تُستخدم كلمة خرافة للإشارة إلى معتقدات أو قصص غير صحيحة أو مبالغ فيها، لا تستند إلى حقائق. والواقع الفعلي الذي نعيش فيه يتضمن خرافات عديدة، وبخاصة أننا مجتمع شفهي يعتمد في تعليمه على نقل القصص والحكايات المروية وتعميم الخبرات الشخصية والتعامل معها وكأنها تصلح لكل الناس. والمثل الشعبي الدارج “اسأل مجرب ولا تسال طبيب” منتشر على كافة المستويات الاجتماعية والثقافية. وقد انتشرت هذه الأفكار نتيجة سهولة تداولها وعدم التحقق من صحتها مما يجعلها مؤثرة في تشكيل سلوكيات الأفراد واتخاذ قراراتهم.
وإذا أضفنا العبارة الأخرى التي تقول: “ليه تدفع كتير طالما ممكن تدفع أقل” نجد أن متلازمة الاستسهال والكسل قد اكتملت لدى مجتمع جزء من تكوينه الفكري عدم الإقبال على التعليم بسبب خبرات الطفولة السلبية المرتبطة بمنظومة التعليم والتحصيل الأكاديمي، وهو ما ساعد على انتشار الخرافات ليؤصل معتقدًا متجذرًا في المجتمع نابع من غياب الوعي العلمي وسيطرة الموروثات الثقافية.
عند تناولنا للتكوين العقلي المعرفي المرتبط بمجتمعنا البسيط التلقائي العشوائي، نجد أن الفرد يكرر الخبرات والتجارب التي مر بها دون أن يدرى وبشكل لا إرادي غير واعي، وبخاصة الخبرات السلبية التي تتحكم في حوالي 90 % من العقلي اللاواعي حسب نظرية التحليل النفسي لرائدها عالِم النفس “سيجموند فرويد”.
خرافات التربية هي المعتقدات أو الأفكار الشائعة المتعلقة بتربية الأطفال، والتي تُعتبر غير صحيحة أو مبالغًا فيها عند النظر إليها من زاوية علمية أو واقعية. مثل هذه الخرافات تنتشر عبر الأجيال نتيجة للعادات الاجتماعية أو التجارب الشخصية كما أوضحتً سلفاً والتي تتعامل معها كأنها حقيقة لا تقبل الشك أو حتى قابلة للنقاش والفحص والتمحيص، ونجد أن الغالبية تردد عبارة:
“إحنا اتربينا كده بنفس الطريقة، ومحصلش لنا حاجة، وبقينا رجالة نقدر نتحمل المسؤولية.”
والواقع الذي نعيشه في تعاملاتنا المتعددة، سواء في أماكن العمل أو في الشارع، بدايةً من الوقوف في طابور الانتظار وحتى الالتزام بإشارات المرور، يكشف بوضوح أننا “لم نتربَّ كما ينبغي، ولم نصبح قادرين على تحمل المسؤولية كما ندّعي. “
تصرفاتنا اليومية تعكس غياب الالتزام بالقواعد الأساسية واحترام النظام، مما يشير إلى فجوة حقيقية بين ما يُقال عن التربية وبين نتائجها الفعلية على سلوك الأفراد في المجتمع، لكنها قد تؤدي إلى ممارسات تربوية خاطئة.
خلال سلسلة المقالات التالية، سوف أستعرض مجموعة من خرافات التربية التي يحتاج الآباء والمربون إلى تقييمها بعين النقد والفحص، لتحديد تأثيرها السلبي على نفسية الطفل. هذه الخرافات قد تكون جزءًا من الموروثات التربوية التي تُنقل عبر الأجيال دون أن يتم فحصها. وأسلط الضوء على هذه المفاهيم الخاطئة التي قد تؤثر سلبًا على التربية، وذلك لتشجيع الآباء والمربين على تبني أساليب تربوية أكثر فاعلية واستنادًا إلى الاحتياجات النفسية والوجدانية للطفل.
1 ـ العقاب
“كيف أعاقب ابني؟”
سؤال يتكرر بشكل نمطي في أغلب اللقاءات التربوية التي أقدمها، ويعكس للأسف توجهًا تربويًا يركز على العقاب بدلًا من التصحيح أو التوجيه. هذا النوع من الأسئلة يُظهر ميلًا لإيجاد وسيلة لفرض السيطرة أو إشعار الطفل بالذنب، بدلًا من التفكير بطريقة أكثر إيجابية مثل:
“كيف أساعده على تبني السلوك السليم؟”
التربية ليست مجرد تصحيح للأخطاء، بل هي عملية بناء للشخصية وتعليم القيم بأسلوب يعزز الفهم، وليس الخوف أو الشعور بالذنب.
التأديب بدلًا من العقاب
التأديب هو عملية تربوية تهدف إلى ضمان أن يعرف الطفل الفرق بين الصواب والخطأ، وهي لا تعني العقاب الجسدي أو الإيذاء، بل تتعلق بتوجيه الطفل بأسلوب يساعده على فهم العواقب الأخلاقية والاجتماعية لسلوكياته.
التربية القائمة على التأديب تركز على تصحيح الأخطاء بأسلوب إيجابي، مثل:
ـ التواصل والحوار
ـ توضيح القيم
ـ فهم الأسباب التي دفعت الطفل للقيام بالسلوك غير المقبول
ـ وضع قواعد واضحة مع عواقب منطقية تُعلِّم الطفل تحمُّل المسؤولية عن أفعاله.
الهدف من التأديب ليس مجرد الامتثال الفوري، بل تعزيز القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة في المستقبل، وبناء شخصية ناضجة ومستقلة.