حدث في رمضان ٢

21

العدد 201 الصادر في يونيو 2022

حدث في رمضان ٢

كتبتُ في مقالي السابق “حدث في رمضان” عن ثلاثة موضوعات هامة حدثت في رمضان هذا العام ٢٠٢٢، وبالطبع لم أتمكن من الكتابة عن كل ما حدث في رمضان، خاصةً وأن هناك أمرين في غاية الأهمية قد حدثا في رمضان هذا العام، يتعلقان كلاهما بشيخ الجامع الأزهر، دون أن أتمكن من الكتابة عنهما لحدوثهما بعد انتهاء كتابة مقالي السابق:

١- الأمر الأول هو ما قاله السيد رئيس الطائفة الإنجيلية في وصفه للسيد شيخ الجامع الأزهر بتاريخ ٢٨ أبريل ٢٠٢٢، وقت زيارته مع لفيف من المقربين لديه، من النخبة الخاصة به، لتهنئة الشيخ بشهر رمضان وبعيد الفطر، وقد جاء في وصف رئيس الطائفة الإنجيلية للطيب بأنه ليس إمامًا للمسلمين فحسب بل هو إمام لجميع المصريين.“

٢- الأمر الثاني هو ما قاله الشيخ الطيب، وهذا اسمه، شيخ الجامع الأزهر عن الأديان، في لقائه مع مذيع تلفزيوني على قناة أبو ظبي، عن أنه ليست هناك أديان في القرآن بل دين واحد، كان يسمى أولًا باليهودية، ثم أصبح يسمى المسيحية، ثم انتهى الأمر لتسميته بالإسلام.

أولًا: ما قاله سيادة رئيس الطائفة عن الشيخ الطيب:

قال جنابه إن “شيخ الأزهر ليس إمامًا للمسلمين فحسب إنما إمام لكل المصريين.” ولم يوضح سيادته إن كانت هذه العبارة تنسحب في عمومها على كل شيوخ للأزهر أم على الطيب شيخ الأزهر الحالي فقط، وأغلب الظن أنه يتكلم عن الشيخ الحالي لأنه يتكلم في حضوره، موجِّهًا الكلام للفيف الذي حوله.

وفي هذا الأمر لديَّ عدة تساؤلات للسيد رئيس الطائفة الإنجيلية، أعلم انه سيتجاهلها ولن يرد عليها لأسباب كثيرة لا داعي للخوض في وحلها ومائها العكر:

أولًا: ما الذي قصدته سيادتكم بكلمة “إمام”؟ وهل تعرف معناها اللغوي والديني؟ فمعنى كلمة “إمام” حسب ما جاءت بالقواميس العربية هو “الرجل العالم الجامع للخير، وهو الذي يؤم المصلين في الصلاة أي يقتدون به. ومن معانيها أيضًا، الرجل الذي يأْتَمُ به الناس من رئيس أو غيره، ومنه إمام الصلاة.” فهل يصلح الطيب أن يكون إمامًا لنا كمسيحيين في التصرفات والكلام والمحبة؟ وهل يمكن أن نقتدي به فيما يخص ديننا وفي الصلاة لمسيحنا وإلهنا وربنا؟ وهل يمكن أن يؤمنا سيادته في الصلاة ونردد وراءه ما يقرأه في صلاته وحسب إيمانه أنهم “ما قتلوه وما صلبوه لكن شُبِّه لهم”؟ أم هل يجب علينا أن نصلي وراءه قائلين: “كفر الذين قالوا إن المسيح عيسى بن مريم هو الله”؟ أم أنك قصدت أنه يصلح أن يكون إمامًا لنا كمسيحيين أي قدوة لنا، وعندها يصبح لزامًا عليك أن تقول لنا في أي مجال من مجالات الحياة أو ناحية من نواحيها تريدنا أن نقتدي بشيخ الجامع الأزهر؟ ليتك تخرج علينا وتقول لنا ماذا قصدت من قولك بأن الطيب إمام لنا كمصريين وبالتبعية كمسيحيين مصريين.

ثانيًا: هل سيادتكم تفكر فيما تقوله قبل أن تقوله؟، وهل تحسب حساب النفقة لما يخرج من فمك خاصةً وأنك، لسبب أو لآخر وبطريقة أو بأخرى، أصبحت رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر؟ هل تُعِدُ وتستعد لما ستقوله في مثل هذه المناسبات قبل لقائك بشخصيات دينية وسياسية وحكومية هامة مثل الطيب وغيره؟ وهل تفحص كلامك و تزنه بميزان حساس، تضع في إحدى كفتيه الأثقال السياسية والأمنية والكنسية، والأهم من الكل الثقل الروحي لما تدلي به من تصريحات، وفي الكفة الثانية تضع تصريحاتك؟ أم أن سيادتكم تقول ما يتوارد إلى ذهنك، وما يأتي لفكرك في التو واللحظة فلا تضبط ما يخرج من لسانك حتى لو كان كذبًا واضحًا؟ ألا تكف عن السقوط في نفس الحفرة مرة ومرات؟ حيث إنه من الواضح أنك تكرر نفس الخطأ في كل مرة تُسأل فيها من الصحافيين ورجال الإعلام عن أي أمر، ودليلي على ذلك أنك قمت بنفس الشيء معي أنا شخصيًا وكررت نفس الخطأ عندما سألك الصحافيون عما كتبته أنا حول أمر الاستفتاء على تقسيم مصر، وعن رأيك فيما إذا كان يمكن للمصريين القيام بعمل استفتاء حول أمر تقسيم مصر كما حدث مع الأكراد في العراق، وعندها تسرعت كعادتك، ولم تفكر فيما أدليت به من إجابة كاذبة لم تكن في صالحك ولا يمكن أن يصدقها عقل، حين قلت لجريدة “البيان” الصادرة في ٣ أكتوبر ٢٠١٧ إنك لست على معرفة بالقس صاحب دعوة الاستفتاء على الدولة القبطية (وبالطبع هذا القس الذي تعرفه أنت هو أنا، ناجي يوسف، رئيس تحرير جريدة “الطريق والحق” والتي يصدرها اتحاد الشباب المسيحي، والذي هو من المؤسسين الأوائل لرابطة الإنجيليين، يوم لم تكن أنت في الصورة إطلاقًا على خريطة الكنيسة الإنجيلية، رابطة الإنجيليين التي أنت رئيسها لأنك أصبحت رئيس الطائفة الإنجيلية في غفلة من الزمان). وقلت أيضًا في البيان إن الكنيسة الإنجيلية بمصر مسئولة عن خدامها الذين يخدمون في مصر. أما على شبكة النيل الإخبارية وبعد لقاء صحفي مع سيادتكم كُتِبَ نقلًا عنك ما نصه: “أعلن الدكتور القس أندريه زكى رئيس الطائفة الإنجيلية أننا نرفض تلك الدعوة لأنها طائفية وتثير الفتنة وإن الكنيسة الإنجيلية ترفض أي دعوات لتقسيم مصر مؤكدًا أن الأقباط يعيشون فى مصر مع المسلمين دون تفرقة.” فهل حقًا يا جناب رئيس الطائفة الأقباط يعيشون في مصر مع المسلمين دون تفرقة، أم أنها كذبة أخرى كان لابد لك أن تقولها حتى يرضى عنك الكبار؟ وقلت ثالثًا لجريدة “النبأ” بتاريخ الجمعة ١٣ أكتوبر ٢٠١٧: ”إن الكنيسة تعتبر هذه الدعوات »طائفية وتثير الفتنة«، مشيرًا إلى أن الكنيسة الإنجيلية ترفض أي دعوات لتقسيم مصر، ولافتًا إلى أن المسيحيين يعيشون فى بلدهم مع المسلمين كأبناء جسد واحد. فهل حقًا يعيش المسيحيون بادئ ذي بدء في بلدهم؟ هل مصر هي بلد المسيحيين مثلما هي بلد المسلمين؟ وهل المسيحيون يعيشون مع المسلمين كأبناء جسد واحد؟ أي جسد هذا الذي يأكل أعضاؤه بعضهم البعض؟ هل أنت مقتنع بهذا الكلام أم أنها كذبة صحفيه أخرى حللها الله لك في عرفك وقناعاتك ذكرها نظرًا للظروف المحيطة وخوفًا منهم ومن ردود أفعالهم؟ هل تؤمن سيادتكم أن الضرورات يبحن المحظورات كما يؤمنون؟ أم تؤمن بمبدأ التقية أنت أيضًا، كما يؤمنون هم، وتستعمله في كل تصريحاتك للصحافيين المغرضين؟

هل أنت حقًا مقتنع من كل قلبك وعقلك أن الطيب يمكن أن يكون شيخك وإمامك كمصري مسيحي، و كقسيس وكرئيس طائفة الإنجيليين؟ أم أنك كاذب ومخادع ومجامل له على حساب الحق الكتابي بأن تجعل من مقدام الرافضين لصلب المسيح شيخًا و إمامًا لك؟ وليس ذلك فقط بل تحاول أن تفرضه علينا وتجعله شيخًا وإمامًا لنا جميعنا نحن المسيحيين المصريين.

ثالثًا: مَنْ أعطى لسيادتكم الحق أو المكان والمكانة حتى تنوب عن المصريين جميعًا لقول هذا؟ فلستُ أعرف مسيحيًا واحدًا يمكن أن يوافق على مثل هذا القول حتى من المقربين منك، وأؤكد لك أنه ليس كل المسلمين يرحبون ويعترفون أن الشيخ الطيب هو شيخهم وإمامهم، وخاصةً أعضاء الجماعات الإسلامية المختلفة لأنهم يكفرون الأزهر ورجاله جميعًا وعلى رأسهم شيخه. فهل تظن سيادتكم أن السلفيين والإخوان المسلمين والداعشيين وبقية الجماعات الإسلامية والليبراليين يعترفون أن الطيب شيخهم وإمامهم؟ فكم وكم نحن المسيحيين جميعًا؟ فهل فكرت في ذلك قبل أن تتفوه بهذه الجملة الخطيرة؟

رابعًا: مَنْ أعطى سيادتكم الحق والمكان والمكانة من بقية المذاهب الإنجيلية المختلفة، عدا القلة القليلة من المذهب المشيخي، والذين يدورون في فلكك ويتخذونك صديقًا وستارًا لهم لينفذوا مخططاتهم وطموحاتهم، أن تقول للطيب هذا القول؟ فلو كنت تعبِّر عن المذهب المشيخي فقط فهذا أمر يخصكم في مذهبكم، ومن حقكم ألا تقبلوا فيه الحديث إلا من الشعب والقسوس الإنجيليين المشيخيين فحسب، كما أن الأمر بينكم وبين إلهكم فقط. لكن إن كنت تتكلم كرئيس للكنائس الإنجيلية وبلسان بقية المذاهب فلا أنا ولا مذهبي على حد علمي وقناعتي، مذهبي الذي يمكن لقادته أن يتكلموا عن أنفسهم، نوافق على هذه الجملة، لأن الطيب، مع كل احترامي له، ما كان ولا يمكن أن يكون في يوم من الأيام شيخنا أو إمامنا، حيث إننا نؤمن ونعترف ونقر أن إمامنا الوحيد هو شخص المسيح يسوع ولا يمكن أن يكون أي إنسان على وجه الأرض. فكلمة “إمام” بمفهومها الإسلامي لم تُذكر ولا مرة واحدة في الكتاب المقدس، اللهم إلا في سفر المزامير عندما ذكر عن إمام المغنيين وهي كلمة عبرية بمعنى الظاهر أو الرئيس. أما كلمة “شيخ” في الكتاب المقدس فهي تعيين روحي من الله لإنسان مختار منه، لخدمة جسده على الأرض الذي هو الكنيسة. وكلمة “شيخ” كما تعلمون تساوي كلمة “قسيس” أو “أسقف”، وأنتم من المفترض أنكم أعلم بمعناها الحقيقي من غيركم، لأنكم مشيخيون. وللتذكرة إن كنتم قد نسيتم ما يقوله الكتاب عن الشيخ أو الأسقف، حتى تحكموا إن كان وصف الشيخ هذا ينطبق على الطيب أم لا، مع علمي الكامل أن المقارنة غير عادلة بين شيخ إسلامي وبين الشيخ المسيحي الذي يتكلم عنه النص الكتابي هنا، أي الشيخ المعيَّن من الله، فهذا نص ما قاله بولس الرسول بالروح القدس لتلميذه تيطس: “من أجل هذا تركتك في كريت لكي تكمل ترتيب الأمور الناقصة، وتقيم في كل مدينة شيوخًا كما أوصيتك. إن كان أحد بلا لوم، بعل امرأة واحدة (أي لا يؤمن بتعدد الزوجات)، له أولاد مؤمنون (والمقصود هنا مؤمنون بالإيمان المسيحي الصحيح)، ليسوا في شكاية الخلاعة ولا متمردين. لأنه يجب أن يكون الأسقف بلا لوم كوكيل الله (يتكلم عن مفهوم والوكالة المسيحية)، غير معجب بنفسه، ولا غضوب، ولا مدمن الخمر، ولا ضراب، ولا طامع في الربح القبيح، بل مضيفًا للغرباء، محبًا للخير، متعقلًا، بارًا (أي الحاصل على بر المسيح والممنوح منه تعالي للمؤمنين به وحده)، ورعًا (أي يحيا حياة التقوى الكتابية المسيحية)، ضابطًا لنفسه، ملازمًا للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم (كل النصوص والتعاليم التي وردت في العهدين القديم والجديد)، لكي يكون قادرًا أن يعظ بالتعليم الصحيح (التعليم الصحيح هو كل التعليم الذي ورد في العهدين القديم والجديد كما قصده المولى لا كما نفسره نحن) ويوبخ المناقضين (المناقضين لكل التعليم الذي ورد في العهدين القديم والجديد).”

ولستُ بحاجة للتنبيه إلى أن المقصود بالكلمة الصادقة هنا هو الكلمة النبوية التي هي أثبت والمتضَّمنة في العهدين القديم والجديد.

أما الأمر الثاني الذي حدث في رمضان والذي أريد أن أذكره في هذا المقام وأهديه للسيد رئيس الطائفة هو ما قاله إمامه الشيخ الطيب على قناة أبو ظبي، حيث إن رئيس الطائفة الإنجيلية هو الذي شرَّع أن الإمام الطيب إمام كل المصريين، كما أنني أطالبه بالرد على هذه الخدعة التي ذكرها الطيب، والتي نقلتها بكاملها و بحذافيرها، تمامًا كما وردت على لسانه دون أن أحذف منها حرفًا واحدًا، بالرغم من أنني لا أوافقه على أية كلمة واحدة وردت بها، وخاصةً عند كل ذكره لاسم نبي الإسلام. قال شيخ الإسلام الطيب عن الأديان ما نصه: “يجب أن نعلم أن القرآن لا توجد به أديان، هو دين واحد فقط، (سأله المذيع: “حتى اليهودية وحتى المسيحية؟”)، أجاب سيادته: “دين واحد من آدم إلى محمد، صلى الله عليه وسلم، كل واحد من هؤلاء الأنبياء، اللي إحنا لازم أن نحفظ أسماء من وردت أسماؤهم في القرآن، كل واحد جاء ليبشر بهذا الدين، (سأله المذيع: “بالإسلام، بما أنه الأشمل؟”) قال الطيب: “هو الدين الإلهي، خليني أسميه دلوقت بالدين الإلهي، يبجى عِنْدِنا دين الهي واحد، الأنبياء من آدم إلى محمد، صلى الله عليه وسلم، جاءوا ليدعوا لهذا الدين الواحد، الدين الواحد كان اسمه إيه، في القرآن كان اسمه الإسلام، فإذن الإسلام كدين ليس فقط هو الرسالة التي نزلت على محمد، صلى الله عليه وسلم، وإنما هو الرسالة التي نزلت على محمد، مع الرسالة التي نزلت إلى عيسى مع الرسالة التي نزلت على موسى مع الرسائل التي نزلت على الأنبياء السابقين، ومن هنا سيرتبط الإسلام، إحنا الإسلام، يعنى لازم نفرق في المخاطبات العامة، آه حينما تقول الإسلام، نقصد به الدين الإسلامي بمعنى الرسالة التي نزلت على محمد، صلى الله عليه وسلم، في مقابل، إحنا نجول، في المخاطبات العامة، الدين المسيحي الذي نزل على عيسى، والدين اليهودي وهكذا، دا في مخاطبتنا العادية، لكن في لغة القرآن، في العلم، في الحقيقة، مفيش حاجة اسمها دين الإسلام، دين المسيحية، دين اليهودية، لأ، هناك دين واحد الإسلام آخر مظهر ليه، والمسيحية كانت مظهرًا له، لهذا الدين، واليهودية كانت مظهرًا، وكلهم دول اسمه الإسلام.” إلى هنا تم الاقتباس من كلام الطيب.

والحقيقية أنني لو كنتُ أعرف أن السيد رئيس الطائفة الإنجيلية والمسئولين عن إدارة الطائفة معه سيعترضون على هذا الكلام، وسيفندون كل كلمة جاءت به، وسيقولون بكل وضوح وصراحة للطيب إن كل ما قلته ليس صحيحًا وغير مقبول عندنا كمسيحيين عامة أو على الأقل منا كمسيحيين إنجيليين لكنتُ سكتُ ولم أنطق بكلمة وفوضتُ الأمر لله و للمسئولين عن الكنيسة وعن الطائفة الإنجيلية. لكنني أعلم أنه لن يجرؤ واحد منهم أن يرفع صوته بالحجج والأدلة والبراهين الكتابية ليثبت للطيب أن كل ما قاله سيادته خطأ بَيِّنْ، وغير مرتكز على علم ولا على حقائق أو أدلة وبراهين علمية أو منطقية أو تاريخية أو كتابية موحى بها من الله في التوراة والإنجيل، ولا حتى في لغة القرآن نفسه. فالمسيحية ليست امتدادًا لليهودية، والإسلام لا يمكن أن يكون امتدادًا للمسيحية بأي حال من الأحوال وبأي شكل من الأشكال، فعندما جاء المسيح تبارك اسمه في جسدٍ على الأرض قال قولته الشهيرة: “ما جئت لأنقض الناموس بل لأكمل الناموس”، وهذا يعني أن الناموس لم يجد في كل مولود من امرأة مَنْ يستطيع أن يتممه ويكمله ويسير وفقًا لقوانينه إلى أن المسيح جاء وتمم كل وصايا الناموس وأعطى لها المفهوم الصحيح الذي قصده الآب السماوي عندما أنزل محتوى الناموس على نبيه موسى، حتى تلك الوصايا التي لام الناس المسيح بسببها مثل شفاء المرضى يوم السبت، ظنًا منه أنه، تبارك اسمه، قد كسر وصايا الناموس بعمله الشفاء يوم السبت، إلا أنه أوضح لهم، تبارك اسمه، أن السبت جُعل لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل السبت، وبالتالي فإن الناموس جُعل لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل الناموس. أما الناموس الطقسي الذي خص اليهودية ولم يمتد إلى المسيحية والمتعلق بتقديم الذبائح المختلفة في الهيكل الأرضي فقد تممه المسيح في المسيحية بجسده عندما قال إنه، تبارك اسمه، هو الهيكل الحقيقي الدائم غير المصنوع بيد بشرية، وتممه في موته وقيامته وصعوده إلى السماء حيًا، بعد أن صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا. فلا يهودية ولا طقوس ولا هيكل ولا ذبائح أصبحت مقبولة عند الله، أو معمولًا بها، بعد مجيء المسيح وموته وقيامته وجلوسه عن يمين العظمة، أي الله الأب في الأعالي، وفقًا للقول الكتابي، في الرسالة إلى العبرانيين، أي اليهود، فيما يختص بدينهم اليهودي، حيث يقول ما نصه:  “اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ – الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ. الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي.” لذا فالمسيح الحي إلى أبد الآبدين أصبح هو بذاته المسيحية الحقيقة، وليس هناك ما يُعرف بالدين المسيحي إلا في عقول أولئك الذين لا يعرفون أو يرفضون ولا يفهمون الحق الكتابي المدوَّن ليس في الإنجيل، أي في كتاب العهد الجديد، فحسب بل في كتاب التوراة وكتب العهد القديم جميعها.

أما ما يؤكد بالعديد من الحقائق والبراهين والآيات الكتابية في الإنجيل والتوراة، الموحى بهما من الله، أن الإسلام لم يكن في يوم من الأيام، ولا يمكن أن يكون، امتدادًا طبيعيًا للمسيحية، وأنه ما كان يومًا عند الله دين واحدً فقط، كان اسمه اليهودية، ثم المسيحية، ثم انتهى إلى اسم الإسلام كما قال الطيب، فلديَّ من هذه الأدلة الكثير الذي لا تتسع لكتابته مجلدات كثيرة، لذا أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

 ١- بالرغم من أن التوراة وكتب العهد القديم قد ذكرت المئات إن لم يكن الآلاف من الآيات البينات عن المسيح؛ مَنْ هو، ومعنى بنوة المسيح لله الآب، وبالطبع لا يمكن لعاقل حكيم لديه ذرة من العقل أن يتخيل أن المسيحيين يؤمنون أنه يمكن أن يكون لله ولد بمفهومنا البشري الإنساني، ومنها، أي من النبوات، ما ذكرته التوراة قبل مجيء المسيح بالجسد على الأرض، عن أين ينبغي أن يكون مكان ميلاده، وما الهدف من مجيئه إلى أرضنا، وكيف حدثت آية ميلاده العذراوي وما أهميتها، وأسماؤه الحسنى، وحياته الخالية من الوزر والخطية حيث لم يحتاج الله أن يقول له، تبارك اسمه: “ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك”، فهو مكتوب عنه “لم يعرف خطية ولم يكن في فمه غش”، وأيضًا طبيعة إرساليته لأرضنا والتي كانت لكي يبشر، تبارك اسمه، المساكين ولكي يشفي منكسري القلوب وينادي للمأسورين بالعتق وبسنة الرب المقبولة. كذلك ذكر العهد القديم تفاصيل عن خيانة أحد تلاميذه له، وبيعه لرؤساء الكهنة بثلاثين من الفضة، وشراء حقل الفخاري بهذه الفضة، وعن صلبه وموته وقبره وقيامته في اليوم الثالث وغيرها مما لا يُعَدُّ ولا يحصى. وبالرغم من كل هذا الذي أنزله الله في التوراة والإنجيل عن المسيح يسوع، تبارك اسمه، إلا أنه لم تأت نبوة واحدة في التوراة أو الإنجيل عن نبي يأتي من بعد المسيح، تبارك اسمه، وإلا لكنا قد اعتبرنا الإسلام امتدادًا طبيعي للمسيحية بناءً على تصريح المسيح بأن نبيًا آخر سيأتي من بعده، تبارك اسمه، فمتى جاء الله ظاهرًا في جسد إنسان فلا يمكن أن يكون هناك مكان أو احتياج لمجيء إنسان نبي من بعده.

٢- إن كل الحقائق التاريخية والمنطقية والتعليمية والروحية وحتى القصص التي جاءت بها التوراة فيما يختص بالمسيح يسوع، تبارك اسمه، وتمت بحذافيرها في الإنجيل، جاء القرآن والإسلام بعكسها تمامًا، بدءًا من مكان ميلاده الذي يقول الإنجيل إنه كان في مزود ويقول القرآن إنه كان تحت نخلة، إلى مجيء الناس ليقرعوا أمه تبارك اسمه بسبب ولادتها لطفل قبل أن تتزوج قائلين: “يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا”، الأمر الذي لم يذكره الإنجيل، لأنه غير منطقي الحدوث، حيث إنه لا أحد في الحقيقة كان يعرف أن الطفل المسيح قد وُلِد بغير أب، بل كان الجميع، كل مَنْ كان حول يوسف النجار وزوجته مريم، يظنون أن يسوع هو ابن يوسف النجار، فلو كان اليهود قد عرفوا أن هذا الطفل ليس ابن يوسف النجار لكانوا قد رجموا مريم أمه حسب شريعتهم التي لا ترحم مَنْ تخطئ مثل هذا الخطأ. ليس ذلك فقط بل أيضًا رواية حديثه، تبارك اسمه، وهو في المهد صبيًا، الأمر الذي لو كان قد حدث لكان الإنجيل ذكره كمعجزة من معجزاته التي شاهدها البشر الوقوف أمامه وأمام أمه العذراء المطوبة، لكن الله سبحانه قصد ألا يتكلم المسيح في المهد صبيًا لأن الإنجيل يقول إنه، تبارك اسمه، شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية: “مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي (للمسيح) أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ (المؤمنين به) فِي كُلِّ شَيْءٍ”، فما سمعنا يومًا أن طفلًا آخر قد تكلم في المهد صبيًا، ولذا فكلام المسيح في المهد صبيًا سيكون تناقضًا مع الآية الكريمة السابقة، كما أنه إنقاص لإنسانيته وليس معجزة إلهية. وهكذا الحال مع كثير مما نسبه القرآن للمسيح، مرورًا بخلقه من الطين طيرًا وشفائه للمرضى وعمل المعجزات التي صنعها بأمر الله وبإذنه تعالى كما يقول القرآن وليس بقوة وسلطان لاهوته كما يقول الإنجيل. أما أهم الخلافات بين مسيح الإنجيل ومسيح القرآن فهو ما يتعلق بطبيعة المولى، سبحانه وتنازل إلينا في المسيح، فهل هو روح كما يصفه الإنجيل؟ أم هو واحد أحد كما يصفه القرآن؟ أم أنه روح وهو مثلث الأقانيم أيضًا وليس مثلث الأرواح كما يعتقد المسلمون؟ وماذا عن مسألة صلبه و ما يتعلق بصلبه وموته على الصليب، قبل أن ينزل عنه، ودفنه في قبر وقيامته في اليوم الثالث من بين الأموات، وظهوره بالجسد الذي قام به من الأموات للمئات من الناس دفعة واحدة. فهل صحيح القول فيها هو ما جاء عنها في التوراة والإنجيل أم ما جاء عكسه تمامًا في القرآن؟ وماذا عن مبدأ الخطية الأصلية التي لا يعترف بها القرآن لأن آدم وحواء قد تابا في الجنة وفقًا للقول القرآني: ”فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ  إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”، وبالتالي لم تُوَرَّث الخطية لنسلهما، ولذا فكتحصيل حاصل لا داعي لما يُعرف في المسيحية بالفداء وهو  ما جاء المسيح لصنعه على الصليب كما يؤمن المسيحيون، لأن طبيعة الخطية والموت الجسدي والأبدي قد وُرِثَّتْ لأبناء آدم وذريته، ولذا لزم أن يكون هناك فداء وفادي ومخلص للجنس البشري من طبيعة الخطية وثمارها وضمان للحياة الأبدية في نعيم أعده المولى للذين يؤمنون بالفادي الوحيد للجنس البشري كله، الفادي والمخلص يسوع المسيح تبارك اسمه.

فهل بعد كل ما سردته سابقًا، والذي هو قطرة من محيط، يبقى قول السيد الطيب صحيحًا صادقًا بأن ”هناك دين واحد، الإسلام آخر مظهر ليه، والمسيحية كانت مظهرًا له، لهذا الدين الواحد، واليهودية كانت مظهرًا، وكلهم دول اسمه الإسلام“؟ فهل الإسلام حقًا هو اسم الدين الواحد الذي كان قبلًا يسمى اليهودية على يد موسى، وأصبح المسيحية على يد المسيح، والآن اسمه الإسلام على يد محمد على حد قول الطيب؟

والآن وبعد أن كتبتُ ما سبق فأنا أنادي بوجوب اعتذار السيد رئيس الطائفة الإنجيلية للمسيحيين المصريين جميعًا؛ يقدم اعتذاره بالصوت والصورة على الفضائيات المسيحية ويعلن عن خطئه وأسفه وتوبته عن قوله بأن “شيخ الأزهر ليس إمامًا للمسلمين فحسب بل هو إمام لجميع المصريين”، فالاعتذار بعد التوبة عما قال هو أقل ما يمكن أن يفعله رجل مخلص حكيم وناضج يصلح أن يكون في منصب رئيس في أي مكان أو مجال من الأماكن أو المجالات. وإن لم يعتذر فأنا أطالب بمحاسبته ومحاكمته كنسيًا وعزله من منصبه بسبب ما قاله، لأن ما قاله سيفتح الباب لغيره من أمثاله من المسئولين الكنسيين، وما أكثرهم حوله، و سيشجعهم أن يحذو حذوه، ويقلدوا أقواله وأفعاله، خاصةً وأننا نرى اليوم مَنْ يفتحون كنائسهم ويسمحون بصلاة المسلمين في قاعاتهم وفوق منابرهم، حتى من أولئك المشاهير الذين يعتبرهم الناس قادة وقدوة لهم، ومنهم مَنْ يدعونا لصيام رمضان مع المسلمين، ولربما يدعونا آخر أن نرنم في كنائسنا وعلى منابرنا أغنية “رمضان جانا، أهلًا رمضان” كما غناها على الفيسبوك احد شيوخ الكنيسة الإنجيلية المشيخية دون أن يتحرك مسئول أو قس أو رئيس ليواجهه ويقول له: “لا يحل لك.” وإن لم يحدث شيء مما ذكرته سابقًا، وأعلم أنه لن يحدث، فأنا أنادي إله السماء القادر على كل شيء، والقدير الذي قال عن نفسه: “لي النقمة أنا أجازي يقول الرب”، أناديه أن يتدخل بنفسه ويصنع مشيئته وينتقم بنفسه من كل مسئول في الكنيسة يساعد على تغييبها وضلالها والإبقاء عليها في حالة الغيبوبة الروحية التي تعيش فيها منذ زمن بعيد، ويجبن أن يقول الصدق المسيحي أمام القادة المسلمين و يجاملهم و يساومهم على حساب الحق الكتابي، بإدراك ووعي كامل أو حتى دون فهم أو وعي وإدراك لما يقول ومدى تأثيره على الشباب المسيحي. اللهم إني قد بلغتُ، اللهم فاشهد.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا