العدد 117 الصادر في يونيو 2015 انتبهوا أيها السادة الحرب الأهلية آتية لا محالة!
في حديث صحفي مع الإعلامي عماد توماس في موقع الأقباط متحدون والمنشور في يوم الأحد 5أبريل 2009 ، أي قبل ثورة يناير 2011 بأقل من سنتين، سئلت إذا كان التغيير في مصر سيأتي من القيادات أو من عامة الشعب، أكدت لمحاورى أن التغيير في مصر سيأتي 80 ٪ من رجل الشارع العادي، أي من الشعب و 20 ٪ فقط من القيادات، وهذا ما حدث بالضبط أن التغيير الذي تم في يناير 2011آتى نتيجة تحرك رجل الشارع العادي الذي أصر على خلع الرئيس الأسبق مبارك، ورجل الشارع العادي هو أيضًا الذي خلع مرسى ولولا رجل الشارع لما استطاع السيسي بكل حكمته وفطنته أن يخلع مرسى مساهمًا في القضية بال 20% ، وما أدل على ذلك من طلب السيسى من الشعب المصرى العظيم أن ينزل إلى الشارع ليقول كلمته ويعطيه تفويضًا على حد قوله للتدخل بتغيير الأوضاع في مصر وقد كان له ما أراد من الشعب وكان للشعب ما أراده من السيسي.
ولست أدري لماذا تذكرت هذا الحديث عندما كنت أفكر في أحوال الأقباط المتدنية في مصر ورأيتني على يقين أن الحرب الأهلية في مصر آتية لا محالة، وستأتي شرارة البدء بها، كما بدأت في ثورة يناير 2011 ، ستأتي في هذه المرة أيضًا من رجل الشارع القبطى العادي، البسيط والمسالم، والخاضع وفي كثير من الأوقات الخانع، والذي فرط في حقوقه لقرون طويلة تزيد على أربعة عشر قرنًا من الزمان، وحاولت أن أضع توقيتًا زمنيًا للفترة المتوقعة لبداية هذه الحرب، فلم أستطع تحديدها بالضبط ولست أظن أن أحدًا غيرى يستطيع، فهناك دلائل تقول إنها ستكون في غضون العشرة أعوام القادمة وهناك مؤشرات تقول لا ليست أقل من 20إلى 25 سنة أخرى حتى يحدث هذا الشئ، فالشعب القبطي المسالم والذي يؤمن بالمكتوب: “أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا لمبغضيكم صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم”، والذي تحمل العناء والتمييز العنصرى والدينى وما وضع على رقبته من سيوف وأنيار حتى عرف بالعضمة الزرقاء لن يثور سريعًا وقد لا يثور إلى الأبد، ولكل أسبابه وملاحظاته وقناعاته في الميل لرأي أو آخر، لكن الشئ المؤكد وبغض النظر عن متى تكون بدايتها هو أن “الحرب الأهلية آتية لا محالة!” وبينما أنا متفكر بهذه الأمور في ساعة الغداء التي أحاول أن أستريح بها من عناء نصف يوم من التركيز في معالجة المرضى، إذا بي أشاهد الزميلة الدكتورة منى روماني في برنامجها المميز “ نافذة على الأحداث” بقناة الكرمة الفضائية وهي تتحدث مع الأنبا أغاثون أسقف مغاغة والعدوة عن أوضاع الأقباط في مصر وخاصة في محافظة المنيا، وعندها أدركت أن الحرب الأهلية آتية لا محالة، وستأتي بأسرع مما أتوقعه أنا وما يتخيله أي إنسان غيرى. فهذه هي أول مرة أسمع أنا فيها أسقفًا يتكلم علانية في وسائل الإعلام عن الاضطهاد في مصر بحقائق صريحة واضحة وحالات موثقة وأرقام وتواريخ وأسماء مسؤلين ووظائفهم وأعمالهم الشريرة، وأيضًا مستخدمًا أسماء ومواقع تواجد المظلومين المقهورين من الذين اعتدى عليهم بطريقة أو أخرى، فسجنوا أو اغتصبت أملاكهم أو شردوا من أماكنهم أو خطفت بناتهم أو أولادهم أو نساؤهم وهذا مؤشر خطير عبرت عنه الزميلة المحاورة أكثر من مرة في قولها: “ الكيل طفح” وزادت الأمور عن حدها. ومن المعروف أن الثورات في حياة الشعوب وخاصة وسط الأقليات في الشعب الواحد لا تحدث إلا عندما يطفح الكيل وينقطع كل رجاء في إصلاح الأمور أو تغييرها للأحسن. فيقول الأنبا أغاثون في حديثه للدكتورة منى أنه اجتمع في يوم 25أبريل مع قيادات الأمن في المنيا وهم مدير الأمن الوطني، ومدير المباحث الجنائية ومسؤل الأمن العام ومسؤل الشئون الدينية في الأمن الوطنى في مكتب مدير الأمن وآخرين وسلم كل منهم ملف خاص بالأقباط يتضمن خمس مشاكل كبرى للأقباط، وهي كما جاء على لسانه مشكلة الكنائس، مشكلة خطف الأقباط، فهناك 4 حالات معروفة ومبلغ عنها، ومشكلة اختفاء القاصرات والسيدات والشباب وتم تقديم 21 منهم بالإسم، ثم ملف البلطجة والاستيلاء على أراضي الأقباط، هذه الحالات كلها في محافظة المنيا فقط، وبالطبع هذه الحالات المعروفة والمعلن عنها والمبلغ عنها لأقسام البوليس والكنائس، أما ما خفي، فكان أعظم، ويقول الأنبا أغاثون إن ما يحدث في مغاغة يحدث في أوبروشيات المنيا السبع، ويقول نيافة الأسقف حرفيًا: (إن كنيسة العذراء في قرية صفانية العدوة ليس بها دورات مياه، وحاولنا مرارًا وتكرارًا نعمل الدورات، لكنها كلها باءت بالفشل)، وبينما أستمع لهذه المعلومات من غبطة الأسقف كنت أتساءل مع نفسي قائلاً: أليس من المضحك المبكى أن يكون جزءًا من معاناة الأقباط في مصر، يدور حول التصريح لهم بعمل دورات مياه في كنيسة، هل من عاقل في المسؤلين المصريين يستطيع أن يعرف أن وقتهم أثمن من الكلام والبحث والاجتماع حول حل مشكلة بناء دورات مياه في كنيسة، أو حتى مشكلة بناء كنيسة بأكملها، بينما العالم يجتمع لاكتشاف المجرات الفضائية السماوية والوصول إلى كواكب أخرى؟! ، ألا يعلمون أن هناك وسائل أخرى يمكنهم أن يضطهدوا بها المسيحيين ويقللوا من كنائسهم أكثر احترامًا وواقعية من التمسك بعدم بناء دورة مياه في كنيسة؟! ، ويقول نيافته: “أنا قلت لهم (لمسؤلى الأمن الذين اجتمع بهم) صراحة أنتم ليست عندكم نية للحل، ويضيف: “لأنهم هم (الأمن المصرى) هم المعتدون علينا في دار القديس يوسف في ميانة، قالوا لنا اجلسوا مع الإخوة المسلمين وشوفوهم عايزين كنائس ولا مش عايزين كنائس، فقلت لهم إن المشكلة ليست مع المسلمين، المشكلة معاكم أنتم، فهل إخوتنا المسلمون بيستأذنونا لما يبنوا مسجدًا؟! ، وكم تعجبت أنا كاتب المقال من طلب رجال الأمن من المسؤلين في الكنيسة أن يسألوا المسلمين إن كانوا عايزين أو بالحرى موافقين على إنشاء كنيسة في قريتهم أم لا، وإنني لأرى أنه بالمنطق البشري البسيط، لماذا يوافق المسلمون في أي مكان في العالم على بناء كنيسة وخاصة إذا كانت يعلوها صليب كالعادة وهم لا يؤمنون بالصليب ولا برب الصليب، ولماذا يوافقون وفي تعاليمهم التى ورثوها عن السلف أنه عند فتح مدينة ما لا يبنى بها كنائس، والقائمة تظل كما هي حتى تنهار ولا يسمح ببناء غيرها في مكانها وكل كنيسة بنيت بعد الفتح الإسلامي لأي مدينة لا بد أن تدمر، كيف يوافق المسلمون على بناء الكنائس وهم يؤمنون أن الدين عند الله الإسلام ومن يبتغي غير الإسلام دينًا لا يقبل منه يوم القيامة؟! ، فلو كنت مسلمًا، لما وافقت على الإطلاق بأن تقام كنيسة في قرية أو مدينة قمت باحتلالها أو فتحها أو إنشائها، ولو كان الأمر لنا كمسيحيين وكنا لنسأل: إذا كان من الممكن أن يبنى المسلمون جامعًا في مدينتي أو قريتي، لما قبلت ذلك أبدًا، فلماذا نلومهم إن أصروا على أن لا تقام كنيسة على أرض قريتهم؟ ، لكن الفرق الوحيد بيننا وبينهم في الحكم على بناء الكنائس أو المساجد هى أن الأرض أرضنا، والتاريخ تاريخنا والدين ديننا قبل أن يغزوا ويفتحوا بلادنا وهذا ما يجعلنا نشعر بالظلم والقهر والاضطهاد، فلو كانت في الأصل أرضهم ونحن جئنا لهم فاتحين أو غازين أو محاربين، لكان لهم كل الحق أن لا يسمحوا لنا ببناء الكنائس، لكن أن تأتي إلي وتحتل أرضي وتهدم كنائسي وتمنعني من ممارسة عبادتي وتحرمني من بناء كنيستى والصلاة فيها، فهذا ما يجعل الحرب الأهلية تأتي لا محالة، ثم إن كان رجال الأمن جادين حقًا في معرفة رأي المسلمين في بناء كنيسة، فلماذا لا يستفتونهم هم ثم يتخذون قراراتهم في بناء الكنائس؟ ، وإن كان الأمر كذلك، فما دور مباحث الأمن إذًا في الموضوع؟ فهل يعلو صوت ورأي الشعب، حتى لو كانوا مسلمين على صوت ورأي رجال مباحث أمن الدولة؟ ويستكمل الأنبا أغاثون حواره بالقول: قلت لهم إحنا كأقباط بشر وبتأخذنا الغيرة، لما نجد المسلمين بيبنوا المسجد متى شاءوا وكيف شاءوا وأين شاءوا والحكومة بتساعدهم، وإحنا لا بالقانون عارفين نبني، ولا بالود عارفين نبني والقائم (أي الكنائس القائمة) بيغلق، ويقول غبطته: “في ليلة عيد القيامة بالليل، وإحنا بنصلى، تم الاستيلاء على ثلاث قطع لسيدات أقباط بجوار المطرانية، ويقول نيافته: “قبل ما نغادر المكان (أي المكان الذي كان مجتمعًا فيه مع مسؤلي الأمن في المنيا)، جاء تليفون يقول لنا إن أحد قيادات الأمن طلب من شيخ الغفر في القرية أنه يجتمع مع كل العائلات المسلمين المتشددين ويقول لهم أنتم هتقفوا مع المطران والكنيسة ولا مع الأمن؟ تعالوا قولوا مش عايزين كنيسة. ويؤكد الأنبا أغاثون أن من بين القاصرات المسيحيات المخطوفات طفلة عمرها ٧ سنين، وأن كل حالة لها ملف، ويقول لما ييجي حد يبلغ عن واقعة، أقوله روح اعمل بلاغ الأول، البيانات اللي قدمناها موثقة”، لقد ذكر نيافته كثيرًا من الحقائق التى يشيب لها الولدان، لكن في ختام حديثه لخص لنا الحقائق التى أرى أنها ستكون المسبب الأول لاشتعال “الحرب الأهلية الآتية لا محال” قال غبطته: “المواطن القبطى محبط، ليس من الحكمة أن هذه الأمور تترك، وليس من الحكمة أن الشرطة تتعدى على الأقباط في هذا التوقيت، لكن لما آجي كشرطة وأعتدي على دار تبع الكنيسة، إحنا خايفين من شئ، صحيح المواطن القبطى مسالم، لكن في غياب القانون ندفع المواطن القبطي يدخل في مشاكل مع المتشددين، نحن نرفض تمامًا أن تكون حقوقنا تحت يد الغير، أو تحت أي مواطنين، حتى لو كانوا أقباطًا، فكم وكم إن كانوا مسلمين؟! (إلى هنا تمت أقوال غبطة الأنبا أغاثون). ولعل كلمات الأنبا أغاثون التى قالها وهي أنهم خائفون لئلا يدخل المواطن القبطي المسالم في مشاكل مع المتشددين هي بيت القصيد في هذا المقال وهي في ترجمتي أنا للحديث،إنه يخشى من قيام الحرب الأهلية الآتية لا محالة بين المسيحيين والمسلمين.
لقد كان هذا الحديث في قلبي وفي عقلي كالحجر الذي ألقي في مياه عكرة راكدة، ومليئة بطين الذكريات والخبرات الشخصية مع البوليس المصرى، وبالذات مع بوليس المنيا البلد التى أثق أن بها أكبر عدد من المؤمنين المسيحيين الحقيقيين، الرجال بكل معنى الكلمة ربما أكثر من أي محافظة أخرى، ذكرني هذا الحديث بزيارة القس الأرميني اللبناني الأمريكي صموئيل دكتوريان الذي استخدمه الرب بقوة في مصر لبركة آلاف النفوس، كانت زيارة القس صموئيل دكتوريان بدعوة من اتحاد الشباب المسيحي في مصر الذي شرفني الله بتأسيسه منذ 1981 ورئاسته حتى اليوم، كنت قد قررت بإرشاد من القدير أن أعقد اجتماعات انتعاشية للقس دكتوريان في كنائس كثيرة من الطوائف والمذاهب المسيحية المختلفة في مصر، وبالطبع كانت بني سويف والمنيا وأسيوط تتصدر قائمة المحافظات التى قررت أن أعقد بها الاجتماعات، وفي المنيا استقر الرأي على استخدام قاعة الYMCA ذهبت للمنيا وقابلت موظف الاستقبال هناك وكان اسمه أُميل (حسب نطق أحبائنا المنياوية) وهو مسيحي الديانة، وسألته عن إمكانية حجز قاعة ال YMCA لعقد اجتماع مسيحي لاتحاد الشباب المسيحي في المنيا، أتذكر شكل الأستاذ أُميل حتى الآن، نظر إلي الرجل وكأنني ألقيت على وجهه وعقله زجاجة مليئة بماء النار، قال لي سيادته بعد فترة من الصمت والتعجب، يا دكتور إحنا ما نقدرش نحجز لك القاعة إلا إذا جبت تصريحًا مكتوبًا ومختومًا من مباحث أمن الدولة، كنت أعرف وأعتقد أنه أيضًا كان متأكدًا أن ما يطلبه مني هو درب من دروب المستحيل، حاولت أن أفهمه أنه على كل حال إذا عقدنا هذا الاجتماع في أي مكان في المنيا، لا بد أن نخبر مباحث أمن الدولة والحصول على موافقتهم، فهذا طبيعي، لكن أنا أريد أن أضمن أولاً أن المكان متاح لنا في هذا التاريخ وأنكم موافقون على استخدامه وكم هي تكلفة حجزه وهكذا وعندما أحصل على التأكيد بحجز المكان، سأبلغ مباحث أمن الدولة، عبثًا حاولت أن أقنع الأستاذ أُميل بوجهة نظري، فكنا كمن يريد أن يكتشف أيهما جاء أولا البيضة أم الفرخة! فهو لا يريد أن يتكلم في الموضوع إلا بموافقة أمن الدولة بخطاب رسمي موقع ومختوم من المسؤل عن شؤون الكنائس بمباحث أمن المنيا، وأنا أحاول أن آخذ منه تأكيدات بالحجز، حتى يكون لدي معلومات مؤكدة أقدمها لهم، وعندما فشلت في إقناع الأستاذ أُميل بوجهة نظري، رجعت إلى قواعدي سالمًا بالقاهرة واضعًا الأمر بين يدي الإله القدير الذي لا يعثر عليه أمر، وفي اليوم التالي مباشرة اتصل بي المقدم (يومئذ) رجب عبد الحميد رئيس مكتب شئون الكنائس بمباحث أمن الدولة في القاهرة وطلب منى الحضور إلى مكتبه بمبنى لاظوغلي، وما أدراك ما كان ولا يزال يحدث في مبنى لاظوغلي ذاك الذي لخصه بطريقته الكوميدية الفنان عادل إمام في مسرحية الزعيم، وبعد الترحيب اللائق بي من قبل الضابط رجب عبد الحميد، ولإحقاق الحق أقول إنه كان لطيفًا جدًا معي في كل مرة تقابلت معه، سألني قائلاً: د. ناجي مين “ماجي” اللي بتشتغل معك في الاتحاد؟ ، حاولت التركيز قليلاً، فلم أجد في ذاكرتي من تسمى بماجي والتي قال سيادة المقدم إنها تعمل معي في الاتحاد، قلت له: “ماجي، أنا ما عنديش حد اسمه ماجي بيشتغل معايا في الاتحاد” قال: “لا عندك وحده اسمها ماجي بتساعدك في الاتحاد، أفتكر كويس”، قلت له: “ يا باشا أنا بقول لك ما عنديش واحدة اسمها ماجي ولا أعرف واحدة اسمها ماجي خالص لا في الاتحاد ولا برة الاتحاد!”، قال أنا متأكد أن عندك واحدة بتعمل معك في الاتحاد اسمها ماجي” قلت له: خلاص سيادتك مباحث الأمن وتحرى عن ماجي ولما تلاقيها واجهني بيها لأتعرف عليها”، نظر إلي مرتابًا فقلت له: “ سيادتك ممكن تقول لي إيه الموضوع من الآخر وأنا هقول لك كل التفاصيل اللي عايز تعرفها!!”، سحب سيادته ورقة من درج مكتبه وأراني إياها، كانت الورقة مذكرة من مكتب شئون الكنائس بمباحث أمن الدولة بمحافظة المنيا مكتوب بها ما ملخصه: إنه حضر اليوم إلى المنيا الدكتور ماجي يوسف لحجز قاعة بيت الشباب بالمنيا لعقد اجتماع و.. و.. و.. وإلخ”، ضحكت بأعلى صوتي وقلت له: أنا أحل لك هذا اللغز، يبدو أن الأستاذ أُميل الذي أبلغ ضباط الأمن بالمنيا أخنف أو ربما كان مصابًا بالإنفلونزا، فبدل من أن يقول لهم في التليفون إن الذي جاء إليه وتحدث إليه في هذا الشأن هو الدكتور ناجي يوسف، قال الدكتور ماجي يوسف، لأني أنا الذي كنت بالمنيا وأنا الذي قابلت الأستاذ أُميل وأنا الذي طلبت منه حجز القاعة وكنت وحدي ولا أعرف من هي ماجي”. ضحك سيادة المقدم وقال يبقى فعلاً الراجل كان أخنف. أو الضابط سمع غلط، إن ما جعلني أتذكر هذه القصة وأذكرها بالتفصيل هو محاولة إجابتي على عدة أسئلة أثارتها المقابلة مع الأنبا أغاثون، وأهم هذه الأسئلة هو لماذا قمنا بالثورة كشعب مصرى عامة، مسيحيين ومسلمين؟ ، ولماذا اشتركنا نحن المسيحيين في هذه الثورة؟ ، ولماذا كنا كمسيحيين الشرارة الأولى التى ألهبت نار الثورة؟ ، وماذا جنينا من الثورة؟ ، وماذا كنا نتوقع أن نحصل عليه من بدء الثورة والاستمرار بها حتى تمت؟ ، بأي شكل من الأشكال إن بنجاح أو فشل أو ما بينهما، فنحن نفترض أننا قمنا بالثورة لأسباب كثيرة منها أن نغير من معاملة البوليس المصرى ومباحث أمن الدولة مع المواطن المصرى عامة ومع المسيحيين خاصة، وأن نعطى حريتنا في العبادة والمساواة على الأقل في بناء الكنائس مع شركاء وطننا المسلمين، ولماذا شارك البطريرك الأنبا تاوضروس في الاجتماع الذي عقده المشير السيسي للإعلان عن خريطة الطريق، أليس للتأكيد على أن المسيحيين جزء لا يتجزأ من نسيج مصر القبطية، وأنهم على استعداد أن يفدوا مصر بأرواحهم وأجسادهم إن لزم الأمر، فما الذي تغير اليوم، ملاحقات ومطاردات الأمن المصرى للمسيحيين والخدام والكهنة والكنائس زادت عن أيام الأستاذ أُميل، نفس الحجج الواهية والطلبات السخيفة التى يجاب بها على كل مطالب المسيحيين منذ عهد الخديوي إسماعيل وحسن البنا ومن جاءوا بعده، وزاد على ذلك غياب القانون وإحالة أوراق المسيحيين إلى جلسات العار والصلح التى تذنب البرئ وتبرأ المذنب ومازال مباحث أمن الدولة يمنعون بناء وترميم دورات المياه، ولا زلت أحتفظ بلقطات من فيديو صورته في إحدى زياراتي لمصر من أكثر من 15 سنة لدورة مياه مهدمة ومبعثرة الحجارة في كنيسة رسولية من كنائس قرى محافظة المنيا وأتذكر يومها عندما رأيت تلك الكنيسة أنني وضعت يدي في جيبي وكنت على وشك أن أعطي قسيس الكنيسة ما يكفي لبناء دورة مياه جديدة، لكن القسيس أمسك بيدي قبل أن أخرجها من جيبي وقال لي: أخ ناجي المشكلة مش في الفلوس اللي محتاجينها لبناء دورة المياه، إحنا معانا المبلغ اللازم، سألته في غفلة منى: طيب ليه مش بانين دورة المياه؟! عندكم دورة أخرى؟ قال القسيس لا، هذه دورة المياه الوحيدة التى يستخدمها الجميع رجال وسيدات، قلت وكيف تركتموها تتهدم بهذا الشكل؟، أين يقضي الناس حاجتهم في أثناء تواجدهم بالكنيسة؟، قال القسيس بكل أسف، دورة المياه كانت سيئة للغاية، المياه ترشح وتتساقط من سطحها، وجدرانها متآكلة فحاولنا ترميمها، لم أنتظر حتى يكمل قلت: “علشان كده هديتوها بدل ما ترمموها وسبتوها كده، لا رممتوها ولا بنتوها!!” ابتسم القسيس ابتسامة حزينة وقال: “ إحنا ما هديناهاش، إحنا حاولنا نرممها وفوجئنا بمأمور القسم يدخل علينا بعمال ومعاول وآلات للهدد ولم يتركوا حجر على حجر كما ترى، وهو واقف مع قوة بوليسية لحراسته وبعد أن انتهى الهدد، قال لي لو راجل تبنيها وانصرف وعلى هذا الحال، فلم نتمكن من أخذ موافقة سيادته منذ أكثر من شهرين. والنتيجة التى وصلت إليها أن شيئًا لم يتغير في ملف الأقباط في مصر لا في بناء الكنائس ولا ترميم دورات مياها حتى الآن.
وقد يسألني سائل: ترى لماذا الإصرار على حتمية حدوث الحرب الأهلية؟ ، التى أصلى من كل قلبي أن لا تحدث، لكن ما أراه هو أن “ الحرب الأهلية آتية لا محالة”. وللسائل والمحلل المفكر أقول: إن حتمية حدوث الحرب الأهلية هي للأسباب التالية:
1 – إن الحرب الأهلية لا يمكن تجنبها إلا إذا تغيرت ضمائر وأخلاق وقناعات المسلمين من ناحية المسيحيين واقتنعوا بما يسمى بحقوق الإنسان وبحقوق المسيحيين أن يعيشوا في أرضهم التى توارثوها عن أجدادها، برغم من اختلافهم معهم في كل شئ، وهذا لا يمكن أن يحدث، فهذا يحتاج إلى تغيير المجتمع المصري كله، والمحبة بين المسلمين والمسيحيين لا يمكن إلا أن تسكب في قلوب الجميع بالروح القدس، أي روح الله سبحانه وتنازل إلينا، فينتقلون من الظلمة إلى النور ومن الموت إلى الحياة، وحيث أن الأحباء المسلمين لا يؤمنون بأن الله روح،إذن فلن يكون هناك تغيير، لكن لا يستحيل على الرب شئ، وهو الذي يقول للشئ كن فيكون.
2 – لأن المسيحيين لا يمكن أن يبقوا في حالة الاضطهاد والمعاناة المستمرة إلى الأبد، فأولاد المقتولين والمخطوفين والمظلومين بدءًا من شهداء الزاوية الحمراء مرورًا بالكشح، حتى يومنا هذا هم قنابل موقوتة، ستنفجر في وقت ما، لأنهم يعيشون هم أيضًا تحت هذه الضغوط بعينها، والذين يتلوون من الألم في الكنيسة بسبب احتياجهم لدورة المياه المهدومة في كنائسهم ويضطرون أن يرجعوا إلى بيوتهم، التى قد تكون ليست بقريبة سيرًا على الأقدام لقضاء حاجاتهم، سيفكرون في كل خطوة يخطونها في كيف ينتقمون من هذه الحكومة أو البوليس وغيره وسيصرخون للقدير للتدخل ولا بد للقدير أن يسمع، فهو السميع العليم سبحانه، المكتوب عنه إنه يسمع صراخ المسكين حتى لو لم يكن مسيحيًا.
3 – ليس هناك من حكومة أو رئيس أو حتى تحالف دولي يقدر أن يغير الإنسان من الداخل، حتى يقبل أخاه الإنسان، ولن تتغير اتجاهات القلوب لا بالتهديد والوعيد أو اللطف واللين ولا الشرائع والقوانين، لذا فأنا أرى أن مناشدة الرئيس السيسي بالتدخل في الأمور الحادثة للمسيحيين في المنيا وغيرها أمر لا طائلة منه! فهو لن يستطيع أن يعمل كل شئ بنفسه وهو محاط بقناعات وآراء ومراكز للقوى كأي رئيس آخر ولذا فلا بد له من الاعتماد على مباحث أمن الدولة والأمن العام و.. و.. و.. و..، في تنفيذ أوامره وهم أصل المشكلة المزمنة وهم أيضًا مسلمون وأهاليهم هم سكان القرى التى تعترض على بناء أو ترميم الكنائس وتطلب إغلاق المفتوح منها.
4 – إن الله يسمع صلاة المضطر والمضطهد والمضغوط والمسكين من كل أمة وشعب ودين ولسان، فكم وكم من أولاده المؤمنين به، سبحانه وهو يتدخل في الأمور بكل قوة، وعندما لا يسمع الإنسان الظالم صوته الرقيق، سبحانه ويرجع عن شره وعناده وتصلفه، فلا بد له أن يتدخل سبحانه، بضربات وأوبئة وزلازل ومجاعات ويترك أمة تقوم على أمة ومملكة على مملكة تمامًا كما حدث مع شعبه إسرائيل في القديم، الذين استخدمهم في تأديب وإفناء شعوب كانت حولهم وتطاردهم، وهكذا استخدم الأمم الذين حولهم في تأديبهم عندما ضلوا وأعطوه القفا لا الوجه، ولا زال الأمر بأن يضرب الرب مصر ضاربًا فشافيًا ساري المفعول إلى الآن وسيظل حتى يأتي من له الأمر، سبحانه.
