بين اضطراب الهوية الجنسية والجنسية المثلية

1

د. فيولا موريس

ترددت في السنوات الأخيرة بعض المصطلحات النفسية المتعلقة بالجنس، وذلك مثل الهوية الجنسية، إلا أننا نجد أن هناك خلطًا كبيرًا في أذهان أغلب الناس في تعريف كل من هذه المصطلحات.

لذلك، لكي نتناول هذا الموضوع، لا بد أن نفرِّق بين معنى كل من اضطراب الهوية الجنسية Sexual Identity Disorder والجنسية المثلية Homosexuality، وذلك على النحو التالي:

اضطراب الهوية الجنسية

 ويعني إدراك الفرد نفسه إنه مخالف لجنسه، مما يؤدي إلى وجود اضطراب في هويته، وذلك رغم عدم وجود مشكلة جنسية في أعضائه، إلا أنه يرفض ذكوريته، أي أنه ليس لديه ارتياح لجنسه، فهو يرفض خصائصه الجنسية الأولية مثل أعضائه الذكورية أو الخصائص الثانوية مثل صوته وشعره وخاصةً في مرحلة المراهقة.

لذلك فإن اضطراب الهوية الجنسية يحمل شقين وهما الجانب البيولوجي والجانب السيكولوجي. والمقصود بالبيولوجي هو الجانب الجسدي، حيث نجد أن أعضاءه التناسلية متكاملة كما أن هرموناته تحتوي على الهرمون الذكوري (التستوستيرون) والكروموسوم يحتوي على XY، وأيضًا بالنسبة للأنثى فهي تحمل أعضاء تناسلية متكاملة كما تحمل هرمونات أنثوية (الإستروجين) والكروموسوم XX.

ورغم التكامل الجسدي، إلا أننا نجد أن أفكار الشخص ومشاعره وأحاسيسه النفسية مختلفة ومضطربة، حيث يشعر بالاغتراب عن جسده ودائمًا ما يعبِّر عن ذلك بـأنه يشعر أنه أنثى مسجونة في جسد رجل أو العكس بالنسبة للأنثى.

أسباب انتشار اضطراب الهوية الجنسية

في أواخر عام 1994، ظهر تيار يعرف بالتيار الجندري، وادعى أصحاب هذا التيار بأن هناك خطوطًا جندرية في المخ تجعل الشخص ينتمي إلى الجنس الآخر. لقد اعتمدوا على أن الهوية تنقسم إلى: هوية بيولوجية وهوية اجتماعية، وهما مختلفان تمامًا، فالطفل يولد بهوية بيولوجية، فهو مولود ذكر طبقًا لأعضائه الذكورية، إلا أن ذلك لا يعني أنه ذكر، بل مَنْ يطلق عليه هذا الجنس هو المجتمع. لذلك هو يكتسب الذكورية من الهوية الاجتماعية، وهذا ما يجعل الشخص لا يشعر بالارتياح للهوية الاجتماعية.

لقد وجد هذا التيار تأييدًا من الجمعية الأمريكية للطب النفسي، والتي أصدرت الكتالوج التشخيص الخامس D.S.M.5، فوصفت هذا النوع تحت تصنيف (جندر ديسفوريا) أي عدم الارتياح من الهوية الاجتماعية. وقد تبنى هذا التيار (جون موني) بعد أن قام بعمل تجارب خلف الكواليس لتحويل أحد التوائم من ذكر إلى أنثى، إلا أنه يذكر أن هذا المتحول انتحر بعد أن وصل إلى سن النضوج. واكتُشف فيما بعد أن هذه التجارب ليس لها أي أساس علمي.

وفي أواخر التسعينات، ظهرت إحصائية تشير إلى أن عدد المتحولين جنسيًا وصل إلى رجل لكل 30 ألف وامرأة لكل 100 ألف، ولكن في السنوات الأخيرة أصبح التحول الجنسي Transgender مهنة للاكتساب التجاري، إذ اكتُشف أنه أجريت عمليات لأطفال تتراوح أعمارهم ما بين 13-17 سنة رغم مخالفة ذلك للقانون الدولي، وأن حوالي 50% من هذه العمليات لم ينجح، بينما شرع 10% من المتحولين جنسيًا في الانتحار بسبب صعوبة تكيفهم على الجنس الجديد. وتشير آخر الإحصائيات إلى أن تكاليف عمليات التحول الجنسي وصل إلى 2 بليون دولار في الولايات الأمريكية فقط.

الجنسية المثلية

ويعني الميل إلى ممارسة الجنس مع نفس النوع، وهو اضطراب جنسي مصنَّف ضمن مجموعة كثيرة من الاضطرابات الجنسية، وذلك مثل: السادية والماسوشية والفيتشية والبيدوفيليا (ممارسة الجنس مع الأطفال).

أسباب الجنسية المثلية

انقسم علماء النفس في تفسير أسباب الجنسية المثلية إلى اتجاهين: الأول هو الاتجاه البيولوجي، والثاني هو الاتجاه البيئي والاجتماعي.

الاتجاه البيولوجي

اعتبر أصحاب هذا الاتجاه أن الإنسان مولود بخصائص فسيولوجية وسيكولوجية وعقلية تجعله يمارس الجنس مع نفس النوع، ويرجع ذلك إلى عوامل وراثية وجينية وتشريحية لا تتحكم في هذا الميل، وبالتالي فهو نمط حياة طبيعي غير مرضي يجب الاعتراف به من قِبل المجتمع. وقد أدى ذلك إلى أن تقوم الجمعية الأمريكية للطب النفسي بتصنيفه ضمن الاضطرابات النفسية بدلًا من المرض النفسي، وذلك في الكتالوج التشخيص D.S.M الثالث، أما في التصنيف الرابع فقد اعتبرت أنه نمط حياة طبيعي.

إلا أن الأبحاث العلمية الحديثة أثبتت فشل هذه الادعاءات، حيث ثبت أن التجارب التي أُجريت طبقًا لهذا الافتراض ليس لها أي أساس علمي، وفي عام 2010 ظهر أن الجين (Xq28) ليس هو المحدد الجيني كما ادعى أصحاب هذا الاتجاه.

الاتجاه البيئي والاجتماعي

أصحاب هذا الاتجاه أرجعوا الجنسية المثلية إلى عوامل في البيئة والمجتمع، ومن أهمها ما يلي:

– الموقف الجنسي للطفل يتحدد بعلاقته بوالديه:

رائد هذه النظرية هو العالِم النفسي فرويد، حيث اعتبر أن الهوية الذكورية للطفل تتكون ابتداءً من 24 شهرًا-3 سنوات، وذلك عن طريق الأب الذي يمثل له النموذج المثالي الذي يمكنه أن يتوحد به (وجدانيًا وعقليًا وانفعاليًا)، ثم يميل إلى حب أمه وهذا الحب هو نواة لحبه للجنس الآخر. وإذا فقد هذا النموذج يتجه إلى التوحد بأمه، وبالتالي يميل إلى حب نفس الجنس (الذكر) وهو بداية للميل لنفس الجنس.

– الانتهاك البدني أو الجنسي للطفل: تعرُّض الطفل للانتهاك البدني أو الجنسي من نفس جنسه يجعله يستمد اللذة من نفس هذا النوع من العلاقات.

– التنمر: تعرض الأطفال للتنمر من قِبل أمثاله من الذكور يدفع الطفل إلى كراهية جنسه، إلا أنه عندما يكبر يبدأ يبحث عن الحب والأمان لدى الذكور، وذلك لتعويض ما افتقده أثناء الطفولة.

– رفض الشخص لصورة جسده: وقد يلعب الوالدين دورًا رئيسيًا في تكوين هذه الصورة غير المقبولة لديه، وذلك بترديد الرسائل السلبية له.

– الإعلام ودوره في تدعيم المثلية: وذلك بعرض الأفلام الكارتونية التي تدعم هذا التيار وتعمل على اختراق عقول أطفالنا بمنظومة قيم تؤثر على تشكيل ضمائرهم ووجدانهم وحديثهم حتى يعتادوا على هذا النمط الجديد. وقد لوحظ أن الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة أمام مثل هذه الأفلام هم أكثر عرضة للجنسية المثلية.

– دور أجهزة الدولة في مواجهة التيار الهوية والمثلية الجنسية: لا بد أن ترك أن هناك تيارًا زاحفًا على البشرية هدفه تدمير الكيان الإنساني وبالأخص الأسرة، وهو تيار شيطاني يدمر عقول الأطفال ويخترق حياتهم النفسية لا شعوريًا ويشوه هوياتهم. وهذا التيار يعمل على تغيير منظومة القيم ويفرض مبادئ ضد الحق الكتابي والطبيعة الإنسانية. لذلك لا بد من تكاتف جميع أجهزة الدولة بما فيها الأسرة والمجتمع والكنيسة والإعلام.

– الأسرة: لا بد أن تقوم بدورها في العمل على تنمية الصحة النفسية لأطفالنا، وذلك بتقوية جهاز المناعة النفسية والأخلاقية للطفل عن طريق تدريبه على مهارات الحياة التي تمكِّنه من مواجهة هذا التيار العالمي الفاسد.

– المجتمع: عليه إتاحة الفرص أمام الأطفال والشباب كي يعبِّروا عن آمالهم وطموحاتهم ومنحهم القدرة على رفع مهاراتهم وإمكانياتهم النفسية، وذلك لبناء أجيال ناجحة لديها معرفة بهوياتها.

– الكنيسة: على الآباء الكهنة والخدام العمل على احتواء شبابنا وأطفالنا، وذلك بترسيخ المبادئ الكتابية وزرع قيم الملكوت، كالحق والصدق والقداسة، في أذهان شبابنا ومساعدتهم على إقامة علاقة حية مع الآب السماوي القدوس.

– الإعلام: لا بد أن يعمل على فضح هذا المخطط الشيطاني، وذلك بالقيام بدوره كرقيب على كل ما يُعرض على الشاشات التليفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي.

إن تكاتف أجهزة الدولة ضد هذا التيار الشرس يعمل على فضح الأجندة الشيطانية التي تعمل على تدمير البشرية.

– وأخيرًا، لا بد من رفع صلاة حارة للإله الحي حتى يملك على أذهان أجيالنا الحالية والمستقبلية ليفتح عقولهم وينير أذهانهم ويمنحهم روح التمييز والحكمة لمعرفة الحق الذي يطرد الظلمة.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا