تحديات وواجبات البقية التقية في مصر

32

العدد 145 الصادر في أكتوبر 2017
تحديات وواجبات البقية التقية في مصر

   كتبت في مقال سابق تحت عنوان ”البقية التقية“، والذي يمكن الرجوع إليه على الموقع الإلكتروني لجريدة ”الطريق والحق“ ””eltareeq.com، عن من هم البقية التقية وما سيحدث معهم ولهم في الأيام الأخيرة التى نعيش فيها، وخاصة في مصر. أما في هذا المقال فسيكون تركيزي على ”تحديات وواجبات البقية التقية في مصر“.  فليس من شك أن البقية التقية هي جماعة الذين عرفوا السيد الرب يسوع المسيح كمخلص شخصي لحياتهم، وفيه، وفي عمل صليبه فقط، أصبح لهم اليقين أنهم ذاهبون إلى سماء أعدها المولى للمؤمنين بصلب المسيح وقيامته وإلوهيته، أولئك التائبون النادمون المعترفون بخطاياهم والعارفون أنهم غير قادرين على خلاص نفوسهم بنفوسهم، وهم الذين ولدوا ليس من مشيئة جسد أو مشيئة رجل بل من الله فأعطاهم، سبحانه، سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه. وليس ذلك فحسب، بل هم الذين يعيشون بأمانة ضد كل الزيف والغش والخداع والكذب والخوف والإحباط والتشويش المحيط بهم في مصر بسهولة في هذه الأيام الشريرة الأخيرة التى نحيا بها، وهم بالتالي لا يعبدون إلا الله وحده ويرفضون تمامًا الخضوع والسجود لكل ما في هذا العالم الحاضر الشرير من شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، وهم الذين لم ولن يحنوا ركبة لغير الله، تبارك اسمه، تحت أي حال من الأحوال أو ضغط من الضغوط، هؤلاء الذين قلت عنهم إن لهم كل المواعيد العظمى والثمينة في المسيح وهؤلاء هم الذين سيحفظهم الله في وسط التجارب والضيقات الحالة والقادمة على الأرض، وخاصة في مصر.

   وغني عن القول والكتابة إن هذه ”البقية التقية“ في كل زمان ومكان، وخاصة في مصر، لها من التحديات الكثير الذي قد تنوء به الجبال وعليها الكثير من الواجبات التى لا بد من أن تقوم بتحقيقها وإتمامها حتى يتمم المولى وعوده لهم ويتعامل معهم بطريقة مختلفة عن من حولهم سواءً من غير المسيحيين أو المسيحيين الأسميين أو حتى المسيحيين المولودين ثانية، لكنهم يشاكلون هذا الدهر ويرفضون أن  يتغيروا عن شكلهم بتجديد أذهانهم، وهم دائمًا ما يحنون ركبهم للبعل ويخلطون بين التبن والحنطة، المسيح وبليعال.

   ولعل من أهم التحديات والواجبات التى تواجه البقية التقية في مصر والوطن العربي الآن ما يلي:

   ١- الصراع الدائم بينهم كبقية تقية وبين العالم الحاضر الشرير. فالحياة عامة والحياة في مصر والبلاد العربية خاصة أصبحت صراعًا مستمرًا بين ما تؤمن به البقية التقية وما علمه إياها الكتاب المقدس من روحيات وسلوكيات وما اختبرته من خلال عشرتها مع الرب يسوع المسيح وبين ما يرونه اليوم ويضغط عليهم الشرير لقبوله، ليس في العالم الحاضر الشرير خارج أسوار الكنيسة فحسب، بل ما يرونه داخل الكنيسة أيضًا من أسماءِ رتبٍ كنسية برزت في السنين الأخيرة واغتصبت قيادة كثير من الكنائس وخاصة الكنائس الإنجيلية في مصر، وانحرفت بالمسيرة إلى أقصى ما يكون التطرف والكذب والخداع والتملق والتحرك لا بحسب ما يمليه عليهم روح الله فقط، وهو ما لابد أن يكون، بل بحسب ما تمليه عليهم الدولارات ومصادرها في كل العالم الخارجي، أو بحسب ما يمليه عليهم تابعوهم ومتملقوهم والمصفقون لهم، وأخطر الكل بحسب ما يمليه عليهم روح الغي والكبرياء والتصلف وبعضهم لا يقتنع حتى بوجود مثل هذه الأرواح من أصله، فكم بالحري أن يؤمن بأنه هو أو هي شخصيًا مسيطر عليهم بهذه الأرواح. وتبقى البقية التقية في مصر حائرة بين أسماء هؤلاء القسوس أو الكهنة أو المرنمين أو المشيرين أو الرتب الكنسية الكبيرة والمشهورة والمعروفة لغالبية المسيحيين، بين ما يؤمنون به ويعلمونه لتابعيهم والمتيمين بأسمائهم وشخصياتهم ومراكزهم وأصواتهم وإنجازاتهم وأماكن خدمتهم وخفة دمهم وتعاليمهم المضلة وبين الحق الكتابي الواضح الذي قبلته هذه البقية التقية والذي من خلاله قبلوا المسيح مخلصًا شخصيًا لحياتهم فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله. ولقد استغل عدو الخير هذه الحالة العالية من التشويش العقلي والروحي لدى هؤلاء الناس في محاولة إقصاء البقية التقية والقضاء عليها وإحباطها وتفشيلها من كل ما حولها ومن حولها، ولولا نعمة الله وحفظه ورعايته للبقية التقية لما بقي أحد من الأتقياء في هذه الأيام الشريرة متمسك بكماله وإيمانه الممنوح له من رب السماء.

   وهناك عدة مجالات وحقول يحدث بها الصراع بين البقية التقية والعالم الحاضر الشرير، كحقل الخدمة والرعاية والقسوسية والترنيم والمشورة والفضائيات والمؤتمرات والتمويلات الخارجية والداخلية. وقد يؤدي هذا الصراع إلى مشاعر مختلفة في قلب ووجدان البقية التقية كالشعور بالحيرة، والشعور بالرفض، والوحدة والغربة حتى في وسط الأهل والأصدقاء والمجتمع المسيحي بأكمله، والشعور بالنقص والدونية، والشعور بالظلم،  والفشل واليأس والانطوائية على النفس وقد تجعل هذه المشاعر بعض من أفراد البقية التقية يتقوقعون على أنفسهم وينعزلون عن الإيجابية في ردود الأفعال، وإذا ما اشتدت عليهم هذه المشاعر قد يشتركون مع غيرهم في اتهام المولى سبحانه بعدم الاهتمام بهم أو التغافل عن مساعدتهم والانتقام الروحي من أعدائهم. وللتدليل على ما ذكرته سابقًا إليك الأمثلة من كتاب الله الوحيد الكتاب المقدس. فما يصيب البقية التقية من تحديات هو كما يلي:

   ١- صراع نفسي داخلي وأسئلة تبدو بلا إجابة وكلها تتمركز حول كلمتين وهما: لماذا؟ وإلى متى؟

   وقد ذكر الكتاب المقدس عدة أشخاص ورسل وأنبياء مروا بهذا الصراع وسألوا المولى، تبارك اسمه، مختلف الأسئلة وكان محورها الكلمتان: ”لماذا؟ وإلى متى؟“ فنبي الله موسى تحير في إرساليته لإخراج بني إسرائيل من أرض مصر: فمكتوب في (خروج 5: 22) ”فرجع موسى إلى الرب وقال: يا سيد لماذا أسأت إلى هذا الشعب؟ لماذا أرسلتني؟“. وفي (يشوع 7: 7) عندما هزمه وجيشه الأعداء صرخ نبي الله يشوع وقال: ”آه يا سيد الرب لماذا عبرت هذا الشعب الأردن تعبيرًا لكي تدفعنا إلى يد الأموريين ليبيدونا؟  ليتنا ارتضينا وسكنا في عبر الأردن؟“

   وأصاب رجل الله جدعون الشعور بالرفض في (قضاة 6: 13) ”فقال له جدعون: أسالك يا سيدي إذا كان الرب معنا، فلماذا أصابتنا كل هذه؟ وأين كل عجائبه التي أخبرنا بها آباؤنا قائلين: ألم يصعدنا الرب من مصر؟ والآن قد رفضنا الرب وجعلنا في كف مديان“.

   وكثيرًا ما أصاب البقية التقية الشعور بالوحدة والغربة حتى وسط جماعة المؤمنين أنفسهم، كما عبر عن ذلك كاتب المزمور، (مز 10: 1) ”يا رب لماذا تقف بعيدًا؟ لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟“.

   وفي إحساسه بالشعور بالظلم ومقارنة نفسه بالأشرار عاتب نبي القدير، إرميا، المولى بالقول: في (إرميا 12: 1) ”أبر أنت يا رب من أن أخاصمك. لكن أكلمك من جهة أحكامك. لماذا تنجح طريق الأشرار؟ اطمأن كل الغادرين غدرًا؟“. ثم في شعوره بعدم الاهتمام به وبالبقية التقية من شعبه سأله إرميا أيضًا في سفره (إرميا14: 8) “يا رجاء إسرائيل مخلصه في زمان الضيق، لماذا تكون كغريب في الأرض وكمسافر يميل ليبيت؟ لماذا تكون كإنسان قد تحير كجبار لا يستطيع أن يخلص؟ وأنت في وسطنا يا رب وقد دعينا باسمك. لا تتركنا“. ويناجيه، تبارك اسمه، نبيه داود بالقول: (مزمور13: 1- 2) ”إلى متى يا رب تنساني كل النسيان؟ إلى متى تحجب وجهك عني؟ إلى متى أجعل همومًا في نفسي وحزنًا في قلبي كل يوم؟ إلى متى يرتفع عدوي علي؟”.

    وغيرها الكثير الكثير من صرخات رجال ونساء الله القديسين من البقية التقية.

   ومع أن التحدي الأول والسابق ذكره هو محاولة فهم البقية التقية متى ولماذا، إلا أن من واجبها وما عليها عمله لمواجهة هذا التحدي هو أن ينظروا لرئيس الإيمان ومكمله شخص الرب يسوع المسيح الذي من أجل السرور الموضوع أمامه (وهذا السرور هو الصلب وفداء وخلاص الإنسان وفتح باب النعيم الأبدي للخطاة الذين أولهم أنا) احتمل الصليب مستهينًا بالعار. وعليهم أن يعلموا أن واحدًا من أسماء المسيح يسوع، تبارك اسمه، الحسنى هو ”عمانوئيل“ الذي تفسيره ”الله معنا“، بغض النظر عن إن اقتنعنا أن الله معنا أم لا، أو صدقنا هذه الحقيقة أم لا فهو حقًا معنا، لأنه وعدنا: ”وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر“، وأنه حي في كل حين يجلس في عرشه وهيكله في السماء ويستطيع أن ينزل نارًا من السماء ليثبت نفسه أنه هو الله وليس سواه كما فعل في أيام إيليا النبي الناري، وغيرها من الحقائق التى تضمنها كتاب الكتب، الكتاب المقدس.

   ٢- أما التحدي الثاني أمام البقية التقية في هذه الأيام هو ”فهم وإدراك ما يحدث في السماويات“. فما يحدث الآن في مصر والبلاد العربية داخل الكنيسة وخارجها ما هو إلا نتائج منظورة بالعيون المجردة لحرب في السماويات غير منظورة بالعيون المجردة مع أنها يمكن أن ترى بعيون البقية التقية غير المنظورة، هذه العيون التى يمكن أن نحصل عليها عندما يعطينا المولى روح الحكمة والإعلان في معرفته، وبعدها نستطيع أن نرى بما أطلق عليها الكتاب المقدس ”عيون أذهانكم“ في قول بولس الرسول: ”في (أفسس 1: 17-19) “كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح، أبو المجد، روح الحكمة والإعلان في معرفته، مستنيرة عيون أذهانكم، لتعلموا ما هو رجاء دعوته، وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين، وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين، حسب عمل شدة قوته“. فعندما يحصل القسوس الإنجيليون وأتباعهم والمؤمنون بكافة أنواعهم على روح الحكمة والإعلان في معرفته، حينئذ فقط يستطيعون أن يفهموا من هم القديسين حسب المفهوم الكتابي الصحيح، وهم كل من تقدس وتخصص بالميلاد الثاني من إله القيامة من خلال موت المسيح وقيامته، وأن إبقاء جسد أحد القديسين في المسيح أمثال الأنبا بيشوي في دير البرشا أو القديس شربل في سوريا حتى وإن بقيت دون تحلل أو تعفن وكانت هذه المعلومات صحيحة صادقة وموثقة وخاضعة للبحث العلمي فهذا لا يعني:

    أولاً: إن هذه الظاهرة، حتى على افتراض أنها حقيقة كما قلت، فهي ليست بسبب قداستهم الذاتية ولا بسبب أعمالهم وعطفهم على الفقراء والعيشة مع المسيح في المغاير والجبال مع الوحوش وغيره من الأسباب التى ساقها صاحب هذه الكلمات، فكل المؤمنين قديسون وقداستهم مكتسبة كنعمة من المسيح ولأجل المسيح. وما تخصيص أناس بعينهم وباختيار الكنيسة لهم ليطلق عليهم لقب القديس بعد موتهم إلا من الأعمال الشيطانية التى يحاول بها أن يفسد الحق الإلهي بأفكار هي من روح الغي والضلال، فالقداسة لا علاقة لها بالأعمال الخيرة أو الطيبة، بل الأعمال هذه هي مفرز طبيعي للقداسة في حياة الإنسان المغسول بدم المسيح والمغفور الإثم في المسيح.

   ثانيًا: عملاً بمبدأ قارنين الروحيات بالروحيات، فجسد موسى اختفى على الجبل لحكمة عنده لا يعلمها إلا هو سبحانه، لكن بحسب الحكمة المعطاة لنا وبمقارنة الروحيات بالروحيات، فنحن نرى أن سبب اختفاء جسد موسى هو حتى لا يعلم البشر أين دفن، فيعمل الناس من مكان دفنه مزارًا للتبرك به، كما يحدث الآن مع الأنبا بيشوي أو القديس شربل، وهكذا حدث لجسد جميع الأنبياء والرسل في العهدين القديم والجديد بلا استثناء، فلم يحفظ الله جسدًا واحدًا فقط منهم، بما فيه جسد أم يسوع نفسه القديسة العذراء مريم. فلماذا لم يدلل الله على أنه حي وأنه لا يترك نفسه بلا شاهد؟ كما ادعى المتحدث عن هذين الجسدين، كل هذه القرون حتى جاء القديس الأنبا بيشوي والقديس شربل، كيف فقد الله سبحانه تلك الفترة من إثبات نفسه أنه حي ولا يترك نفسه بلا شاهد مادي كالذي نحن بصدده، ووفقًا لأقوال القسيس الإنجيلي الأشهر في عظته على الجمع الغفير.

   ثالثًا: حسب إيماني والنور المعطى لي، والمبني على كلمة الله وحدها، لا على التاريخ وكتبه، ولا على التقليد الكنسي وواضعيه، ولا على روايات الرهبان والراهبات سواء في مصر أو سوريا أو غيرهم من الناس أو البلاد، أن المعجزة الوحيدة التى لن يسمح الآب السماوي في سلطانه أن تتكرر مع البشر هي معجزة عدم تحلل جسد إنسان على الأرض بدون مواد حافظة أو تحنيط، كما اعتاد الفراعنة أن يعملوا وغيرها،لأن هذه المعجزة هي التى تفرد بها في القبر شخص الرب يسوع المسيح بالرغم من موته ودفنه، وهي التى استشهد ودلل بها الرسول بطرس في عظته يوم الخمسين على أن هذه المعجزة فريدة خاصة بجسد المسيح يسوع فقط لأنه بلا خطية، وذلك في قوله: ”لأنك لن تترك نفسي في الهاوية ولا تدع قدوسك يرى فسادًا…. أيها الرجال الإخوة، يسوغ أن يقال لكم جهارًا عن رئيس الآباء داود إنه مات ودفن، وقبره عندنا حتى هذا اليوم. فإذ كان نبيًا، وعلم أن الله حلف له بقسم أنه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه، سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح، إنه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فسادًا“.

   رابعًا: إن الله لا يحتاج أن يثبت نفسه للناس أنه حي وموجود وأنه لا يترك نفسه الآن بلا شاهد، لأنه ترك لنا في العهد الجديد خير شاهد، بل الشاهد الوحيد، عنه تبارك اسمه على مر العصور والأيام في كتابه المقدس، وهي الكلمة النبوية نفسها والتى قال عنها بطرس الرسول: ”وعندنا الكلمة النبوية، وهي أثبت، التي تفعلون حسنًا إن انتبهتم إليها، كما إلى سراج منير في موضع مظلم، إلى أن ينفجر النهار، ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم“. فالسبب أن الكتاب المقدس دوّن أن الله لا يترك نفسه بلا شاهد، هو أن الشاهد الأمين البكر من بين الأموات المسيح يسوع له المجد لم يكن قد حل بيننا بعد ولم نكن رأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوءً نعمة وحقًا، ولم يكن قد صعد إلى عرش الله بعد، وبالتالي لم يكن قد أرسل لنا الروح القدس الذي قال تبارك اسمه عنه: ”ذاك يشهد لي“. وسبب آخر هو غياب الكلمة المكتوبة وعدم اكتمالها كما هي بين أيدينا. فالله لا يحتاج أن يشهد لنفسه عن طريق الأموات بعد أن شهد شهادته الأخيرة عن نفسه في الحي إلى أبد الآبدين، وفي كلمته التى قال عنها إنها روح وحياة.

   ٣- أما التحدي والواجب الثالث أمام البقية التقية هو أن لا تفهم أن هناك حربًا في السماويات وتدرك خطورته وتميز الأرواح المختلفة النشيطة في هذه الحرب وكيف تنتصر عليها فحسب، بل أن تفضح وتكشف للجميع خطط الرجيم وتنقض أعمال إبليس الشرير، وتجعل خططه التى يضعها في الخفاء وأفكاره التي ينشرها في الظلمة تجعلها معلنة وواضحة ومكشوفة في النور أمام الجميع، لا للتشهير وإهانة من يرددونها ويقبلونها ويعلمونها لكنائسهم، بل لإعلان العامة بما خفي عنهم، إن كانت حقًا مخفية عنهم، حتى يستفيقوا من فخ إبليس ويرجعوا بتوبة صادقة إلى الله الحي. فمن الواضح الجلي في هذه الأيام التى نحيا فيها في عمق هوة العمل الشيطاني ضد الكنيسة في مصر، وهو المتمثل في رعاة وقسوس وكهنة ومرنمين ومشيرين، المخلصين منهم والمغرضين، أن إبليس يستغل المشاهير من الخدام، في تحقيق إرادته ويمنع البقية التقية في مصر من أن تعترض، أو تشارك بالرأي، أو أن تقول لأحدهم لا يحل لك، ومن يتجرأ على أي مما سبق ذكره تتم مهاجمته ومحاولة إسكاته بكل الطرق، بالكتابة لعشرة محاضرات أو برامج تليفزيونية من محطات تليفزيونية مشبوهة ولها تاريخ طويل في تقديم البرامج التى لا تخدم إلا مصالح أصحابها والقائمين عليها وتروي غرورهم وتعاليهم على الجميع، وتسكت المسئولين عن الكنيسة، بل وفي بعض الأحيان تخرسهم وتجعل أعضاء كنائسهم وشيوخهم وشركائهم في القسوسية يجرون في فلكهم والويل لمن يعترض على تصرفات القس الراعي للكنيسة، فمصيره الفصل أو الاستقصاء أو انتظار موته والخلاص منه حتى لو كان شيخًا متقدمًا في السن والشهرة والإيمان، مشهوداً له من الجميع بالأمانة والمناداة بالحق الكتابي ومساعدة الآخرين لعشرات السنين، أو حتى لو كان شيخًا في منتصف العمر خدم لسنين عديدة مع القسيس بكل أمانة، فاللهم لا اعتراض على تحول خبز وكأس مائدة الرب إلى دم حقيقي ولحم حقيقي في أفواهنا، ولا اعتراض على ظهور القديسة المطوبة العذراء مريم على الكنائس الأرثوذكسية ولا مانع من أن نصلي لكي تظهر فوق كل كنيسة إنجيلية، وفي هذه الحالة لابد أن يعتذر الإنجيليون ويتوبون عن كل إساءة. وعلى حد قول أكثر من شيخ ومن على نفس المنبر من نفس الكنيسة وهي مذاعة على الفضائيات ينبغي أن نعتذر لهم عن الاضطهاد الذي اضطهدناهم به كإنجيليين، ولا حرج أن ينفصل لاهوت المسيح عن ناسوته في القبر، ولا مانع أن يجري الماء من تحت قبر القديس شربل ويأخذوا ١٥٠ كيلو من دمائه بعد موته وأن يغيروا كفنه مرات كثيرة ويعلقوا أكفانه في الدير الخاص به وبالطبع يتبرك بها العامة، حتى لو كانت كل هذه المعلومات الكاذبة المضللة قيلت له من إحدى الراهبات وهي من أنصار وأتباع مار شربل، مع أن صور جثة القديس شربل المتفحمة موجودة على الإنترنت من أتباعه ومريديه أيضاً وليس من الإنجيليين الذين يعادون الأرثوذكس والكاثوليك والذين لابد لهم أن يعتذروا لهذه الكنائس المعروفة بالتقليدية لأننا نحن الذين اضطهدناهم، وكأننا نحن إلإنجيليين أكبر منهم عددًا وأكثر قوة وتأثيرًا وأقدم في الوجود من الكنائس التقليدية، وكأننا نحن الذين حرمنا الذاهبين إلى كنائسهم من التناول في كنائسنا أو اعتبرنا من يتزوج في كنائسهم زانيًا ويجب أن يعيد زواجه في كنيسة إنجيلية، وكأننا نحن الذين طبقنا المبدأ الشيطاني: لا حل ولا بركة على من يحضرون اجتماعاتهم، أو نحن الذين قلنا عنهم في التليفزيون المصري غير المسيحي إنهم ليسوا مسيحيين أو أنهم ذاهبون جميعًا إلى جهنم، أو قد قلنا عنهم إن كتابنا غير كتابهم ومسيحنا غير مسيحهم و..و..و.. والحقيقة لم أكن أعرف تفاصيل وقصة حياة القديس شربل قبل أن أسمعها من هذا القس، مع أنه لا يمر يوم واحد في عيادتي الخاصة لطب الأسنان إلا وأسمع فيه اسم القديس شربل فكثير من المرضى قبل بدأ العلاج يطلبون من القديس شربل ويتوسطون به حتى ينقذهم من آلام الخلع والحشو وحتى مجرد الكشف عليهم. وفي كل مرة كنت أسمع فيها اسم هذا القديس حسب اعتقاد العامة كنت أشعر بالأسى والأسف على أناس عميان يتوسطون بالمخلوق الميت للخالق الحي وأقول لنفسى: مساكين مضللين مغيبين هؤلاء الناس، ولم أكن أتوقع أنني أسمع من قس إنجيلي عن القديس شربل واستخدامه لجسده الذي لم يتعفن، على حد قوله، كدليل على أن الرب لا يترك نفسه بلا شاهد وإنه ”بيقول للناس أنا موجود“ بجسد ميت حتى لو لم يكن قد تحلل. ليس ذلك فقط بل لا حرج أن يكون الميلاد العذراوي للمسيح قصة لم تحدث، وأن يكون آدم وحواء شخصيات اعتبارية لم تكن موجودة في يوم من الأيام، وأنه لا توجد جهنم بعد الموت وليس هناك شياطين أو أرواح شريرة ساقطة، وأن الخلاص لا يحدث في لحظة أو وقت معين، بل هو عملية تستغرق العمر كله وأن صاحبها لابد أن يجاهد العمر كله حتى يفلت من يد الإله الذي يبدو أنه غاضب من خليقته باستمرار، ولا غضاضة أن نحتفل بالمولد والميلاد في نفس اليوم ونفس الحفل أو أن نخلط التبن مع الحنطة، وأن نمد موائد الرحمن لإفطار من يصومون لروح ضد المسيح أو نفتح لهم كنائسنا للوضوء فيستغلون الفرصة ويصعدون فوق منابرنا، وأن نقيم سهرات رمضانية في الكنائس ولا مانع أن نشترك في برامج تليفزيونية واذاعية معهم فنحن نمدح المسيح وهم يمدحون رسولهم، أو أن يكون هناك صوفية في المسيحية وأن الناس يمكن أن تتصل بالله بعيدًا عن المسيح فالمسيح طريق من الطرق التى يتصل بها الناس بالله، أو أن يشترك المؤمن مع المسلم في مديحة لأم النور، ولا مانع أن نكون فرقة موسيقية غنائية تضم شمامسة ومؤذنين بموافقة بابا الكنيسة الأرثوذكسية السابق وكل يبكي على منشودته وليلاه، وغيرها وغيرها الكثير مما لا يعد ولا يحصى.

   ٤- إن واحدًا من أهم واجبات البقية التقية هي التواجد الفعلي والظهور في المشهد والدفاع عن الحق والوقوف بجانب الأنبياء والمستخدمين من رجال الله الحقيقيين في إظهار الحق والحقيقة للناس.

   ويبدو أن واحدة من أكبر الإشكالات الموجودة عند البقية التقية هي الاختفاء في الوقت الذي يجب عليهم الظهور فيه. ففي العهد القديم عندما وقف إيليا النبي أمام إيزابل الملكة وأنبياء البعل وقف وحده ولم يقف بجانبه أحد حتى اشتكاهم لله قائلاً: ”قتلوا أنبياءك وهدموا مذابحك وبقيت أنا وحدي وهم يطلبون نفسي“. وفي العهد الجديد يقول بولس الرسول عندما ذهب للمحاكمة وحده ومن الإخوة لم يكن معه أحد: ”في احتجاجي الأول لم يحضر أحد معي، بل الجميع تركوني. لا يحسب عليهم“. فأين هي البقية التقية في مصر؟ ولماذا لا تقف معًا في وجه هذه الهرطقات والضلالات؟ أو على الأقل  لماذا لا يعلنون عن رأيهم بصراحة للنفوس الغالية التى مات المسيح لأجلها؟ لماذا لا تتخذ الرئاسات الدينية قراراتها مع أو ضد هذه الأفكار والضلالات؟ لماذا لا تتكلم إلا القنوات الفضائية المأجورة ومقدمو البرامج السطحيون الذين لا يعرفون شمالهم من يمينهم ولا يعرفون عمق ما يتكلمون فيه ويجلسون أمام المضللين من القادة أو القسوس أو المرنمين وكأنهم فئران الأرض في مواجهة القطط السمان؟ أين هم البقية التقية الموجودة في مجالس هذه الكنائس والطوائف أو الخدمات التى أسسها أو ورثها بعض المضلين ويمولونها بطريقتهم الخاصة المشبوهة ويكممون أفواه العاملين معهم؟ أين هم البقية التقية من فلاحي الكتاب المقدس؟ لماذا لم نسمع منهم برنامجًا إذاعيًا أو تليفزيونيًا واحدًا يتكلم عن هذه القضايا؟ أو مقاومة المضلين والمغيبين مواجهة، بالرغم من حشرهم الكثير من المعلومات المكررة والمحفوظة والمأخوذة من أسلافهم وغيره في العديد من البرامج؟ أين هم البقية التقية في مصر؟ هل أصاب الجميع الإحباط والفشل وعدم الأمل في إصلاح الكنيسة المصرية، وبالتالي وبالتبعية العربية لما نحن عليه من فوضى روحية في مصر؟ أين هم البقية التقية من الرسوليين والخمسينيين الذين يتنبأون لنا ليلاً ونهارًا وينشرون رؤاهم وإعلاناتهم ونبواتهم عن كل ما يخص مستقبل الناس من زواج وطلاق وخطط ومستقبلات؟ هل صمت الروح القدس عن الحديث إليهم في مثل هذه الأمور بالذات وهي الأهم على الإطلاق في حياة الناس جميعًا؟

   فيا أيتها البقية التقية في مصر: أحبوا الكنيسة من كل قلوبكم واخرجوا عن صمتكم وأعلنوا الحق الكتابي وواجهوا المخدوعين والمهرطقين وأصحاب الأغراض الخاصة بالحق والحجة الكتابية وقارنوا الروحيات بالروحيات وأنقذوا الذين تشوشت قلوبهم وعقولهم من هؤلاء القادة والخدام، وأنقذوا الشعب المسيحي المغيب المسكين الذي يفتح فمه دون فهم أو وعي أو تمييز ليلقي به هؤلاء سمومهم وأطعمتهم العفنة، وأعلموا أنه إن سكتم أنتم فالحجارة ستتكلم، وإن سكتم أنتم فسيأتي الفرج من عند الرب وأنتم وأهلكم ستكونون من الخاسرين، وإن سكتم أنتم فسيقيم الرب جيلاً جديدًا من الشباب يحدّث بعجائبه ويرد المسلوب، فلا تخافوهم ولا ترهبوهم وكونوا كسيدكم، وهو معكم وماكث فيكم، الذي احتمل الصليب مستهينًا بالخزي. وللحديث بقية.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا