مرة أخرى تقابلت مع صديقي الملحد، بعد السلامات والتحيات وتقديم الاحترامات قال لي صديقي: حسبتك لن تأتي لمقابلتي مرة أخرى بعد كل ما قلته لك في لقائنا السابق، ثم أكمل صديقي كلامه قائلاً: وبالمناسبة أنا وافقت أن أتقابل معك هذه المرة لأنني كنت متأكدًا أنك أنت الذي سترفض مقابلتي، قلت: ولماذا تخيلت أنني سأرفض مقابلتك، قال صديقي:
أولاً: لأن لا مصلحة لك في لقائنا ولن تستفيد مني بشيء سوى وجع الدماغ والإحباط وسماعك لكل ما لا تريد أن تسمعه، منى أو من غيرى، في وصف إلهكم.
ثانيًا: لأنني لم أعطك فرصة في لقائنا السابق لمراجعتي أو نقاشي فيما قلته لك أو محاولة تصحيحه إن كان فيه خطأ ما، بالطبع من وجهة نظرك، وأنا أعلم أنك لم ولن توافق على معظم، إن لم يكن كل ما قلته عنكم أيها المسيحيون المغيبون وعن كتابكم الذي صدق من قال عنه إنه “مكدس” وعن كنائسكم وقادتكم العميان والذين يجرونكم كالعميان حتى تسقطوا أنتم وهم في حفرة كما علمكم مسيحكم، الذي تؤمنون بوجوده والذي تدعونه الله.
ضحكت وقلت لصديقي الحقيقة هي:
أولاً: أنا من البداية لم آت لأستفيد منك، مع أني استفدت مما قلته لي في اللقاء السابق الكثير وتعرفت منك على بعض الأسباب التى جعلتك ملحدًا، حتى ولو لم أقتنع بمعظمها.
ثانيًا: إنني كنت أعلم تمام العلم قبلما أتيت إليك اليوم، وحتى في أول لقاء لنا، أن هذا سيكون موقفك واتجاهك منى، فماذا كان يمكنني أن أتوقع من شخص لا يؤمن بوجود المحبة الذي هو الله بالنسبة لنا، ولا يؤمن بوجود شخص يكافئ أو يحاسب ويعاقب من يخطئ أو يحسن.
أما الحقيقة الثالثة: فهي أنني أنا الذي كنت أريد أن لا أناقش أو أجادل أو أحاول أن أقنعك بعكس ما تؤمن به، من عدم وجود ما يسمونه الخالق “على حد تعبيرك أنت”. واكتفيت أنا أن أعبر لك بملامح وجهي إنني لا أتفق معك في الغالبية العظمى مما قلته عنه، سبحانه وتنازل إلينا في المسيح يسوع. فلم آت لمناقشتك بل لأسمع منك، وبالرغم إنه كان عسيرًا علي أن أسمعك تتكلم عن الله سبحانه بهذا الكم من الازدراء واستعمال الخفة وأظل صامتًا، لكنني أعتقد أنني نجحت في القيام بهذا الدور.
أما الحقيقة الرابعة: فإنني عازم اليوم أيضًا أن أستمر في سماعك فقط ولن أصحح لك أو أناقشك في أي أمر أو معلومة تقولها أو تؤمن بها، حتى لو كانت خاطئة جدًا من وجهة نظري، فأنا أؤمن بحرية كل إنسان في الإيمان بما يريد، وفي التعبير عن إيمانه أو رفضه لأية حقيقة روحية أو دينية حتى لو كانت إنكاره لوجود الله نفسه سبحانه وتنازل إلينا في المسيح يسوع.
تململ صديقي في جلسته وبانت عليه علامات الضجر والاستياء من موقفي الواضح منه ومن أفكاره وإيمانياته وعدم ردي أو مناقشتي له فيما يقول، بادرني بالقول منفعلاً غاضبًا وبصوت عال: إذًا فأنا سأكلم نفسي اليوم أيضًا، فلماذا أتيت، ولماذا هذا اللقاء وما الفائدة منه، أجبته: جئت لأسمعك ولأتعلم منك ما يفيدني في سيري في حياتي الدنيا، وأنا أستعد في طريقي لحياتي الآخرة. ففوائد هذا اللقاء بالنسبة لي كثيرة جدًا على أي حال.
أولاً: أنا أريدك أن تُخْرِج كل ما بداخلك من قناعات وإيمانيات لصديق مثلي يحبك بالحق، ولا يحمل لك أية ضغينة مهما اختلفنا في آرائنا حول أي من الموضوعات، وخاصة أسباب وصولك إلى هذه الحالة الصعبة من الإلحاد وإنكار وجود الله.
ثانيًا: أمر آخر هو أنني أريد أن أستفيد وأن أتعلم منك كيف يفكر الملحدون وناكرو وجوده سبحانه، والسماع من أفواههم مباشرة، ما يقررونه في هذا الأمر وكيف وصلوا إلى قناعاتهم بعدم وجوده.
ثالثًا: في النهاية ربما أستطيع أن أجيب على بعض أسئلتك المتعلقة بأمر وجود الله من عدمه سبحانه، إذا وافقت أنت على ذلك، أو كان لديك أسئلة تريدني الإجابة عليها.
بلع صديقي ريقه بعصبية وقال لي أهلاً وسهلاً بك، ترى ماذا تريد معرفته؟، أجبته: قبل أن ننقل حديثنا إلى لماذا رفضت الله كما أعلنته اليهودية والإسلام بعد أن رفضت الله كما أعلنته المسيحية، سؤالي هو: هل وجدت عيبًا، أو ناقصة ما، أو ما يُلام عليه شخص السيد الرب يسوع المسيح سبحانه في أي من أقواله أو أفعاله أو شخصيته أو أمثاله أو تعاليمه، إلخ، من خلال ما قرأته عنه في الإنجيل وكل الكتب المسيحية وحتى كتب الأديان الأخرى والتى كتبت الكثير عن نقائص أنبيائها الذين، إن جاز التعبير، اضطر الله، الذي أستغفره وأتوب إليه سبحانه، إلى غفران ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر، ورفع عنهم أوزارهم التى أنقضت ظهورهم؟
صمت وشرد صديقي برهةً، وكأنه يفتش للمسيح، تبارك اسمه، عن خطأ أو خطيئة أو عن ما يُلام عليه في القول والفعل، السريرة والعلن، ثم أجاب صديقي وكأنه مرغم على الإجابة، الحقيقة لا، كإنسان لم أجد فيه أي عيب أو خطأ أو خطيئة أو ما يُلام عليه أو يُبكت لأجله، كما وجدت في حياة كل نبي أو رسول آخر من رسل وأنبياء الديانات الأخرى دون استثناء، سواء الأنبياء الحقيقيين أو مدعى النبوة، فالجميع أخطأوا وفسدوا ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد من البشر. قلت إذًا فلماذا رفضته، قال صديقي لم أرفض السيد المسيح كنبي أو رسول أو إنسان، لكن لو صح أنه الله الظاهر في الجسد كما تقولون أنتم المسيحيون المغيبون، إذًا فأنا أرفضه وبشدة وباقتناع، يمكنني أن أقبله كإنسان مثلي مثله حتى لو كنت سأعتبره رسولاً من ذاك الذي تدعونه الله، أما أن أقبله على أنه الله، فهذا أساس وأصل الخصومة التى يمكن أن تتعمق بينه وبيني، فلو قبلت فكرة أن المسيح هو الله، وبالتالي فله كل صفات من تسمونه الله، وأهمها إجباري على الإيمان به والسير وفقًا لمخططه لحياتي، وفي النهاية إذا رضي عنى أدخلني سماءه التى هي في إيماني لا وجود لها، وإن لم يرض يلقيني في نار جهنم المستعرة التى أثق أنها غير موجودة على الإطلاق إلا في مخيلتكم أيها المسيحيون المغيبون، فهذا المسيح الذي هو الله لا يلزمني ولن أعترف به سوى أنه مصلح اجتماعي حاول أن يرقى بالإنسان إلى مستوى أخلاقي وروحي أسمى من غيره من المصلحين الاجتماعيين ففشل فشلاً زريعًا مع الغالبية العظمى حتى من أتباع ديانته، حتى مات بيد من أراد أن يغيرهم ويثبت لهم أنه الله الظاهر في جسد إنسان، فكم وكم يكون فشله مع الخارجين غير المقتنعين به من خارج ديانته حتى كمصلح اجتماعي.
قلت دعك من المسيحية والمسيح لماذا لم تجرب أن تكون يهوديًا وتبحث عن الله في اليهودية ربما أعجبتك صفاته فيها فأقنعتك أنه سبحانه موجود، فيتغير موقفك منه وتؤمن بوجوده، أجابني صديقي، نعم حاولت وجدته لا يختلف تمامًا عن صورته التى رسمها الإنجيل لله في شخص يسوع المسيح، قلت كيف، قال إن إله اليهود كما يصورنه هم في كتابهم التوراة والأنبياء شخصًا عصبيًا، مزاجيًا، انحيازيًا يفضل أمة على أمة، يختار أسوأ نوع من البشر ويدعوهم شعبي، وينصرهم في حروبهم ويأمرهم إذا ما دخلوا قرية أن يقطعوا كل شجرة خضراء ويطمسوا كل الآبار وعيون الماء ويقتلوا كل رجل وامرأة وطفل وعذراء، ويضع للناس قوانين للحلال والحرام، ويهددهم ويكبلهم بقيود عدم غفران أخطائهم ويضع شرطه الوحيد لغفرانها تقديم ذبائح حيوانية لا ذنب لها فيما ارتكبه أتباع شعبه ومن لا يقدم ذبيحته يظل عقابها عالقًا برقبته إلى يوم القيامة، إله اليهود يبدو وكأنه شخصية مختلة العقل وغير قادر على الحكم الصحيح في الأمور.
صمت صديقي قليلاً ثم قال بانفعال: أجبني أنت، هل يعقل أن يخلق هذا الإله، إن كان موجودًا حقًا، المرأة بخصائص بيولوجية من حيض وقدرة على الإنجاب، ثم يقرر أنها ستكون نجسة عدة أيام كل شهر ولمدة أسبوع بعد الولادة، فلا يُسمح لها بزيارة الهيكل أو الصلاة به أو حتى تقديم ذبائحها إلا بعد أن تطّهر نفسها وبعدها يتحتم عليها تقديم ذبائح خاصة حتى يكمل تطهيرها ويحكم من يسمونه الكاهن بطهارتها. قل لي أنت، هل هذا إله؟ ذاك الذي يترك الكون وما فيه ويهتم بطهارة النساء والرجال وتقديمهم للذبائح الحيوانية حتى يغفر لهم خطاياهم وتعدياتهم ويطهرهم من نجاساتهم!
صمت صديقي وكأنه ينتظر مني الإجابة على أسئلته الكثيرة والتى ظن أن لا جواب مقنع لها عندي.
ابتسمت له وقلت: إن كنت تنتظر مني الإجابة على كل سؤال من أسئلتك السابقة، فهذه هي ملاحظاتي على كل ما قلته:
أولاً: وصدقني، أنا أيضًا كنت أتفكر مثلك في كل هذه الأسئلة التى سألتها لي الآن ولم أكن أجد إجابات شافية كافية لها، لأني كنت أسألها لا لأتعلم بتواضع، واعتراف أنني محتاج لمن هو أكبر وأحكم وأعلم مني بإجابتها، بل كنت أسألها لكي أؤكد لنفسي وللآخرين أننا أحكم وأعلم من ذاك الذى تسمونه أنتم الله، وظل الأمر هكذا وكأنني أنا الذي كنت الغالب في معركة المعرفة مع الله، إلى أن ملك الله في حبه وصبره وطول أناته التى أغدقها لي على حياتي، الله، ذاك الذي أنت تنكر وجوده الآن، ملك – تبارك اسمه – على حياتي وغيرها وسيرها في طريق الحق، فوجدت من أعطاني إجابات شافيات وحلولاً لأسئلة ومشكلات منطقية في ذهني البشري لم أكن أتوقع وجودها في عالم الروح الحقيقي الذي نعيش فيه، ومنذ ذلك اليوم تغيرت حياتي ونظرتي للأمور وإيماني بها.
ثانيًا: اسمح لي أن أجيبك أن ٩٩٪ مما سألتني عنه مبني على معلومات إنسانية منطقية خاطئة تظنها أنت أنها صحيحة، مع أن لا وجود لها، ولا أساس لها، سوى في رأسك كما كانت قبلاً في رأسي، وفي رأس أمثالك وأمثالي من الباحثين المخلصين، أو الملحدين، عن إجابات علمية منطقية وتفسيرات إنسانية عقلية لأسئلتهم مع أن الإجابة عليها هي في منتهى السهولة والبساطة بأدلة روحية وعلمية وعملية وحياتية وتاريخية وغيرها. فببساطة وبأي منطق تحاول أن تجعلني أثبت لك وجود شخص أتكلم معه يوميًا، اسأله فيجيبني، أطلب منه فيلبي كل ما يراه هو أنني في حاجة إليه، وما يراه نافعًا في حياتي، يشرح لي كل ما عصى علي فهمه ويحذرني من نتائج أقوالي وأفعالي وأفكاري الشريرة قبل أن تصبح واقعًا ملموسًا في عالمي المرئي بعيوني المجردة. نعم أنت لا تراه ولا تسمعه وتظن أنه غير موجود لا يجيبك على كثير من أسئلتك لسبب أو آخر في علمه ومشيئته السابقة لسؤالك أو حتى السابق لولادتك ووجودك على الأرض.
ثالثًا: ليس الهدف من لقائنا وحديثنا معًا أن يفند كل منا حجج الآخر ويحاول أن يثبت عكس ما يقوله الآخر. فالإله الذي أنا له والذي أعبده، لقادر أن يصل إليك وإلى غيرك من الباحثين المخلصين بطريقة أو أخرى، لأن كلمته حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ، ومميزة أفكار القلب ونياته.
رابعًا: إن الإيمان به أو بأية معتقدات أو حتى مسلمات خاصة به سبحانه هو شيء قلبي، فمجرد الاقتناع والاعتراف وقبول شيء أو أمر ما هو شئ عقلي بحت، أما الإيمان بوجوده والتعامل معه وترك المجال وعجلة القيادة له سبحانه ليقود حياتك إلى ما فيه خيرك وسعادتك في الدنيا وضمان الحياة الأبدية في الآخر لهو أمر روحي، فالله روح والذين يسجدون ويقبلون ويتعاملون مع الله الروح ينبغي أن يبدءوا من الروح أولاً، ثم عند حدوث اللقاء بين الإنسان، الذي هو في الأصل روح تسكن في جسد ولها نفس، وبين الله الروح يستطيع العقل الإنساني أن يقبل وجوده وقيادته ومشيئته تعالى في حياته، لا بروحه فقط بل بعقله وجسده وكل كيانه، وعندها لن يشعر بأن هناك قوة خارجية تحاول أن تجبره على الإيمان بما يطلقون عليه اسم “الله” الذي لا يؤمن به الملحد، بل سيكتشف بأنه غير قادر على إنكار وجوده تبارك اسمه، فكيف ينكر شخص ما وجود شخصًا آخر يتقابل معه كلما أراد، يتحدث إليه فيجيبه، يشاركه أفراحه وأحزانه وآماله، فيجعله يختبر الحب والسلام والطمأنينة والمصالحة مع نفسه ومع الآخرين، وفوق الكل مع ذاك الذي كان في عداء دائم معه منكرًا لوجوده مستهزئ بكل ما كان يسمعه أو يقرأه عنه.
ساد الصمت بيننا بعد أن انتهيت من كلامي وبدا صديقي وكأنه يصارع مع نفسه مصارعة شرسة لمجرد سماع وقبول ما قلته له لتوي. وما هي إلا ثوان غاب فيها صديقي عن الاتصال بالعالم المادي حوله، ثم أفاق بعدها وهز رأسه بعنف وكأنه يطرد منها جحافل من الأفكار بل قل نحل قاتل يحيط بها.
ثم قال صديقي بصوت حاد: بالمناسبة بالرغم من عدم قبولي على الإطلاق لمن يسمونه الله في اليهودية، إلا أنني أحترم اليهود وإلههم أكثر منكم أنتم أيها المسيحيون والمسلمون، قلت: لماذا؟ قال: لأن إله اليهود لم يأمرهم يومًا بأن يذهبوا ويجبروا الناس على الدخول في دينه لا بالقوة ولا بالغزوات والقتل والنهب والسرقة، كما أمر المسلمين أن يعدوا لأعدائهم ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل يرهبون بها عدو الله وعدوهم، ولا بالتوسل إليهم وتكبيلهم بربط المحبة وحبال البشر والتضحية بكل غال ونفيس وقبول الاضطهاد وسلب أموالكم بفرح، كما تعملون أنتم أيها المسيحيون المغيبون الخانعون. ولم يقبل اليهود يومًا أن يتهود الأمم ويصبحوا شركاءهم في بركة اختيارهم كشعب الله المختار كما يظنون، ولم ينادِ اليهود يومًا بأن من لا يموت على دين إبراهيم، أي اليهودية، سوف يحشرهم إلههم الدموي في عذاب جحيم أُعد للمخالفين. أما أنتم أيها المسيحيون فتؤمنون بأن من مات على غير دين المسيح والإيمان به ربًا ومخلصًا وفاديًا وطريقًا وبابًا واحدًا للتصالح مع الله، فلن يقبل منه يوم القيامة وهكذا الحال أيضًا مع المسلمين. فمن مات على غير دين نبيهم وسنته وكتابه، فسينتظره السعير في الدرك الأسفل مع المغضوب عليهم والضالين.
كان من الواضح الجلي أن صديقي الملحد مشوش الذهن والمعلومات يبحث عن إله غير موجود حقًا في عالم الواقع الذي خلقه الخالق سبحانه، أو حتى العالم الذي خلقه صديقي في رأسه لنفسه، وقام بتفصيله وتشكيله على هواه ومزاجه، وبدا بكل تأكيد أن صديقي ليس على استعداد أن يؤمن بوجود الله سبحانه، كما يعرفه المسيحيون الحقيقيون الذين تلامسوا معه وولدوا منه بالروح، تبارك اسمه، إلا إذا استطاع أن يحشر صديقي إلهه في حيز قد اختلقه، لهذا الذي يمكن أن يقبل صديقي أن يدعوه الله.
قلت لصديقي الآن أرى أنك ترفض صورة الله سبحانه التى تظن أن المسيحية تنادي بها وتحشرها في حلوق المسيحيين، وهكذا أيضًا الحال مع اليهودية، فماذا عن إله الإسلام؟
قال إله الإسلام لا فرق بينه وبين إله اليهودية أو المسيحية على الإطلاق. قلت: كيف؟ قال: لقد تعمقت في دراسة الإسلام للدرجة التى أصبحت معها عضوًا في جماعة إسلامية يقولون إنها أكثر الجماعات اعتدالاً. قلت وكيف انتهيت في دراستك مع هذه الجماعة، قال لم أنتهِ إلى شيء، انتهيت أن الثلاث صور لإله اليهودية والمسيحية والإسلام ما هي إلا ثلاثة تخيلات أو ثلاثة جوانب أو رؤى مختلفة لما يسميه الثلاثة الله، ولكن لا فرق كبير بينها.
قلت: اشرح لي في رأيك ما توصلت إليه بعد بحثك هذا. قال هناك أمور تتفق تمام الاتفاق في تصور الديانات المختلفة عن الله وفي نفس الوقت هناك ما تختلف عليه الصور اختلافًا بينًا بينها.
قلت: دعنا نبدأ بما تتفق به الديانات الثلاث المختلفة. قال: “تتفق ما تعرفونه أنتم المسيحيون بالديانات السماوية الثلاث في الإيمان بأن”، قاطعته بحدة وبصرامة قائلاً: لقد وعدتك أن لا أقاطعك أو أن أصحح لك مفاهيمك عن ما تؤمن أنت به، أو عن صورة الله سبحانه وتعالى في ذهنك، لكن في قولك هذا بالذات وحتى لا يعتقد البعض أنني أوافق على ما قلته في هذه الجزئية، لابد أن أقرر بكل وضوح أن المسيحيين الحقيقيين الذين يسكن بهم الروح القدس والذين يؤمنون بالمسيح يسوع ربًا ومخلصًا، وأنا منهم، لا نؤمن أن هناك ديانات سماوية ثلاث، نحن نؤمن أن هناك حياة واحدة وهي الحياة الأبدية التي هي في شخص المسيح يسوع، الله الظاهر في الجسد، تبارك اسمه وحده ولا سواه، لا قبله ولا بعده، فما كان قبله أي الديانة والتعاليم اليهودية، فإنها لم تكن دينًا قائمًا بذاته، بل كان ما يمكن أن نطلق عليه دين اليهود وتعاليمه ووصاياه ودعوته الأرضية، ما هو إلا تمهيدًا روحيًا وإشارة واضحة مجسمة وموثقة بمئات الآيات والنبوات مسبقة وممهدة الطريق لظهور السيد الرب يسوع المسيح قبل مجيئه إلى أرضنا، فهو الوحيد الذي جاء من الله إلى البشر أجمعين، وأن ما نزل من الله قبل مجئ الرب والفادي والمخلص يسوع المسيح من السماء وتجسده من القديسة العذراء مريم، أي الناموس ما هو إلا ظل الخيرات العتيدة أن تأتي في المسيح ومعه لا نفس صورة الأشياء. أما الإسلام كما يراه المسيحيون الحقيقيون أنفسهم، وهذا ليس سرًا يذاع لأول مرة منا نحن المسيحيين، وليس الهدف مما أقول لك هنا في هذا المقام لا إهانة أو تقليل من شأن الإسلام أو الازدراء به، لكنه حقيقة ما نؤمن به نحن المسيحيين وهو أن الإسلام ليس من عند الله في شيء، ولا علاقة له بخالق كل الأشياء بكلمة قدرته سبحانه.
أجابني صديقي بانفعال شديد تلقائي: لو كان هذا إيمانكم كمسيحيين، فلماذا لا تتمسكون به وترفعونه أمام الشياطين والملائكة والناس، لماذا يكرر خدامكم المفوهون وقسوسكم الإنجيليون عبارة الأديان السماوية الثلاث ولا يتصدى لهم أحد منكم على الملأ، أهو جبن وخوف من ناحيتكم من غضب المسلمين عليكم وردود أفعالهم العنيفة التى يمكن أن تحصدونها، أم أنه تملق للمسلمين ومحاولة للظهور بالمحبة والإخوة الكاذبة من ناحيتكم.
قلت: كلٌ سيعطي حسابًا عن ما يبدي أو يخفي أو يلوي من الحقائق الروحية الكتابية المنزلة من عند الله الآب بالروح القدس، لمن له الأمر يوم لا ينفع مال ولا بنون، وكل حر فيما يخفي أو يصرح، أما من جهتي، فليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التى أقولها علنًا وبكل وضوح، فكل ما ذكرته لك الآن قلته في برامج ولقاءات تليفزيونية عديدة، وكتبته بجريدة الطريق والحق في عدة مقالات فمحبتي للمسلمين واحترامي لهم كخليقة الله وكمن مات المسيح لأجلهم، كما لأجل العالم كله لمغفرة خطايانا جميعًا لا علاقة لها بالتملق أو الخوف أو بخداعهم بأني لا أؤمن بإسلامهم بأي شكل من الأشكال أو بأن إسلامهم هو من عند الله، وهكذا كما ذكرت سابقًا ليس سرًا خفيًا عليهم أو على غيرهم.
بعد برهة من الصمت بدا على صديقي وكأنه ملاكم عنيف مدرب، لكنه لا يستطيع أن يقهر خصمه، فكلما وجه لخصمه ضربة ظن أنها قاضية ومنهية للمصارعة بينهما، رد خصمه بلكمة مضادة أفقدت صديقي الملحد اتزانه مرات كثيرة، للحظات قليلة أو كثيرة استعاد بعدها اتزانه متجاهلاً ما حدث له منذ لحظات.
قلت لصديقى الملحد: أكمل حديثك عن ما وجدته من نقط اتفاق بين ما تسميه أنت الأديان، قال تتفق الأديان جميعها على وجود ما تسمونه الله وتتفقون على وجوده الفعلي بهذا العالم، بالرغم من أن هذه الأديان تختلف اختلافًا كليًا حول طبيعته وصفاته وردود أفعاله وطريقة حسابه للبشر المذنبين وطريقة مكافأته لهم إن كانوا محسنين وشكل جنته أو فردوسه أو سمائه التى سيأخذ إليها من أحسن عملاً وحتى اسمه، فأنتم على خلاف بَيِّنْ بينكم.
نظر إليَّ صديقي وسألني باستخفاف: قل لي بالله عليك، لو كان هناك حقًا “الله”، كيف تؤمنون بشخص غيبي تقولون إنه خلق الكون كله وهو يحركه ويحفظه ويتحكم فيه، وليس منكم من رآه أو التقى به يومًا، بل وهو يرفض بكل إصرار أن يتقابل مع أحدكم؟ ألم يقل هذا الكائن الغيبي لموسى نبيه، على حد إيمانكم في أديانكم الثلاث، بأن موسى كان نبيه؟، ألم يقل له عندما طلب رؤيته “قال لا تقدر أن ترى وجهي. لأن الإنسان لا يراني ويعيش”؟ ألم يرفض مسيحكم أن يُرِي تلاميذه الله الآب، أي “الله” في إيمانكم وقناعاتكم، عندما “قال له تلميذه فيلبس: يا سيد، أرنا الآب وكفانا. فقال له يسوع: أنا معكم زمانًا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس! الذي رآني فقد رأى الآب، فكيف تقول أنت: أرنا الآب؟ ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب فيّ؟ الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي، لكن الآب الحال في هو يعمل الأعمال. صدقوني أني في الآب والآب فيَّ؟ الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي، لكن الآب الحال في هو يعمل الأعمال. صدقوني أني في الآب والآب فيَّ، وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها”.
قل لي بالله الذي تؤمن بوجوده هل هذه إجابة صحيحة مقنعة لتلميذ يسأل معلمه أن يريه الآب، أي الله، لماذا لم يجرؤ المسيح أن يريهم الآب وكفاهم؟
أما في الإسلام فمجرد التفكير فيمن هو هذا الذي تسمونه الله، أو مجرد محاولة اكتشاف من هو، أو التواصل الشخصي به بأية طريقة من الطرق يصنف صاحبها بالكافر المجدف الزنديق الذي لابد أن يتوب إلى هذا “الله” المحتجب الذي لا يعرفه الباحث المسكين، فيوسم الباحث عن الله بهذا الوصف الشرير لا لشئ إلا لأنه حاول البحث عنه لمعرفته أو التواصل معه، وإن لم يتب فهو في الدنيا، حسب ما يؤمن المسلمون، من الكافرين وهو في الآخرة من الخاسرين، ألم يكفر الإسلام والمسلمين الأديب الراحل توفيق الحكيم وحاولت لأنه تجرأ وكتب مقاله الذي عنْوَنَهُ “حديث مع الله”؟!
ألا تختلفون يا أصحاب الديانات الثلاث حول اسمه، ألا يصر اليهود على تسميته يهوه، أو أهيه، أو إلوهيم، وتسمونه أنتم الآب والابن والروح القدس، وتستخدمون لفظة الله في كتابكم، لأن ليس لديكم لفظة أخرى في اللغة العربية يمكن أن تستبدلوها بها كما هو الحال مع المسلمين الذين يستخدمون كلمة الله في وصفه. ألم يرفض المسلمون في ماليزيا وغيرها أن يطلق المسيحيون اسم الله على إلههم لأنه في اعتقادهم أن هذا الاسم لا يصلح استخدامه إلا من قبل المسلمين فقط، فالله ليس إله المسيحيين أو اليهود؟!
فإن كان مجرد اسم هذا الشخص الذي تسمونه الله هو أمر مختلف عليه فبأي “الله” تطالبني أن أؤمن وأن أضع حياتي بين يديه مستسلمًا له، خاضعًا لمشيئته، مسبحًا بحمده أثناء الليل وأطراف النهار، حتى لو جعلني في الأرض من الحائرين الخاسرين المعذبين ثم في الآخرة من المغضوب عليهم والضالين؟
كنت بين الحين والآخر أبتسم لصديقي وهو يتكلم بانفعال وثقة تامة فيما يقول وكأنه محام ناجح واثق من نفسه ويظن في نفسه أن ما من أحد يستطيع أن يجيب على أسئلته وأنه في النهاية من الرابحين. كانت ابتسامتي ترسل له رسالة واضحة يعلمها هو تمامًا أن هناك الكثير جدًا من المعلومات الصحيحة التى تقولها، وأنك ترسم الواقع المعاش بكل دقة، لكن ابتسامتي أيضًا كانت تحمل في طياتها أن هناك الكثير جدًا من الأخطاء التي تحتاج لتصحيح فيما يقوله، وأن كل أسئلته مردود عليها، وأنه يمكنني أن أترافع أنا أيضًا عن الله، القائم بذاته والذي لا يحتاج لي ولا لغيرى للدفاع عنه أو المرافعة لصالحه، فهو الذي أعطانا جميعًا الجسد والعقل والكلمات بل والأنفاس التى تمكننا من الحياة حتى نفكر ونتكلم ونتحرك ونوجد.
سألت صديقي باختصار لما لا تصبح مسلمًا موحدًا بالله وعلى الأقل ستتخلص من يافطة الملحد الذي تحملها فوق رأسك أينما تذهب، أجاب صديقي بانفعال: أنا لا أحمل يافطة فوق رأسي تقول إنني ملحد، وأنا لا أبحث عن يافطة ولا يهمني ما يضعه الناس فوق رأسي من يفط.
لقد قررت أن أذهب للإسلام، عندما علموا أن ديانتي كانت بالأصل مسيحي حاولوا بكل قوتهم أن يقنعوني بأن المسيحية دين شرك بالله وعبادة المخلوق، الذي هو في ذهنهم المسيح يسوع دون الخالق الذي هو في رأيهم الله، وبدأوا معي بالترغيب بكل الوسائل، قالوا لي إنهم أصحاب الدين الوحيد الصحيح ولم يخبروني كيف وصلوا إلى هذه القناعة التى هي في رأيي قناعة خاطئة لا أساس لها من الصحة، وقالوا لي إنهم أصحاب الكتاب الوحيد المنزل من الله وبقي بعيد عن كل تحريف كما حدث للتوراة والإنجيل وأن كتابهم هو الكتاب الوحيد المحفوظ بأمره تعالى في عرش الله، ولم يستطيعوا أن يجيبوا سؤالي عن أين اختفت كثير من السور القرآنية بعد موت نبيهم إن كان حقًا كتابهم محفوظًا بأمر الله في السماء. لم يخبروني كيف عرفوا أن كتب النصارى واليهود قد تحرفت، ولم يعلموا أنني دارس متخصص لهذه الموضوعات الشائكة بين الأديان، وأن دراستي لمثل هذه الموضوعات الشائكة بين الأديان هي السبب الرئيسي التى أوصلتني لأكون ملحدًا مقتنعًا مؤمنًا على صواب ما أنا فيه وما وصلت إليه، قالوا لي إن القرآن هو الكتاب الإلهي السماوي الوحيد الذي لا يمكن أن يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأن الأمة الإسلامية هي خير أمة أخرجت للناس، وبأن كل علماء الجبر والهندسة والعمارة والفلاسفة القدامى كانوا يومًا ما مسلمين، وأنهم الأبطال الذين نشروا وعلى استعداد أن ينشروا دين الله في الأرض، إما بالموعظة الحسنة إذا استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، أو حتى بالقوة إذا لزم الأمر، وأنهم المكلفون في الأرض للدفاع عن دينه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن من رأى منهم منكرًا فلابد له أن يقومه بيده، وإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه وذاك أضعف الإيمان، قالوا لي إنهم أمة الدفاع ونصر بعضهم البعض، فأنصر أخال ظالمًا أو مظلومًا، وعند سؤالهم عن كيف سيحاسبني الله في اليوم الآخر على خطاياي وشروري، قالوا لي إن حسناتهم يذهبن سيئاتهم، وفي اليوم الأخير يوم حساب من يسمونه الله لهم سيزن حسناتهم وسيئاتهم وعلي حسب وزنها سوف يقرر هو المكان الذي سيرسلني إليه.
قلت وماذا عن مسكين مثلي يعلم أن سيئاته أثقل كثيرًا من حسناته قالوا: “الحسنة بعشرة أمثالها”.
قلت: إنني على ثقة بأنه حتى إذا حسب لي إلهكم الحسنة بعشرة أو حتى بمائة أمثالها فستظل سيئاتي هي الأثقل. قالوا: “ويضاعف الله لمن يشاء”، قلت: وهل من ضمان أبدي أعلمه من الأرض أين سأكون في الآخرة حيث أنني لا أطمئن لمكر الله، فهو على حد وحيهم خير الماكرين، ولا أريد أن أفاجأ بمصير أبدي غير معلوم، قالوا نستغفر الله العظيم فهذا لا يعلمه إلا الله، ببساطة أعادوني مثلكم لهذا الشخص الافتراضي المسمى الله، وتركوا مصيرى بين يديه، وعندما اعترضت على الانتظار لليوم الأخير، يوم لا أملك أن أرجع في قراري إن كنت سأقبل حكم هذا الإله على أم لا، قالوا إنني كافر زنديق يستحق الموت لمجرد مناقشتهم فيما يجول بفكري وخاطري، قالوا لي عن أوصاف الجنة من خمر وعنب وكؤوس في أيدي أولاد مخلدين كاللؤلؤ المنثور وحور العيون وأن الطريق الوحيد أن أتأكد من الأرض على الحصول لكل هذه النعم، كما يعرفونها هم، هي قتل أكبر عدد ممكن من المسيحيين واليهود الكفار، في وصفهم لهذا الإله قالوا لي مرة ومرات إنه خير الماكرين، وقالوا لي إنه خدع الناس الذين صلبوا المسيح بأن ألقى بشبهه على شخص آخر، فصلب المسكين بدل عن المسيح، أما المسيح فاختفى من المشهد ورفعه الله إليه، أصروا أن الدين عند الله هذا هو الإسلام، ومن لم يمت مسلمًا فلن يقبل منه يوم القيامة، قالوا لي إن اليهودية بواسطة نبي الله موسى سمحت لليهود بتعدد الزوجات لقسوة قلوب الرجال، أما في المسيحية فبسبب ادعاء المسيح أنه الله، فهو لم يتزوج، وما كان له أو في استطاعته أن يتزوج، فكيف لله المتجسد أن يتزوج، وكيف له أن يواجه المصيبة الكبرى التى كان يمكن أن تحدث له ولأتباعه إذا تزوج وأنجب ابنًا، هل كان يمكن أن يكون هناك حفيد لله من ابن الله المسيح يسوع كما تؤمنون أنتم المسيحيين. قالوا لي إننا أصحاب الدين الوحيد الذي يسمح للرجل أن يتزوج بأربع نساء في نفس الوقت بالإضافة إلى ما ملكت يداه.
وبالرغم من كل هذه المعتقدات والإيمانيات التى قالوها لي وحاولوا حشرها في رأسي إلا أن أمر عدم إمكانية الرجوع في قراري بأن أكون مسلمًا وعدم إمكانية رجوعي إلى المسيحية أو اليهودية إن أردت كانت هي القشة التى قسمت ظهر البعير، فأنا كرهت المسيحية لأن إلهها كما عرفته من خلال الدراسات المسيحية منذ فصول مدارس الأحد، ومولدي في عائلة مسيحية لأب قسيس، كرهته لأنه يريد أن يسيطر على حياتي ويسلبني حريتي في اتخاذ ما أراه صائبًا فيما يخص حياتي ومستقبلي، المهم أن يكون راضيًا عني، مستمتعًا بخضوعي وخنوعي ورضوخي لمشيئته دون اعتراض مني.
سكت صديقي برهة وقال بصوت حاد عال وتحد أعلى وأعمق من ما بدأ به: ألا يكفيك ما سمعته، هل مازلت ترى أنني مجرم، مفتر، متمرد على إلهكم وباختياري أصبحت ملحدًا أم لديك تعليق نهائي على حالة مثل حالتي.
كان صديقي يلهث وهو يسألني السؤال الأخير السابق وكأنه عداء بذل كل جهده للحصول على الميداليا الذهبية في ماراثون تجري به الخليقة كلها، ولم يُعْلَن بعد عن اسم الفائز، أهو المتدين بغض النظر عن دينه وإيمانه، أم هو المسيحي الحقيقي الذي يؤمن بالمسيح ربًا ومخلصًا لحياته والذي وُلِدَ من الله في عائلة الله، أم هو الملحد الذي قرر استبعاد ما يعرف بالله من قاموس حياته.
قلت لصديقي، اسمع يا صديقي الملحد الناكر لوجود الله سبحانه وتعالي، لدي عدة نقاط أريدك أن تعيها جيدًا:
أولاً: أشكرك من أعماق قلبي أنك كنت على استعداد أن نتقابل معًا و أن تعطني من وقتك لتخبرني وتشرح لي ما يدور بداخلك من جهة أمر مجاهرتك بإلحادك ورفضك لفكرة وجوده تبارك اسمه، وأتمنى وأصلي لكل من هم مثلك من الرجال والنساء والشباب أن يجدوا من يستمع لهم، ويتفهم مواقفهم وصراعاتهم، وأن يفتح لهم عقله وقلبه دون ملل أو كلل وخاصة من رجال الدين الحقيقيين المدعوين من الله لمثل هذه الخدمة والمؤهلين كتابيًا وعلميًا ونفسيًا للقيام بهذا الدور الخطير.
ثانيًا: صدقني يا صديقي العزيز أن لديّ ردود علمية وكتابية لكل سؤال سألته، وما صمتي عن أن أطرح وجهة نظري وقناعاتي أنا أيضًا في كل ما تناولته من آراء وقناعات، إلا لأنني لم آت لأعظك أو أتكلم أو أن أدافع عن حق كتابي ربما تكون غافلاً عنه أو متعمدًا عدم قبوله وخاصة فيما يتعلق بوجوده تبارك اسمه كما ذكرت لك سابقًا.
ثالثًا: إن الأفاضل من أمثالك الذين لا يؤمنون بوجود الله لا يحتاجون من يقنعهم، بكل وسائل الإقناع، بوجوده سبحانه، لكنهم يحتاجون لمن يأخذ بيدهم ويأتي بهم إلى الله نفسه ويترك الله نفسه يتحدث إليهم وينسحب هو من المشهد تمامًا، فحيث حضور المولى، تبارك اسمه، لا يبقى مكان لآخر من خلائقه مهما كانت أهمية هذا الإنسان.
رابعًا: لابد للقادة وكبار الخدام أن يفهموا أنهم لابد أن يسلكوا ويطبقوا ما يعظون به؛ حتى لا يكونوا حجر عثرة في وجه الصغار الذين يبحثون عن قدوة حقيقة في السلوك والأقوال والتصرف وغيرها وعن من يستطيع أن يعكس الوجود الإلهي حتى دون أن يتكلم.
خامسًا: لابد أن تعلم، وأقولها بكل احترام ومحبة، إنه حتى لو اجتمع حولك كل العالم ليدفعوك ويجعلوك ملحدًا أو مؤمنًا لما استطاعوا لأنك صاحب قرارك وأنت وحدك الذي ستعطى حسابًا عن حياتك في الأرض لمن هو مالك يوم الدين في الآخرة.
سادسًا: أنت تحتاج أن تفهم أننا جميعًا في الموازين إلى فوق ولربما الذين يؤمنون بوجوده ويدافعون عنه ويتقمصون دور المحارب المغوار ضد من لا يؤمنون به وبوجوده هم من يتركون من الجرحى والقتلى المغلوبين المقهورين في معركة إثبات وجوده أكثر ممن يتركون من الأصحاء المنتصرين الغالبين.
وعليه فأنا لن أحاول أن أقنعك بوجوده – تبارك اسمه – من عدمه مع ثقتي الكاملة بأنه موجود ويجازي الذين يسألونه، وأنه عن كل منا ليس ببعيد وهو الفاتح لأحضانه مناديًا: “تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم”.
أخيرًا أقول وأؤكد إن داخل كل ملحد ناكر لوجود الله – تبارك اسمه – بذرة أو نبتة صغيرة من الله لن تندثر حتى ولو تعمد الملحد أن يدوسها بحذائه في ذهابه وإيابه، قيامه وجلوسه وحديثه، كلما وجدها تحاول النمو داخل قلبه، تلك النبتة التى إذا ما رواها الإنسان بدموعه وتوبته وبمياه المحبة الإلهية القريبة منه لنمت وكبرت وأصبحت شجرة عظيمة تتأوى في غصونها طيور الباحثين عن الله. وإلى اللقاء في حديث آخر.