لماذا يسلم الله، المحب القدير العالم بكل شيء، مصر للمولى القاسي؟!
لست أدري كيف أن عضواً لا يستطع أن يصلب طوله، ويرفع رأسه، ويفتح عينيه لمدة ساعات قليلة، وفي أول تواجد له في مكان، طالما تمنى أن يدخله، ولو من بعيد ليلقي فقط نظرة عليه من الداخل، كيف لهذا العضو أن يدافع عن أمة ويناقش مشاكلها، ويتخذ لها من القرارات الصائبة، لتنصب طولها وترفع رأسها
لا شك أن لكل جماعة أو فرد منا، كمصريين، وجهة نظره فيما حدث لمصر وفيها في يناير 2011، والمعروف عند العامة بثورة 25 يناير، وتختلف الآراء والقراءات، وفقاً لتوجهات وخلفيات وطموحات الجماعات أو الأفراد، حول تعريف ما حدث في 25 يناير 2011، فمنهم من يراها ثورة شعبية كاملة ومستوفاة شروط الثورة، ويقيسها بمقياس الثورات التي قامت في عدة بلاد، كالثورة الفرنسية، وما أسموه العسكر بثورة 1952 للإطاحة بالملك وغيرها، وهؤلاء هم العامة الذين لا يعرفون لماذا قمنا بالثورة، ففي أذهانهم أنه بمجرد الإطاحة بالرئيس السابق مبارك فهذه بالنسبة لهم هي الثورة، وهذا كل ما ابتغوه وحققوه وكفى المؤمنين شر القتال.
ويرى البعض أنها كانت ثورة ناجحة بكل المقاييس، لأنها حققت لهم أحلامهم التي دآبوا على محاولة تحويلها من مجرد أحلام إلى حقيقة واقعة مثبتة، لم تتحقق من قبل منذ أن بدأ حسن البنا جماعته حتى قيام الثورة في 25 يناير. وما الصورة التي تم التقاطها لأعضاء مجلس الشعب الجديد، وقد غط بعضهم في نوم ثقيل في أول انعقاد لهذا المجلس الموقر، لخير دليل أنه بالنسبة لهم قد وصلوا إلى نهاية المطاف، والثورة حققت أهدافها،على الأقل بالنسبة لهم، فها هم أصبحوا أعضاء بل قل مُلاك مجلس الشعب الجدد،على الأقل لفترة أو أخرى من الزمان. وكأن الثورة قامت حتى يتمكن أكبر عدد من أصحاب اللحى الطويلة من دخول المجلس، وقد كان، فعاش ثوارنا الأحرار، وتحية لشهدائنا الأبرار، وتباً لأعدائنا الكفار، وفي النهاية، نحن ولحانا المنتصرون، وأنتم المغضوب عليكم والضالون. ولست أدرى كيف أن عضواً لا يستطع أن يصلب طوله، ويرفع رأسه، ويفتح عينيه لمدة ساعات قليلة، وفي أول تواجد له في مكان، طالما تمنى أن يدخله ولو من بعيد ليلقي فقط نظرة عليه من الداخل، كيف لهذا العضو أن يدافع عن أمة ويناقش مشاكلها، ويتخذ لها من القرارات الصائبة، لتنصب طولها وترفع رأسها، فلو كان بإمكاني التواجد في وسط المظاهرات في مصر، لقُدْتُ مظاهرة خاصة أمام مجلس الشعب، وأجبرت كل الذين ناموا في جلسته الأولى على الاستقالة، والنوم في بيوتهم، فهذا خير لهم ولنا وأبقى. والغالبية العظمى من المصريين طالبت بتغيير النظام، وأصبح الشعار الأشهر للثورة، الشعب يريد تغيير النظام، ومن الواضح أن كلمة النظام في أذهانهم هي كلمة مشوهة، غير معروفة، فما هو النظام الذي خرج الشعب إلى ميدان التحرير والميادين الأخرى في مصر لتغييره، ومرة أخرى أقول إن البعض فهم أن تغيير النظام هو التخلص من العائلة المالكة، عائلة مبارك وشركاه من وزير داخليته إلى رئيس وزرائه وغيرهم، لذلك فهم يرون أن الثورة حققت أهدافها، والبعض الآخر يرى أن النظام هو كل ما هو قديم وكل ما كان له صلة بالأسرة المالكة، وواضح أن هذا لم يتغير، ولا أظن أنه سيتغير بالكامل إلى ما شاء الله سبحانه وتعالى. وفريق آخر يرى أن النظام لا علاقة له بأشخاص، أحسنوا أم أساءوا في فترات حكمهم، فالنظام شيء معنوي، وما الأشخاص القائمين عليه إلا واضعي ومنفذي النظام، فالقهر والظلم واللا ديمقراطية وعدم الحرية والتمييز العنصري، بناء على الدين أو العرق وغيرها، هذا ما يراه البعض ويعبر عنه بكلمة النظام، وهؤلاء الذين يفهمون هذه الحقائق هم القلة القليلة جداً من المصريين، الذين يرون أن الثورة لم تكن في الحقيقة ثورة، والإنجازات التي حققتها لا تتناسب مع عدد الشهداء والمصابين الذين فقدوا حياتهم، إن حرفياً أم افتراضياً، بفقدهم أعينهم أو أحد أعضائهم، ولذا فلابد لهم أن يعيشوا بإعاقاتهم في بلد لا تعرف كيف تتعامل مع أبطالها، فكم بالحري مع معوقيها.
إن نظرة بسيطة على ما حدث في ميدان التحرير منذ أيام قليلة، وفي ما أسماه بعضهم الذكرى السنوية الأولى لثورة 25 يناير، لتوضح كمية الاختلافات حول ما نسميه الثورة. فيرى البعض أن ما حدث الأيام الماضية هو مجرد ذكرى للثورة، ويرفض البعض هذه التسمية بشدة، فالثورة في فقههم ما زالت مستمرة، ولم تعد ذكرى لنتذكرها كل عام، ولذلك كانت الجموع في حيرة من أن تترك ميدان التحرير أم تظل معتصمة به، لأن الثورة لم تنته بعد. ولقد هالني أن أسمع في بعض الفضائيات، السيد المتحدث الرسمي باسم حركة 6 أبريل، وهو يقول لم يظهر بعد ما سنعمله، فنحن مترددون وغير عارفين ماذا نفعل، هل سنظل في الميدان أم أن الجموع سترجع إلى بيوتها.
وفي رأيي الخاص، أن ما حدث في 25 يناير 2011، لم تكن ثورة على الإطلاق من الناحية السياسية، بل يقظة للمارد القابع في صدور المصريين، والذي خرج بكل قوة وتحدي وهيجان وفوران، ليدمر الأخضر واليابس في طريقه، ذلك المارد الذي طالما كتبت عنه ونبهت العامة والخاصة على وجوده داخل المصريين، وعلى حتمية يقظته في يوم من الأيام، وانفلاته، وعندها لن تقف أمامه لا رصاصات الأمن المركزي، ولا المدرعة الداهسة لكومة اللحم المعروفة بالمتظاهرين، ولا الخيول والجمال التي حاول النظام السابق استخدامها ضده، وهناك فرق كبير بين الثورة ويقظة المارد الساكن بداخل البشر المقهورين والمذلين. فقيام المارد دائماً ما يكون بلا خطة مسبقة للتأثير في مجريات الأمور، وتحقيق المطالب، ويفتقر للقائد الحكيم المحنك الذي يقود الناس إلى مكان معروف، ويعرف تماماً كيف يتصرف في مواجهة التبعات والاحتياجات، أما الثورة فلابد أن تتوافر بها كل ما سبق ذكره. ولا شك أن ما يسميه الكل ثورة 25 يناير، يفتقد إلى كل هذا، يفتقد الرؤية المستقبلية، والقائد، والبدائل لمن يطاح بهم نتيجة قيام الثورة، وخطة واضحة بخطوات ثابتة، فمن هم الذين بدأوا بالثورة، هل هم شباب الفيس بوك، أم مجموعة من الجياع والعطاش إلى الطعام والماء النظيف الغلابة المقهورين، أم جماعة الإخوان والسلفيين المتربعين على عرش الأحداث اليوم، والمالكين لثلاثة أرباع مقاعد مجلس الشعب، هل كانوا يعلمون أن ثورتهم ستخلع مبارك ومن معه من مناصبهم، هل كان لديهم البديل لمبارك وبدائل لكل من أطاحوا بهم، أم لم يكونوا يتوقعون أن تسير الأحداث وتنتهي كما انتهت، إذاً، ما حدث في 25 يناير 2011 ليس بثورة، بالمفهوم الكامل للثورة، بل هو انفجار للكبت الذي ملأ صدور المصريين مسيحيين ومسلمين.
