ما أصغر حجم رغيف العيش، الخبز، مهما اختلفت مكوناته، من دقيق قمح أو ذرة، كبر أو صغر في طوله وعرضه وحجمه، أو تغيَّر شكله. ما أصغره في كل حالاته بالنسبة لطول زمن بداية تواجده على الأرض، وبالنسبة لمدى تأثيره على الفرد والمجتمع الإنساني والدولي؛ تأثيره على الحكومات وخططها وميزانياتها، وتأثيره على الشعوب واندلاع الانتفاضات والثورات والانقلابات وانتشار أعمال العنف والحروب والمجاعات. ولذا فقد استخدمه المخلصون والمغرضون، البسطاء الطيبون والخبثاء المجرمون؛ استخدم كل فريق رغيف العيش لتحقيق أغراضه الشخصية والدولية، سواء أكانت شريفة مخلصة في صالح الناس ولوجه الله تعالى فقط، أو كانت غير شريفة وغير مخلصة تهدف لاستعباد الخلق وإذلالهم والتحكم في مصائرهم وردود أفعالهم. ولا عجب أن كلمة خبز ومشتقاتها ذُكرت أكثر من 300 مرة في الكتاب المقدس.
والعجيب أن عمر رغيف الخبز يرجع إلى قديم الأيام، إلى جنة عدن، وقت وجود آدم وحواء في الجنة، وقبل سقوطهما في خطية عصيان ربهما سبحانه. فمن الواضح من ذكر الحكيم العليم أن آدم كان يأكل الخبز في الجنة قبل سقوطه في خطية الأكل من الشجرة المحرمة، حيث كان من بين عقاب الله الذي نطق به المولى سبحانه لآدم القول: “بعرق وجهك تأكل خبزًا حتى تعود إلى الأرض التي أُخذت منها. لأنك تراب، وإلى تراب تعود.” ولقد كنى المولى تبارك اسمه عن كل ما كان يأكله آدم وحواء من أنواع الطعام المختلفة والفاكهة والخضروات وخبز بكلمة واحدة وهي “الخبز”، الكلمة التي نعرفها نحن المصريين بـ “العيش”، والتي تدل على الأهمية القصوى التي للخبز بالنسبة لنا، حتى أننا رأينا أنه يمكن اختزال عيشنا وحياتنا في الحياة الدنيا بكل ما فيها مما لا يُحصى ولا يُعد من أمور في كلمة واحدة وهي “العيش”، وأطلقناها على “الخبز” ليس إلا.
ومنذ ذلك النطق الإلهي بعقاب آدم وحواء، تحوَّل الحصول على رغيف العيش الذي كان يأكله آدم وحواء في الجنة دون معاناة أو تعب أو عرق في إنتاجه، واستخدماه كأداة للأكل والشبع والمتعة والنمو الجسدي والنفسي، تحوَّل الحصول عليه إلى عقاب وكد وتعب وعرق وسبب في صراع دائم، لهما ولمن جاء بعدهما من الناس والشعوب، وإلى سبب في حروب البشر بعضهم مع بعض، وإلى دافع أساسي من دوافع هجرة الناس من مكان إلى مكان، حتى بين القارات منذ قديم الزمان وحتى الآن.
فظهرت أهمية “رغيف العيش” في حياة رؤساء الآباء الأولين منذ إبراهيم واسحق ويعقوب ويوسف وداود وغيرهم إلى مجيء المسيح يسوع تبارك اسمه، فالخبز كان هو الشيء الوحيد الذي أعطاه نبي الله إبراهيم لجاريته هاجر وابنها إسماعيل يوم صرفها من بيته، إذ يقول الكتاب: “فبكَّر إبراهيم صباحًا وأخذ خبزًا وقربة ماء وأعطاهما لهاجر، واضعًا إياهما على كتفها، والولد، وصرفها. فمضت وتاهت في برية بئر سبع.”
ومن بعده، ظهرت أهمية الخبز في حياة اسحق ابن إبراهيم في أمر بركته لابنه يعقوب، المتعقب والأناني والمكار المخادع لأبيه، بدلًا من بركته لبكره عيسو، المستبيح والمستهين ومحتقر البركة، إذ يدوِّن الكتاب المقدس في هذا الشأن ما نصه: “وأعطت (رفقة أم يعقوب) الأطعمة والخبز التي صنعت في يد يعقوب ابنها.” وهكذا كان الحال مع يعقوب أبي الأسباط، حيث كان كل ما طلبه من المولى سبحانه وتعالى، حسب ما دوَّنه الكتاب المقدس، عندما فر هاربًا من وجه أخيه عيسو هو خبزًا ليأكل وثيابًا ليلبس، وذلك في قوله تعالى: “ونذر يعقوب نذرا قائلًا: ’إن كان الله معي، وحفظني في هذا الطريق الذي أنا سائر فيه، وأعطاني خبزًا لآكل وثيابا لألبس، ورجعتُ بسلام إلى بيت أبي، يكون الرب لي إلهًا.‘” وفي نهاية أيامه، في زمن المجاعة التي عمت الأرض كلها، أرسل يعقوب أولاده إلى مصر ليبتاعوا قمحًا، وهو المكوِّن الأساسي لرغيف العيش، حيث أن مصر كانت المكان الوحيد في العالم كله المتوفر فيها القمح “أي الخبز” بكثرة، ثم نزل هو وكل مَن له ليتغربوا بها لمدة 430 سنة، وتحملوا أصناف العذاب فيها بعد موت يوسف إلى أن أخرجهم نبي الله موسى، وقد كان نزولهم من الأصل بسبب مجاعة القمح والاحتياج للخبز في العالم.
