تحدثنا في العدد الماضي عن الصور الخمس الأولى للخطية كما جاءت في كلمة الله وخاصةً في (إش1: 18-20).
وفي هذا العدد نستكمل بقية الصور.
الصورة السادسة: صورة العبادة الصورية الاستعراضية:
(إش1: 10-15): ياه… بالرغم من الشر الذي ضرب الإنسان من أسفل القدم إلى الرأس، إلا أننا نرى كذب وخداع ورياء الإنسان في عبادة صورية شكلية ليداري بها شروره وآثامه، بالضبط كالفريسين (راجع مت ص 23). ونرى العبادة الصورية في الأشكال الآتية:
أ. تقدمات لكن باطلة
(إش1: 11): “لماذا لي كثرة ذبائحكم، يقول الرب. اتخمتُ من محرقات كباش وشحم مسمنات، وبدم عجول وخرفان وتيوس ما أسر”. لأنها لا تعبِّر عن تكريس حقيقي للرب، ولا عن طاعة حقيقية له، فالله ينتظر أولًا أن تكون حياتنا هي التقدمة التي نقدمها على مذبح التكريس (رو12: 1) فمكتوب: «هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب؟ هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة، والإصغاء أفضل من شحم الكباش” (1صم15: 22). وقال الرب يسوع: “أريد رحمة لا ذبيحة” (مت9: 13).
ب. العبادة المقترنة بالإثم
(إش1: 13): “لستُ أطيق الإثم والاعتكاف” وكما هو مكتوب في (إش29: 13) “فقال السيد: لأن هذا الشعب قد اقترب إلي بفمه وأكرمني بشفتيه، وأما قلبه فأبعده عني”.
ج. أعياد بلا محبة وبلا شركة
(إش1: 13، 14): كان الشعب يهتم كثيرًا بالأعياد والمناسبات لأنها كانت أوقاتًا للفرح، ولأنها كانت تمثل شركة الشعب مع الله ومع بعضهم البعض، وبالرغم من هذا لم تكن هناك شركة محبة حقيقية، ولا علاقة صادقة مخلصة مع الله، ولا مع بعضهم البعض، ولذلك يقول الرب عن أعيادهم: “بغضتها نفسي. صارت عليَّ ثقلًا. مللتُ حملها”.
د. أيادي مصلية لكنها ملوثة
(إش1: 15، 16): يرفعون أياديهم في الصلاة، ومع هذا فهي ملطخة بالشر والخطية فيقول الرب لهم: “إن كثرتم الصلاة لا أسمع. أيديكم ملآنة دمًا”.
الصورة السابعة: صورة القضاء الظالم
(إش1: 17، 23): “انصفوا المظلوم. اقضوا لليتيم. حاموا عن الأرملة…لا يقضون لليتيم ودعوى الأرملة لا تصل إليهم”.
وهنا نرى الخطية في صورة غياب القانون، والعدالة الغائبة، والرشوة التي تعوج القضاء.
فإلى مَنْ يلجأ مَنْ يطالب بحقوقه إذا كان الشر بهذه الصورة الظالمة؟
نحتاج أن نتعلم أن تكون الكنيسة بالفعل عامود الحق وقاعدته (1تي3: 15).
بعد هذا الوصف الرهيب لخطايا الإنسان يقدم الله لشعبه ثلاثة أمور: دعوة ووعد ووعيد:
1. الدعوة للتوبة والعودة إلى الله
في (إش1: 18) مكتوب: “هلم نتحاجج، يقول الرب”. وهنا نجد أن الله يقدم الدعوة للإنسان ليدخل معه في حوار لأجل خلاصه، ولأجل مستقبله الأبدي.
في مرات كثيرة نتصور أن الإنسان هو الذي يسعى جاهدًا للوصول إلى الله، وأن الإنسان هو الذي يقرع على باب الله ليفتح له، لكن الفكر المسيحي يصور لنا أمرًا مختلفًا تمامًا فيقول الرب في (رؤ3: 20): “هئنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي”. فهو الراعي الصالح الذي يترك التسعة والتسعين خروفًا في البرية ويذهب يفتش عن الخروف الضال حتى يجده (لو 15).
وهو الذي لم يكتفِ بإرسال الدعوة لنا عن طريق الأنبياء بأنواع وطرق كثيرة، ولكن كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه (عب1: 1، 2). وإذ يقدم لنا الرب الدعوة فهو لا يجبر إنسان على قبولها إنما يقدمها مقترنة بوعد ووعيد.
V إنها دعوة للطهر والنقاء: “اغتسلوا. تنقوا” (إش1: 16).
V إنها دعوة لهجر الخطية: “كفوا عن فعل الشر” (إش1: 16).
V إنها دعوة لفعل الخير وصنع الحق: “تعلموا فعل الخير” (إش1: 17).
يرفض البعض الدعوة لأنهم يتصورون أنهم لو جاءوا إلى الله فسوف يحرمهم من بهجة الحياة وامتيازاتها ويظنون أن الحرية الحقيقية هي في الابتعاد عن الله.
2. الــوعــد
في (إش1: 1): “وإن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج. إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف.”
عندما نأتي بإرادة صادقة وبنفس راغبة وبتواضع حقيقي أمام الله ننال البركة وغفران خطايانا.
كيف لا! فنحن نرى أن الإصحاح ينتهي بنغمة إيجابية جميلة فيقدم:
أ. وعده بالبداية الجديدة
فيقول في (إش1: 25): “أنقي زغلك”. سينقي الزغل وينتزع كل ما هو زائف وباطل فهو الذي يستطيع بدمه أن يطهرنا من كل خطية. (1يو1: 7).
ويقول في (إش1: 26): “وأعيد قضاتك كما في الأول، ومشيريك كما في البداءة. بعد ذلك تدعين مدينة العدل، القرية الأمينة”.
لعل هذا يذكرنا بالوعد العظيم الذي سجله الرسول بولس في (2كو5: 17): “إذًا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدًا”.
إن كنا نعرف هذا ونعترف بهذا فنسمع وعده القائل: “أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي، وخطاياك لا أذكرها”. (إش43: 25)، “لأنه مثل ارتفاع السماوات فوق الأرض قويت رحمته على خائفيه. كبعد المشرق من المغرب أبعد عنا معاصينا” (مز103: 11، 12).
فعلى أساس موت الرب يسوع المسيح “مغفورة لنا خطايانا”
نعم! نحتاج أن تكون صلاتنا كداود “اغسلني كثيرًا من إثمي، ومن خطيتي طهرني… اغسلني فأبيض أكثر من الثلج”. (مز51: 2، 7).
ب. وعد بالخير
في (إش1: 19): “إن شئتم وسمعتم تأكلون خير الأرض”.
وهذا ما وعد الله به كما هو مكتوب: “إذا تواضع شعبي الذين دعي اسمي عليهم وصلوا وطلبوا وجهي، ورجعوا عن طرقهم الردية فإنني أسمع من السماء وأغفر خطيتهم وأبرئ أرضهم” (2أخ7: 14).
3. الـوعـيـد
بعد أن يصف الله أمراضنا وخطايانا، يدعونا لبداية جديدة معه، ويعطينا مطلق الحرية في أن نقبل أو نرفض، فإذا قبلنا دعوته وسمعنا لصوته نتمتع بوعوده التي تغطي مسيرة العمر كله، أما إذا رفضنا نداءه فهنا نجد الوعيد ينتظرنا فمكتوب في (إش1: 20 و24 و28-31): “وإن أبيتم وتمردتم تؤكلون بالسيف». لأن فم الرب تكلم”.
لذلك يقول السيد رب الجنود عزيز إسرائيل: “آه! إني أستريح من خصمائي وأنتقم من أعدائي. وهلاك المذنبين والخطاة يكون سواء، تاركو الرب يفنون. لأنهم يخجلون من أشجار البطم التي اشتهيتموها، وتخزون من الجنات التي اخترتموها. لأنكم تصيرون كبطمة قد ذبل ورقها، وكجنة ليس لها ماء. ويصير القوي مشاقة وعمله شرارًا، فيحترقان كلاهما معًا وليس مَنْ يطفئ”.
نرى في هذا النص الكتابي بعض المفردات الدالة على الوعيد الرهيب مثل: الانتقام (إش1: 20، 24)… الهلاك والفناء (إش1: 28 و31)… الخزي والخجل (إش 1: 29)…الضعف (إش 30: 31).
هذه نتيجة حتمية لكل إنسان لا يطيع وصايا الله فمكتوب: “الشر يميت الشرير، وأجرة الخطية هي موت” (مز 34: 21 مع رو 6: 23). فهذا قانون إلهي فمكتوب في (رو2: 5): “ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب، تذخر لنفسك غضبا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة”.