بعد أن غادر صديقي العزيز المسلم إبراهيم واختفى عن عيني، ألقيت بنفسي على الكرسي وكأنني جلمود صخر حطه السيل من عل، وشخصت عيناي في سقف المول الكبير وهي مثبتة على لا شيء، وغرقت في تفكير عميق. قلت للمولى في مناجاتي له، إبراهيم صديق العمر مسلم وأنا مسيحي هو يرى أنني مشرك وكافر ومصيري في جهنم النار، وأنا أراه بالمثل، لكن ما ذنب إبراهيم وما ذنبي فكلانا لم يختر العائلة ولا البلد ولا الدين الذي ولد فيه. أما العائلة والبلد فلا أهمية لهما بالنسبة لأهمية الدين لكل منا، فلكل منا دينه وقناعاته الشخصية. ومن الواضح أن أتباع الديانتين لا يمكن أن يقضيا الأبدية الطويلة الرهيبة أو السعيدة معاً، فمن لا يحب أخاه في الأرض فلا يمكن أن يشاركه العيش في الآخرة، إلا إذا ذهب كلاهما إلى جهنم النار وبئس المصير بعد الموت. ثم ما هو الموت، أهو حالة من الانقطاع الكامل عن العالم الذي نعيش فيه، أم هو حالة من الانتقال من عالم الفناء والعناء إلى عالم البقاء والنقاء كما يعرفه المسيحيون، أهو انفصال الروح والنفس عن الجسد أم أنه انفصال الروح عن المولى تبارك اسمه. عدت للسؤال فما هو ذنبي أو ذنب إبراهيم، ألم يخلق الله سبحانه وتعالى الإنسان بإرداة حرة وعقل سليم يمكنه من التفكير، وما نفع العقل على أي حال أو فائدة الإرادة إذا كان الأساس الذي بني عليه عمل العقل والإرادة لم يضع في حسبانه عقل وإرادة الناس، والحجر الأساسي وهو اختيار العائلة والبلد والدين، أهم ثلاثة عناصر مؤثرة في تكوين الإنسان غير موجودة، ولست أدري أهو اختيار المولى هذه العناصر الثلاثة للفرد أم أنه اختيار العائلة: الأب والأم اللذين أنجبا طفلاً مسكيناً لم يختر عائلته ولا بلده ولا دينه، قلت سامح الله الوالدين هما السبب. لكن عقلي قال وعلى ما يسامح الله الوالدين فهما أيضاً لم يكن لهما حرية اختيار العائلة والبلد والدين، وأبواهما وأجدادهما أيضاً ضحية. توقفت عن التفكير واستغفرت المولى تبارك اسمه وقلت: على الأقل إن لم يكن لإبراهيم ولي حق اختيار العائلة والبلد والدين يوم ولدنا فإننا يمكننا أن نغيرهم الآن، على الأقل نستطيع أن نغير البلد والدين، يمكننا أن نهاجر من بلادنا ونرفض العيش فيها إن لم نشعر بالأمان واحترام النفس والمساواة فيها، فأرض الله واسعة. سنين قليلة معدودة وتصبح فرنسياً أو ألمانياً أو أمريكانياً أو سودانياً أو حتى إنجليزياً، والدين ما أسهل تغييره “قل لا إله إلا الله وانطق بالشهادتين فتصير مسلماً أو اعترف أن المسيح تبارك اسمه هو مخلصك ومخلص العالم وستصبح مسيحياً سيهلل لك المغيبون من كلا الديانتين إذا دخلت إحداهما وسيلعنك ويتبرأ منك أهلك وأصحابك إذا غيرت دينك وهذا يمكن أن تتحمله إذا تركت أرضك وعشيرتك وبيت أبيك. توقفت عن التفكير مرة أخرى وضحكت من نفسي ومن أفكاري التي تواردت إلى ذهني. شعرت أن رأسي سينفجر فأنا لا أستطيع أن أوقف تفكيري. قلت لنفسي: كفى، قم ارجع إلى بيتك وحياتك، لكن عقلي قال: لا، فتغييرك لأرضك ودينك وحتى تنكرك لعائلتك لن يحل المشكلة، فعائلتك هي عائلتك أبوك وأمك تجري دماؤهما في عروقك ويشهد على ذلك الـ DNA المتواجد في كل خلية من خلايا جسدك، وما زرعته فيك عائلتك وبيئتك لا يمكن إزالته فهو جزء من تكوينك وشخصيتك وتفكيرك وأعمالك وممارساتك، قد تنجح في تغيير بعضها أو تطويره أو حتى مسحه تماماً، لكن لا يمكن أن تغير الكل وتنسى الكل، فهذا يتطلب أن تتحول إلى شخص آخر مولود من عائلة أخرى وتحمل DNA مختلف تماماً عما تحمله الآن، فتغيير العائلة أمر محال.
وتغيير البلد من الصعوبة بمكان، فحصولك على الجنسية الفرنسية أو الألمانية أو الأمريكية لن يجعلك فرنسي أو ألماني أو أمريكاني الطباع والعادات والأصل والتاريخ، فستلحقك لعنة أرض ميلادك (إن اعتبرتها لعنة) إلى يوم الممات، وستكتب كل هذه الدول في جواز سفرك مهما كان نوعه مكان ميلادك.
بقى لك تغيير دينك وهو ما يبدو أنه أسهل الثلاثة المراد تغييرها، لكن نطقك بالشهادتين لن يجعلك مسلماً فكم من ناطق بالشهادتين لا يعرف شيئاً عن الإسلام، اللهم أنه نطق بهما لنوال مكسب مادي عالمي زائل أو اتقاء لعذاب واضطهاد أرضي قاتل أو مدفوعاً بفشل ويأس مرير جارف، ومثلها يكون من ينطق باعترافات نصرانية ويردد الآيات الكتابية وقد يعترف بأن المسيح هو الله وقد صلب لغفران خطايانا، وحتى هذا لا يجعله مسيحياً، قد يكون مخدوعاً أو مدفوعاً أو مدسوساً كأولئك الذين قيل أنهم يتجسسون حريتنا التي لنا في المسيح. وقد يكون مغير دينه مخلصاً باحثاً عن الحق ووجده في دين الآخر، لكن حتى تغيير الدين له من العواقب والتبعات ما تقشعر له الأبدان وخاصة إذا كان التغيير للنصرانية كما يعرفها البعض أو للمسيحية كما يعرفها البعض الآخر أو للمسيح الحي إلى أبد الآبدين كما هو التعريف الصحيح..
قال عقلي: ماذا سينتفع المغير دينه إلى المسيح، قلت: سيحصل على سلام الله الذي يفوق كل عقل وعلى حق النبوة للمولى تبارك اسمه، فكل الذين قبلوه أعطاهم سلطان أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنين باسم السيد المسيح، وسيفلت من عذاب القبر والنار وسيحيا حياة أبدية سعيدة في سماء أعدها المولى للمتقين، سيصبح وارثاً لله مجداً وعزاً وقداسة، سيعطي سلطان أن يدوس الحيات والعقارب وكل قوات العدو أي الوسواس الخناس، لن يخاف الموت فمسيحه انتصر عليه، إن نزل عليه جيش لا يخاف قلبه وإن قامت عليه حرب ففي ذلك هو مطمئن، فالساكن في ستر العلي في ظل القدير يبيت و… و… و… وأخذت أعدد ما سيحصل عليه المتنصر من نعم وبركات وسلطان وتعزيات. قال عقلي: عظيم، وماذا أيضاً، ماذا من الضيقات الكثيرة والاضطهادات المريرة والخسارات الكبيرة التي يتكبدها من يتجرأ أن يعلن عن تغيير دينه إلى المسيحية أو المسيح.
أمرت عقلي أن يتوقف عند هذا الحد فأنا لا أريد أن أتذكر ما كابده إخوتي وأصدقائي ممن قبلوا المسيح رباً ومخلصاً لهم، دفنت رأسي بين يدي، صرخت إلى المولى تبارك اسمه أن أوقف عقلي عن التفكير، اعترفت أنني مخطئ عندما ظننت أن تغيير العائلة والبلد والدين أمر سهل سيخلص المرء من حاضره وماضيه وسيصنع مستقبله. أصر عقلي على إجباري على مشاهدة فيلم حياتي الماضية، والذي يتضمن مقاطع من حياة بعض الذين آمنوا بالمسيح وأعلنوا إيمانهم به بدءاً بريتشارد رومبراند مؤلف كتاب العذاب الأحمر ونهاية بمحمد حجازي في هذه الأيام. قال لي ريتشارد رومبراند وهو الذي اختير كواحد من 70 شخصية على مر التاريخ غيروا العالم، قال لي وكنا نسير معاً على شاطئ محيط الباسيفيك صباح يوم مشرق جميل وكان لكبر سنه يتكأ على يدي ويسير ببطء، لو قلت لك عن أنواع العذاب الذي عانيته في السجن في رومانيا لمدة 14 سنة بسبب اعترافي بالمسيح مخلصاً ورباً فلن ترى النوم لمدة ثلاثة أيام على الأقل، نظرت إلى وجهه الأبيض يتألق وكأنه ملاك نزل لتوه من حضرة الرحمان، وهو يضحك ويقول ولكن كله في حب المسيح يهون. لم أرد أن أسأله عما عاناه لكنه شرد بذهنه وكأنه ذهب إلى سجنه.
مرة أخرى وقال: “كانوا يزجون بنا في زنزانات صغيرة يحشروننا فيها فنتلاصق بعضنا ببعض ويضغط كل منا على الآخر ويغقلون باب الزنزانة ويتركوننا لساعات طوال في جو شديد الحرارة وإذا فقد أحدنا الوعي نتيجة الحرارة ورائحة العرق وعفونة الزنزانة لابد لنا أن نحمله واقفين لأنه ليس هناك مكان للجلوس أو حتى لحركة الأيدي والأرجل. واستكمل ريتشارد حديثه وقال: إن في جسدي عشرات من علامات طفي السجائر وجروح السكاكين الغائرة التي كان البوليس يرشقنا بها، لقد اشتقنا ونحن في السجن إلى ممارسة فريضة العشاء الرباني، لم يكن لدينا خمر ولا عصير عنب كل ما كان لدينا قطعة يابسة من الخبز كسرناها وأمسكنا بها في أيدينا، طلبنا من أحدنا أن يصلي على الكأس، ولا خمر كما قلت، ولكن صلينا على الكأس ورفع أولنا يده وكأنه يمسك بكأس يأخذ منه رشفة ثم أعطاه لمن بجانبه ومد الآخر يده وكأنه يتناول الكأس من صديقه ورفع يده إلى فمه وكأنه يشرب هو الآخر من نفس الكأس، وهكذا فعلنا كلنا ثم صلينا على قطعة الخبز اليابسة وتناول كل منا قطعة من هذا الفتات. قال ريتشارد لم يكن لدينا مذبح أو حتى منضدة نضع عليها الكأس الوهمي الذي شربنا منه كلنا، ولا مكان لوضع الخبز المقدس قبل أن نتناوله، لكننا صنعنا مذبحاً بل قل أقدس مذبح، وضعنا الكأس والخبز على صدر أحد الكهنة المحبوس معنا في نفس الزنزانة وكان مشلولاً نتيجة التعذيب الوحشي الذي تعرض له، لم يكن هناك أقدس من ذلك المذبح، بعد أن انتهينا من تناول العشاء الرباني فوجئنا بالعسكر قد دخلوا الزنزانة، وكان أحدهم قد تابع من الخارج ما عملناه من كسر الخبز، دخلوا علينا بكأس من البول الإنساني وطبق من فضلات إنسان آدمية، ووضعوا كأس البول وطبق الفضلات على صدر ذلك الكاهن وأجبرونا على الشرب من كأس البول وكأنه دم المسيح، والتناول من الفضلات الإنسانية وكأنها جسد المسيح.
عندها تذكرت أصدقائي المعاصرين أولئك الذين علقوا من أرجلهم متدلين كالذبائح الحيوانية من سقف غرف التعذيب، وذلك الذي فقد عينه اليمنى وكسرت له ثلاث فقرات ظهرية وغيره من قضى ساعات في دولاب المهملات الملئ بالبق والحشرات والصغير الذي زج به في التجربة وفي المخزن، وما أدراك ما التجربة وما المخزن تلك التي لا يعرفها إلا المتخصصون، الذين هم لذنوبهم مكثرون ولأبديتهم خاسرون، الذين يظنون أنهم عن دين الله مدافعون وأن لهم من عند ربهم أجراً وأنهم لرابحون، قل يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكفوا عن إيذاء خلائقه فتفلحون فمن آمن بالله واليوم الآخر أولئك هم المطوبون ومن اتخذوا المسيح رباً وإلهاً لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
توقف الرجل عن الكلام وضغط على يدي وكأنه ذهب إلى عالم آخر، أخذت يديه بين يديا ورفعتها إلى فمي وقبلتها عدة مرات، وقلت لنفسي إن اليدين والرجلين التين كبلتا بالسلاسل والقيود لأجل معرفة المسيح لابد من تقبيلها وإكرامها.
سألني ريتشارد: وماذا عن بلادكم العربية، ماذا يفعلون بمن يعترفون بالمسيح من غير المسيحية، قلت تماماً كما يفعل غيرهم في كل بلاد العالم وكما فعلوا فيكم في رومانيا، فاختلاف الثقافات والبيئات والخلفيات وكمية الحريات التي يتمتع بها البعض في مختلف البلاد لا تؤثر في طرق التعذيب أو مقاومة أتباع المسيح، ومع أن ريتشارد كان فيلسوفاً حاصلاً على عدة شهادات للدكتوراه ومتحدثاً جيداً بتسعة لغات أرضية إلا أنه سألني وقال: “وما هو السبب في رأيك أن طرق التعذيب والاضطهاد واحدة بالرغم من اختلاف الثقافات والخلفيات” قلت السبب في رأيي أن المعذب والمضطهد ليس الثقافة أو البيئة، بل هو روح شرير يُعرف بروح ضد المسيح، وهذا الروح النجس يتواجد في كل بلاد الدنيا لمقاومة الحق. قاطعني ريتشارد وقال ما هو الحق؟ قلت له مع احترامي الشديد لك ولعبقريتك فإن سؤالك غير صحيح فالسؤال الصحيح هو من هو الحق؟ ليس ما هو الحق. ضحك وقال ومن هو الحق؟ قلت إن الحق هو الشخص الوحيد الذي استطاع بثقة وجدارة أن يقول عن نفسه: “أنا هو الطريق والحق والحياة” فلم يستطيع إنسان ما منذ أن خلق آدم وحتى الآن أو فيلسوف أو مصلح اجتماعي أو نبي أو رسول أن يقول عن نفسه أنه هو الحق، إلا شخص المسيح عيسى بن مريم قول الحق. قال ريتشارد: ولماذا لم يتجرأ غيره أن يقول عن نفسه أنه الحق قلت: “لأن الحق اسم من أسماء الله الحسنى، تبارك اسمه، ومن يتجرأ أن يقول عن نفسه أنه الحق فهو إما أن يكون مجنوناً فاقداً لوعيه وإما أن يكون متكبراً متجبراً مخدوعاً ملبوساً بجنون العظمة حتى يدعي أنه هو الحق، وإما أن يكون المولى نفسه الذي لا شريك له سبحانه، وحيث أن المولى تبارك اسمه لا يمكن رؤيته بالعين البشرية المجردة، وحيث أن المسيح تبارك اسمه لا يمكن أن يكون مجنوناً أو فاقداً لوعيه عندما قال هذه الكلمات عن نفسه، وحاشاه أن يكون متكبراً أو متجبراً أو ملبوساً بجنون العظمة، إذن فلابد أن يكون هو المولى تبارك اسمه، أي الحق ظاهراً في صورة إنسان فتمثل لنا بشراً سوياً. ضحك ريتشارد من قلبه وقال: “برافو عليك هذا ما أردت أن أسمعه منك”.
أسرع شريط الحياة بمشاهد كثيرة كنت قد ظننت أنني نسيتها، وسألني عقلي في تحد لم أكن مستعداً لمواجهته: “ناجي، هل حقاً تريد أن صديقك إبراهيم المسلم، من تقول أنك تحبه أن يقبل المسيح مخلصاً ورباً ويصبح مسيحياً معلناً لمسيحيته في مصر؟” انعقد لساني وشل تفكيري فصديقي إبراهيم هو جزء من عائلتي وطفولتي وشبابي ولا أستطيع أن أتخيل أنه يفقد الأهل والأصدقاء والأحباء والعمل والدخل والزوجة والأطفال. قلت لنفسي: عضو في جماعة سلفية لا تعرف الرحمة والشفقة والتسامح والغفران، ولا تترك الناس على حريتها في اتخاذ قررات حياتها، فسيقتلونه وقد ينتهي به الأمر في غياهب السجون على أحسن تقدير، فأنا شفقة عليه لا أريد أن أقدم المسيح له لئلا يعترف به فيصبح في الأرض من المعذبين المضطهدين، لكن عقلي عاد ليسألني وقال: “أنت تؤمن كأي مسيحي حقيقي أن من لا يقبل المسيح رباً ومخلصاً له لن يدخل النعيم الأبدي تماماً كما يؤمن صديقك إبراهيم أنك إن لم تمت مسلماً ناطقاً للشهادتين فلن تدخل الجنة”. قلت: بالطبع نعم. قال: “ألا ترى أن الحياة الأبدية أطول وأعظم وأروع من أن يفقدها الإنسان بحفنة من السنين يعيش فيها معذباً مضطهداً في الأرض مهما كانت شدة العذاب”. قلت: نعم، لكنني لا أطيق أن أرى إبراهيم مضطهداً معذباً في الأرض، فقل لي أيها العقل، كيف تحل هذه المشكلة، فربما يكون صديقي إبراهيم المسلم يفكر في بنفس هذه الطريقة التي أفكر أنا بها، من جانبه هو يريدني أن أكون مسلماً اتقاءً لعذاب القبر والنار مع أنه لا يضمن لي حتى لو كنت مسلماً أن أفلت منهما، ففي عقيدته أن لا ضمان لدخول الجنة إن لم يتغمدني الله برحمته. وهذا ما لا يمكن أن أعرفه إلا عند وزن حسناتي وسيئاتي، وأنا أعرف من الآن الكفة الأثقل، وأنا أريده أن يكون مسيحياً أيضاً اتقاءً لعذاب النار وللتمتع بالعشرة مع المسيح الحي الضامن لأبدية أتباعه حيث أنه وعد كل من يؤمن به أنه حيث يكون هو يكونون هم أيضاً وقال لهم: “خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها وأنا أعطيها حياة أبدية” “وحيث أكون أنا يكون خادمي أيضاً”.
قال عقلي الحل هو تطبيق كل دولة لدستورها في بلاد العالم أجمع، فما من دولة مهما كانت متخلفة أو متعصبة تعارض حرية العقيدة والإيمان ولا تكتب هذا في دستورها وإلا للفظها المجتمع الدولي واعتبرها من المتوحشين العنصريين، فمع أن الدستور في كل دولة ينص على أن حرية العقيدة مكفولة والمساواة بين المواطنين مضمونة إلا أنه ما أقل الدول التي تطبق هذه المواد، ومنها من دفعها روح الغي أن تكتب في نفس الدستور نصوصاً أخرى تُطبَق ضد حرية الاعتقاد وتغيير الدين. لماذا تصر الدول العربية والإسلامية على اضطهاد وتعذيب المتنصرين إن لم يكن على المستوى الحكومي والعائلي والاجتماعي فعلى الأقل على المستوى الديني من جماعة نصبت نفسها للدفاع عن حق الله في الأرض، فالمتنصر مكروه من عائلته وشعبه وحكومته، المتنصر مكروه من قرينه وأولاده وإن تزوج بمثله أنجبا أطفالاً يحملون أسماء إسلامية وقلوباً وعقولاً مسيحية، فهم في المدارس مسلمون وفي البيوت مسيحيون. والمتنصر عليه أن يحمل اسماً لا يعبر عن حقيقته ويظهر عكس ما يبطن وإلا لاحتمل العذاب.
أما المتأسلم فلا يواجه شيئاً من هذا القبيل فديانته تتغير في لحظات في السجل المدني وإذا تعرض له أحد من عائلته بالسوء نال ما لذ وطاب من رجال القانون وحفظة الأمن والسلام الاجتماعي، ولأجبر على التوقيع على مخطوطة تؤكد أنه لن يتعرض للمتأسلم بأي سوء. الفتاة المتنصرة تأخذ من زوجها وتعطى لعائلتها لتربيتها وتأديبها واستتابتها أو حتى قتلها، والفتاة المتأسلمة يحبس أبوها وأخوها حتى يقروا بعدم التعرض لها، المتنصرة المختفية يجدها الأمن في ساعات معدودات والمتأسلمة المخطوفة لا حول ولا قوة إلا بالله، فلن توجد وكأن الأرض انشقت وبلعتها، المتنصر تتبرأ منه الكنيسة فتنهال على رأسه التصريحات من مختلف العقائد، فمنهم من يقول كنيستنا ليست كنيسة تبشيرية ولا منصرة، اسألوا الطائفة الأخرى، والطائفة الأخرى تقول: “لا شأن لنا بهذا المتنصر المتهور اللي هيودينا في داهية”. الكنيسة لا تقبله ولا تخبئه لئلا يفضح أمرها، والكهنة والقسوس لا يعمدونه لئلا يحل دمهم، والمؤمنون يبتعدون عنه حتى لا يعاقبوا على معرفتهم له، والمسكين يكون مطارداً حتى من الكنيسة المغيبة.
كاد رأسي ينفجر من كثرة ما بها من متناقضات وأفكار ونزاعات وصرخات لا حل ولا سامع لها. رفعت رأسي من بين يدي وقد قضيت ساعتين وأنا في هذه الحالة من التفكير.
رأيت أن أذهب إلى البيت لأنام وأترك البقية للعدد القادم.
اللهم إني أسألك الرحمة بمواطنينا وأهلنا والصفح والغفران لحكومتنا وكهنتنا وقسوسنا، وأعط حكمة إلهية سماوية لقادتنا ورؤسائنا. الهم دعنا نقدر ما أعطيته لنا من حرياتنا وكرامتنا وعقولنا، اللهم هبنا أن نقاوم روح الغي وروح الخوف والحقد والحسد والكراهية بمحبتنا وصلاتنا. فإنك أنت السميع العليم.