ليس ذلك فقط، بل أن العليم بكل شيء، الفعال لما يريد، أدخل الخبز في العديد من وصاياه وأوامره وإكرامه أو عقابه للناس، فجعله جزءًا ملزمًا في عملية مسح الكاهن في العهد القديم ليقوم بخدمة كهنوته، كما جاء في القول الإلهي: “ورغيفًا واحدًا من الخبز وقرصًا واحدًا من الخبز بزيت ورقاقة واحدة من سلة الفطير التي أمام الرب. وتضع الجميع في يدي هرون (الكاهن) وفي أيدي بنيه وترددها ترديدًا أمام الرب.” وقال سبحانه إن الكاهن يكون مقدسًا، أي مخصصًا لله ومُطَهَرًا، لأنه يقرب خبز الله كما في القول: “فتحسبه (أي الكاهن) مقدسًا لأنه يقرب خبز إلهك. مُقَدَّسَا يكون عندك لأني قدوس أنا الرب مقدسكم.” وأمر القدير الكهنة في القديم أن يخبزوا في يوم السبت من كل أسبوع الخبز المعروف بخبز الوجوه ويوضع على المنضدة التي في القدس قائلًا: “وتجعل على المائدة خبز الوجوه أمامي دائما”، كما جعل سبحانه الخبز في أغلب التقدمات التي كان على الإنسان تقديمها لله طاعةً لأوامره سبحانه، فعلى سبيل المثال لا الحصر يقول المولى للشعب: “من مساكنكم تأتون بخبز ترديد رغيفين عشرين يكونان من دقيق ويخبزان خميرًا باكورة للرب.”
ولعل من أعجب ما ورد عن رغيف العيش في الكتاب المقدس هو ذكره في عملية اختيار الملوك وتنصيبهم على شعوبهم، وكأن المولى تبارك اسمه أراد أن يلفت نظر الرؤساء والملوك والحكام إلى أهمية رغيف العيش لدى شعوبهم منذ اللحظة الأولى لحديثه معهم عن مُلْكِهم أو سلطانهم على الشعوب. ففي أمر تولي شاول ابن قيس أول ملوك إسرائيل ومسحه ملكًا بواسطة صموئيل النبي، يقول تنزيل الحكيم العليم: “فأخذ صموئيل قنينة الدهن وصب على رأسه (على رأس شاول) وقَبَلَه وقال: أليس لأن الرب قد مسحك على ميراثه رئيسًا”، ثم تنبأ له صموئيل بما سيحدث معه بعد أن مسحه قائلًا: “وتعدو من هناك ذاهبًا حتى تأتي إلى بلوطة تابور فيصادفك هناك ثلاثة رجال صاعدون إلى الله، إلى بيت إيل، واحد حامل ثلاثة جداء، وواحد حامل ثلاثة أرغفة خبز، وواحد حامل زق خمر. فيسلمون عليك ويعطونك رغيفي خبز فتأخذ من يدهم.”
وهكذا كان الحال إذا ما أراد الله أن يعاقب شعبه أو أي من شعوب الأرض وغضب عليهم لشرهم وعصيانهم أنه يَحْرِمُهُم من رغيف العيش، ففي عقابه تعالى لعالي الكاهن بإنهاء كهنوته وإقامة صموئيل عوضًا عنه قال له: “ويكون أن كل مَن يبقى في بيتك يأتي ليسجد له (للكاهن الجديد) لأجل قطعة فضة ورغيف خبز ويقول: ضُمَني إلى إحدى وظائف الكهنوت لآكل كسرة خبز. ” وعندما أرجع داود، الملك الثاني على إسرائيل بعد شاول، تابوت الرب إلى خيمته في مدينة داود، بارك داود الشعب “وقسم على جميع الشعب على كل جمهور إسرائيل رجالًا ونساءً على كل واحد رغيف خبز وكأس خمر وقرص زبيب. ثم ذهب كل الشعب، كل واحد إلى بيته.” أفلا يدلنا هذا الفعل من الملك داود على أهمية رغيف الخبز أو العيش لدى كل الشعب، الغني منهم والفقير، القادر على شرائه والحصول عليه بطرق مختلفة، وغير القادر على شرائه والحصول عليه بأية طريقة من الطرق؟ فهل حقًا كان كل إنسان في الشعب يحتاج إلى رغيف الخبز الذي أعطاه لهم الملك داود في تلك المناسبة، أم أن هذا الفعل يدل على ما كان لرغيف العيش من أهمية في فكر الملوك والرؤساء وأيضًا في فكر المولى تبارك اسمه؟ ولا شك أنه ليس هناك أهم وأخطر وأعظم من أن يُسْتَخْدم الخبز كإشارة ودلالة على شخص المسيح يسوع نفسه تبارك اسمه، في كلا العهدين، القديم والجديد، للكتاب المقدس، وهذا يدل على أن رغيف العيش أو الخبز في فكر الله، من الأزل وإلى الأبد، كان وسيظل ممثًلًا لسيد الأرض والسماء، الرب يسوع المسيح، حيث أنه تبارك اسمه هو المصدر الحقيقي والوحيد لشبع الإنسان نفسًا وروحًا وجسدًا، ولذا قال عن نفسه تبارك اسمه إنه هو خبز الحياة النازل من السماء، والذي يأكله يحيا به إلى الأبد، فعندما حاوره اليهود “فقالوا له: فأية آية تصنع لنرى ونؤمن بك؟ ماذا تعمل؟ آباؤنا أكلوا المن في البرية، كما هو مكتوب: أنه أعطاهم خبزًا من السماء ليأكلوا، فقال لهم يسوع: الحق الحق أقول لكم: ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء، بل أبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء، لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم، فقالوا له: يا سيد، أعطنا في كل حين هذا الخبز، فقال لهم يسوع: أنا هو خبز الحياة. مَن يقبل إلى فلا يجوع، ومَن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا، هذا هو الخبز النازل من السماء، لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت، أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء، إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد، والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم، هذا هو الخبز الذي نزل من السماء. ليس كما أكل آباؤكم المن وماتوا. من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد.‘”
ولعله من الأهمية القصوى أن ننتبه إلى ما يلي ونحن نتكلم عن رغيف العيش:
أ – الشعب، أي شعب في أية دولة أو بقعة في الأرض، يمكن أن يصيروا خَدَمًا أو حتى عبيدًا لمن يعطيهم الخبز. وعلى النقيض، فنقص الخبز وعدم توفره هو الشيء الوحيد الذي يركز عليه الإنسان ويجعله يصف حالته بأنه في مجاعة عند نقصه أو ندرته، ولذا فنقص رغيف العيش كان وسيكون دائمًا هو السبب الأول في ثورات الشعوب ضد قادتها وحكوماتها، وذلك منذ بدء الخليقة وحتى الآن، فأول ثورة قام بها بنو إسرائيل ضد نبيهم موسى كانت بسبب نقص رغيف العيش؛ يقول كتاب الكتب: “فتذمر كل جماعة بني إسرائيل على موسى وهرون في البرية. وقال لهما بنو إسرائيل: ليتنا متنا بيد الرب في أرض مصر إذ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل خبزًا للشبع. فإنكما أخرجتمانا إلى هذا القفر لكي تميتا كل هذا الجمهور بالجوع، فقال الرب لموسى ها أنا أمطر لكم خبزًا من السماء. فيخرج الشعب ويلتقطون حاجة اليوم بيومها. لكي أمتحنهم أيسلكون في ناموسي أم لا. “
إن المطلب الشعبي الأعظم والأكبر من كل الحكام والحكومات في حالة الجوع ليس إلا: “أعطنا خبزًا”، ولعل هذا هو ما يحرك الشارع المصري، وأي شارع في أي مكان وزمان؛ الخبز ثم الخبز ثم الخبز وليس إلا. فالشعب لا يصرخ حقيقةً إلا لنقص الخبز، حتى لو كان يملك الفضة لشرائه، ويصبح مجبرًا على أن يضحى بالفضة في مقابل الحصول على الخبز، لكن الفضة لا بد يومًا أن تفرغ، مهما كان مقدارها، فيعود المرء إلى حالة الصراخ مرة أخرى للحصول على رغيف العيش، كما حدث مع الشعب القديم في زمن المجاعة، حيث صرخ الشعب لفرعون وضحوا بأموالهم ثم بفضتهم ثم اضطر الشعب أن يضحي بمواشيه التي كانت مصدر دخل ورزق ووسيلة للتنقل وخدمة له ولأرضه، ثم ضحوا بأرضهم، وفي النهاية كان لابد لهم أن يضحوا بأغلى ما لديهم، أجسادهم وأجساد أولادهم وحريتهم وطلبوا أن يصيروا عبيدًا لفرعون في مقابل حصولهم على رغيف العيش، حيث لم تكن هناك يومها حلول أخرى، فالشعب جائع فقير، عبيد لا يملكون من أمرهم شيئًا ولذا فهم غير قادرين على الثورة ضد فرعون أو التعبير عن رفضهم لحالة مصر يومئذٍ؛ شعب أعزل إذا ما عبَّر عن رأيه وسخطه وحاجته كان سيُزَج به في غياهب السجون، ولن يسمع صوته أحد حيث لم يكن لديهم “فيسبوك” أو أي من وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي لن يمد لهم أحد يد العون، ولم تكن “عصابة” الأمم المتحدة قد تكونت بعد، ولا محكمة العدل الدولية، ولا اليونيسكو والبنك الدولي وغيرها. والحقيقة، أن أخطر ما يمكن أن يضحي به الشعب هو حريته التي خلقهم المولى عليه ويقبل العبودية لفرعون وحكومته ولمشرِّعين أقل ما يقال عنهم إنهم أنانيون لا يهتمون برجل الشارع العادي ماداموا هم وعائلاتهم ينعمون بعيش رغد في حماية الفرعون الذي ولى عليهم يومئذٍ عبدًا صغير السن غريب الجنس ومختلف الطباع، إذ يقول الكتاب: “ولم يكن خبز في كل الأرض، لأن الجوع كان شديدًا جدًا. فخورت أرض مصر (التي وصفها الكتاب يومًا بالقول بأنها “كجنة الرب، كأرض مصر”) وخورت أرض كنعان (التي وصفها الكتاب بأنها أرض تفيض لبنًا وعسلًا) من أجل الجوع. فجمع يوسف كل الفضة الموجودة في أرض مصر وفي أرض كنعان بالقمح الذي اشتروا، وجاء يوسف بالفضة إلى بيت فرعون. فلما فرغت الفضة من أرض مصر ومن أرض كنعان أتى جميع المصريين إلى يوسف قائلين: أعطنا خبزًا، فلماذا نموت قدامك؟ لأن ليس فضة أيضًا. فقال يوسف: هاتوا مواشيكم فأعطيكم بمواشيكم، إن لم يكن فضة أيضًا. فجاءوا بمواشيهم إلى يوسف، فأعطاهم يوسف خبزًا بالخيل وبمواشي الغنم والبقر وبالحمير. فقاتهم بالخبز تلك السنة بدل جميع مواشيهم.”
ولما تمت تلك السنة، أتوا إليه في السنة الثانية وقالوا له: لا نخفي عن سيدي أنه إذ قد فرغت الفضة، ومواشي البهائم عند سيدي، لم يبق قدام سيدي إلا أجسادنا وأرضنا. لماذا نموت أمام عينيك نحن وأرضنا جميعًا؟ اشترنا وأرضنا بالخبز، فنصير نحن وأرضنا عبيدًا لفرعون، وأعط بذارًا لنحيا ولا نموت ولا تصير أرضنا قفرًا. فاشترى يوسف كل أرض مصر لفرعون، إذ باع المصريون كل واحد حقله، لأن الجوع اشتد عليهم. فصارت الأرض لفرعون.”
ب – الأمر الثاني الذي لابد من ملاحظته بكل دقة هو أن الخبز ليس فقط لملء البطون بل لتقويم وسند القلوب، لتستطيع أن تجتاز في برية هذه الحياة، فمن لا يجد خبزًا ليسد به جوع جسده لابد أن ينحرف قلبه ويذهب وراء أي شيء، وكل شيء، مهما كان خاطئًا أو شريرًا أو مدمرًا له ولمن حوله. وقد عبَّر نبي الله إبراهيم عن هذه الحقيقية حينما جاءه الرجال الثلاثة الذين بشروه بغلام اسمه اسحق، يوم أن كان كهلًا وكانت امرأته عاقرًا، حيث يقول الكتاب: “فرفع (إبراهيم) عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه. فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض، وقال: يا سيد، إن كنتُ قد وجدتُ نعمة في عينيك فلا تتجاوز عبدك. ليؤخذ قليل ماء واغسلوا أرجلكم واتكئوا تحت الشجرة، فآخذ كسرة خبز، فتسندون قلوبكم ثم تجتازون، لأنكم قد مررتم على عبدكم. فقالوا: هكذا تفعل كما تكلمت. “
ج ـ قد يجبر الجوع للخبز الإنسان على التطرف وعمل أغبى وأخطر الأشياء التي يظل يعاني منها طيلة حياته، تمامًا كما عمل عيسو ابن اسحق أخو يعقوب أبو الأسباط عندما باع بكوريته، أي مكانته كبكر في العائلة، تلك البركة التي كان من الممكن أن يرثها عيسو والتي باعها بالخبز الذي حصل عليه من يعقوب، فيقول الكتاب: “فأعطى يعقوب عيسو خبزًا وطبيخ عدس، فأكل وشرب وقام ومضى. فاحتقر عيسو البكورية.”
د – وعلى الجانب الآخر، قد يعيد الاحتياج إلى الخبز الإنسان إلى نفسه وعقله بعد انحرافه وعصيانه وتمرده على معيشته كما جاء بأحد أمثال السيد المسيح التي قالها لمن التفوا حوله في القديم. جاء هذا فيما نطلق عليه مثل الابن الضال، والذي تمرد على أبيه وأخذ ما يصيبه من مال، قبل وقته، وسافر إلى كورة بعيدة عن بيت أبيه، وبذَّر ماله بعيش مسرف، واحتاج إلى الخبز واشتهى أن يملأ بطنه من أكل الخنازير، والتي اضطر أن يعمل في حقولها ليأكل خبزًا، وفي النهاية قال عنه كتاب الكتب: “وكان (الابن) يشتهي أن يملا بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله فلم يعطه أحد. فرجع إلى نفسه وقال: كم من أجير لأبي يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعًا. أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له: يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقًا بعد أن ادعى لك ابنًا. اجعلني كأحد أجراك.”
هـ – قد يُستخدم الخبز في خداع الشعوب والآباء والناس جميعًا، كما خدع يعقوب أبو الأسباط أباه بموافقة والدته وتجهيزها له الطعام والخبز الذي أدخله إلى أبيه فظنه عيسو بكره فباركه، وفي ذلك يقول الكتاب: “وأعطت (رفقة أم يعقوب) الأطعمة والخبز التي صنعت في يد يعقوب ابنها.” فأكل إسحق مما قدم له يعقوب من الخبز وباركه.
وـ من أخطر وأهم الأمور التي يتحتم علينا الانتباه إليها أن الشخص الأمين في دوافعه، والحكيم في تصرفاته، والممتلئ من روح الله هو وحده القادر على حل مشكلة نقص ودعم رغيف الخبز من عدمه، وهو الذي يؤتمن على كل ما في الدولة أو البيت، وهو الذي يترك له الشعب حرية التصرف المقنن لكل ما يعمله في موضعه القيادي ويأتمنه على اتخاذ القرارات حتى التي تتعلق بأهم ما في حياتهم أي “رغيف العيش”. وهذا عين ما حدث مع يوسف ابن يعقوب عندما نزل عبدًا إلى مصر، فلقد ذكر عنه تنزيل الحكيم العليم، الكتاب المقدس: “وأما يوسف فأُنزل إلى مصر، واشتراه فوطيفار خصي فرعون رئيس الشرط، رجل مصري، من يد الإسماعيليين الذين أنزلوه إلى هناك. وكان الرب مع يوسف فكان رجلًا ناجحًا، وكان في بيت سيده المصري. ورأى سيده أن الرب معه، وأن كل ما يصنع كان الرب ينجحه بيده. فوجد يوسف نعمة في عينيه، وخدمه، فوكله على بيته ودفع إلى يده كل ما كان له. وكان من حين وكله على بيته، وعلى كل ما كان له، أن الرب بارك بيت المصري بسبب يوسف. وكانت بركة الرب على كل ما كان له في البيت وفي الحقل، فترك كل ما كان له في يد يوسف. ولم يكن معه يعرف شيئًا إلا الخبز الذي يأكل.”
والعجيب والذي أثق فيه هو أن مسألة دعم ثمن رغيف العيش قضية شائكة وخطيرة تواجهها كثير من بلدان العالم اليوم، إلا أنه يبدو لنا كمصريين أن أرض مصر هي وحدها التي تشكو من نقص رغيف العيش، وتشكو من التلاعب في إنتاجه ووصوله لمستحقيه فقط، ومن غلو ثمنه إذا ما تم رفعه، وتختلف قياداتها بعضهم مع بعض حول مسألة رفع سعر رغيف العيش من عدمه، مع أن كتاب الكتب، الكتاب المقدس، قال عن مصر في سني الجوع التي اجتاحت جميع بلدان العالم في القديم: “وابتدأت سني الجوع تأتي كما قال يوسف، فكان جوع في جميع البلدان وأما جميع أرض مصر فكان فيها خبز.” فما الذي حدث وما الذي تغيَّر حتى تصبح مصر هي الدولة التي تشكو من سعر رغيف الخبز بعد أن كانت الدولة التي تمد العالم كله بالخبز؟ هل لأنه لا يوجد الفرعون الذي يحذِّره المولى تبارك اسمه، سواء من خلال حلم أو من خلال مستشاريه أو وزرائه، من أن هناك احتياجًا أساسيا ومُلحا لرغيف العيش للفئة الفقيرة من الشعب الفقير؟ أم لأنه لا يوجد في دولة الفرعون يوسف الذي يمكنه أن يتصل بالسماء ويستطيع أن يأخذ من ربها سبحانه مباشرةً حلولًا لمشكلاتها، وخاصةً المتعلقة برغيف العيش؟ أم أن هناك يوسف، وربما أكثر من يوسف، في مصر لكنه محبوس في السجون على اختلاف أنواعها، بسبب أنه يريد أن يحيا أمينًا ولا يصنع الشر العظيم ويخطئ إلى الله كما كان يوسف ابن يعقوب؟ أم أنه لا يوجد حول الفرعون مَن ينبهه أن هناك، على الأقل، مسجونًا واحدًا في دولته، لسبب أو لآخر، به روح الله القدوس، مسجونًا أُلقي في سجن مصر بأمر من وزير داخليته، كما حدث من رئيس سقاة فرعون يوسف، والذي قال له عن وجود يوسف في السجن وقال إنه وحده هو الذي يستطيع أن يشير عليك يا سيادة الفرعون كيف يمكنك أن تجعل مصر ومَن فيها ليس فقط يشبعون من الخبز بل ويفضل عنهم ويكونون سبب شبع لبلدان العالم كله أيضًا؟ لقد فطن الفرعون بعد تفسير حلمه بواسطة يوسف في القديم إلى أن مشكلة القمح ونقص الخبز في مصر القديمة هي مشكلة روحية وليست فقط مشكلة زراعية أو مائية بالدرجة الأولى، ويبدو هذا من أن مشكلة نقص رغيف العيش والمجاعة الآتية إلى مصر جعلت الله نفسه، سبحانه، يتدخل ويبلغ الفرعون بما سيحدث في مصر، ولذا فطن الفرعون أنه لا يمكن حلها إلا بتدخل الله وحده لإنقاذ مصر في وقت المجاعة من خلال رجل به روح الله على حد تعبيره. ولم يخجل الفرعون أو يستكبر أو يستنكف من أن يلجأ إلى يوسف ويسمع منه حل مشكلته التي أعلنها له الله في حلمه، وهو شاب في الثلاثين من عمره، جاء إلى مصر عبدًا، ثم أصبح سجينًا، وهو غريب الجنس عن مصر والمصريين. ولم يخجل الفرعون من أن يوليه على كل أرض مصر وعلى كل المحيطين به من المسئولين المصريين، الأحرار وليسوا العبيد، كبار السن والمكانة والخبرة من رجال البلاط الفرعوني، وليسوا من صغار السن ممن لا خبرة لهم في إدارة شئون البلاد، لأن السبب الأول والرئيسي في عقل فرعون كان هو إحساسه بالمسئولية تجاه مصر وشعبها، واستعداده لعمل أي شيء، وكل شيء، ينقذه وينقذ بلاده من الاحتياج لرغيف العيش، ففي ذلك يدوِّن الكتاب المقدس عن فرعون بعدما فسر له يوسف حلمه: “فقال فرعون لعبيده: هل نجد مثل هذا رجلًا فيه روح الله. ثم قال فرعون ليوسف: بعد ما أعلمك الله كل هذا، ليس بصير وحكيم مثلك. أنت تكون على بيتي، وعلى فمك يقبل جميع شعبي إلا أن الكرسي أكون فيه أعظم منك. ثم قال فرعون ليوسف: انظر، قد جعلتك على كل أرض مصر. وخلع فرعون خاتمه من يده وجعله في يد يوسف، وألبسه ثياب بوص، ووضع طوق ذهب في عنقه، وأركبه في مركبته الثانية، ونادوا: أمامه اركعوا. وجعله على كل أرض مصر. وقال فرعون ليوسف: أنا فرعون. فبدونك لا يرفع إنسان يده ولا رجله في كل أرض مصر.”، “ولما جاعت جميع أرض مصر وصرخ الشعب إلى فرعون لأجل الخبز، قال فرعون لكل المصريين: اذهبوا إلى يوسف، والذي يقول لكم افعلوا.”
واليوم وفي هذه الأحداث التي تمر بها مصر فيما يتعلق برفع سعر رغيف العيش، أقول لها ولرئيسها الذي أثق أنه رجل حكيم محب لشعبه وبلده وعلى استعداد أن يعمل أي شيء، وكل شيء، يمكنه عمله لرفع العبء عن كاهل محدودي الدخل والمحتاجين لرغيف العيش، أقول له لا أنا بل الرب الإله:
أـ إن لديك في مصر أكثر من يوسف يمكنه أن يدلك من خلال روح الله القدوس على الطريقة التي تخرج بها من أزمة رفع سعر رغيف الخبز، فاطلب وستجدهم إن شاء الله من المستعدين.
ب ـ وإن لم تكن على استعداد أنت ومستشاريك لمقابلة يوسف فتعالوا إلى رب يوسف، ربي وربكم المسيح يسوع، فهو الذي قال عن نفسه إنه خبز الحياة كما سبقت الإشارة، وهو الوحيد القادر على ملء أرض مصر بالخير الوفير.
وفي رأيي الخاص، وحسب المنطق البشري السليم، إنه ما من رئيس، أي رئيس، لأي بلد، عاقل أو حتى لديه نصف عقل، محب لشعبه ودولته، يرغب في أن يرفع سعر رغيف العيش دون أن يكون مضطرًا لذلك، وهو لا شك يعمل لصالح شعبه ودولته، ولا يمكن أن يكون ذلك خياره الأول، وخاصةً إذا كان من بين شعبه مَن هم غير قادرين بالفعل على شراء الرغيف بسعره الحالي قبل الرفع، فكم وكم بعد رفع سعره. لكن في الوقت نفسه، وعلى الجانب الآخر، ما من رئيس عاقل أو نصف عاقل محب لشعبه ودولته يمكن أن يدعم رغيف العيش ليلتهمه القادرون على دفع أضعاف ثمنه عند شرائه، ويتركهم يختطفونه ويلتهمونه من يد الفقراء والمعدمين والمحتاجين إليه أكثر من أي شيء آخر في حياتهم، أو أن يترك هؤلاء القادرين على شرائه حتى بعد رفع سعره ليلقوا رغيف العيش المدعم لكلابهم التي يتباهون بامتلاكها، أو لحيواناتهم التي يربونها ليبيعوا لحمها للقادرين على شرائها فتدر عليهم من المال ما لا يمكن أن يتخيله العقل البشري. لذا فلابد من إيجاد حل لهذه المشكلة الدائمة المستمرة عند نقص تواجد رغيف العيش منذ أن خلق الله آدم وحواء وحتى يومنا هذا.
ج ـ إن الرب يسوع المسيح، لكونه الفعال لما يريد والقادر في ذاته كالله الظاهر في الجسد، هو الوحيد الذي يستطيع أن يشبع الجياع خبزًا، سواء أكان الخبز المقصود هنا هو خبزًا حرفيًا مصنوعًا من دقيق لإشباع الجسد أم خبزًا معنويًا أي إشارة للإشباع الروحي والنفسي للإنسان، فالمسيح يسوع تبارك اسمه، في خدمته بالجسد على الأرض، هو الذي أشبع حرفيًا وجسديًا الخمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأطفال بخمسة أرغفة وسمكتين، ثم أشبع 7 آلاف بسبعة أرغفة وسمكات قليلة، وهو أيضًا مَن أشار إلى نفسه روحيًا بأنه الخبز الحي النازل من السماء كما سبقت الإشارة.
وبناءً على الحقائق السابقة، ووفقًا للمنطق الإنساني السابق، وحيث أنني لستُ خبيرًا بحل مثل هذه القضايا المصيرية الحساسة الخطيرة، فسأضع بعض الحلول لهذه المشكلة من وجهة نظري كمواطن مصري:
1ـ إن أولى خطوات الحل لمشكلة عدم الحصول على رغيف العيش هي في معرفة أن الله هو الوحيد القادر على حل هذه المشكلة وأنه وحده القادر حتى على أن يمطر الخبز من السماء، لذا فالحل في منشأه هو الجالس على العرش سبحانه، لا رئيس ولا مرؤوس مهما كانت قدراته وإمكانياته وحكمته وإخلاصه لشعبه ووطنه، وما الرؤساء والمسئولون إلا منفذون لأوامره تبارك اسمه، فلقد قال الله للشعب القديم: “وتعبدون الرب إلهكم. فيبارك خبزك وماءك وأزيل المرض من بينكم.” وعندها “يلحق دراسكم بالقطاف ويلحق القطاف بالزرع فتأكلون خبزكم للشبع وتسكنون في أرضكم آمنين.”
وكما علَّمنا الكتاب المقدس فإن الله هو الذي يقدم بذارًا للزارع ويكثر بذارنا ويقدم خبزًا للآكل، وذلك في قوله: “والذي يقدم بذارا للزارع وخبزًا للآكل سيقدم ويكثر بذاركم وينمي غلات بركم.” ولذا فلا بد من الرجوع إلى الله سبحانه بتواضع وبتوبة من القلب، وطلب وجهه والصفح والغفران منه، والصلاة له قائلين: “أبانا الذي في السموات، ليتقدس اسمك في مصر، ليأت ملكوتك على مصر، لتكن مشيئتك في أرض مصر، خبزنا كفافنا، أعطنا كل يوم نحن المصريين، واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير.” عندئذٍ سيسمع سبحانه من سماه، ويغفر خطيتنا ويبرئ أرضنا.
لقد قدم تلاميذ المسيح المثل الأعلى في التعامل مع الخبز، وفي الإيمان وتطبيق المبادئ الإلهية الخاصة بالحصول على الخبز، والواردة في سفر الأمثال كمثل: “المشتغل بأرضه يشبع خبزًا وتابع البطالين يشبع فقرًا”، حيث لم يأكل أي من الرسل وتلاميذ المسيح تبارك اسمه خبزًا مجانًا أو مدعمًا من أحد بل اشتغلوا بتعب وكد ليلًا ونهارًا لكي لا يثقلوا على أحد، لا دولة ولا رئيس ولا كنيسة ولا حتى صديق، ففي ذلك قال بولس: “ولا أكلنا خبزًا مجانًا من أحد، بل كنا نشتغل بتعب وكد ليلًا ونهارًا، لكي لا نثقل على أحد منكم.” وقد أوصى الروح القدس الناس واعظًا إياهم بفم بولس الرسول قائلًا للذين لا يريدون أن يشتغلوا ليأكلوا خبزهم الذي لابد أن يتعبوا للحصول عليه: “فمثل هؤلاء نوصيهم ونعظهم بربنا يسوع المسيح أن يشتغلوا بهدوء، ويأكلوا خبز أنفسهم.”
2ـ لابد أن نعلم أن القدير قد يمنع تواجد رغيف الخبز عن يد وفم شعبه اليوم كما فعل مع شعبه القديم ليعلِّمهم أن الرب إلهك “أذلك وأجاعك وأطعمك المن الذي لم تكن تعرفه ولا عرفه آباؤك لكي يعلِّمك أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل ما يخرج من فم الرب يحيا الإنسان.”
3- لابد للمصريين، وخاصةً المسيحيين منهم، المؤمنين بالمسيح يسوع تبارك اسمه، أن يعلموا أنه إذا كان “مكتوب أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله” إذن فلابد ألا يعيش الأحياء فيما بعد لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام، وألا يعيشوا لمجرد البحث عن الخبز ومحاولة إيجاده بأية وسيلة، مشروعة أو غير مشروعة، “فخبز الكذب لذيذ للإنسان ومن بعد يمتلئ فمه حصى.” ولا ينبغي أن تدور دائرة حياتهم حول الحصول عليه وألا يكتفوا بترديد ما قاله لهم المسيح عندما علَّمهم أن يطلبوا منه، فيما يُعرف بالصلاة الربانية، قائلين: “خبزنا كفافنا أعطنا كل يوم”، فيرددوا هذه الكلمات مجرد ترديد بل أن يؤمنوا بها ويطبقوها في حياتهم بكل أمانة وإخلاص وإيمان، ويكون لسان حالهم ما قاله الحكيم في القديم: “ابعد عني الباطل والكذب. لا تعطني فقرًا ولا غنى. أطعمني خبز فريضتي.” فلو فعلوا ذلك فسيكون جواب الرب لهم: “يعطيكم السيد خبزًا في الضيق وماء في الشدة”، “ثم يعطي مطر زرعك الذي تزرع الأرض به وخبز غلة الأرض فيكون دسمًا وسمينًا وترعى ماشيتك في ذلك اليوم في مرعى واسع.”
4- لابد أن نعلم أن مَن يكون في قدرته أن يعطي رغيف عيش لمحتاج إليه ولا يفعل، وخاصةً من شعب الرب، يفعل الله معه ما قاله لشعبه القديم: “لا يدخل عموني ولا موآبي في جماعة الرب. حتى الجيل العاشر، لا يدخل منهم أحد في جماعة الرب إلى الأبد. من أجل أنهم لم يلاقوكم بالخبز والماء في الطريق عند خروجكم من مصر.”
أما أنت يا شعب الرب، المتوكلين عليه العاملين أمره عند سماع صوت كلامه، والذين تعملون عملكم بكل جد وإخلاص ومثابرة وتعملون كل ما تجده أيديكم وتعملونه بقوتكم، فلا تخف ولا ترتع ولا تحتار إذا ما ارتفع سعر “رغيف العيش”، فالله لا يعدم وسيلة فهو يستطيع أن يبعث لكم ليس خبزكم فحسب بل اللحم أيضًا حتى مع الغراب كما فعل مع نبيه إيليا، فمكتوب عن إيليا النبي في القديم: “وكانت الغربان تأتي إليه بخبز ولحم صباحًا وبخبز ولحم مساءً وكان يشرب من النهر.” ومكتوب: “أيضًا كنت فتى وقد شخت ولم أر صديقًا تخلي عنه ولا ذرية له تلتمس خبزًا.” لكن “لا تحب النوم لئلا تفتقر.افتح عينيك تشبع خبزًا”، وكن كالمرأة الفاضلة المذكورة بكتاب الله الكتاب المقدس والتي “تراقب طرق أهل بيتها ولا تأكل خبز الكسل.”
واعلم أن “الصالح العين هو يبارَك لأنه يعطي من خبزه للفقير.”
وأن عليك مسئولية ليس تجاه أحبائك فحسب، بل لا بد لك من تتميم الأمر الكتابي: “إن جاع عدوك فأطعمه خبزًا وإن عطش فاسقه ماءً”، ولا تحيا لنفسك فقط بل “ارم خبزك على وجه المياه فإنك تجده بعد أيام كثيرة.” واعلم أن رغيف العيش لا يأتي لمجرد نشاطك وعملك فحسب بل بالاستماع لكلامه سبحانه لأنه قال: “لماذا تزنون فضة لغير خبز وتعبكم لغير شبع. استمعوا لي استماعًا وكلوا الطيب ولتتلذذ بالدسم أنفسكم.”
ولنصل معًا حتى يتم الوعد الإلهي: “هوذا أيام تأتي يقول السيد الرب أرسل جوعًا في الأرض لا جوعًا للخبز ولا عطشًا للماء بل لاستماع كلمات الرب.”
فأرسل يا سيدي هذا النوع من الجوع على مصر وكل من فيها حتى يعلم المصريون جميعًا أن حل قضية رغيف العيش ليس في تواجده ودعمه فحسب بل في الاستماع وتنفيذ أوامرك. اللهم اشبع مصر من الخبز ومن كلمتك الحية والفعالة والتي هي أمضى من كل سيف ذي حدين. آمين يا رب العالمين.