العدد 154 الصادر في يوليو 2018 ردود الأفعال الشيطانية ضد حركة الإنجيلية
لعله من المهم والحتمي في بداية مقالي هذا أن أوضح أن المقصود بكلمة الإنجيلية المدرجة في عنوان هذا المقال “ردود الأفعال الشيطانية ضد حركة الإصلاح الإنجيلية”، تعود على التعاليم الكتابية الواردة في الإنجيل ولا تخص مذهبًا أو طائفة بعينها، كالطائفة الإنجيلية بمصر، بل تتضمن الحديث عن كل الطوائف المسيحية التي تسير أو لا تسير وفقًا لتعاليم الكتاب المقدس عامة والإنجيل خاصة.
ولا شك أنه من عجائب الطبيعة، إن هناك الكثير من القوانين والمسلمات التي تحكم كل شيء في عالمنا المادي الذي نعيش فيه، سواء أكنا نعرفها وتم اكتشافها أم مازالت هذه القوانين والمسلمات في عداد الأسرار التي يسعى الإنسان لاكتشافها، وهذا أمر سهل على الناس تصديقه ورؤيته أو الإيمان به دون أن تراه، لكن القضية التي أتناولها بالذكر والتحليل في هذا المقال، وهي قضية “ردود الأفعال الشيطانية ضد حركة الإصلاح الإنجيلية”، نظرًا لأنها ليست قضية مادية ملموسة يمكن إدراكها بالحواس المجردة، فالغالبية العظمى من الناس لا تدركها ولا تقبلها ولا تريد التعامل معها، بالرغم من وجودها وتأثيرها وتشكيلها لكل الملموسات المنظورات من الظواهر والمتغيرات التي يمر بها العالم اليوم، كما تمر بها الكنيسة أيضًا كجزء يحيا في هذا العالم الذي وصفه كتاب الكتب، الكتاب المقدس، “بالعالم الحاضر الشرير”.
فكما أنه هناك في الطبيعة قانون يعرف بقانون نيوتن، الذي ينص على أن “لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه”، هناك عند الشيطان الخبيث عدو النفوس نظرية روحية يطبقها دائمًا ضد الكنيسة والأفراد، وهذه النظرية هي أنه “لكل فعل روحي رد فعل روحي، أقوى منه في المقدار، ومضاد له في الاتجاه”، ولذا فقد رأى الشيطان أن حركة الإصلاح التي بدأت في القرن الخامس عشر على يد مارتن لوثر، الراهب الكاثوليكي كلفته خسارة الكثير من النفوس التي تحررت من عبوديته ومن ضلال الكهنة والباباوات وجعلت الكتاب المقدس في متناول المسيحي العادي رجل الشارع، ولم يعد مخفيًا عن أنظار العامة، ولا يحتاج إلى كاهن أو بابا لتفسيره، فطبق المشتكي والحية القديمة نظريته الروحية “لكل فعل روحي رد فعل روحي، أقوى منه في المقدار، ومضاد له في الاتجاه”، وخاصة فيما يتعلق بالكنيسة الشرق أوسطية والتي مازلنا نحصد نتائجها حتى الآن وسنحصدها إلى ما شاء الله، فبالرغم من أن الكنيسة في الشرق الأوسط تتشدق بأنها هي الكنيسة التي حفظت الإيمان القويم حتى اليوم، وأنها كنيسة الشهداء وأنها الكنيسة الأم، وغيرها من الألقاب التي تعودنا على سماعها، إلا أن الحقيقة هي أنه ما أبعد إيمان وتعاليم أثناسيوس الرسولي، ومعاصريه عن إيمان وتعاليم قادة الكنيسة ورعاتها وشعبها اليوم على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم ومعتقداتهم.
