ثراء بلا اغتناء وفساد بلا اكتفاء .

4

أشرف ونيس

لم يكن مكتفيًا بما هو عليه حين اخترق البدن بعد مغادرة الحياة ونسماتها، مستشريًا فيه لإرجاع عناصره إلى حالتها الأولى قبل ارتدائها ثياب العيش أرضًا، ولم يكن راضيًا بحاله أو حالته وقت أن فاحت رائحته غير العطرة متخللة كل تفاصيل محيطه، متأففًا منها كل من وطأت قدماه أرض مكانه وحيزه وساحته…….، لكنه تنامى بل طفر إلى كل ما يشغل حيزًا من فراغ في عقول وأفئدة وأذهان بني البشر متخطيًا ذلك إلى أبعد ما يكون داخل أناس ثم خارجهم أيضًا، حين لاقى رواجًا وقبولاً لدى الكل أكثر ما يمكن للتخيل أن يصل إليه!!!

صار “الفساد” وحشًا ذا عقل بل عقلاً يحمل سمات التوحش والوحشية لكائنات خارج حدود معرفتنا الصغيرة وإن بدت كبيرة في أعين البعض، حوى العقل اليافع بكل إمكانياته الجبارة مع البطش والتوحش والافتراس، شمل علومًا ومعارف ومدارك وما كان ذلك ببعيد عن توسده والتحافه بكل ما من شأنه الكسر والسحق والتهشيم لمن يعبث به احتكاكًا أو حتى تفكيرًا! أزال من أمامه الإرادة للرفض والعصيان وطيَّع الأكثرية لمعايشته خانعين لا خاضعين له، خوفًا من الإيذاء بل التلاش والاندثار…….، حرر نفسه من حرية الكثيرين وقت أن سلموا له تسليمًا، وهو يعد عدته البغضاء لمن هم مازالوا يحتفظون (بشيء) من القدرة والمقدرة لملاصقة (الألف) بالـ(اللام) لقول كلمة (لا) له، وهو في غمر من السعادة بما يملكه ويتمالكه ضدهم وقبالتهم وأمامهم.

لقد أفسد الفساد رسوخ الاعتقاد بعكسية العلاقة بالـ(الثراء والالتواء) وجعلهم في علاقة طردية، يستعلى منسوب أحدهم باستعلاء منسوب الآخر حتى فاض نهر لا بل محيط الاعوجاج والانحراف العفن، لم تكن مياهًا راكدة بل جارية ولكنها تحمل بين ذراتها كل أنواع الإثم والبذاءة والانحطاط. فلقد ذهبت القناعة -كقيمة وقامة لدى الإنسانية- إلى حيث لا رجعة، تداركها العدم ورحب بها ترحيبًا حتى احتفظ بها دون آخر معه…..، تتصاعد الأرصدة ومازال صاحبها شاخصًا إلى القليل بيد من رضى به، وتُكتنز الكنوز حتى امتلأت الخزائن ولم يزُر الشبع والاكتفاء صاحبها، سارت الخطى إلى دروب الطمع ولم يثني أربابها عن ذلك ثقل أجسادهم من فحش غناهم واغتنامهم لكل ما سمعت عنه آذانهم أو رأته أعينهم !!!

لقد انتابني التردد وأحتضن عزيمتي لبعض أو قل لمزيد من الوقت؛ فماذا سيفعل صرير قلمي وهو ينثر حروفه وكلماته أمام وابل الفساد الذي احتضن الجميع حتى صار لهم أمًا لكنها غير شرعية، ماذا ستحرك العبارات وإن كانت رنانة أمام تلال وآكام وجبال اللاشرف واللاضمير، حتى بدت الأصابع لا تشير سوى لنا؟! هل سيحرك لها ساكنًا أم سيزيح لها كامنًا؟ قررت ألا أكتب، لكن مجهولاً ما دفعني عن دون إرادة مني للصياغة والكتابة والتعبير! فهل سيفعل شيء ذلك المجهول أم شيء آخر هو ما سوف يحدث ويوجد ويكون؟؟؟؟

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا