يأتي فصل الشتاء في موعده، ليصل بين نهايات عام يمضي وبدايات عام يجيء!
يأتي للناس المتشوقة إلى حكايات آتية من الضباب الأعلى!
عن برده الذي بلون ندفات الثلج، ينسل بهدوء وسكينة كزغب النبتات الشائكة، وينساب في دواخلنا فنلتقي وعائلتنا ونلتئم في دفء العاطفة المتيقظة!
وعن غيماته التي من خلالها تنطلق الألوان العجيبة الساحرة المنبثقة من ارتشاح نور الشمس!
وعن قطرات مطره المبتهجة المتهللة، وهي تعطي لتراب الأرض رائحة أكثر إدهاشاً من العطر، وأشبه ما تكون برائحة الحياة المتجددة، بل أكثر روعة!
فنكتشف في النهاية أنها قصتنا العتيدة، والمشتركة بيننا!
يأتي الشتاء، وعندما تلمسنا بلوراته البيضاء، نستعيد ذكريات طفولتنا البريئة الندية، وكل صفاتها الجميلة التي ننساها في خضم مشاغلنا، وتطفو أهازيجنا العاطفية الحالمة على مرآته، وقد طرنا فرحاً!
يأتي الشتاء، ليغسل بزخاته الفياضة النقية بيوتنا وأشجارنا وطرقاتنا وكل معالمنا العارية، ليحفزنا بلغته المهيبة السامية أن ننظف – بكل إرادة صالحة – قلوبنا من تلوثات الماضي، وعقولنا من الأفكار الرديئة، وعيوننا من سوءات الآخرين!
يأتي الشتاء، فهل نترك لأمطاره الطيبة الفرصة لمواصلة رسالتها النقائية، فتأخذ في طريقها كل أتربتنا المتناثرة، التي لوثت طبيعتنا الحسنة، إلى مصارف النهائية، قبل أن نصير طيناً ووحلاً أخلاقياً؟!
يأتي الشتاء، ليسقي بغيثه المبارك أرضنا العطشى بجنون الرغبة المقدسة، فتمتلئ دروبنا ومزارعنا ومساربنا بينابيع الخير. فهل نحاكيه محاكاة “جالب المطر”، المذكور في التقاليد الأمريكية الهندية، فيحمل كل منا غيماته المليئة بالعطايا، ويمضي إلى حيث يمطر، فنعشّب صحراء المحرومين من نبض الحياة الكريمة ومباهجها المتوهجة؟!
قد تفاجئنا السيول الهطال الجارفة، وقد دمرت سدودنا وجسورنا ومنازلنا. لكن لا بد أن نشخص إلى فوق إلى حيث قوس قزح الذي لا يزال – منذ الزمن البعيد – يتجلى بألوان الطيف السبعة في وقته على فضاء فزعنا ومخاوفنا من طوفان كان في الماضي. ونظن بأنه قد يعود مجدداً، فنستعيد الثقة في عهود ومواعيد الله الصادقة التي لا تُنقضن وننال حكمة الشتاء!