في اليوم الثاني من شهر أغسطس من عام ألف وتسعمائة وواحد وسبعين..
كان ذلك على سطح القمر.
قام الفضائي ديفيد سكوت بوضع الخاتم البريدي على أول طابع من الإصدار الجديد، والمخصص لذكرى إنجازات الولايات المتحدة الأمريكية.
لن أنسى تعبير الاندهاش على وجهه، وهو يقول عبر شاشات التلفاز حول العالم: “سوف أبيّن أن الخدمة البريدية عندنا ممتازة، ونستطيع إيصال الرسائل إلى أي مكان في الكون!”
وعندما نطق ديفيد سكوت بهذه الكلمات انطلقت رسالته وانتشرت..
وشعرتُ في ذلك الوقت بتغيير عميق يحدث في أعماقي، وبأن الشوق ملأني لأقنع نفسي بأنني أرى بوضوح سلم يعقوب يصل ما بين السماء والأرض، وأسمع بإيمان ويقين صوت يوحنا الرائي ليصبح الطريق، بعد ذلك، ممهدًا لأعيش حياتي على أنوار الأبدية والخلود!
إن هؤلاء الذين جاءوا من وراء الكتب العلمية وشقوا طريقهم إلى أرض القمر، مضحين بالمال وبالحياة الشخصية، ومتخطين كل المعوقات، لينالوا شرف الهبوط عليه، والسير على أديمه الذي لم يمسسه من قبل بشر.. ها هم يحثونني بكلمات لا يمكن أن تزول لأنها تنطوي على قيمة دائمة، وبريق لا يخبو، وتتفاعل حروفها على الدوام كقوة مرشدة، على أن ابدأ من الكتاب المقدس طريقي الخاص للوصول إلى كوكب الفردوس، ذلك الكوكب العظيم الذي يفوق في مجده كل كواكب الكون.
وكلما أتى اليوم الثاني من كل شهر أغسطس كل عام أراجع مسار سفينتي التي تسافر عبر سنوات عمري المتاحة لي، بأشواق حلم الوصول إليه، ناظرًا إلى ذراع الرب القديرة، التي تدفعني متألقًا بروح سماوية، تعلو على الزمن، وتتخطى الموت، متحررة من قيود المادة والأباطيل، ومحلقة في سنا أجواء الحب والجمال والكمال، لأنال شرف ارتياده، والتمتع بأمجاده الزاخرة بالحياة الأبدية المترامية إلى ما لانهاية!
لقد أحببتُ الحياة لكي أجتهد في الوصول إلى الفردوس.. ومَنْ لا يحب الرحيل لكي يحيا فيه؟!