمكتوب:
«فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئا، فافعلوا كل شيء لمجد الله» (1كورنثوس31:10).
(2) وهل هذا العمل يناسب و يليق بأولاد الله؟ ويقينا سأتعلم أن:
«كل الأشياء تحل لي»، لكن ليس كل الأشياء توافق. كل الأشياء تحل لي، لكن لا يتسلط علي شيء» (1كورنثوس12:6).
وأيضًا: «كل الأشياء تحل لي، ولكن ليس كل الأشياء تبني» (1كورنثوس23:10).
وعلينا أن نخضع للمبدأ الكتابي: «امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن» (1تسالونيكي21:5).
سابعًا: الإكليل الأسمى
هنا يفوز الناس بمكافآت وأكاليل لكنها تفنى، لكن هناك أكاليل باقية وأبدية لا ولن تفنى.
«كل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء. أما أولئك فلكي يأخذوا إكليلًا يفنى، وأما نحن فإكليلًا لا يفنى» (1كورنثوس25:9).
« ومتى ظهر رئيس الرعاة تنالون إكليل المجد الذي لا يبلى» (1بطرس 4:5).
ليتنا ننظر إلى السماء وننتظر مخلصنا العظيم «الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده، بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء» (فيلبي21:3).