أما روحياً ونبوياً، فأنا أرى أن 25 يناير كان يوم تجسد ومولد المولى القاسي، والملك العزيز، الذي قال عنه تنزيل الحكيم العليم الكتاب المقدس في إشعياء 19 والعدد الرابع “وأغلق على المصريين في يد مولى قاس، فيتسلط عليهم ملك عزيز، يقول السيد رب الجنود”، ولا عجب أن يكون شهر يناير هو الشهر الذي يضم ذكرى تجسد المحبة والسلام والحق والرحمة والخلاص والنور الحقيقي، الذي ينير كل إنسان في شخص السيد الرب يسوع المسيح تبارك اسمه، هو أيضًا الشهر الذي يولد ويتجسد فيه هذا المولى القاسي، المتنبأ عنه سابقاً بآلاف السنين، ذلك المولى الذي اتخذ شرعيته من صناديق الانتخابات المصرية، بدءًا بمعركة الصناديق، ونهاية بحصول الإخوان المسلمين والسلفيين والمتأسلمين على أكثر من خمسة وسبعين في المائة من أعضاء مجلس الشعب، أولئك الذين من المفترض فيهم أنهم يمثلون كل الشعب بكافة فئاته وطوائفه، وفى إيماني الشخصي أن المولى القاسي والملك العزيز المتنبأ عنه، ليس بشخص واحد، حاكم بأمره، بل بنظام متكامل من رئيس ومستشارين وجيش وبوليس ووزارات وبلطجية وغيرهم, فلا يعقل أن شخصًا واحدًا بمفرده يستطيع أن يتسلط على أمة بكاملها، إن لم يكن له من المؤيدين والمستفيدين والمتملقين ما يمكنه من ذلك. ومن الواضح أن أوصاف هذا المولى وصفاته قد وصفها مُجَمَعَة سفر إشعياء بكلمة واحدة وهى قاسي, وعند الرجوع لمعنى كلمة قاسي في الأصل الكتابي لها، وجد أنها تعني “صعب، متصلب، خشن، حديدي، ثقيل، معاند، متسلط ومثير مشاكل”. وواضح مما ينتظر مصر اليوم، أن الذين وصلوا ليكونوا أصحاب القرارات المتعلقة بمصير مصر والمصريين، تنطبق عليهم هذه الأوصاف بعينها، فهم يؤمنون أن الدين عند الله دينهم، وأنهم أصحاب الجنة وغيرهم هم أصحاب النار، الكفرة المشركين بالله، الذين يقولون أن الله ثالث ثلاثة، وأن عيسى ابن مريم هو الله، ولذا فلا يمكن أن يتخذونهم أولياء ولا أصدقاء، ويحق عليهم الجهاد حتى يدخلوا في دين الله، أو يقتلوا أو يدفعوا الجزية عن يدهم وهم صاغرون. وهم خشنون يقبضون على البلاد بقبضة من حديد، إذا أوتوا الفرصة أن يصلوا إلى مكان الصدارة في أية مصلحة أو وزارة أو قطر، وهم المتسلطون على خلق الله جميعاً، يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، ويقومون المنكر بأيديهم ولسانهم وقلوبهم وهذا أضعف الإيمان، يعترفون أن لله سبحانه وتعالى 99 من الأسماء الحسنى، لكنها تخلو من صفة المحبة، فالله في عرفهم ليس محبة، ويجردونه سبحانه من صفة الأبوة، فهو ليس أب للبشر، بل هو سيد ونحن عبيد ليس إلا، ومن يتجرأ من الناس في التفكير في أن المولى يمكن أن يوصف بالأب الحنون الكريم، الذي يحب أولاده الذين في العالم إلى المنتهى، وأنه يتحدث معهم فهو إله غير صامت، يكون والعياذ بالله من الكافرين، وعليه بالتوبة النصوحة والعدول عن أفكاره الشريرة، التي إن استمر في الإيمان بها يكون من المغضوب عليهم والضالين, ويؤمن هذا المولى القاسي أنه وحده على صواب، وكل ما عداه فباطل، يؤمن أنه لابد أن ينشر أفكاره وإيمانه ويفرضها على الناس للإيمان بها شاءوا أم أبوا، ومن لا يؤمن بما يؤمن به يكون لهم الشقاء في الدنيا على يديه، وعذاب النار في القبر والآخرة. يؤمن هذا المولى القاسي أن كتابه هو الكتاب المحفوظ في السماء، وهو الكتاب الوحيد الذي لم يحرف ولا مبدل لكلماته، فالقدير هو الذي أنزل الذكر، وأنه له لحافظ، أما كتب الآخرين فهي محرفة لا يعتد بها ولا ينبغي أن تقرأ أو أن توزع في بلاد هذا المولى القاسي. وكتحصيل حاصل يكون كل تجمعات العبادة التي لا تؤمن وتعلم ما يؤمن به تكون أماكن محرم إقامتها في أرضه، وشريعته هي شريعة المولى عز وجل، وكل ما عداها فهو كفر، فلابد من تطبيق شريعته على كل دياره، وأن تفرض حتى على غير المؤمنين بدينه وشريعته، وإن لم يقبلوا هذا فعليهم أن يرحلوا من دياره. ولا يجوز تهنئتهم في أعيادهم.
لقد كانت مصر تسمع في القديم عن المولى القاسي، أما اليوم فقد تجسد في وسطها كما قلت سابقاً.
ويبقى السؤال: لو كان القدير، تبارك اسمه، محبة كما تقولون، وهو العليم بكل شيء، وهو القادر على كل شيء، فلماذا يسلم مصر إلى هذا المولى القاسي. والإجابة بسيطة فالمولى لم يسلم مصر إلى يد هذا المولى القاسي، بل المصريون هم الذين اختاروه ووافقوا على أنه يكون ملكهم، وقالوا له نعم نريد أن هذا المولى يتسلط علينا، فهو يحكم بما أنزل الله، ويلبس ويظهر كفرد من آل بيت الله، لذا، أسلمهم الله ليده، وأغلق عليهم تحت سطوته ليتوبوا ويرجعوا له. وكما قلت في عدة مقالات سابقة، إن الكنيسة هي المدعوة للوقوف ضد هذا المولى القاسي، وكسر روحه والحكم عليه في القضاء.
أما عن كيفية التعامل مع هذا المولى القاسي أقول، لا تستسلموا له، اخضعوا لله، وقاوموه فسيهرب منكم، وإله السلام سيسحقه تحت أرجلكم سريعا. دافعوا عن حقوقكم، تصدوا له بالمرصاد، قولوا له لا يحل لك.
أما أنت أيها القطيع الصغير، لا تسمح لأحد بأن يخدعك بكلام معسول، إن كان مخلصاً أم لا، فلا تدفنوا رؤوسكم في الرمال، ولا تقولوا إن الرب سيرد المسلوب لميراثه الآن، وأن النهضة آتية إلى مصر، والحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ستبدأ من مصر في ممارستها والعمل بها. لا، فالمولى القاسي قد تجسد، وولد ودخل البرلمان، وسيمارس سلطانه وجبروته وقوته على كل من هم في مصر. وسيحفظ الرب القطيع الصغير سالماً سالماً، ممكن الرأي، وسيدين المسيحية الإسمية بهذا المولى القاسي، وسيكسر أوثانها، وسيقلب موائد الصيارفة، وسيطرد الباعة من بيت إلهنا فهو على كل شئ قدير.