انتصارات القيامة

37

د.ق. جورج شاكر

عندما ارتفع صليب الرب يسوع فوق هضبة الجلجثة ظنت جحافل الشر في يومها أنها انتصرت على كل القيم الروحية، وكل المعاني الحلوة. ونحن نرى في قيامة فادينا الحبيب عدة انتصارات نذكر منها الآتي:

    أولًا: القيامة انتصار الحب على الكراهية:

نعم! كانت قيامة الرب يسوع في مضمونها وفاعليتها ورسالتها انتصارًا واضحًا للمحبة على الكراهية، ظهر هذا عندما استل بطرس سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه، كان سلاح يسوع الحب، كان يدرك الطريق ويعرف النهاية، والغاية، وفوق الصليب، وهو يتلوى من الآلام المبرحة، وتحيط به أحقاد الحاسدين، وشرور الآثمين، وخيانة المجرمين، رفع صلاته المشهورة “يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون” (لو23: 34).  وبعد أن مات وقام ظافرًا منتصرًا على الموت، لم يفكر في عقاب مَنْ صلبوه، لكن أعلن حبه وغفرانه للعالم كله.

ثانيًا: القيامة انتصار الحق على الباطل:

عندما تجسد الرب يسوع أعلن لنا الحق عن الله وعن الإنسان وعن الحياة وعن الأبدية، بل كان هو في ذاته الحق متجسدًا، ولذلك قال “أنا هو الطريق والحق والحياة ” (يو14: 6)، كما قال: “وتعرفون الحق والحق يحرركم” (يو8: 32).

ولكن رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب تآمروا عليه، وبدا للعالم آنذاك أن الباطل يمكن أن ينتصر على الحق، لأن الأشرار يرسمون خططهم ويحبكون مؤامراتهم ويشترون الذمم بأموالهم، يفرضون بجبروتهم وأهوائهم، وصدر الحكم بعد محاكمة هزلية صورية دافعها الحقد والأنانية، وتؤكد الفساد الذي ساد النظام، وقد كان صلبوه.. ودفنوه، ووضعوا الحجر الكبير على قبره وظنوا أنهم قد تخلصوا منه، واستراحوا من صوت طالما كان يوبخهم وينذرهم ويكشف عريهم وخزيهم.

ولكن في فجر الأحد قام المسيح، وبقيامته أعلن لنا أن الحق لا يموت، وصوت الحق لا يمكن أن يخفت، وأن الحق أقوى من الباطل بما لا يقارن.

ثالثًا: القيامة انتصار الحياة على الموت:

نعم! أعتى وأعدى عدو للإنسان هو الموت، حتى أن الرسول بولس يقول آخر عدو يُبطل هو الموت (1كو15: 26).

إنه العدو الذي بسط سلطانه البغيض على الجميع فامتدت قبضته الرهيبة إلى البشرية جمعاء، فلم يفلت واحد من براثنه الجبارة، إنه ملك الأهوال، مجرد ذكر اسمه يزعج الإنسان، ويتصاغر أمامه الأبطال، فلا أحد يعرف ماذا بعد الموت؟ فالموت له، رهبته وقسوته.

ولكن في ملء الزمان جاء الرب يسوع المسيح وبعد حياة قصيرة على الأرض حافلة بالعطاء، قدم حياته طوعًا واختيارًا إلى موت الصليب، لكي يعطينا الحياة، وبالفعل أمات الموت بموته، فمكتوب أبطل الموت وأنار لنا الحياة والخلود (2تي1: 10)، وقام ظافرًا منتصرًا هاتفًا “أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية” (عب2: 14).

إن قيامة المسيح من الموت أعلنت أن الكون لم يعد خاضعًا لقانون الموت، وأن الإنسان لم يعد يولد تحت ظل الموت. نعم! في يقيني أن كل ما تبقى للموت بعد قيامة المسيح هو ما فينا من تراب فقط حيث يعود التراب إلى التراب الذي أُخذ منه، أما نفوسنا الحية في المسيح لن ترى ظلمة القبر أبدًا بل من نور إلى نور تنطلق، ومن مجد إلى مجد تنتقل.

رابعًا: القيامة انتصار الخير على الشر:

عندما كان الرب يسوع بالجسد على أرضنا، كان يجول يصنع خيرًا (أع10: 38)، عاش يزرع الحب، ينثر العطف، يبذر الرفق، يمنح الحنان.

كم من معجزات صنع..؟! كم من أمراض شفى…، كم من دموع كفكف؟! كم من قيود حطم، كم من جراح عصب، كم من جياع أشبع؟! كم من متعبين أراح؟!

 وفي فجر الأحد قام المسيح من الأموات وأثبت للملا أن الخير حتى لو انهزم في جولة أو في جولتين لكن النصر النهائي للخير على الشر وللجمال على القبح وللنور على الظلمة.

 خامسًا: انتصار النور على الظلام:

لقد تنبأ إشعياء عن الرب يسوع قائلاً: “الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا، والجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور (إش9: 2).

وقد أعلن يسوع في يوم من الأيام قائلاً أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل تكون له نور الحياة، وقال أنا قد جئت نورًا للعالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة (يو12: 46). لكن وآسفاه أحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة، لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور ولا يأتي إلى النور لئلا توبخ أعماله (يو3: 19، 20) وتكاتفت جحافل الظلم والظلام وأعلنت عن كراهيتها للنور وترجمت هذا الاتجاه في قصة الصليب.

نعم! لقد خيم الظلام على الأرض، وكأن الطبيعة تتشح بالسواد في حزن عميق وهي تشاهد رب الطبيعة في آلام فوق حد التصور. وفي فجر الأحد قام نور العالم من الأموات وأشرق شمس البر بنوره وضيائه على العالم الظالم والمظلم. إن قيامة المسيح أعلنت انتصار النور على الظلام.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا