رؤية غربية للشرق

18

مراد وهبة

ثمة إشكالية تواجه هذه الرؤية وهي تكمن في أنه بالرغم من افتتان الغرب في هذا الزمان بالتراث الشرقي مثل البوذية والكونفوشية والهندوسية والطاوية، إلا أن ثمة تيارًا آخر يحاول تهميش هذا التأثير.

وهنا مكمن التناقض بين الغرب والشرق من حيث إن الشرق من جهة كان موضع إلهام بسبب حكمته القديمة وعلوها على الغرب، ومن جهة أخرى كان الشرق ينظر إليه على أنه إقليم غريب ومهدد بسبب غموض أفكاره وجمودها في مواجهة حركة الحداثة المتنورة في الغرب.

أمثلة من هذه التناقضات: يقول فولتير إن الشرق هو الحضارة التي لم يأت الغرب بغيرها. وكذلك يقول المؤرخ المشهور أرنولد توينبي إن التقاء الغرب بالشرق من الأحداث الفائقة في زماننا. وعلى النقيض من ذلك، يقول المفكر آرثر كوستلر إن أديان الشرق مليئة بأفكار تقترب من العبث والخرافة.

ومن هنا نشأ تيار ينبِّه إلى الانشقاق الأبدي بين الشرق والغرب في سياق أسلوب التفكير وأسلوب الحياة، وهو الأمر الذي أدى بالمؤرخ الأمريكي صمويل هنتنجتون إلى القول في كتابه المعنون «صدام الحضارات» الصادر في عام 1993 بأن الصراع بين الغرب والشرق هو جزء من ذلك الصدام الحضاري من حيث إن ثقافة الشرق تتميز بأنها محكومة بعاطفية المرأة، في مقابل ثقافة الغرب التي تتميز بأنها عقلانية ومحكومة بقوة الرجل، إلى حد القول بأن الفلسفة تتكلم باللغة اليونانية ليس إلا. ومن هنا يلزم أن تكون نقطة البداية هي البحث بالتفصيل في تلك العلاقة التاريخية بين الشرق والغرب.

فقد قيل إن فيثاغورس في القرن الخامس قبل الميلاد، والذي كان له تأثير عميق على أفلاطون، قد أمضى بعض الوقت في مصر حيث أصبح على دراية بالفلسفة الهندية، كما أن الإمبراطور الهندي أشوكا الذي توفي في عام 228 قبل الميلاد قد بشَّر بالتعاليم البوذية خارج حدود بلاده، وذلك بإرسال رهبان في اتجاه الغرب لإشاعة رسالة بوذا وترجمة بعض مأثوراته إلى اللغة اليونانية واللغة الآرامية. ثم اشتدت نزعة التغلغل في الشرق في عصر النهضة من أجل فتح أسواق جديدة أمام الغزو الإسلامي.

وقد قيل إن الأهم من ذلك كله هو محاولة فهم أفكار الشرق على مر العصور القادمة من أجل تحويل الملحدين في آسيا، وبالأخص في الصين، إلى مؤمنين، وذلك بتأثير من تبشير الآباء اليسوعيين.

لكن من أجل فهم أفكار الشرق، اضطر هؤلاء الآباء إلى ترجمة الرؤية الصينية والدخول في حوار معها. والمفارقة هنا هي أنه بسبب ذلك الحوار أمكن لفلاسفة التنوير في فرنسا في القرن الثامن عشر إدخال الكونفوشية في وعي التنوير الأوروبي. وندلل على ذلك بالفيلسوف الفرنسي مونتاني (1533-1592) المشهور بنزعته الإنسانية وكراهيته للتعصب واستثمار معرفته بأفكار الشرق.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا