خمس نوافذ تطل على السماء..!!

9

بقلم الدكتور القس ﭽورﭺ شاكر
نائب رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر

مَنْ منا وهو يعيش على الأرض لا يتوق أن يرى السماء بروعة جمالها، وعظمة أمجادها؟! حتى أننا على سبيل المثال نصف البيت السعيد الذي فيه الحب الحقيقي بين الزوجين والدفء العائلي أنه “سماء على الأرض”، إن الأمر الحلو المعزي أن كلمة الله تحدثنا عن بعض النوافذ التي يمكن من خلالها أن نرى السماء ونحن نمشي بأقدامنا على الأرض أذكر منها الآتي:

أولاً: نافذة حياة القداسة والنقاء

الحياة المقدسة النقية هى من أول وأهم النوافذ التي تطل على السماء.

كيف لا؟! ألم يقل الرب يسوع في موعظته الخالدة على الجبل “طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يعاينون اللهَ”.   (مت5: 8). وكما هو مكتوب: “القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب”(عب12: 14) لذلك يقول بطرس”بل نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرةٍ. لأنه مكتوب: “كونوا قديسين لأني أنا قُدوسٌ” (1بط1: 15، 16).

لعل أكثر ما يؤلم قلب الله أن يكون للإنسان الواحد عدة أقنعة يتلون ويختفي من ورائها بحسب الظروف المختلفة التي يجتاز فيها، فأضحى ظاهرة مغايرًا لباطنه، مثل ذلك الشاعر الذي قضى طوال النهار يكتب شعرًا مدحًا فى الفضيلة، وظل طول الليل وهو يمارس الرذيلة.

نعم! ما أكثر الذين يلبسون ثياب الحملان، الذين يبطنون خلاف ما يظهرون… ما أكثر الذين لهم صورة التقوى ولكن وآسفاه لا يعيشونها، ولأمثال هؤلاء يقول الرب يسوع: “ليس كل من يقول لي: يارب، يارب! يدخل ملكوت السماوات. بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات… فحينئذ أصرح لهم: إني لم أعرفكم قط! اذهبوا عني يا فاعلي الإثم!” (مت7: 21، 23).

حقًا! إن الإنسان في حاجة ماسة إلى الاختلاء مع الله ليرفع من أعماق قلبه الصلاة التي رفعها داود في القديم: “اختبرني ياالله واعرف قلبي. امتحني واعرف أفكاري. وانظر إن كان فيّ طريق باطل، واهدني طريقًا أبديًا” (مز139: 23، 24). نعم! لا يمكن أن تعاين السماء بدون حياة الطهر والنقاء.

ثانيًا: نافذة الصلاة والدعاء

رصدت عدسة الوحي المقدس صورة يعقوب وهو يصلي في (تك32) وقد باركه الرب “فدعا يعقوب اسم المكان “فنيئيل” قائلاً: “لأني نظرت الله وجهًا لوجهٍ” (تك32: 30).

نعم! بالركب الجاثية والأيادي الضارعة يمكننا أن نرى السماء ونستمع لصوت الله يقول: “اسألوا تُعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يُفتح لكم.” (مت7: 7).

وهل ننسى عند استشهاد استفانوس مكتوب عنه: ” وأما هو فشخص إلى السماء وهو ممتلئ من الروح القدس، فرأى مجد الله، ويسوع قائمًا عن يمين الله. فقال: “ها أنا أنظر السماوات مفتوحة، وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله”. فكانوا يرجمون استفانوس وهو يدعو ويقول: “أيها الرب يسوع، اقبل روحي”. ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم: “يارب، لا تقم لهم هذه الخطية” (أعمال7: 55-60). وهنا نجد استفانوس عندما رفع قلبه في صلاة ودعاء رأى السموات المفتوحة له. نعم! إن النافذة الأولى والرئيسية التي يمكن أن نطل منها على السماء هي حياة الصلاة والدعاء.

ثالثًا: نافذة التضحية والعطاء

في (ملاخي3: 10) مكتوب “هاتوا جميع العشور إلى الخزنة ليكون في بيتي طعام، وجربوني بهذا، قال رب الجنود، إن كنت لا أفتح لكم كوى السماوات، وأفيض عليكم بركة حتى لا توسع”.

قامت نبوة ملاخي على الحوار بين الله وشعبه، ولم يكن وحي ملاخي إلا تسجيلاً لهذا الحوار، وفي هذا النص الكتابي نرى الله كأنه يقول لنا “بيدك أن تفتح كوى السموات… مَنْ يكرم الرب من ماله سيرى السماء وهي تمطر وتغدق عليه الخير والبركة.

كيف لا؟! ألم يعد الرب أنه يكرم الذين يكرمونه؟ وهل هناك كلمات أبلغ من التي قالها الرب يسوع في (مت25: 35-45) “بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي فعلتم. هذا معناه أنك وأنت تهتم وتساعد الآخر المحتاج.. أنت تتعامل مع الله نفسه… ولعل هذا يفسر ما جاء في (أم19: 17) “من يرحم الفقير يقرض الرب، وعن معروفه يجازيه”.

يحكي لنا تاريخ الكنيسة عن القديس فرنسيس الأسيزي أنه كان يقوم بخدمة المرضى بالبرص، وفي يوم من الأيام كان يداوي ويهتم بمريض أبرص وضرير في نفس الوقت، وشعر المريض بحب وحنان واهتمام فوق الخيال من اليدين اللتين تداويه، فهمس المريض وقال لفرنسيس الأسيزي: هل أنت سيدي المسيح؟! فأجابه: … أنا خادم المسيح.

نعم! عندما نعطي للآخرين ونخدمهم ونسعدهم نحن نرى الله فيهم، ونجعل الناس أيضًا ترى الله فينا.

رابعًا: نافذة خدمة الله

في (2كو11: 24-27) نقرأ افتخار الرسول بولس بضيقاته ومعاناته في طريق خدمة الله. وبعد أن يسرد أشكال وألوان الآلام التي تكبدها وهو يحمل لواء الخدمة يقول في (2كو12: 2-5) “أعرف إنسانًا في المسيح قبل أربع عشرة سنة. أفي الجسد؟ لست أعلم، أم خارج الجسد؟ لست أعلم. الله يعلم. اختطف هذا إلى السماء الثالثة”. وبعد أن يسجل هذا الاختبار الفريد غير المسبوق يكشف عن مكنونات قلبه، ويرينا في وقت واحد آلامه وأمجاده ويتحدث عن نفسه وكأنه يقف خارج نفسه بطريقة عجيبة وفريدة، ويقول “أعرف إنسانًا” وهذا الإنسان هو نفسه. ولعل هذا معناه أنه عندما نخدم الله عندئذٍ نرى إله السماء،  كيف لا؟! ألم يقل الرسول بولس “نحن عاملان مع الله” (1كو3: 9).

نعم! كم هو رائع أن تسجل ريشة الوحي المقدس في ختام إنجيل مرقس “ثم إن الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء، وجلس عن يمين الله. وأما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان، والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات التابعة. آمين” (مر16: 19، 20). وهذا معناه أن خدمة الله نافذة نطل منها على السماء، وفي نفس الوقت فرصة فيها نستمتع فيها بمعية الله ورعايته، وهذا ما أكده الرب يسوع لتلاميذه ساعة صعوده للسماء إذ قال: “فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر”. (مت28: 19، 20).

إن الفكر الكتابي يعلمنا أن الله والإنسان يشتركان معًا في وضع الرؤية، ورسم الخطة، وتحقيق الهدف، وصناعة المستقبل، وتسجيل التاريخ.

كيف لا؟! ألم يقل الرسل “رأى الروح القدس ونحن”؟! (أع15: 28).

نعم! إن الله يشرفنا بامتياز العمل معه، وأجمل ما في هذا الامتياز هو معية الله.

والجدير بالملاحظة أن كلمات الرب السابقة لهذا الوعد مباشرة هي “فاذهَبوا وتلمِذوا جميعَ الأُمَمِ وعَمِّدوهُمْ باسمِ الآبِ والِابنِ والرّوحِ القُدُسِ وعَلِّموهُمْ أنْ يَحفَظوا جميعَ ما أوصَيتُكُمْ بهِ” (متى28: 20) ثم يأتي الوعد ويبدأ بكلمة “وها” وحرف العطف “و” يبين الارتباط الوثيق بين خدمة الله ومعاينة ومعية الله.

ويبقى السؤال: هل ترى الله؟!… هل؟!

وإن كنت تراه فهل تخشاه وتعمل رضاه؟!

وإن كنت تراه فهل تشبع برؤياه؟! ولا تبتغي سواه؟!

وإن كانت لك شركة وإياه، فهل يشتم الناس فيك عبيره وشذاه؟… هل؟!

خامسًا: نافذة الثقة والرجاء:

في سفر الرؤيا تصور عدسة الوحي المقدس يوحنا يرى السماء في جزيرة بطمس إذ يقول (رؤ21: 1- 7) ” ثم رأيت سماء جديدة وأرضًا جديدة،… وسمعت صوتًا عظيمًا من السماء قائلًا :”هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم، وهم يكونون له شعبًا، والله نفسه يكون معهم إلهًا لهم” (رؤ21: 1-7).

ياه! كم كانت معاناة يوحنا في منفاه في بطمس، حيث كان وحيدًا لكنه من نافذة الرجاء رأى السماء. ومعية الله. كانت بطمس مكان المخاطر والمخاوف، لكن يوحنا كان يتمتع بسلام الله الذي يفوق كل عقل. كانت بطمس مكان الإحباط واليأس، لكن يوحنا كان ممتلئًا بالأمل والرجاء… كانت بطمس مكان الجوع والعطش والعوز لكن يوحنا اختبر الشبع والارتواء والاكتفاء بالرب… كان يوحنا في بطمس مكبلاً بالقيود، لكنه كان يتمتع بحرية مجد أولاد الله… لم يكن هناك مكانًا ليتعبد فيه، لكنه استطاع أن يكون في الروح في يوم الرب، ويرى السماء بالرجاء وهو على الأرض. وهذا هو إيماننا، فالإيمان يرى ما لا يراه الآخرون من أمجاد، والإيمان لا يرى ما يراه الآخرون من صعاب وضيقات.

نعم! إن الرجاء الذي لنا في المسيح لا يتوقف عند حدود الأرض، إنما يتخطاه ليرى السماء.

ويبقى السؤال: هل تريد أن ترى الله؟ هذه بعض النوافذ التي تطل منها على السماء وترى الله، وتستمتع بالشركة وإياه وأنت تمشي بقدميك على الأرض.

عبرة في عبارة: (في طريق العودة إلى الله كاميرات المراقبة ترصد لك مخالفة إذا تأخرت وترصد لك مكافأة إذا أسرعت).

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا