ثقافة الاختلاف في تخالف الثقافة

3

أشرف ونيس

ما أجمل التنوع وما أعذب تواجد الاختلاف، لم يخلق الله الاختلاف بين الأشياء عبثـًا، لكن في الاختلاف -بين ما هو معروف بين البشر- فلسفة يعز على الكاتب عدم فهم وتفهم الكثيرين لها….، وما تعدد الألوان في لوحة ما سوى خلب أنظار من يتطلع إليها، مرتشفـًا إحدى رشفات الإرواء والارتواء لروحه التي لها ماؤها وطعامها التي تقتاته وتلتمسه وتتوق إليه بين خلق وإتقان وإبداع!!!

ليس في وجود الاختلاف الأهمية التي يُعتد بها على قدر وجود تقبل ذلك الاختلاف والإقبال عليه، ليس فقط فيما هو متلفز من برامج و حوارات ولقاءات، لكن حري بالجميع فتح القلوب قبل فتح شاشة التليفزيون للرؤية والسمع والإنصات، وما أحرانا أن نجتمع جميعًا على ما لا هو موحد بين الجميع ألا وهو التباين والمفارقة بين الأشياء وبعضها، فإن كان لا وجود للخلاف بين كل ما هو مختلف ومتخالف كان ذلك أشبه بـ التماسك بين أحرف تختلف كل عن أخرياتها مكونة بيت شعر أو قصيدة غنـَّاء تشيد بها الأنفس قبل الحناجر والأفئدة قبل التلاسُن بها.

ما أجمل النفس حين تتمنطق بالحق وتتدثر بحقيقة الأشياء، وما أعجب تلك النفس حين تدرك أنها ليست وحدها سابحة في ذا الكون الفسيح، بل إن المشاركة والتشارك يحتم على الأقطاب المتخالفة التقارب ومن ثم التجاذب لإظهار التوحد الإنساني لا الفكري، ولإبراز النزعة الوجدانية لا العقائدية. ففي التعايش مع الآخر كل ما هو غني عن أي بيان من حيث اكتساب الأفراد ما لا يمكن اكتسابه إلا من خلال ثقافة الاختلاف وقبولها والارتكان إليها لما بها من نفع مُجدٍ وجدوى نافعة:

فهي الأرض الخصبة لغرس بذار التسامح وإروائها وتحمل حِمل الإنتظار للإنبات والنمو إلى أن تصبح أشجارًا يانعة ذات أفرع يافعة، يستظل بها كل من لفحه حر التنابذ و نار الانقسام.

الاستزادة بعلوم وثقافة الآخر ومعرفة ما لا هو متعارف عليه، لما به من الإفادة الكثيرة التي تمنح للمتعلم روح النضج المبني على المعرفة، فبدون المعرفة لا سيقان لجسد النضوج ولا درب له.

معرفة الطريق الأنسب والطريقة الأكثر ملائمة للتعامل مع الغير والوقوف على مساحة مناسبة منه، فالاطلاع على ظلمة المجهول فيه من النور الكافي لاستئصال ظلام الجهل واجتثاث حلوكة عدم الإدراك.

بناء الشخصية الإنسانية؛ للشخصية أخاديد وأغوار تترفع عن عالم الأرقام ودنى الأعداد، منها ما هو خاضع للفحص الإنساني ومنها ما هو فوق العلم بمعاهده ومختبراته، وكان الانسجام مع الآخرين وسيظل من أهم عوامل بناء الشخصيات السوية والشخوص السليمة.

تشييد أسس وجدارن ومرتفعات وأبنية المحبة التي تعتبر ركيزة السلم والسلام، فما من أمن أو أمان أو سكينة أو صفاء مع نفوسنا أو مع غيرنا ما لم تكن المحبة هي أساسه ومنبعه كما مصبه ومآله.

تقدم البلاد كما العباد، فما ينعكس على الفرد؛ ينعكس بذاته ودوره على الجماعة ومن ثم الجماعات وأماكنها، فالبلاد وتقدمها، فكما لا سلام بين الأفراد إلا بالتآلف هكذا لا تطور للبلاد إلا بالتفاهم و التناسق والتناغم.

ليتنا نحتوي الضد ليحذو حذونا، ونتمسك مسيرًا بطرق الدنو من الآخرين كأقصر سبل التماسك والوحدوية حتى نكون أهلاً لكل تَدانٍ لا تدنٍ، وتقارب لا إقصاء وإبعاد وتباعد.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا