خواطر حول ثورة 25 يناير

1

العدد 66 الصادر في مارس 2011
خواطر حول ثورة 25 يناير

    في خضم هذه الأحداث التي تجري في مصر والبلاد العربية في هذه الأيام، يصعب على المرء أن يسردها جميعاً أو يتكلم عنها في مقال واحد، لذا فقد رأيت تقسيم ما أريد أن أشاركك به عزيزي القارئ إلى ثلاثة مقاطع:

    1. يوم شهداء التحرير

    2. كُتَاب الطريق والحق وأنا

    3. رأس الأفعى

    أولاً: يوم شهداء التحرير

    مازال العالم في اندهاش لما حدث في مصر على أيدي أبطال ثورة 25 يناير، التاريخ الذي أتمنى أن يصبح عيداً رسمياً في مصر نحتفل به كل عام ونطلق عليه “يوم الإرادة” أو “عيد الثورة” أو “يوم الشعب” أو “يوم المصري” أو “يوم شهداء التحرير”.. ليس من المهم اسم اليوم لكن المهم هو ذكرى تخليده على مدى السنين والقرون الآتية، فهذا اليوم التاريخى فى حياة مصر والمصريين لا بد وأن يخلد ولابد أن يدرج في المقررات الدراسية ويعلم عنه المدرسون طلابهم و الآباء الأبناء ويؤكدون لأولادهم أن الظلم والقهر والاستعباد وعدم الخوف للمولى من الحكام في السر والعلن وعدم اتقائه سبحانه وتعالى في الأقوال والأفعال لابد له من حساب وعقاب وإن طال الزمان، فما يهمنا الآن هو أن يتغير تفكير أولادنا وشبابنا الذين رأونا في جبن وخوف نهمس في آذانهم أن لا يتكلموا ولا يعترضوا ولا يتظاهروا ولا يعبروا عن ما بداخلهم حتى لا يودعون السجون لأنهم فلذات أكبادنا الذين لا نطيق رؤية دموعهم السائلة على خدودهم الصغيرة بسبب الخوف والرعب الذي زرع فينا فزرعناه فيهم  إن عمداً أو جهلاً أو في تلقائية لم نفهم خطورتها على الصغار حتى خلقنا جيلاً جباناً خائفاً سلبياً متطرفاً ناقماً يائساً فاشلاً مرعوباً من البوليس والحاكم وزائر الفجر والليل، ونحن بدورنا قد حصدنا نفس هذه الأشياء من آبائنا وكل من عاصروا ثورة 52 التي كانت سبب الوبال والكوارث على مصر، ليس في حد ذاتها بل في ممارسات من قاموا بها ومن توارثوها عنهم، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.

     لذا فنحن نحتاج إلى تخليد ذكرى 25 يناير وليس هذا بالغريب، فقد خلدنا ذكرى أيام اصطنعناها في مخيلتنا، فهذا عيد النصر (مع أننا لم ننتصر) وذاك عيد الثورة (مع أنها لم تكن ثورة بل انقلاب عسكرى) وثالث عيد الطفولة (الذى هو بالحقيقة عيد ميلاد الزعيم ولا علاقة له بالطفولة المصرية المعذبة) وغيرها، فلا أقل من تخليد ذكرى قيام الإنسان المصري الأصيل بثورة حقيقية ليعلن عن رفضه للظلم لأول مرة في حياته كشعب متحضر محترم احترمه العالم كله لما فعله. ويقيني أن هذا التخليد لهذه الذكرى العظيمة لن يجد استحساناً أو قبولاً أو تدعيماً من أي حاكم مصري سيأتي في الشهور أو السنين القادمة، ذكرى يوم اجتمعت فيه إرادة الشعب كله ليعلن عن رأيه بشجاعة وإصرار سيرهب أي حاكم مهما كان وسيحاول أن يمحوها من ذاكرته وذاكرة المصريين حتى لا تتكرر مرة أخرى في زمنه، اللهم إلا إذا كان حاكماً مأخوذاً من الناس بطريقة ديمقراطية صحيحة ويعلم أن وجوده مرهون بمحبة الناس له. لكن الأمر (والحمد لله وسبحان مغير الأحوال) لم يعد في يدي الحكام بالطريقة المطلقة التي عانينا منها في الستين سنة الماضية منذ قيام الانقلاب العسكري عام 52. فأبطال ثورة 25 يناير هم وحدهم القادرون على إجبار الحكومة القادمة والرؤساء القادمين على الاحتفال بهذا اليوم سنوياً وتخليد ذكراه إلى أبد الآبدين، وحتى إن رفض الحكام وقدموا أعذاراً كثيرة فليخرج المصريون في ليلة 25 يناير من كل عام وليبيتوا في ميدان التحرير في خيام مرة أخرى، كعيد المظال الذى يحتفل به اليهود كل عام ليتذكروا انهم كانوا غرباء فى ارض بعيدة وانهم عاشوا فى البرية اربعين سنة فى خيام، ليبت المصريون في الميادين العامة في كل مدينة من مدن مصر، وليصبح تقليداً تتوارثه الأجيال، يعد له أسابيع وشهور قبل وقوعه، ويتجدد فيه إصرار شعب مصر العظيم وتحديه للطغيان كل عام وليتذكروا انهم كانوا غرباء فى بلدهم أذلاء فى وطنهم عبيداً فى ديارهم، وليتذكر الحاكم الجديد أن دوام الحال من المحال، وأن الكراسي لا تدوم وكما أجبر غيره على ترك كرسيه هكذا سيكون مصيره ان لم يحترم الشعب ويتقى الله ويحكم بما يرضيه سبحانه.

    وليس ذلك فقط بل أحلم (ومن الاحلام ما يتحقق) بأن أرى اسم ميدان التحرير وقد تحول إلى “ميدان شهداء التحرير” وأن تقام في وسط  الميدان مسلة عظيمة يكتب عليها أسماء الشهداء الذين ماتوا في هذه الثورة، تماماً كما تعمل إسرائيل فتستحوذ على اهتمام العالم كله. فمازالت إسرائيل تستعطف العالم  كله وتدينه بسبب المذابح الألمانية لهم على يدي الدكتاتور الألماني هتلر وهم يلقنونها لأولادهم حتى لا ينسوا أن أجدادهم قد تحملوا القتل والحرق والاضطهاد لبناء دولة إسرائيل، مع أنهم قاسوا كل هذه على أيدي غرباء عن شعبهم، فكم بالحري المصريون الذين عذبوا واضطهدوا وسرقت أموالهم وهتكت أعراضهم وزج بخيرة شبابهم في غياهب السجون المصرية على أيدي مصريين.

    ثانياً: كُتَاب الطريق والحق وأنا

    لقد تعاهدنا نحن كُتَاب جريدة الطريق والحق في الخمس سنوات الماضية على إنارة الطريق أمام الحاكم والمحكوم وقول الحق في فترات كان قول الحق فيها عزيزاً والتملق والزيف والبهتان هو السائد، وقت أن كانت معظم الأقلام والبرامج الإذاعية والتليفزيونية تغني وتصفق للحاكم والحكومة، إلا القلائل الذين كانوا يقولون الحق ولا يخشون حتى اذا كانت تدفع معظمهم دوافع شخصية أو انتماؤهم لجماعة دينية وغيرها من الدوافع التي قد تكون مخلصة لكنها مشوبة أيضاً بالمصلحة الشخصية، أما كُتَاب الطريق من مسيحيين ومسلمين، من الأرثوذكس والإنجيليين والكاثوليك، والعاملين بها من كل الديانات والطوائف والخلفيات فلهم مني كل التقدير والاحترام، لأنكم كنتم تكتبون وفي كثير من الأحيان تصرخون في وجه الظلم والطغيان وتسبحون ضد التيار، وكنتم تجابهون الحرب الضروس لا من الحكومة والأمن والجماعات الدينية السلفية فحسب بل من القيادات الكنسية أيضاً على اختلاف رتبها ووظائفها، أولئك الذين كانوا يرون في جريدة الطريق والحق خطراً يهدد مراكزهم لنقدنا لهم بكل صراحة واحترام، وأولئك الذين كان يخيفهم الأمن والمخابرات للضغط علينا لإسكات أصواتنا متذرعين بأننا سنجعل الحكومة والأمن المصرى يزدادون في اضطهادنا كأفراد أو طوائف أو مذاهب، حتى طالب البعض مراراً وتكراراً بالعمل على إخراسنا وغلق هذه الجريدة وهذا الصوت الصارخ في البرية. لذا فأنا فخور بكل من ساهم بفكرة أو مقال أو عمل في جريدة الطريق، ونعاهدكم أنه كما بدأنا في أيام عصيبة ولم يقدر أحد على إسكاتنا حتى يوم الثورة “ويوم الإرادة الشعبية” في 25 يناير 2011 أننا سنكمل المسيرة بنفس القوة والوضوح والصراحة ولوجه الله تعالى فقط دون أغراض شخصية إلا إعلاء لصوت الحق وإنارة للطريق. ليت أولئك الذين ناصبونا العداء بغير سبب يعلمون أننا كنا ولا نزال وسنظل نقتحم معاقل الحكم والفساد والمحسوبية والتحكمية الطائفية في الحكومة والكنيسة والشارع المصري وحيث وجدناها، وسنعمل على كشفها وتحطيمها بكل قوتنا حتى نطلق شعب مصر والوطن العربي أحراراً من كل عبودية بشرية، سياسية كانت أم دينية، ظاهرة كانت أم خفية. وإلى فئران السلطة وكلابها في العهد القديم الذين بدأنا نسمع أصواتهم وكأنهم أبطال ثورة 25 يناير نقول عفا الله عما سلف، نرجوكم أن لا ترجعوا لجحوركم مرة أخرى تحت أي بند من البنود أو سبب من الأسباب، فالحرية الجزئية التي تتمتعون بها الآن والتي تحاولون استغلالها لتمثيل دور الأبطال قد حصلتم عليها مجاناً وأنتم نائمون في بيوتكم ومحاربكم ومنابركم وهياكلكم فما اشتركتم فيها أنتم بالفعل أو حتى القول بل ومنعتم أتباعكم أن يتواجدوا في مكان الأحداث أو على خريطة الواقع، هذه الحرية الجزئية التي تتمتعون بها الآن اشتراها لكم أكثر من 300 شهيد وستة آلاف جريح، اشتروها لكم بدمائهم، هذه هي الحرية الحمراء التي كتبت عنها كثيراً من قبل مردداً ما قاله الشاعر:

    للحرية الحمراء باب بكل يد مدرجة تدق

    هذه الحرية هي أغلى ما يمكن أن يمتلكه الإنسان فلا تضيعوها برجوعكم إلى طرقكم القديمة من الخوف والجبن والنفاق والتمسح في السلطة وكلابها.

    وصدقوني لا أنا ولا كل كتاب الطريق والحق يدعون البطولة في هذه الأحداث، والحمد لله العلي العظيم لأنه لم يكن هناك رجل واحد أو جماعة أو مذهب واحد يقود هذه الثورة حتى لا ينسبها أحد لنفسه، لكن الأبطال هم الآباء والأمهات الذين خرجوا من بيوتهم مع أطفالهم وأولادهم ليدعموا هذه الثورة، الأبطال هم كل أم وأب تحمل العذاب والاضطهاد لعشرات السنين حتى يربي أولاده ويحافظ على بيته، الأبطال هم الذين كتبوا ونشروا وتحدوا الواقع المرير الذي عشنا فيه، الأبطال هم كل رجل وسيدة وشابة أصروا على البقاء في ميدان التحرير ولم تثنهم القنابل المسيلة للدموع وبلطجية الحزب الوطني الحاكم والمخبرين السريين الذين لعبوا دور مؤيدي مبارك، الأبطال هم الذين سيكملون المسيرة في المستقبل في إصرار على التغيير الكامل والشامل لكل مظاهر الظلم والطغيان.

    وإن نظرة سريعة على الخمس سنوات الماضية وكتاباتنا في الطريق لأعظم تصديق على ما نقوله الآن، فعندما ألقى الصحافي العراقي المخبول الحذاء في وجه جورج بوش كنت واحداً من نفر قليل أدانوا هذا الحادث، وقد تحدثت للحكام العرب بكل صراحة وحزم وإليك الدليل مما كتبت في مقالة “دروس من الحذاء الطائر”

    “أخيراً أقول إن هناك الكثير من الدروس المستفادة لحكام المنطقة العربية نفسها، فالحذاء الطائر الذي لم يصب الرئيس بوش لم يصل بعد إلي نهاية المطاف بل مازال طائراً محاولاً الالتصاق بهم وقذفهم بغض النظر عن ما يعمله هؤلاء الحكام مع شعوبهم إن أحسنوا أو أساءوا، فالحذاء الطائر لا يتعرف إلا علي الإساءات فقط ولا يذكر للحكام إلا أسوأ أعمالهم في فترات رئاستهم، علي الحكام العرب أن يدركوا أن وضع  الشعوب تحت أحذيتهم لمدة طويلة لابد أن يترتب عليه ما حدث   مع الرئيس بوش، فالذين يضعون الحذاء علي الشعوب بالحذاء يضربون (وكم من حذاء رفعه ابطال 25 يناير وقد تم نشر صور الأحذية فى كل العالم من قبل المحطات التليفزيونية)  والذين يكسرون أقلام الكتاب والصحافيين بالأقلام يهانون، فبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم وبالدينونة التي بها تدينون تدانون، الذين يكممون الناس عن الكلام  في بلادهم لابد لهم أن يهانوا من الفضائيات والمنتديات والإنترنت والستالايتات.

    وفي مقالتي “دروس من ثورة إيران” قلت للحكومة المصرية والحكام العرب

    إن أول الدروس التي استخلصتها هي:

    أن “دوام الحال من المحال”،

    حتى ولو مضي من السنين أجيال،

    فموقف الأحرار من النساء والرجال،

    وإن تأخر فى السباق أميالاً،

    لابد من الظهور لا محال،

    يظهر فى صورة سلمية أو غير سلمية وكم للظهور من أشكال،

    يظن الحكام أنهم يحكمون مجموعة من الضعفاء من العيال،

    يتحكمون في مصائرهم وتطلعاتهم وأحلامهم والآمال،

    يصدقون هتافات العامة ويتحكمون في خروجهم ودخولهم والأموال،

    من الطبيب إلى المدرس والمهندس حتى إلى الشيال،

    يحملونهم أحمالاً عسرة ولا يدفعون بإصبعهم الأثقال،

    يدعون أنهم بلد الجميع الفلاحين والموظفين والعمال،

    بالفم يحكمون ويغنون لهم من كل أغنية موالاً،

    يشبع الخلق من الوعود لكنهم لا يرون أعمالاً،

    يكتشف المساكين أنهم في سجن قد أغلقت حجراته وأبوابه بالأقفال،

    وهم بداخله مقيدون من كل ناحية بالأغلال،

    يصارعون في كل يوم وحوش أسود أثقل من الأفيال،

    أفواههم تمتلئ بالحصى وتمضغ أسنانهم الرمال.

    تحتبس الأنفاس في صدورهم وتتبدد بداخلهم الآمال،

    يواصل المتغطرس أعماله ويصفق له من  حوله من الأذيال،

    فجأة تتغير الأوقات والأزمنة وتتبدل الأحوال،

    ويخرج الوحش الكامن في الأحرار ويبدأ المارد في القتال،

    يبيد الظالم والعاتي فربك يزن الأمور بالمثقال،

    فلا يعرفه موضعه بعد ويصبح بعد الحقيقة خيالاً،

    فهو السميع العليم المجيب من قال أن كلمته لا تنسخ

    ووعوده لا تمسخ حتى وإن زالت الجبال

    وأنه مع عبيده كل حين حتى لو جابهوا في مسيرة الحق أهوالاً.

    وفي مقالي “تأملات في الحكاية المصرية” قلت:

    لقد قال المولى تبارك اسمه في كتابه العزيز في سفر الجامعة والأصحاح الخامس والعدد الثامن : “إن رأيت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد فلا ترتع من الأمر، لأن  فوق العالي عالياً يلاحظ والأعلى فوقهما”.

     ولفهم الحكاية المصرية لابد من معرفة أن مصيبة مصر الكبرى منذ أول ذكرها في هذه القصة وتكرارها في عدة أماكن أخرى من الكتاب المقدس تكمن في رؤساء فرعون أكثر من الفرعون نفسه، مع أن فرعون هو المسئول الأول والمباشر عن كل ما يعمله رؤساؤه، ففي أي عصر أو زمان أو أوان تكون فيه حاشية فرعون ورؤساؤه من الظلمة والمتملقين والمنافقين والموافقين على كل ما يقوله الفرعون، بل هم يرسمون له طريق الخطأ والضلال ويزينونه له بالكلمات المعسولة والخطب الرنانة والأكاذيب المنمقة فلابد أن يظلم الفقير وينزع الحق والعدل من البلاد. ألم يكن هذا هو السائد منذ أيام عبد الناصر الذي بدأ بنزع حق محمد نجيب وعلمنا كذباً أنه هو أول رئيس لجمهورية مصر، ثم نزع تاريخ الحقبة القبطية من تاريخها وكم اتخذ من قرارات أوقعت البلاد في الفقر والحروب والهزيمة والعار؟ ألم يصف السادات رؤساءه بمراكز القوى عندما بدأت رائحتهم جميعاً تفوح فكتمت أنفاسنا، فاختبأ وراءهم وكأنه غير مسئول عن عيثانهم في الأرض فساداً، ألا يشبه اليوم البارحة؟ ألم يقل الكتاب العزيز عن رؤساء فرعون ومشيريه في إشعياء 19: 11 “إن رؤساء صوعن أغبياء. حكماء مشيري فرعون مشورتهم بهيمية، كيف تقولون لفرعون أنا ابن حكماء ابن ملوك قدماء؟ فأين هم حكماؤك؟ فليخبروك ليعرفوا ماذا قضى به رب الجنود على مصر، رؤساء صوعن صاروا أغبياء. رؤساء نوف انخدعوا. وأضل مصر وجوه أسباطها، مزج الرب في وسطها روح غي فأضلوا مصر في كل عملها كترنح السكران في قيئه، فلا يكون لمصر عمل يعمله رأس أو ذنب نخلة أو أسلة، في ذلك اليوم تكون مصر كالنساء فترتعد وترجف من هزة يد رب الجنود التي يهزها عليها”

    أليس من الضلال والمشورات البهيمية أن يقتنع رؤساء فرعون أنهم مسيطرون على الأحداث والبلاد إلى الأبد؟ ألا يعلمون أن ربك لبالمرصاد، فمن عمل مثقال ذرة خيراً يره ومن عمل مثقال ذرة شراً يره وأنه تبارك اسمه يتدخل في الوقت المناسب ليضرب فرعون وبيته،  أياً من كان هذا الفرعون، صغيراً أو كبيراً، غفيراً أو وزيراً، غنياً أو فقيراً،  بضربات عظيمة حتى يرد المغتصب والمسلوب لأصحابه؟ هل تغير الديان العادل الذي لا شريك له فلم يعد يكترث بأولاده وعباده المظلومين في الأرض، أم ثقلت آذانه جل شأنه عن سماع صراخهم؟

    ليت رؤساء فرعون يعلمون أنه إن سكت الأزواج والآباء فالعلي متسلط في مملكة الناس، فهو قادر على  ضرب فرعون وبيته بضربات عظيمة، وهو القادر كما قلت على رد المسلوب.

    وفي قصة ليلة سقوط القاهرة ذكرت أن الثورة القادمة لن تقتحم مبنى الإذاعة والتليفزيون بل ستبث بياناتها ومعلوماتها عبر الفضائيات ووسائل التكنولوجيا الحديثة.

    ويمكنك عزيزي القارئ أن تقرأ هذه المقالات مرة أخرى بكاملها في أرشيف موقع الطريق والحق www.eltareeq.com.

    هذا بعض من كثير لا يتسع المجال لسرده.

    وما قصدت من السرد في هذه الجزئية إلا تأكيداً على ما أكرمنا الله به من أن نكون حجراً أساسياً في بناء هذه الثورة، ثورة 25 يناير.

   ثالثاً: رأس الأفعى

    أما في هذه النقطة بالذات فإني أقول لأبطال 25 يناير: مع كل إعجابي بكم وتأييدي لكم فأنتم قطعتم ذنب الحية لا رأسها، وقطع زيل الحية لا يميتها ولا يقضى عليها، فسم الحية ليس في ذنبها بل في رأسها، ومادامت رأس الحية مازالت باقية فلابد لها من أن تنفث تهديداً وقتلاً، وستنمو مرة ثانية بصورة أو أخرى وستدخل إلى حياتكم وبيوتكم من جديد وما أكثر الحقائق والأساطير التي تدور حول الحيات، ونظرة سريعة على أحداث السنين والشهور وخاصة الأسابيع القليلة الماضية لتؤكد لكم أيها الشباب المناضل أننا لا نتعامل في مصر مع رجال ونساء في الحكم والحكومة بل مع حيات ذات سم زعاف، فكما تتسحب الحيات لتقتنص فرائسها هكذا دأب رجال  الحزب الحاكم على التسحب فى صمت و سرقة ثروات مصر وتحويلها إلى كل بنوك العالم ودفعوا للمأجورين من الصحفيين ورجال الإعلام حتى يصمتوا عن ذكر مساوئهم أو أن يحولوا ويعكسوا الحقائق، فأصبح  اللص في يوم وليلة رجل أعمال ناجح وأسطورة عصره ورمزاً للوطنية والإخلاص لمصر، وأتخم المسئولون من أموال العامة الغلابة ولا أحد يعرف كم هي حساباتهم في البنوك ومن أين لهم كل هذا، وهناك من الحيات من تغير جلدها لتتلون بلون البيئة التي تعيش فيها فإن كانت في حقل أخضر تحول لون جلدها للأخضر، وإن عاشت في الصحراء تحول لون جلدها إلى الأصفر، وإن عاشت في بيئة إسلامية عرضت زبيبتها ولبست الجلباب والطاقية وأمسكت بالمسبحة وبدأت وأنهت خطاباتها بآية قرآنية، وإن سافرت للغرب تلونت بلون الديمقراطية ووقعت على المعاهدات والمواثيق الدولية التي تحترم الفرد والدين وتدافع عن حقوق الإنسان ، وإن ثار الشباب على الظلم والعدوان خاطبهم الظالم “بأبنائى” فى الوقت الذى يعمل فيهم قتلاً وسجناً وتعذيباً.

    ومن الحيات ما تحاول الانسحاب والانصراف دون أن ينتبه إليها أحد، فإذا جرت مذابح مصرية على أرض مصر ضد المصريين تظل الأفعى في جحرها دون النطق ببنت شفة، وعندما تضطر الأفعى للحديث يبدو حديثها في منتهى المكر والإيذاء، فإما أن تتهم الرأسمالية والإمبريالية والإسرائيلية بأنهم السبب في مقاومتها واتهامها بأنها الأفعى، وإما اللوم كل اللوم يقع على  تنظيم القاعدة وما شابه ذلك.

    وعندما ترى الأفعى أن نهايتها قد اقتربت وقد أحاط بها من يبغضونها من كل مكان ومن كل قلوبهم وتعرف أنه لا مفر من مواجهتهم، تبدأ الأفعى في الدفاع عن نفسها بتقديم التنازلات مرة تلو الأخرى، ولا يسمع أحد صوت ثعابينها الصغار اللذين طالما حلموا بمنصب الأفعى بعد رحيلها، وفي النهاية تدخل إلى جحرها الآمن لمدة مؤقتة ذلك الجحر الذى مازلنا ندفع من أموالنا لحمايته ورعايته .

    لقد كنا نتوقع من قادة الجيش أن يتدخلوا في المشهد كمواطنين مصريين لابد أن يقفوا في وجه هذا النظام ولا يقبلوا تكليفاً بقيادة مصر ممن أبغضه المصريون من كل قلوبهم، بل يأخذون تكليفهم من الشعب المتظاهر ويمارسوا مهامهم بناء على تكليف شعبي لهم. إن رأس الأفعى هو النظام السابق المكون من رجال الحزب الحاكم، بقيادة البوليس المصري ووزرائه ومحافظيه وقضاته ورجال أعماله. إن النظام السابق لابد أن يختفي من مصر تماماً ولابد من محاسبته واسترداد الأموال المنهوبة منا، لابد من سحق رأس الأفعى إن أردتم أن تأمنوا غدرها، فما دامت رأسها حية فستطل علينا في وقت من الأوقات وبطرق مختلفة، فيا من قطعتم زيل الحية لا تسكتوا حتى تسحقوا رأسها.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا