إنه ذلك التساؤل الذي شق أغوار الزمن بكل أحقابه وحلقاته حين اصطدم بسؤال كان ردًا وإجابة على نفس السؤال!!!
لكنه لم يكن إجابة شفافة شافية، بل كان كذبًا صارخًا كامنًا ومغلفًا بتجنٍ وقتل وتعدٍ على شقيق لم يكن مثله في كل الأرض. كيف لا ولم تسع الأرض سوى أخوين اثنين لم يحتمل أحدهما الآخر!!!
ولكن ها هي علامات الحيرة والدهشة حين صالت وجالت مترنحة النظر بين هذا وذاك للبحث والنبش عمن يروي غليل استقصائها وبحثها عن حل تلك الأحجية التي لطالما أرقتها واغتالت انسجامها؛ لماذا لا يحاكي مَنْ يزهقون أرواح العباد (هابيل) إن لم يجدوا بدًا من المثول إلى السلم والتآلف والمحبة؟! لماذا لم يكفهم القتل وسفك دماء الأبرياء بل راحوا يقسمون ويتقاسمون ليس ثيابهم فحسب –أي أولئك الذي غادروا الحياة عن دون رغبة منهم– بل خلاياهم مجتمعة أي أبدانهم. وعندما توارت الأبالسة خجلًاً من بعض الأفعال، لم تعترِ البشر أي من حمرة الخجل حينما أخذوا يبيعون ويبتاعون أعضاء وأجزاء البشر بحفنة من الأوراق قد مالوا إليها فمالت بنا الأرض عن توازنها واتزانها….. وهكذا بات المال في مقابل الإنسانية والحياة والوجود بكامل ما يحمله من معانٍ!!!
أي عقاب يستحقه مَنْ نظروا إلى البشر نظرتهم الدونية الدانية؟! وأي قصاص يرتضي أن يلاصق مَنْ أحبوا أبدان البشر من دون البشر أنفسهم؟! أإلى هذا التوحش المستأنس بل التأنس المستوحش لم يدخروا جهدًا ليشخصوا إلى بني آدم كجسد بل كأجزاء منه، لكننا نراهم يعيثون في الأرض طولاً وعرضًا من دون مَنْ يلجم خطاهم ويعصب أعينهم. حينها تحيرت الأذهان والعقول آمرة الأعصاب بالصحو من سباتها مصاحبة معها عددًا لا بأس به من خفقات القلب التي أنَّت من الركض الثابت، كما لم يتورع في ذلك التنفس على زيادة معدلاته الحثيثة وهكذا الدم في زيارته المتسارعة إلى الجسد في عضلاته، وعندها صرخ الخوف مستعليًـا بصوته بأنه المسيطر والمهيمن والباسط أجنحته حول الجميع! وبقدر خروج سكان الجحيم من وهدتهم الجهنمية وتوعدهم لسكان أرضنا هكذا باتت توقعات الأنفس لا تعدو كونها قاتمة اللون، قاسية الحدث، خائبة الظن، خائرة الملامح، مرتعدة التكهن، تائهة الأمان، داكنة الأُطُر، حالكة الكَبِد، في انتظار مَنْ يخلصها ويصحبها عودةً إلى غابر الأيام وما خلا منها أو حتى قيادةً إلى قادم الأيام ونهايتها!!!
ولكن لطالما أخذنا التساؤل: مذ متى كانت فراخ الثعابين تتوالد من غير والد لها؟! وفي أي عهد كانت صغار العقارب تفرخ بلا مفرخ لها؟! فالسببية هي ناموس الوجود، كما أن مبدأ العلة الأولى هو ما تتكئ عليه الكائنات متى كانت وتكونت وباتت في كينونتها كائنةً تشغل من الفراغ مكانًا وحيزًا ومساحة. لكننا نعرف الصغار بلا كبير لهم ونتعارف على المولود من دون أم له، وهكذا مَنْ يفعل الجرم لا بد له من مجرم عتيد يقبع وراء جرمه لكنه متوارٍ في ثنايا الخفاء بلا ظهور وكشف وبيان، ومَنْ يذنب ليس لشيء إلا لكون ثبات مذنب آخر صلب وشديد يسانده ويؤازره بكل عون ودعم ومداد لكنه في أعماق المجهول يمرع وينعم ويرفل. فهل من تجلٍ لشمس الحق فائضة لنا بما تجود به من حقائق وحقوق؟! أم سنظل نرزح تحت ثقل الهم والهموم لا نعرف لصفاء موج الحياة دربًا وسبيلًا؟! هل سيتخلل قلوبنا ونفوسنا وأرواحنا الحَيْرة المرتكنة إلى كثرة الاضطراب وقلة السكينة، أم سوف نهتدي إلى ما يرنو لكل حدب وصوب بغير موطن له – السلام! نسكن الأرض وتسكننا الرهبة ونتطلع للسكنى بين قوسي الأمن الأمان لعلنا نجد وجودنا بعد تشرذمه وتنثره إلى حيث لا وجود له!!!