فرد الفعل الشيطاني للفعل، الذي هو ثورة الإصلاح، كان بأنه نجح في تفريغ الإصلاح الذي قامت به حركة الإصلاح الإنجيلي من مضمونه، وجعله مجرد ذكرى يحتفل بها بالتجمعات والاجتماعات والترنيمات والكنتاتات لا منهج يتبع، ودرب لا بد من السير فيه، بالرغم من وعورته وصعوبة اجتيازه بسبب الأحجار الكثيرة التي تعيق السائرين المخلصين الراغبين في تعديل المسار الكنسي باستمرار، فلا مانع لدى الشرير أن نحتفل بالذكرى لكن مفرغة من مضمونها، فتكون فقط مجرد فكرة. فعندما وصلت حركة الإصلاح بما يزيد عن مائتي عام إلى مصر كان رد فعل الكنيسة القبطية المصرية اعتبار أنها حركة مستوردة، حرب ضد الكنيسة الأم، عدوان على كيانها وصناعة أجنبية ألمانية إنجليزية أمريكية، فلا بد من الوقوف ضدها وإخضاعها للنظام المعمول به يومئذ.
وللتدليل على هذه الحقيقة، أذكر على سبيل المثال لا الحصر:
١- قامت الحركة الإصلاحية الإنجيلية على أن “البار بالإيمان يحيا”، ذلك الاكتشاف الخطير الذي اكتشفه مؤخرًا مارتن لوثر، الراهب الكاثوليكي، بالرغم أنه كان صلب كرازة وتعليم وكتابات بولس الرسول منذ بداية عصر الكنيسة، هذا الحق الكتابي المدون في كتاب الله الوحيد، الكتاب المقدس، بآلاف السنين قبل أن يكتشفه مارتن لوثر، ومضمونه وخلاصته هو أنه “بالنعمة أنتم مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله، ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد”. وهذا معناه أن قهر الجسد وصعود درجات سلم الكاتدرائية الكبرى على الركب لغفران الخطايا أو كوسيلة لضمان قبول الله للإنسان، كما كان يفعل مارتن لوثر، وقت اكتشافه لهذه الحقيقة، لا ينفع المرء في شيء، بل الإيمان بشخص المسيح يسوع الذي يبرر الفاجر مجانًا بالإيمان به، وهو تبارك اسمه، غافر الخطايا وماحي الذنوب والزلات، بل وخالق الإنسان من جديد ليصبح خليقة جديدة أو بتعبير كتابي آخر “مولود من الله”، وهكذا عاش آباء الكنيسة الأولى بهذا الإيمان والمفهوم الكتابي الصحيح وعلموه لمعاصريهم لعدة قرون، حتى وضع العدو رد فعل مضاد لهذه التعاليم، فأصبح البار في أذهان الكنيسة اليوم هو من يعيش لا بالإيمان بشخص المسيح الذي أنزل لنا “بالنعمة أنتم مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد”، بل البار هو من يعيش بأعماله الصالحة وحياة المسكنة والتوحد والبعد عن العالم، وحتى الخلاص من الخطية ومغفرة الذنوب ودخول الملكوت الإلهي أصبح بممارسات وصلوات مكررة محفوظة وطقوس من معمودية ورشم بالزيت والاعتراف والتناول والسير وفقًا لما أسمته الكنيسة أسرارًا، وإلا فلا خلاص ولا حل ولا بركة ولا دخول للحياة الأبدية ولا غفران للخطايا ولا انضمام لجسد المسيح.
ولم يكتف العدو الشرير بهذا الفعل المضاد لثورة التصحيح، بل طور من خطته القديمة، إذ وجد أن الذين يؤمنون أن الخلاص بأعمال الجسد كما تقدم هم فئة قليلة من البشر فاخترع لهم في هذه الأيام ما يعرف بـ”لاهوت المحبة الحر”، ومضمونه أن هناك برًا موازيًا لبر المسيح، فالبار موجود في كل أمة وشعب ودين، ووضع الشرير ميزانًا خاطئًا، ونقطة مرجعية غاشة ومضللة، لقبول هذه الفكرة المريضة وهو حدث مجيء المسيح وصلبه ودفنه وقيامته، ووجود أبرار في التاريخ من كل قبيلة وأمة وشعب ودين قبل ذاك الحدث، فأيوب كان بارًا وملكي صادق كان بارًا، ولوط كان بارًا وغيرهم، مع أنهم جميعًا لم يكونوا من شعب الله المختار أو من الإيمان أو البر الإبراهيمي الذي أنجب لنا بر المسيح، حيث لم يكن اختيار شعب الله قد تم بعد، وأصبح هناك لاهوت حرًا غير مقيد بلاهوت المسيح. وإمعانًا في خداع الشرير، أطلق عليه مخترعوه اسم لاهوت “المحبة” الحر، فوضع بذلك الذين لا يؤمنون به أو يقبلون هذه الأفكار الشيطانية في عداد من لا محبة لديهم للآخرين ومن لا يؤمنون بحرية الخلق في اختيار ما يتبعون من لاهوت، والمتعصبين والجهلة وغير الفاهمين وغير الدارسين المتعمقين في اللاهوت، كما عبر عن ذلك زعيم حركة لاهوت المحبة الحر في كتاباته ولقاءاته التليفزيونية.
٢- قامت حركة الإصلاح الإنجيلي على حقيقة ما هو معروف بـ”كهنوت جميع المؤمنين”، تلك الحقيقة التي دونها الكتاب المقدس منذ أيام التلاميذ وكتبة الوحي، ويعرفها جيدًا ويكرهها كثيرًا عدو النفوس، إبليس، حيث تذكره بفشله وخيبة أمله في أن يفصل الإنسان عن خالقه، حتى يتمكن من أخذ الإنسان الذي أسقطه في الخطية معه إلى جهنم النار، حيث جاء المسيح يسوع المخلص وأعتق الإنسان من عبودية الشرير وأقامه معه، وأجلسه معه في السماويات وجعله ملكًا وكاهنًا. كل هذه الحقائق يعرفها الشيطان جيدًا استنادًا إلى قول الكتاب المقدس عن المسيح “ومن يسوع المسيح الشاهد الآمين، البكر من الأموات، ورئيس ملوك الأرض: الذي أحبنا، وقد غسلنا من خطايانا بدمه، وجعلنا ملوكًا وكهنة لله أبيه، له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين. آمين”، ووفقًا لتعاليم الكتاب المقدس عن الكهنة والكهنوت الأرضي الوارد في طول الرسالة، إلى العبرانيين وعرضها، وما جاء في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي في القول “وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين: مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه، لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة، وجعلتنا لإلهنا ملوكًا وكهنة، فسنملك على الأرض”.
ولمعرفة الخبيث بكل هذا كان رد فعله المضاد لهذا الفعل هو أن أقنع الناس أن ليس هناك ما يعرف بكهنوت جميع المؤمنين، فالكهنة هم الدارسون في كليات اللاهوت على اختلاف طوائفها، من وقع عليهم الاختيار ليكونوا كهنة وتم ترشيحهم من كنائسهم أو من رتب كهنوتية أعلى منهم ومن تم رسامتهم كهنة على يد رئيس للكهنة أو رئيس للطائفة أو ما شابه، وهم وحدهم الذين لهم الحق أن يلبسوا الزي الكهنوتي الأسود أو الأبيض أو البالطو الأسود المزركش أو الياقة البيضاء، المهم أن يلبسوا ما يميزهم عن العامة من الناس لا لشيء، إلا لأنهم كهنة أو رتب كنسية، وبالتالي فهم الوحيدون الذين لهم حق الخدمة على المذبح الكنسي المقدس والممسوح بالزيت الزيتوني الأرضي أو هم الوحيدون الذين من حقهم ممارسة ما أسموه “بسر” الأفخارستيا وتقديم جسد الرب ودمه للناس أو تقديم مائدة الرب إلى عامة الشعب، وهكذا الحال مع “سر الزيجة”، و “سر الاعتراف”، و “سر المعمودية”، وغيرها، وأيضًا هم وحدهم الذين لهم الحق أن يتلوا ما أسموه بالبركة الرسولية على الكنيسة وقت انصرافها، وهم وحدهم الذين لهم الحق في منح الحل والبركة أو منعها بـ “لا حل ولا بركة” وأصبح هناك منذ القديم ما يعرف برئيس الكهنة، وسيدنا، وصاحب القداسة، حبيب المسيح، من يقال له في طقس رسامته: “أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق”، “الرب عن يمينك يا أبانا الطوباوي، مع ملاحظة أن الرب هو الذي عن يمين رئيس الكهنة وليس أن رئيس الكهنة هو الذي عن يمين الرب، فكأن رئيس الكهنة هو الذي في الصدارة لا الرب.
٣- قامت حركة الإصلاح الإنجيلي على التساوي بين المؤمنين بالمسيح في كل شيء، وأن جميع المؤمنين المُخلصين المفديين بدم المسيح هم إخوة عملاً بقول الأخ الأكبر يسوع المسيح: “أخبر باسمك إخوتي وفي وسط الجماعة أسبحك”. وساوى الكتاب بين وظيفة القس والشيخ والأسقف ولم يقل الكتاب أبدًا إن أحدهم أعلى رتبة أو مقامًا أو أكثر تقوى أو أقرب مكانة لله من الآخرين، لكن لعلم الشرير أن عقلية المصريين وتطلعاتهم وآمالهم وتاريخهم تدل على خضوعهم واستسلامهم لروح العبودية، منذ أن أجبرهم يوسف ابن يعقوب أن يبيعوا مواشيهم وأرضهم، ثم أنفسهم عبيدًا لفرعون، حتى إنه كثيرًا ما ذكرت كلمة مصر في العهد القديم مقترنة ببيت العبودية وأرض العبودية. فكلمة العبودية وردت في الكتاب المقدس ١٩ مرة، جاءت ١٧ منهم مقترنة بكلمة مصر، ولعلم الشرير بهذه الحقيقة، جعل أبناء الكنيسة في مصر، سواء المخلصين بدم المسيح أم المسيحيين الإسميين، يدعون الرتب الكنسية بأسماء مثل سيدنا أو قدس أبونا، إلخ، تلك الأسماء التي لا تدل من قريب أو بعيد عن أننا جميعًا إخوة والمسيح هو أخونا البكر، كما يعلمنا الكتاب. والويل كل الويل لمن يخطئ في اسم من أسماء الرؤساء أو الرتب أو الرعاة الذين في الرياسة أو الصدارة في أية طائفة أو ملة ومذهب، للدرجة التي عبر لي عنها أحد القسوس، عند كتابتي نقد بناء لرئيس طائفة ما فقامت الدنيا ولم تقعد، قال لي القسيس بالحرف الواحد: “يا دكتور ناجي يمكنك أن تخطئ في المسيح نفسه ولا يلتفت لك أحد ولن تثير انتباه أحد، أما أن تخطئ أو تقول كلمة ما عن الرؤساء، فهذه خطية لا تغفر وسيهب ويسرع وحوش كل طائفة لالتهامك”.
٤- قامت حركة الإصلاح على كشف وفضح ومقاومة روح التدين وأكاذيبه وألاعيبه، التي من أهمها كذبة أن نوال الحياة الأبدية في المسيح ليست بالإيمان به تبارك اسمه “فقط”، بل بالأعمال أيضًا، وكشف أن الحياة الأبدية مع المسيح لا تتوقف على أعمالي الحسنة أو ممارساتي للأسرار الكنسية ولا حتى جهادي الطقسي ضد الخطية، بل على الإيمان القلبي بالذي يبرر الفاجر، وجهادي الروحي الذي بحسب مشيئة الله، أي الاعتماد كلية على دم المسيح يسوع – تبارك اسمه – المسفوك على الصليب والذي يطهر من كل خطية، حيث مكتوب: “بالنعمة أنتم مخلصون بالإيمان… ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد”، فكان رد فعل الشيطان الخبيث أن أقنع الإنسان أن جهاده وممارسته لأسرار الكنيسة هي التي ستضمن له دخول النعيم الأبدي، وبالطبع لن يعرف المسيحي مكان نهايته في الأبدية وهو على الأرض، حيث أنه بالطبع لا يثق أن أعماله كافية لغفران خطاياه ودخوله النعيم، لذا فهو ينتظر يوم الحساب، يوم يقرر الديان العادل أين يذهب، وإن صورت له نفسه وهو على الأرض أنه من أصحاب النعيم الأبدي أتهم من قبل الكنسيين والمتدينين أنه متكبر وأن لا أحد يستطيع أن يتأكد من دخوله النعيم قبل موته، حتى إن البابا الراحل للكنيسة الأرثوذكسية طلب من الأساقفة في خطاب وداعه أن يصلوا لأجله حتى يقبله المسيح في الفردوس، أي إنه فارق الحياة الدنيا وهو ليس على يقين بدخوله الفردوس وفقًا لما خطه بيده من كلمات، فإن كان البابا شخصيًا لا يضمن دخوله الفردوس وهو على الأرض، فمن إذن يضمن، مع أن الكتاب المقدس يؤكد على أن “الصديق واثق عند موته”، أي يعلم إلى أين هو ذاهب، والرسول بولس خط في الوحي الإلهي القول الفصل في هذا الأمر مخاطبًا المؤمنين بالقول: “لأننا نعلم أنه إن نقض بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السموات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد أبدي”. ليس ذلك فقط، بل أوصل إبليس عدو الله والكنيسة الأمر إلى أن باع بعض باباواتها صكوكًا للغفران وامتلاك أراضي الجنة. وقد يظن البعض أن تلك الخطة الشيطانية كانت في ما عرف بالعصور المظلمة وانتهت ولا وجود لها اليوم، لكنني أؤكد أنها مازالت تمارس حتى يوم كتابة هذا المقال، فبعض الكنائس التي تؤمن بوجود مطهر، أي مكان للتطهر من الذنوب والآثام من خلال عذاب مؤقت. يخرج المسيحي المسكين بعده إلى الجنة، تتقاضى الأموال من أهالي الموتى، حتى تذكر لهم ذويهم أثناء قداساتها حتى يسرع الله بإخراجهم من المطهر ويخفف آلامه لهم وينقلهم إلى فسيح جناته، واحدة من هذه الكنائس تبعد عن بيتي بأقل من ميلين، ولم يكتف كاهنها بذلك، لكنه أقنع المترددين على كنيسته أنه بدل أن يدفع المصلى كمية من المال كل أسبوع لذكر أبيه أو أمه أو ابنه في القداس أقنعهم أنهم يمكن أن يدفعوا خمسة آلاف دولار مرة واحدة والكنيسة ستذكر موتاهم في كل قداس إلى الأبد.
٥- قامت حركة الإصلاح الإنجيلي على نقد النفس والغير ومضاهاة ما يلقن من تعاليم وما يمارس من عبادات وطقوس وفرائض على كلمة الله والحكم على النفس أولاً هدفًا في الإصلاح وحفاظًا للكنيسة من دنس التعاليم الغريبة التي لا علاقة لها بما علمه المسيح يسوع، تبارك اسمه، أو رسله المكرمين، والتي أسس عليها، سبحانه كنيسته، والتي وعد بأن أبواب الجحيم لن تقوى عليها إذا كانت بالفعل كنيسته، وكانت ردة الفعل الشيطانية أن أقنع الغالبية العظمى من أهل الكنائس الشرقية أنه لا يجوز نقد أو مناقشة، وبالتالي تصحيح من على رأس القائمة من الرتب الكنسية، وأي نقد أو حتى استفسار مخلص يعد تمردًا وعصيانًا وعدم طاعة وبالتالي، فلن تحل على أمثال هذا الناقد أو السائل البركة فأصبح القول: “ابن الطاعة تحل عليه البركة”، له سلطان الكلمة النبوية المدونة لنا في التوراة والإنجيل، مع أن هذه الكتب لم يذكر بها هذا القول أبدًا.
٦- أما أحدث ردود الأفعال الشيطانية ضد حركة الإصلاح الإنجيلية هو التأكيد على عدم وجود حد فاصل بين ما هو أبيض وما هو أسود، وعليه يعيش المؤمنون في منطقة رمادية اللون يختلط بها الأبيض مع الأسود، ما يليق وما لا يليق، ما يسمح به وما هو من المحرمات، ما هو التعليم الكتابي السليم من المزيف، ما هو التبن وما هي الحنطة حتى نستطيع فصلهما، اختلط الحابل بالنابل، فلا مانع أن تؤمن الكنائس المسماة إنجيلية بظهور العذراء مريم الفعلي فوق قبة الكنيسة وتصلي أن تظهر فوق كنيستها وفوق كل كنيسة إنجيلية، ولا مانع أن نصوم رمضان مع المسلمين لهدف سام روحي وهو أن يفتح الرب عيونهم ليعرفوا المسيح مخلصًا شخصيًا لهم، فينقذون من عذاب القبر والنار، وليس من مانع أن نؤمن أن بعض القديسين مازالوا ينضحون الماء والدم من أجسادهم بعد أن ماتوا بعشرات السنين، ولا مانع أن نؤمن مثل بقية الطوائف باستحالة الخبز والخمر إلى دم المسيح الحقيقي وجسده وما شابه ذلك، ولا مانع أن نقدم ترانيم للمسيح وتواشيح لروح ضد المسيح في نفس المكان والزمان، ولا مانع أن نتحد كمرنمين مع فرق إنشاد ديني وأن يرنم شمامستنا ومرنمينا لحنًا من القداس ويردد المداحون معه على نغمات الذكر كلمة الله، الله، الله، ولا مانع أن تشترك الكنيسة في عمل موائد الرحمن وأن يؤذن المسلمون داخل الكنيسة أو قاعة حفلاتها، ولا مانع أن يقوم القسوس أنفسهم بالآذان من على منابر كنائسهم ولا مانع أن يتحدث كاهن عن مجيء المصطفى الذي أنقذ العالم من الظلمات ويؤكد لأبناء قريته أن هذه هي الحقيقة وهو لا يجامل المسلمين، ولا مانع أن يكون آدم شخصية اعتبارية وليست حقيقة تاريخية، ولا مانع أن نعترف أن كتابنا المقدس ملئ بالأخطاء من كل نوع ولا مانع أن تكون العذراء مريم هي التي تشفي المرضى من أمراضهم وحصاويهم الكلوية وغيرها الكثير والكثير.
وقد خطط الرجيم في رد فعله الشيطاني على كل ما تقدم أن يضع القسوس والكهنة والرياسات الكنيسة في ضغوط شديدة نابعة، إما من أنفسهم وميلهم لحب الظهور أو الأموال أو الفرقعات الإعلامية أو إيجاد جزء من القبول ممن حولهم لشخصياتهم، التي ربما تحتاج إلى دعم أو علاج خاص، أو من ضغوط ممن حولهم من المسلمين وإظهارهم أنهم كقادة مسيحيين غير مندمجين في المجتمع المصري وغير محبين للمسلمين، فيحاولون نفي هذه التي يعتبرونها تهمة ضدهم، مع أنها ليست بتهمة أو خطية على الإطلاق، أو ضغوط من كنائس كبر تعدادها ونشاطها ومدخولها فجأة عندما قامت باستضافة المسلمين بها وفتحت لهم الباب للتواجد داخلها والوضوء في دورات مياهها والصلاة على منابرها، فقرروا أن يقلدوهم ويعملوا مثلهم حتى يزداد عددهم، فيستطيعون أن يحتفظوا بترتيبهم بين الكنائس بالنسبة لعدد الحضور بكنائسهم، وغيرها من الأسباب الكثير.
والآن وقد عددت بعض العناصر الأساسية في ردود الفعل الشيطانية ضد حركة الإصلاح الإنجيلية، بقى أن أقول إن الكنيسة مدعوة لمراجعة حالها ومسيرها اليوم ومطابقته بتواضع على كل كلمة الله الكتاب المقدس وحده، علمًا بأن العدو الشرير تم خرابه إلى الأبد، وكما علمنا كتابنا المقدس أننا لا نجهل أفكاره وحيله وردود أفعاله، لذا فبقدرتنا ككنيسة، جسد المسيح الحي، أن نخضع لله ونقاومه فيهرب منا، وبإمكاننا أن نواجه أنفسنا بهذه الحقائق ونجلس معًا كقادة وشعب وأكليروس وقسوس ونتواضع تحت يدى الله القدير، فيرفعنا ويصحح مسيرنا ومسيرتنا لنواصل حركة الإصلاح الإنجيلي، دون خوف من “ردود الفعل الشيطانية ضد حركة الإصلاح الإنجيلية”.