خطة الشيطان لقانون بناء كنائس الرحمن

3

العدد 133 الصادر في أكتوبر 2016
خطة الشيطان لقانون بناء كنائس الرحمن

    هناك طرق وقوانين وأساليب دولية أو حكومية في كل بلدان العالم التى لا ولن تؤمن بالحرية الحقيقة الكاملة، أي الحرية المقننة وفقًا لمعايير دولية حقوقية إنسانية لمواطنيها، هذه الطرق والقوانين والأساليب عادة ما تكون غير عادلة ومع ذلك تطبقها هذه الدول أو الحكومات، عندما تتعامل مع مشاكل أو احتياجات الأقليات بها، وهذه الطرق والقوانين والأساليب غير العادلة وغير المشروعة والجائرة، تكاد تكون متطابقة تمامًا بين تلك الدول على مستوى العالم أجمع، وكأن شخصًا واحدًا، إنسًا كان أم جنًا، جسدًا كان أم روحًا شيطانيًا شريرًا، هو الواضع والمشرع والمطبق لتلك القوانين الموحدة سيئة السمعة عالميًا، وبالطبع مصر ليست مستثناه منها في شئ. والدليل على ذلك هو ما حدث فيما يختص بتمرير قانون بناء الكنائس، وهو الذي كان من المقترح له، من قبل رياسات الأقباط الحالمين وعامة المسيحيين المغيبين والساسة المغرضين. أن يسمى بقانون دور العبادة الموحد، تلك التسمية والمضمون الأقرب إلى الاحتياج الحقيقي للمصريين جميعًا، وهو الأكثر عدلاً للجميع إذا ما طبق تمامًا، بالقسط والميزان، على كل دور العبادة والعابدين في كل الأديان على اختلافها، والمذاهب على تعدادها حتى داخل الدين الواحد، وهذا ما كان لابد أن يكون بديهيًا بسيطًا عادلاً. إلا أن الأمور تغيرت وتبدلت  سريعًا وبسرعة البرق، وفجأة تغير وتبدل اسم القانون، والهدف والغاية منه، وأطلق عليه قانون بناء الكنائس، واختفت كلمة موحد وأنمحت كلمة عبادة وكشفت النوايا والخبايا من وراء إصدار مثل هذا القانون غير الدستوري، على الأقل في رأيي الخاص، حيث أن الدستور ينص على حرية العبادة وبالتالي وبديهيًا كتحصيل حاصل, تكون حرية إقامة دور العبادة أمرًا غير قابل للمناقشة ولا يستحق إصدار قوانين، فتدَخُل السلطات والمحليات والمحافظ والأمن المصرى في قرار بناء الكنائس من عدمه، يجعل من هذا القانون نقطة سوداء تضاف إلى الصفحة السوداء للممارسات السوداء التى نعيش بها نحن المسيحيين المصريين، والحقيقة هي أننى شخصيًا لو كنت مسلمًا لما وافقت إطلاقًا وبأي شكل من الأشكال أو أي شرط من الشروط على إصدار قانون يعرف بقانون العبادة الموحد، فكيف أساوي بين دينى وبيوت عبادتي ودين وبيوت عبادة اليهود والنصارى وهم المغضوب عليهم والضالين، ولعل أهم الأسباب غير المعلنة التى أدت أولاً إلى المماطلة لسنين عديدة في خروج هذا القانون وثانيًا لهذه التغييرات التى حدثت لعنوانه ومضمونه هي:

    1- إنه عندما يأتي الشرع الإسلامي لقضية تعامل المسلم مع غيره من خلائق الله سبحانه، لا يساوي الشرع، المسلم بغير المسلم حتى مع أهل الكتاب وهم أقرب الناس مودة للذين آمنوا، لأن منهم قسيسين ورهبانًا وهم لا يستكبرون. لا يساوي الشرع في الإسلام بينهم في شتى نواحي الحياة، ففي شرعهم أن الدين عند الله الإسلام، وإنهم خير أمة أخرجت للناس، وإن الله فضل بعض خلائقه على بعض درجات حتى فيما بين المسلمين أنفسهم، أما في الحقوق والواجبات، فلا ولاية لغير المسلم على المسلم، وللمسلم أن ينكح ما طاب له من النساء، مثنى وثلاث ورباع وما ملكت أيمانه، بما فيهم نساء الأقباط، أما غير المسلم فلا يحل له أن يتزوج بمسلمة على سنة الله ومسيحه، وإن أنجب المسلم من غير المسلمة، فأولادهم لابد لهم أن يتبعوا الدين الأفضل -على حد القول- وكما يعتقد، كل علمائهم وفقهائهم، وقيمة دم المسلم لا تتساوى مع قيمة دم غير المسلم، فالمسلم القاتل لغير المسلم لا يحاسب كما يحاسب المسلم إذا قتل مسلمًا وغيرها وغيرها الكثير، فكيف يمكن أن يساوى ببساطة بين المسلم وغير المسلم في قانون ينظم بناء دور عبادة كل منهما؟!

    2- غير المسلم، في معتقدهم وإيمانهم، لن تقبل منه عبادته يوم القيامة. فمن ابتغى غير الإسلام دينًا على الأرض، لا يقبل منه يوم لا ينفع مال ولا بنون في الآخرة، فكيف يساوى  القانون بين بيوت يذكر فيها ما سيقبل يوم القيامة وبيوت مرفوضة وسيرفض ما يصدر منها الآن وفي القيامة وإلى أبد الآبدين؟!

     3- كيف يساوى القانون بين بيوت يعلوها الهلال، وبيوت يعلوها الصليب، وهو في نظر المسلم وثن يعبده المسيحيون، حتى أطلقوا عليهم عباد الصليب، مع أنهم أبعد ما يكونون عن عبادة الصليب في حد ذاته، بل هم يعبدون من كان مصلوبًا لأجل فداء البشرية جمعاء بما فيهم المسلمون أنفسهم؟! وكيف يساوون أو يوفقون بين الصليب والهلال مع القول: “ما صلبوه وما قتلوه ولكن شبه لهم”؟! فالصليب بالنسبة لهم ما هو إلا خدعة خدع بها المولى الصادق، العادل، الأمين، العليم، الرحيم المسيحيين ولم يخبرهم بها لمدة أكثر من ستمائة عام ولم يقل لهم لا في كتابهم ولا كتب اليهود أن من عُلِّقَ على الصليب كان هو غير المسيح يسوع، وعندما أخبر سبحانه المسيحيين في غير كتابهم أن المسيح بن مريم لم يصلب، أصروا على عنادهم وإصرارهم على أن اليهود “صلبوه وقتلوه ولم يشبه لهم”، وأن من كان على الصليب هو شخص يسوع  المسيح  بذاته وهم لا يزالون مصرين على الاعتراف بهذه الحقيقة.

    4- كيف يساوى القانون بين بيوت العبادة للأغلبية العددية القوية السلفية الإخوانية ورياساتها، واتحادها معًا وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمسيحيين، وبين بيوت عبادة الأقلية العددية القبطية المسيحية المنقسمة على ذاتها، حتى عندما يتعلق موقفها بطريقة مواجهة الأغلبية الإسلامية؟!

    5- كيف يساوى القانون بين بيوت عبادة جماعة لا مشكلة لديهم في إقامتها، أي المساجد، وفقًا لتصريحات شيخ الأزهر الطيب، بل على العكس، فإقامة مسجد حتى في الدور الأول لأية عمارة عالية لمكسب يغدق على أصحابه الخير الجزيل في الدنيا والآخرة، مع بيوت جماعة لا تُعْطَى تصاريح أو تراخيص لإقامة بيوت عبادتها إلا في أضيق الحالات وأخطر الأسباب المحسوبة والتوقيتات المدروسة، وفي مناسبات يتم فيها التقايض على ما سيدفعه أصحابها، أو ما سيتنازل، أو ماسيسكتون أو يتغاضون عنه وكأنه غير موجود مقابل تراخيص البناء؟!

