العرف يتحكم فينا وينال منا ويحبط طموحاتنا، فهناك العرف السائد في بعض المهن المحرَّمة على الأقباط بسبب تناقل وتوارث الفكر الظلامي الذي ابتُليت به بلادنا بين قيادتها ضاربين بالقانون عرض الحائط واللي مش عاجبه يضرب رأسه في أقرب حائط. فلدينا واقع مؤلم يخبرنا بجوانب مظلمة تحتاج استنارة عقلية تطرد الظلام. وسنستعرض بعض هذه المهن.
أولى هذه المهن هي التدريس في أقسام النساء والتوليد في كليات الطب بكل الجامعات المصرية، فلو رجع بنا الزمن إلى الوراء فسنجد التاريخ يخبرنا أن الدكتور نجيب محفوظ باشا كان أول رئيس مصري لقسم النساء والتوليد بكلية الطب جامعة القاهرة وله متحف باسمه في القصر العيني، وأديب نوبل نجيب محفوظ سُمي على اسمه، إلا أن هذا لم يشفع لقبول مسيحيي الديانة في هذا القسم. وأتذكر تصريحًا للدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة الأسبق والعالم الجليل المستنير والذي أقر بأن قسم النساء والولادة في القصر العيني خالٍ من الأطباء المسيحيين وأن جميع أقسام أمراض النساء والولادة في جميع الجامعات المصرية لا يوجد بها عضو تدريس مسيحي، وذلك لأن هناك تمييزًا واضحًا من بعض الأساتذة في الامتحان الشفهي ضد المسيحيين مما يحرمهم من الحصول على مركز متقدم في امتحان البكالوريوس. وحتى الذين يحصلون بصعوبة على مركز معقول يمكِّنهم من الحصول على وظيفة نائب يخافون من سوء المعاملة واحتمال عدم النجاح في الدراسات العليا، وقد يدخل الرعب في قلوب البعض إن هم فكروا في ذلك. واستمر الوضع عرفًا وليس قانونًا كما تقول الزميلة حنان فكري حتى أقام المحامي سمير صبري دعواه التي حملت رقم 53335 لعام 2019 والتي تطالب الدولة بإصدار حكم قضائي يلزم وزير التعليم العالي بتعيين الأطباء المسيحيين في أقسام النساء والتوليد بالجامعات المصرية ولكننا لا نعلم ما مصير هذه الدعوى وإلى أين انتهى بها المطاف.
وكان الدكتور خالد منتصر الوطني المستنير والكاتب الشهير قد خرج علينا ليوضح لنا السبب في عدم وجود قبطي مصري بداخل هيئة أعضاء التدريس بقسم النساء والتوليد بالجامعات المصرية منذ الثمانينيات، وذلك بسبب انتشار خرافة قديمة كان منبعها مستشفى القصر العيني وتفيد بأن أحد الأطباء المسيحيين كان يجهض السيدات المسلمات من أجل تقليل عددهن وانتشرت هذه الخرافة إلى وقتنا الحالي، وهكذا اتخذت أقسام النساء موقفًا عقابيًا من تعيين المسحيين وتفشى العرف طاردًا المسيحيين خارج سلك النساء والتوليد في مصر في كل الجامعات، مما يضطر الأطباء المسيحيين للسفر إلى الخارج لإكمال الدراسة ثم العودة ليستطيعوا فتح عيادات نساء وتوليد، ومَنْ يتمكن من العمل بالخارج يكمل حياته هناك.
ومما هو محرَّم أيضًا على المسيحيين الالتحاق بأقسام اللغة العربية بكليات الآداب وكليات التربية، وإن تجاسر أحدهم والتحق بها فلن يتم تعيينه في هيئة تدريس اللغة العربية في المدارس المصرية التابعة لوزارة التربية والتعليم، ويقال إن السبب هو ارتباط اللغة العربية بالقرآن الكريم، وهذا هو السبب الظاهر لكن السبب الباطن يعلمه الله.
ومن بين الأمور المحرَّمة على المسيحيين أيضًا الالتحاق بفرق الناشئين والفريق الأول لكرة القدم في جميع الأندية المصرية، فالاختيار ليس فقط على أساس الموهبة والمهارة ولكن تدخل فيه العنصرية المقيتة فيكون على أساس الهوية الدينية. فكم عدد اللاعبين في فرق الناشئين أو الفريق الأول بالأندية المصرية المشتركة في الدوري الممتاز أو درجات الدوري الأخرى بأقسامه المختلفة؟ وبالتالي يخلو تشكيل المنتخب الوطني الذي يلعب باسم مصر من أي عنصر مسيحي منذ اعتزال هاني رمزي حتى الآن.
ويعوزنا الوقت لكي نتحدث عن الالتحاق بالأمن الوطني أو المخابرات أو الشرطة أو غيرها، والقائمة تطول. كيف ومتى سيتم حل هذه المعضلات؟ فهكذا انتشر الفكر الظلامي وهكذا أصبحت للشائعة قوة اليقين أحيانًا، والحل هو التنوير فالتنوير ثم التنوير حتى بين أعلى القامات العلمية وصولاً لكافة المستويات.