5 – لم تعد قصص الاضطهاد والعدوان والقهر والخطف والأسلمة للمسيحيين تجرى في الخفاء، فالعالم اليوم قرية صغيرة والإنترنت كشفت المستور والكنيسة اليوم برياساتها تجد نفسها مضطرة بالرغم من خوف قياداتها من رجال الأمن أو مجاملة بعضهم ومحاولة الاصطياد في الماء العكر، ليكون هو اللاعب الأوحد على مسرح الأحداث في مسلسل الرعب الذي نعيش فيه، الكنيسة مضطرة أن تخرج للفضائيات والقنوات التليفزيونية للتكلم بالتفصيل عن الأمور التى كانت تهمس بها في الخفاء من قبل، وإنني لأنبه مباحث أمن الدولة ليس في مصر وحدها بل في جميع البلاد العربية بأن لا تستخفوا بتأثير الفضائيات المسيحية، ولا تصدقوا أن هذه الفضائيات محدودة التأثير في الشارع المصرى، فلربما تفكرون أن المسيحيين لا يتعدون ال 15 ٪ من سكان مصر وهذه نسبة ضئيلة بالمقارنة بعدد المسلمين فيها، وأن المسلمين لن يستمعوا لمثل هذه الفضائيات ولو استمعوا لن يقتنعوا بأفكار المسيحيين ولن يقبلوا إعطاءهم حقوقهم المشروعة، لذا فالأمر سيبقى على ما هو عليه للأبد، لكني أقول لا، فالمسيحيون حتى لو كانوا نسبة ضئيلة بالمقارنة بالمسلمين المصريين، إلا أن على الأقل 80 ٪ منهم يستمعون ويتأثرون وينفعلون ويؤيدون ما يعرض في الفضائيات المسيحية، لذا فأولئك يمكن حشدهم للحرب الأهلية بمنتهى السهولة، فالفضائيات المسيحية تتكلم مباشرة لأصحاب الشأن ويكفي لإشعال الحرب الأهلية أن يفيض كيل عشرة رجال ونساء ممن قتل أولادهم أو خطفت بناتهم حتى يخرجوا للشارع، للانتقام من أعدائهم، الأمر الذي سيحفز أعداءهم لمحاولة قمعهم، كما يحدث كل يوم، فينضم إليهم جماعة أخرى من المسيحيين وهكذا ستبدأ الشرارة. أما استمرارية هذه الحرب، فستكون كحروب العصابات التى تبدأ وتنتهي، ثم تبدأ وتنتهي ثم تبدأ وتنتهي على أن تبدأ ولا تنتهي. أصلى من كل قلبي أن أكون مخطئًا في تقديراتي.
وأنا أرى أن الحل كما قلت وكتبت مرارًا وتكرارًا في يد الكنيسة وحدها فهى المعطاة وحدها من الله قوة أن تدوس الحيات والعقارب وكل قوات العدو، وهي القادرة من خلال قوة إلهها أن تكون رأسًا لا ذنب، تحكم في كل شئ ولا يحكم فيها من أحد، وهي القادرة لا على استدعاء عمود النار ليلاً وعمود السحاب نهارًا بل هي القادرة على السير وراء نور العالم سيد كل الأرض المسيح يسوع، تبارك اسمه، وربما يتساءل أحد قائلاً: وما الذي يمكن أن تعمله الكنيسة في وسط كل هذا الضلال، والإجابة هي:
1 – أن تتوب الكنيسة أولاً بدءًا من رؤسائها وقادتها وتنفذ المكتوب في يوئيل الأصحاح الثاني مع استبدال كلمة إسرائيل بمصر وشعبها:
ولكن الآن يقول الرب ارجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح. 13 ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا إلى الرب إلهكم لأنه رؤوف رحيم بطيء الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشر. 14 لعله يرجع ويندم فيبقي وراءه بركة تقدمة وسكيبًا للرب إلهكم 15 اضربوا بالبوق في صهيون (في مصر) قدسوا صومًا نادوا باعتكاف. 16 اجمعوا الشعب قدسوا الجماعة احشدوا الشيوخ اجمعوا الأطفال وراضعي الثدي ليخرج العريس من مخدعه والعروس من حجلتها. 17 ليبك الكهنة خدام الرب بين الرواق والمذبح ويقولوا اشفق يا رب على شعبك ولا تسلم ميراثك للعار حتى تجعلهم الأمم مثلاً. لماذا يقولون بين الشعوب أين إلههم 18 فيغار الرب لأرضه ويرق لشعبه. 19 ويجيب الرب ويقول لشعبه هانذا مرسل لكم قمحًا ومسطارًا وزيتًا لتشبعوا منها ولا أجعلكم أيضًا عارًا بين الأمم. 20 والشمالي أبعده عنكم وأطرده إلى أرض ناشفة ومقفرة مقدمته إلى البحر الشرقي وساقته إلى البحر الغربي فيصعد نتنه وتطلع زهمته لأنه قد تصلف في عمله 21 لا تخافي أيتها الأرض ابتهجي وافرحي لأن الرب يعظم عمله. 22 لا تخافي يا بهائم الصحراء فإن مراعي البرية تنبت لأن الأشجار تحمل ثمرها التينة والكرمة تعطيان قوتهما. 23 ويا بني صهيون (يا أبناء الله الذين في مصر) ابتهجوا وافرحوا بالرب إلهكم لأنه يعطيكم المطر المبكر على حقه وينزل عليكم مطرًا مبكرًا ومتأخرًا في أول الوقت 24 فتملأ البيادر حنطة وتفيض حياض المعاصر خمرًا وزيتًا. 25 وأعوض لكم عن السنين التي أكلها الجراد الغوغاء والطيار والقمص جيشي العظيم الذي أرسلته عليكم. 26 فتأكلون أكلاً وتشبعون وتسبحون اسم الرب إلهكم الذي صنع معكم عجبًا ولا يخزى شعبي إلى الأبد. 27 وتعلمون أني أنا في وسط إسرائيل (مصر) وأني أنا الرب إلهكم وليس غيري ولا يخزى شعبي إلى الأبد. 28 ويكون بعد ذلك أني أسكب روحي على كل بشر. فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلامًا ويرى شبابكم رؤى. 29 وعلى العبيد أيضًا وعلى الإماء أسكب روحي في تلك الأيام.
2 – أن تتكون لجنة للسياسات الكنسية من الطوائف الثلاث الكبرى ويتم الإعلان عنها واعتمادها من قبل الرئيس السيسي نفسه ويكون اتصالها مباشرًا معه واطلاعه شخصيًا على كل ما يتم في الشارع الكنسي المصرى، ومع أنني لا ادعى أنه يقدر لا هو ولا غيره من الرؤساء على تنفيذ كل مطالب المسيحيين، لأن هذا يعنى أيضًا قهرًا للمسلمين، من وجهة نظرهم، الذين يعترضون على إقامة الكنائس وترميم دورات مياهها وإن فعل هذا، فستبدأ الحرب الأهلية من المسلمين وليسوا المسيحيين وأظنها قد بدأت بالفعل من هذا الاتجاه ولن تلبث ألا أن تتزايد إلى ما لا يعلمه إلا علام الغيوب وحده سبحانه. إلا إن فائدة هذه اللجنة التى لن تحل كل مشاكل المسيحيين حتى بمعاونة رئيس الجمهورية هو:
1 – أن تحتفظ لنا بتاريخ موثق من محاولات سنين وقرون للأقباط لحل مشكلاتهم لعل الأجيال القادمة تستطيع أن تصنع أمرًا جديدًا.
2 – في حالة استحالة الحصول على الحد الأدني من حقوقنا، يكون هناك توثيق لمن ولماذا بدأت الحرب الأهلية في مصر حتى لا يتهم كل منا الآخر بإشعالها.
3 – لا بد لوجود وثائق رسمية دولية عن حالة الأقباط في مصر تعرض على العالم كله حتى يواجه العالم الحقائق ويجبر على النظر في القضية القبطية كجزء من المتغيرات الدولية التى نمر بها، مع أنني أعلم علم اليقين أن العالم لن يكترث لهذه القضية. وإن غدا لناظره قريبًا.
اللهم جنبنا شر الحروب والمواجهات، وأنعم علينا بسلامك وأعنا على حل المشكلات، اللهم اسكب في قلوبنا محبتك، فنبعد عن الظلومات، ونحيا في سلام مع بعضنا ونربي أولادنا والبنات، ونبني مصرنا العزيزة ونستمتع بجمالها والخيرات، ونبذل قصارى جهدنا في مساعدة المحتاجين والمحتاجات، أنت قادر على كل شئ، فأنت رب السموات.