    كل هذا جعل من إصدار قانون موحد لدور العبادة، إسلامية ومسيحية، دربًا من دروب الخيال وحلمًا وأملاً، تعلقت به الكنيسة على اختلاف طوائفها وقياداتها لسنين عديدة دون إدراك أعماقه وأبعاده، واستحالة إمكانية إصداره ودقة تفاصيله، ولعل هذه هي الأسباب التى جعلت حكومة مبارك وبعدها المجلس العسكرى ثم حكومة مرسى تتجاهل أمر إصدار هذا القانون وتركنه في إدراج مكاتبهم بالسنين لتلوح به للكنيسة، كلما أرادت تطويعها وقادتها وإقناعهم للانضمام إلى صفوفها عندما تحتاجهم وترغب في تواجدهم.

    وبغض النظر عن مكونات هذا القانون وبنوده وظروف وطريقة سلقه، أو إصداره، ورفضي البات للتعليق على بنوده وما جاء به، حيث أنني لن أناقش قانونًا أنا رافضه تمامًا من الأصل، ورافضًا الأسباب التى أدت لإصداره، والطريقة والوقت الذي أصدر فيه، فهذا كله ليس ببيت القصيد في رأيي وليس هذا ما جعلنى أكتب عن هذا الأمر الخطير، فبيت القصيد والأمر الجوهرى الذي كان لا بد أن ينتبه إليه الأقباط، هو أنه ما كان لهذا القانون أن يرى النور وأن لا يكون هناك من الأصل والأساس قانونًا ينظم بناء الكنائس في مصر بأي شكل من الأشكال، سوى قواعد الأمن والمتانة التى تطبق على كل مبنى، مهما كان الغرض من إقامته، وأن أي قانون يصدر في هذا الشأن لا بد أن يطبق على المسيحيين والمسلمين. فالمكان الذي لا يصلح أن تبنى فيه كنيسة، لا يسمح فيه ببناء جامع، والمصلحة التى تبنى أو يخصص بها مكان لمصلى، لابد أن يخصص بها مكان لبناء كنيسة، وخاصة إن المسيحيين، لا المسلمين هم أصحاب مصر الأصليين، الذين من حقهم أن يضعوا مثل هذا القانون من عدمه، ولذا فما كان على الكنيسة بكل رياساتها والأقباط المصريين في الداخل والخارج، قبول أن يكون هناك قانون يسمى بقانون بناء الكنائس، بل كان عليهم جميعًا رفضه رفضًا باتًا وعدم قبوله أو حتى النظر إليه وإلى بنوده على الإطلاق. فهذا القانون كان لا ينبغي له أن يرى النور أو أن يذكر أو يأتي على بال إنسان. ففي أوروبا والبلاد المتقدمة، في بلاد تعرف كيف تمارس الحرية الحقيقية، الحكومة لا علاقة لها ولا يهمها في شئ صغير أو كبير بأن تبني كنيسة أو جامعًا أو معبدًا أم لا، الأمر الوحيد المهم أنك تبني أي منها وفقًا لقواعد سلامة المباني من الناحية الهندسية والفنية والبنائية، حفاظًا على أرواح روادها، أما أن يعلوها صليب المسيح أم ديك بطرس أم نجمة داود أم تمثال يسوع أو أمه المطوبة أم هلال رمضان فلا شأن للحكومة به، ولن يسألك أحد عن شكل قبابها أو عدد مذابحها أو طائفتها أو دينها أو عدد روادها إن كثروا أم قلوا. وتعتبر جريمة كبرى يعاقب عليها القانون وتصنف على أنها تمييز دينى أو عنصرى، لكل من تسول له نفسه، مجرد أن يسأل عن واحدة من التفاصيل السابقة الذكر، أو أن يمنع أو يعطل إعطاء ترخيص لمثل هذا النوع من المباني. الأمر الذي درسه المسلمون أنفسهم بدقة في كل البلاد التى تمارس بها الحرية الحقيقية وانتهزوا الفرص ومناخ الحرية التى يستمتعون بها في كل بلدان العالم الحر واستغلوها ونشروا مساجدهم إلى أقصى الأرض، وحللوا لأنفسهم في بلاد النصارى ما حرموه على النصارى في بلاد النصارى أنفسهم. ولكي يحقق الشيطان خطته في إصدار مثل هذا القانون وغيره من القوانين التى ما كان ينبغي أن تصدر على الإطلاق، يبدأ في وضع وتنفيذ خطة محكمة طويلة الأمد، ولا يهمه إن استغرقت هذه الخطة سنين أو قرونًا، مادام سيصل إلى منشودته في النهاية، وهي أن يمنع تجمع المؤمنين ويقطع الاتصال والعبادة بينهم وبين مسيحهم حتى في بلاد المسيحيين أنفسهم.

    وتتكون عناصر هذه الخطة الشيطانية مما يلى:

    أ- يبدأ بقهر واحتلال وأسر جماعة بعينها واضطهادها وتحويل أهلها من أصحاب الأرض الأصليين وملاكها الحقيقيين إلى أقلية مستعمرة فتحها غازون وتقاعس رجالها وقادتها عن صدهم والدفاع عن بلادهم وهرب قسوسها ورهبانها إلى أديرتهم وصوامعهم وكفوا عن الصراخ للقادر على كل شئ، بأن يحمي بلادهم ولم يضحوا بحياتهم حتى الموت في سبيلها، مع أن منهم من وقف في وجه الشيطان سابقًا ودحض فكرته بجعل الكنيسة تؤمن بعدم إلوهيته، تبارك اسمه. ومنهم الفقير المسكين الذي استطاع أن ينقل جبل المقطم وإثبات أن قديسي الكنيسة لقادرون على تنفيذ وعوده تعالى في كتابه المقدس، حتى لو كان إلى حد نقل جبل عملاق حرفي كجبل المقطم في قوله تعالى: “فالحق أقول لكم لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل، لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك، فينتقل ولا يكون شئ غير ممكن لديكم”.

    ب ـ ثم يعمل الشرير على عزل هذه الجماعة عن كتابهم المقدس وعن حضارتهم ولغتهم وتاريخهم وعاداتهم وتقاليدهم وصلواتهم وميراث آبائهم الذي اختزنوه على مر السنين، ويقنعهم أنهم الأقلية التي لا حول لها ولا قوة والتى لن يكون لها ذلك إلى قيام الساعة، وأن أصواتهم لن تسمع ليس في الخارج والداخل فقط، بل بين أنفسهم أيضًا، فلا داعٍ للصراخ والغضب والثورة والصلاة والعبادة وبناء الكنائس، فلن يجدي كل هذا نفعًا.

    ج ـ وعندما يعلو صراخهم من الظلم والاضطهاد والسخرة والحبس والقتل، بالرغم من تهديد ووعيد العدو لهم إذا رفعوا أصواتهم وبكوا أو اشتكوا وتظاهروا وأخبروا العالم كله عن سوء أحوالهم. وعندما يدرك الرجيم أن أصواتهم لن تخمد فيما بعد، يبدأ في مساومتهم بوعود وعهود براقة واعدة تبدو وكأنها هي الحل لكل مشكلاتهم، فيعين منهم عشرة أفراد، كما كان يحدث قديمًا، في مجلس الشعب أو الأمة ويعطيهم من معسول الكلام وحلو العبارات، ما لا ينوي أن يحققه أبدًا وتحت أي بند من البنود.

   د- ثم تمر السنين ويظل الحال على ما هو عليه بل ويتقدم إلى أردأ، ويصبح أمر اضطهاد وقمع هذه الأقلية ليس سرًا. فيما بعد، فقد أصبح العالم قرية صغيرة لا تبعد عن المرء إلا بقدر ما تبعد يده وعينه عن الكمبيوتر أو التليفون المحمول الخاص به، ويدرك المضطهد أنه من المستحيل أن يكمل خطته، كما خطط لها عبر عشرات السنين الماضية، فيبدأ في التحرك لتغيير الأمور ويقترح إصدار القوانين وتنظيم التعاملات مع الأقلية في البلاد ويعدهم بالمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية والدينية.

    هـ-  ثم تبدأ مرحلة طويلة من النقاش معهم حول مائدة غير مستديرة يجلس على رأسها البعيد، البعيد، البعيد عن بقية الجالسين عليها، يجلس الأعلى صوتًا والأقوى عضلات والأكثر نفوذًا، من يملك مفاتيح السجن والذي باستطاعته، من منظوره البشري وحسب تصورات قلبه، أن يلقي الناس في جهنم النار متى أراد وكيفما أراد، تتسم هذه المرحلة بأصوات خافتة متفرقة ترفع من القلة النادرة من المضطهدين لا تسمع إلا منهم في مخادعهم وكنائسهم واجتماعاتهم، وسرعان ما تعود هذه الأصوات للصمت المطبق أو تخفت ثانية وهكذا، فهي على كل حال لن يُقَدَّر أو يسمح لها أن تصل إلى البعيد الجالس على طرف الطاولة، فهو دائم الكلام والحلف والأقسام، كثير الوعود والعهود، ومستحضر الرعود والقيود وقتما يشاء، وهو مخادع متملق يظهر عكس ما يبطن، محنك في استخدام الشماعات والفزاعات، فهذه شماعة الجماعات الإسلامية المتطرفة، وتلك شماعة الإخوان المسلمين والسلفيين، ووقوفهم ضد القوانين البانية للمجتمع والداعية للمساواة بين أبناء الوطن الواحد، ثم شماعة أمن وسلامة مصر الذي يجب أن يحافظ عليها الأقلية المضطهدة وحدهم دون الأغلبية الساحقة، فإذا أهان عالم بدينه المسيحيين ووصفهم بالقردة والخنازير ووصف كتابهم بالمكدس واتهم ديانتهم بالفشل، وإذا ما تجمع غوغاء حول امرأة لتعريتها، أو حكم على أطفال بالسجن أو خطفت الفتيات وقتل الشبان وشرد أي عدد من هذه الأقلية، فلا خوف على الأغلبية ولا هم يحزنون وعلى الأقلية أن يقدموا تنازلات أكثر وأكبر لوأد الفتنة النائمة، فلعنة الله على من يوقظها، فأمن وسلامة مصر أولاً. ولا بد أن تملأ تصريحات المضطهدين والمظلومين الجرائد، والمجلات تشيد وتردد الشعارات عن الوحدة الوطنية وحب مصر والاستعداد للموت في سبيلها وتنطلق الأقوال المأثورة التى منها “وطن من غير كنائس، أفضل من كنائس من غير وطن”، أو “مصر وطن يعيش فينا وليس وطنًا نعيش فيه”. ثم يحاول أن يقنعهم الشيطان الجالس على طرف الطاولة ٍأن لدينا الآن الأهم في مصر من هذا الذي يشغل بالكم أيها المغيبون، ثم شماعة ردود أفعال الإخوان المسلمين والسلفيين وهكذا يستمر النقاش من طرف واحد، فيما كان لا بد من عدم النقاش به من الأصل، وفي أمور لا تقبل النقاش والمساومة. ويضع الجالس على الطاولة الكنيسة وقادتها أمام خيارين أو حلين للمشكلة التى اصطنعها هو وألقاها عليهم أحلاهما مر، وهذان الحلان هما، إما المناقشة والتنازلات وقبول الأمر، ما يقرره هو وشعبه واتباعه، وإما أن يرفضوا الحلين ويتهموا بالخيانة ضد الوطن والتآمر عليه من الهيئات والمؤسسات الشعبية والحكومية الخارجية، فيبلع قادة الكنيسة الطعم وينسوا أن هناك دائمًا حلاً ثالثًا من المولى سبحانه وتعالى، ذلك الحل الثالث الذي أفردت له مقالاً خاصًا بجريدة الطريق والحق بعنوان “الحل الثالث”. أما الحل الثالث في هذه الحالة في رأيي هو أن ترفض الكنيسة رفضًا باتًا تقديم أية تنازلات، من شأنها أن تحدث شرخًا في صفوف الكنيسة، أو تمنع العابدين المسيحيين من إقامة الكنائس أو تسمح لغير المسيحيين أن يتحكموا في التصاريح الخاصة ببناء الكنائس، وتتكل على سيدها وإلهها الذي لا بد أن يكرم إيمانها به واتكالها عليه ووقوف مسئوليها في الثغر ويصنع مرضاته ومشيئته بالكنيسة

    والدولة والمصريين جميعًا. أما أن تأخذ الأمور من النواحي السياسية والأمنية والوطنية فحسب، فهذا عين الشر الذي يجعله تعالى يدفع الكنيسة إلى يد سالبيها ومضطهديها، كما دفع شعبه إسرائيل في القديم على نفس المنوال.

    وـ وعندما يدبر الرجيم لإصدار مثل هذا القانون، يجعل أمر الحصول على ترخيص لبناء كنيسة دربًا من دروب المستحيل ويضع من العقبات والعراقيل الظاهرة والخفية ما لا يعد أو يحصى، وتنفجر الأحداث الداميات في كل قرية ونجع والسبب أن ادعى أحدهم أن المسيحيين يبنون كنيسة جديدة في قريتهم، فيهرول المغيبون الأشرار ويبادرون بهدم المبنى وإحراقه والتعامل مع أصحابه بالذخيرة الحية، ويطرد من سولت له نفسه أن يبنى شقة لابنه في منزله، يطرد هو وأهله من القرية أو المدينة ولا يعود إليها بأي شكل من الأشكال. وفي النهاية يقنع الشيطان المسيحيين أن ينسوا أنهم أصحاب الأرض وأن من حقهم قبل غيرهم بناء كنائسهم في أي مكان وزمان وشكل يريدون، فهذه أرضهم وأرض أجدادهم وما الخير الذي مازال الجميع يستمتعون به، ما هو إلا نتاج لحبات عرق أجدادهم تلك التي هى حبات العرق التى أجبرت أرض مصر على الإثمار والازدهار وتقديم أقدم الحضارات التى عرفها التاريخ.

    زـ ثم تأتي خطوة التلويح بالإفراج عن تصاريح بناء الكنائس، فيقبل المسيحيون شروط غيرهم فيما يتعلق بحقوقهم، التى أهمها على الإطلاق حق بناء بيوت الله في الأرض الكنائس، ويخدرون أنفسهم ببعض الأقوال التى اعتادوا ترديدها دون وعي منهم بأمثالهم الشعبية العقيمة التى قبلوها وتعاملوا معها كأنها وحي من الله العظيم، ومن بينها “أهو قضى أخف من قضى”، “إحنا كنا فين وبقينا فين!”، “الحمد لله إنهم في عصر السيسي بيعطونا تصاريح لبناء بعض الكنائس”، “بس ربنا يكرمنا ويفضل الحال على كده”، “مش أحسن ما تقوم حرب أهلية بيننا أو نعمل مشكلة مع الحكومة”، “مش كفاية أنهم اعترفوا بالكنائس القائمة”، “خلينا نستفيد من تراخيص الموجود وبعدين نبحث عن غير الموجود”.

    ويقنع الوسواس الخناس قادة الكنيسة أننا في العصر الذهبي للمسيحية في مصر، حتى إن سيادة الرئيس “حفظه الله ورعاه”، قام بنفسه مشكورًا بزيارة الكاتدرائية المرقسية مرتين، هو بنفسه، وهنأ المصلون المسيحيون بعيد الميلاد، بنفسه ولم يرسل مندوبًا عنه أو ممثلاً شخصيا له، والموضوع ده ما حصلش من رئيس قبله، ألم تسمع سيادته وهو يقول مفيش “هم وإحنا”؟ “فيه كلنا مصريين”، أنت ما سمعتهوش وهو بيعتذر للبابا عن عدم بناء وترميم الكنائس التى هدمها وحرقها الإرهاب الإخواني، وقال له معلهش إحنا اتأخرنا عليكم في الموضوع ده ووعده بأن يبنيها كلها في هذه السنة 2016 .

    ح ـ ويبدأ الشيطان في إقناع الجميع أن الحل هو في إصدار قانون موحد لدور العبادة، قانون يضع الشروط والخطوات والتعريفات والنقاط على الحروف يلتزم به الجميع، المسلم وغير المسلم، ويعمل به سريعًا ويلتزم به الجميع.

    ي ـ يبلع المسيحيون الطعم وتقبل رياساتهم الأمر الواقع وينتظرون بفارغ الصبر إصدار القانون. يتأخر الشيطان في تنفيذ الوعود، قانون العبادة الموحد لم يصدر، مع أن القادة المسيحيين صدقوا الحكومة عندما طلبت منهم مسودة للقانون، أسرع المسؤلون عن الكنيسة بكتابة المسودة، صرفوا الساعات الطوال في الحديث والمناقشة ومحاولة إيجاد رأي موحد بين طوائفهم المختلفة، حتى لا يظهروا. أما العامة والمسلمون والحكومة أنهم منقسمون حول بعض عناصره. يتنازل من يتنازل ويشرح من يشرح ويلغي من يلغي، حتى ترى المسودة النور لعدة دقائق معدودات، وهو الوقت الذي استغرقه القانون للسفر من الكاتدرائية المرقسية بالقاهرة إلى أدراج المسئولين بالحكومة، هذه الأدراج لا ترى النور بالسنين، فقبع القانون في الظلام وقامت ثورات وخلع رؤساء وكلف غيرهم من قبل الشعب المصرى الطيب بتولى الرئاسة ومازال القانون في جلباب أهل الكهف. لم يفقد المسيحيون الأمل، نسوا أنهم ليسوا في حاجة إلى قانون في بلادهم وأرضهم لبناء كنائسهم، ورضوا بوجود قانون، فهذا أفضل الحلول. أهي حاجة تسهل إصدار تراخيص بناء الكنائس!! وعندما كاد صبر المسيحيين أن ينفد، بدأ قانون جديد في التحرك من تحت عباءة الحكومة، قانون جديد اسمه قانون بناء الكنائس ويخلو من كلمة عبادة وكلمة موحد. وأصبح تحريك القانون الجديد شيئًا رائعًا، لابد من شكر المولى عليه. وخرجت الشائعات الشيطانية، القانون يحرم وضع الصليب على الكنائس، هاج المسيحيون وماجوا، فتنازل الشيطان عن هذا الشرط أيضًا، ياله من شيطان محب مسامح يهمه أمر المسيحيين ويعمل على إصدار قانون لبناء الكنائس! يعترض بعض المسئولين عن الكنيسة على بعض بنود القانون الجديد، يتفضل سيادة الرئيس شخصيًا رغم كل مسئولياته الجسام بمقابلة قادة الكنيسة، يخرج القادة من الجلسة مع سيادة الرئيس، مقتنعين أن هذا القانون هو أفضل ما يمكن للمسيحيين ولأمن مصر والاستقرار الطائفي. يمرر القانون في يوم واحد في مجلس الشعب، حتى السلفيون يصوتون في صالح القانون. الشرعية تكسب، حصل اقتراع ووافق أعضاء البرلمان، وهذه هي قمة الديمقراطية والشرعية، صندوق الانتخابات هو الحل وهو القول الفصل في كل اختلاف.

     يرجع الحال إلى ما هو عليه، الأمن والمخابرات والجيش والمحليات وسيادة المحافظ شخصيًا، هو الذي لا بد له من الموافقة على بناء الكنائس في محافظته، أربعة شهور تمنح له للموافقة من عدمها، أربعة شهور، حتى يأخذ سيادته وقته بالتصريح لأمر لا يجب أن يكون في اختصاصه ولا في اختصاص غيره من المسئولين الحكوميين، فبناء الكنيسة ينبغي أن يكون من اختصاص المسيحيين وحدهم هم الذين يقررون أن يبنوا أو لا يبنوا، ماداموا يبنون على أرضهم ملكهم ووفقًا للمواصفات الهندسية والبيئية التى تسري عليهم وعلى غيرهم. ومازلنا في انتظار الخطوات العملية لتنفيذ مثل هذا القانون الذي ما كان ينبغي أن يرى النور كما قلت سابقًا. أيام وسينسى موضوع قانون بناء الكنائس، المسيحيون طيبون ولا يحقدون للأبد والدهر، ليس منهم من يستخدم العنف أبدًا، مهما كان الظلم الواقع عليهم، فمسيحهم وإلههم أوصاهم أن يحبوا أعداءهم ويباركوا لاعنيهم ويحسنوا إلى مبغضيهم ويصلوا لأجل الذين يسيئون إليهم ويضطهدونهم، وعلينا أن نستغل كل هذه الصفات الحسنة بهم وعاشت مصر حرة أبية، بلد الأمن والأمان. وإلى اللقاء مع قانون آخر وأزمة أخرى وتكرار لنفس السيناريو، حول  خطة الشيطان لقانون بناء كنائس الرحمن.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا