المسيحيون المصريون يعيشون أزهى عصورهم

11

العدد 140 الصادر في مايو 2017
المسيحيون المصريون يعيشون أزهى عصورهم

    طالعتنا قناة الحياة الفضائية المسيحية في برنامج “سؤال جرئ” على لسان المتنصر الأشهر، الأخ رشيد، بتعليق عن الخطاب الموجه من غبطة البطريرك تاوضروس الثاني إلى أعضاء الكونجرس وبعض بلاد المهجر، ذاك الذي ذكر فيه البطريرك، والعهدة على الراوي، عدة نقاط حساسة وخطيرة، لابد من مناقشتها بصوت مسموع وأعصاب هادئة وطريقة مسيحية ومحبة صادقة من القلب للجميع، ولكن بكل بساطة وصراحة ووضوح.

    ولا شك عندي أو عند أي مسيحي في إخلاص وحكمة ومحبة البطريرك لكنيسته وشعبه، بل والشعب المسيحي والإسلامي ومصر ككل، فهذا ليس موضع خلاف أو نقاش، لكن موضع الخلاف والنقاش هو في بعض العبارات أو الأفكار التى كتبها البطريرك الأنبا تاوضروس في خطابه سابق الذكر، وأخص منها على سبيل المثال لا الحصر الأقوال التالية في وصفه للهجمات التى يقوم بها بعض المسلمين على الكنائس ودور العبادة المسيحية كقوله:

    “ما أبعد هذه الهجمات عن المصريين! فكل من المسلمين والمسيحيين عاشوا دائمًا في سلام معًا، إن أي هجمات إرهابية هي آتية من الخارج”. وأيضًا ذكره في نفس الخطاب الموجه لأعضاء الكونجرس عبارة “لو تم حرق كنائسنا، سنصلى مع جيراننا المسلمين في المساجد، ولو حرقوا المساجد، سنصلى جميعنا معًا في الشوارع”.

    والحقيقة هي أنه إذا أردنا أن نتناول موضوعًا حساسًا كهذا والتعليق عليه والحكم مع أو ضد هذه المقولات وشاكلتها من التصريحات والخطب والخطابات الموجهة من الشخصيات العامة للقادة أو البلاد المختلفة، فلا بد من أن  تُقرأ وتُفهم جميعًا في سياقها المكاني والزمنى وخلفياتها ونوعية قائليها والمستقبلين لها. ولذلك فيلزم الإجابة الدقيقة على العديد من الأسئلة الأساسية المحورية قبل الحكم عليها، فعلى سبيل المثال لا الحصر لا بد من معرفة:

    ١- هل كتب البطريرك هذا الخطاب من تلقاء نفسه، وطنية منه وحبًا لمصر، أم أن آخرين اقترحوا عليه أو ألزموه بكتابته، الأمر الذي لا يمكن أن يتكهن به أحد ولا يعلم إلا البطرك وحده إجابته. لكن يبقى السؤال الذي لا بد له أن يسأله لنفسه في حالة أنه لم يجبره آخر على كتابته، ويجيبنا هو عليه بصوت نسمعه نحن كمسيحيين، والسؤال هو: ما هي الأسباب الحقيقية الواضحة أمام الله والناس التى جعلتكم تكتبون مثل هذا الخطاب للكونجرس الأمريكي؟ وبعدها فليحكم السامعون من المسيحيين، حيث أن الأمر يخصهم وحدهم ولا يخص غيرهم.

    ٢- هل كتب البطريرك هذا الخطاب لإظهار وتسجيل حقائق معينة أم كتبها لإخفاء وتبديل حقائق بعينها عن الدول الخارجية والكونجرس الأمريكي؟ وما هي الأهداف الخفية والمعلنة لهذه الرسالة؟

     ٣- هل كان البطريرك يتكلم في رسالته عن الإرهاب أم الاضطهاد؟ أم كلاهما معًا فلا بد من عدم الخلط بين الاثنين. مع أن الاثنين صنوان متلازمان، فكل إرهاب اضطهاد للمُرْهَبين وكل اضطهادٍ إرهاب للمُضْطَهَدين، وسواء أكان البطريرك يتكلم عن الإرهاب أم الاضطهاد، فكلاهما إسلامي يحمل حقيقة “صنع في مصر”، فهو مصري إسلامي خالص لا خلط فيه بين إرهابيين من الداخل أو الخارج.

    نعم قد يكون الممولون والمدربون والمخططون لتنفيذ العمليات الإرهابية يسكنون خارج مصر أو يقيمون في السجون المصرية ويعتمدون على التدعيم الخارجي لتنفيذها، إلا أن المصريين، وخاصة منذ زمن حسن البنا، هم المنفذون، فلم نجد شخصًا ليبيًا أو سوريًا أو عراقيًا نفذ عملية انتحارية أو قام بتفجير كنيسة مصرية أو اعتدى على مسيحي مصرى، بل الحقيقة التى لا يمكن إخفاءها أن المصريين الإسلاميين المتطرفين هم الذين بدأوا الإرهاب الإسلامي ونشروه في كل العالم وتتلمذ على أيديهم الوهابيون وبالتالي الأفغانيون والباكستانيون والعرب على اختلاف أقطارهم، والنتيجة أن المسيحيين منذ دخول الإسلام إلى مصر وإجبارهم على قبول الإسلام أو القتل أو دفع الجزية عن يدهم وهم صاغرون، صاروا يعيشون في اضطهاد يومي مستمر لم ولن ينقطع حتى مجيء المسيح ثانية واختطاف الكنيسة لتكون معه إلى أبد الآبدين.

    فإن كان الأمر صحيحًا، كما أصوره أنا في مقالي هذا، فسيبقى سؤال خطير لابد من الإجابة عليه وتحليله وهو: لماذا قال البطريرك إن المسيحيين يعيشون الآن أزهى عصورهم؟ فهل هذا كلام صحيح؟ إجابة على هذا السؤال، أقول، لكي نفهم معنى الكلمات “أزهى وأحسن وأفضل” وما إلى ذلك من أوصاف، لابد أن نفهم أزهى ممن أو أحسن ممن أو أفضل ممن، أي لابد من معرفة نقطة مرجعية للرجوع إليها ومقارنتها بما يعيش فيه الأقباط المصريون اليوم. فعن أي جزء من عصور المسيحيين يتكلم البطريرك وعن أي شئ يتكلم؟ وما هي النقطة المرجعية التى يتكلم عنها؟  وللتوضيح، أقول: إذا تحدثنا عن أيام ما بعد ثورة 1952  والطريقة التى كانت الحكومات تعامل بها المسيحيين، تكون النقطة المرجعية لنا هي طريقة معاملة المسيحيين سنة 1952 ، وفي هذه الحالة سنجد أن هناك فرقًا إيجابيًا كبيرًا في الطريقة الوديعة والوعود البراقة والكلام المعسول الذي يقال للمسيحيين المحدثين عن أولئك الذين كانوا يعيشون في سنة 1952 ، أي في أيام عبد الناصر ومن بعده السادات ومبارك وأخيرًا السيسي. وإذا كنا نتكلم عن عدد أعضاء مجلس الشعب المسيحيين الذين تم انتخابهم، أو كنا نتكلم عن زيارة رئيس لجمهورية مصر العربية الإسلامية للكاتدرائية وتهنأته للأقباط الأرثوذكس بالعيد، فنحن نعم في أزهى عصورنا كمسيحيين من هذه النقطة المرجعية، أما إذا كنا نتكلم عن كمية التفجيرات في الكنائس التى تم حرقها، وكمية القتلى في الاعتداءات على الكنائس والمصلين فيها، أو المسيحيين الذين تم اعتقالهم وتعذيبهم في السجون المصرية، والبيوت المسيحية التى دمرت، والأسر التى شردت، والقصر الذين سجنوا والقاصرات اللآتي غرر بهن وتم أسلمتهن قصرًا، فنحن في أتعس وأسوأ عصورنا لا أزهاها!

    ٤- هل حققت هذه الرسالة المرجو منها أو حتى جزءًا منه، أم أدت إلى عكس ما كان متوقعًا منها بواسطة البطريرك والحكومة؟ والحقيقة هي أنه في كل مرة  كان يدلى فيها الراحل الأنبا شنودة أو الأنبا تاوضروس بمثل هذه التصريحات والعبارات ذات الصدى العالمي العالي، كانت هذه الرسائل، على الأقل في وجهة نظري المتواضعة، تأتي بنتائج عكسية تمامًا مما كانوا يتوقعونه، فهذه العبارات لم يعد يشتريها المجتمع الدولى بسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار وانتقال الأخبار بسرعة البرق، حتى إن كثيرًا من دول العالم الخارجي تعلم ما يحدث داخل مصر من أحداث حتى قبل أن يعلمها المصريون أنفسهم. فمن من قادة دول العالم لا يعلم أن هناك اضطهادًا مستعرًا ضد الأقباط المصريين؟! ومن في قادة العالم لا يعلم قصص تدمير الكنائس والأديرة وأماكن العبادة؟! ومن من قادة العالم لا يعلم أن كل القلاقل والاضطرابات والتفجيرات والإرهاب ليس في مصر فحسب، بل في العالم كله سببه المسلمون المتطرفون؟! لذا فعندما يصرح مُضْطَهَدٌ في مصر أن لا اضطهاد عندنا وأننا كأقباط مصريين نعيش أزهى عصورنا وأن المشكلة في الإرهاب المستورد إلى مصر ليس من المصريين أنفسهم، ويعطي انطباعًا أننا في سلام ووفاق حتى إلى درجة أنه يمكننا أن نصلى مع المسلمين في جوامعهم، نتيجة لكل هذا تأتي هذه التصريحات بنتائج عكسية سلبية ويحفذ ذلك الكثير من الشعوب والقادة على البحث والتأكد مما يحدث في مصر من اضطهاد وإرهاب وتمييز دينى بين المسيحيين والمسلمين!! فالحقيقة الواضحة التى لا تحتاج إلى تأويل وتفسير هى أن غير المضطهَدين في بلادهم لا يحتاجون أن يعلنوا للعالم أنهم غير مضطَهَدين، فليس الطبيعي أن يكون المصريون المسيحيون مضطهَدين، حتى إنهم يؤكدون للعالم أنهم غير مضطهدين، إنما الطبيعي أن يكونوا غير مضطهدين وبالتالي، فإذا حدث معهم ما هو طبيعي، فهم ليسوا بحاجة لتأكيده. إن مثل هذه التصريحات والخطابات لهي خير دليل على أن المسيحيين مضطهدون في مصر وهم لا يستطيعون أن يقولون ذلك بحرية، بل هم مجبرون على أن يقولوا عكس الحقيقة تمامًا ويتظاهرون بغير ما يبطنون. وعلى الجانب الآخر فإن البعض من رؤساء وقادة الدول المختلفة استخدم هذا الخطاب كشماعة حتى ينكر الاضطهاد في مصر ويرفض إعطاء تصاريح باللجوء للمهاجرين المسيحيين المصريين، بالرغم من إعطائهم نفس الحق للآلاف من المسلمين في نفس البلد، كألمانيا، مستندين على كلام غبطة البطريرك ومتحججين به وهم يعلمون يقينًا أن هذا الكلام ليس صحيحًا أو على الأقل ليس دقيقًا، وحجتهم المنطقية في ذلك أنه إذا كان صاحب الشأن وكبير العائلة المسيحية في مصر يقول إن لا اضطهاد واقع علينا، إذن، فاليدفع الغلابة المضطهدون ثمن بقائهم في مصر وثمن تصريحات الكبار.

    ٥- سؤال آخر لابد من الإجابة عليه: ما هو تأثير مثل هذه الرسائل على الأقباط  داخل مصر وخارجها؟ أما تأثير مثل هذه الرسائل على الأقباط في مصر لا شك أنها تجعلهم يعيشون في حالة من الضيق وخيبة الأمل والإحباط والتشويش العالي والكبت والغليان، حمانا الله جميعًا من تأثير هذه كلها على مصر ومن فيها! فهذه كلها هي مكونات القنابل النفسية التى قد تخرج يومًا ما فتهلك أمامها الأخضر واليابس في أرض مصر. فعندما أسمع أنا كرجل فقد ابنه في أحداث تفجير كنيسة، أو امرأة قد كشف المسلمون عورتها في الشارع، أو أب لشاب ناشىء صغير لم يبلغ بعد وحكم عليه بالسجن لخمس سنوات بسبب تهكمه على داعش الإجرامية أو أخ فتاة متفوقة حصلت في الثانوية العامة على صفر، أو ابن حارس لكنيسة تم تقطيعه إلى أشلاء بسبب انفجار أو أخ لفتاة تم اختطافها وأسلمتها قصرًا أو…، أو…، عندما أسمع أن “سيدنا البابا” -كما يدعوه الناس- يقول إننا نعيش في أزهى عصورنا كمسيحيين مصريين، لا شك أنني لا بد أن أصاب بحالة من الاكتئاب المزمن وكره الدنيا وما فيها ومن فيها وحتمًا سأختزن كل هذا في داخلي إلى يوم الانفجار. أما تأثير مثل هذه الرسائل على أقباط المهجر فعادة ما يكون ضعيفًا، فهم يعرفون كيف يستغلونها أفضل استغلال بأن يشرحوا للأمريكان أن لا غبطة البطريرك ولا أي أحد آخر من المسيحيين في مصر يمكنه أن يقول أفضل مما قيل، وهي تساعد أقباط المهجر على تأكيد وجهات نظرهم عما يحدث في مصر، وتقدم لنفس رجال الكونجرس الذين وجهت لهم رسالة البطريرك الدليل العملى الأكيد على ما يقولونه لهم أقباط المهجر، لكنها إحقاقًا للحق تجعل مهمتهم أصعب مما لو سكت المسؤلون عن الأقباط في مصر تمامًا عن الإدلاء بمثل هذه التصريحات والخطابات.

    ٦- هل من حق البطريرك أن يتكلم بلسان المسيحيين جميعًا في مصر، أرثوذكس وإنجيليين وكاثوليك، أم ليس من حقه أن يفعل ذلك؟ وللإجابة على هذا السؤال، أقول إنه لم يعط رؤساء أو أعضاء الطوائف الأخرى للبطريرك تفويضًا رسميًا بالحديث باسمهم، لكن الحقيقة، فإن نظرًا لعدم تواجدهم وقلة عددهم وانشغالهم عن الواقع المجتمعي المصرى السياسي، فقد أعطى كل رؤساء الكنيسة الأرثوذكسية أنفسهم الحق في أن ينوبوا عن المسيحيين جميعًا في الحديث مع الحكومة، ولذا فإننى أتساءل: ترى ما هو رأي الكنيسة الإنجيلية المصرية رئاسة وشعبًا في مثل هذا الخطاب؟ هل لهم رأي مخالف لهذه الأقوال أم أنهم موافقون عليها؟ هل يرى الإنجيليون أننا كإنجيليين نعيش اليوم أزهى عصورنا في مصر وأنه إذا تم حرق كنائسنا الإنجيلية، فسنصلى مع المسلمين في جوامعهم؟ وإن كان لهم رأي مخالفًا أو متفقًا مع هذه الأقوال، فلماذا لا يعلنون عن رأيهم بصراحة حتى نعرف، على الأقل نحن أقباط المهجر الإنجيليين، كيف نتصرف حيال مثل هذه الخطابات؟ هل يريدوننا أن نتصل بأعضاء الكونجرس ونعلن لهم عن استيائنا من مثل هذه التصريحات والخطابات ونثبت لهم عكس ما هو مكتوب فيها، أم يريدوننا أن نرسل لهم نحن أيضًا خطابات تأييد لها ونؤكد لهم على صدق الحقائق التى كتبها البطرك في خطابه؟

    وفي هذه الجزئية بالذات، فلا بد من مخاطبة وسؤال الرئاسات الكنسية في مصر الذي قاوموا ويقاومون كثيرًا فكرة الاتصال بأعضاء الكونجرس الأمريكي بالذات وشرح وتوضيح ما خفي عنهم مما يحدث في مصر من إرهاب واضطهاد، والسؤال هو: إن كنتم تريدون من أقباط المهجر أن يصمتوا ولا يحتجوا لأعضاء الكونجرس الأمريكي على الإرهاب ضد إخوانهم المسيحيين في مصر، وتتهموا بالخيانة العظمى والإجرام في حق مصر والمصريين الذين يتواصلون معهم وتنبيههم على ما يجري فيها من إرهاب واضطهاد وأسلمة قصرية للقاصرات وخطف الشباب واغتصاب وتعرية النساء وحبس وتعذيب الرجال وهدم وحرق الكنائس والأديرة وبيوت المؤتمرات والمحال، وسرقة أوراق الطلبة والطالبات المتفوقين والمتفوقات وإعطائها للفشلة من أبناء رؤساء اللجان وترحيل للمسيحيين من ديارهم وبيوتهم واغتصاب أراضيهم وممتلكاتهم وحبس القُصّْر من أولادهم “وشد ودانهم” بخمس سنوات سجن، وغيرها وغيرها الكثير، فلماذا تفعلون أنتم أيضًا، حكومة مصرية ورياسات كنسية قبطية نفس الشيء الذي تحرمونه على أبنائكم أقباط المهجر وتسرعون أنتم بمخاطبة أعضاء الكونجرس، بمعلومات، أقل ما يقال عنها وفيها إنها عارية من الصحة تمامًا وأنتم أول من يعلم هذا يقينًا؟! فهل تعملون هذا كرد فعل لما يعمله “الأقباط الأحرار” في المهجر أو محاولة للتشويش عليهم وخاصة أن كاتب الخطاب هو بطريرك الأقباط نفسه؟ أم لتضاعفوا مكاسبكم في هذا الأمر؟ فمن ناحية تمنعون الشاكين المتضررين المضطهدين من توصيل آرائهم واحتجاجاتهم لحكومات المهجر، وفي نفس الوقت ترسلون أنتم لهم ما يخالف الحقيقة وتحاولون إقناعهم بغير ما تراه عيونهم وتسمعه آذانهم وما لا يخطر على بالهم أو بال جن أو إنس!

    ٧- ثم ماذا عن الحكومة المصرية؟ هل هي صاحبة الاقتراح أو حتى مجرد الإيحاء بكتابة وإرسال هذا الخطاب؟ مع أننى لا أعتقد ذلك. وإن كانت الإجابة بنعم، فلماذا وما الفائدة أو الضرر الذي يعود على الحكومة المصرية من إرسال هذا الخطاب؟  والحقيقة إننى أرى أن الحكومة لا تعير رأي الأقباط أي مقدار من الأهمية على المستوى الداخلي أو الخارجي، فهي تعلم تمامًا أنهم منقسمون متفرقون يتهمون بعضهم البعض بالانحراف التعليمي والعقيدي ولا يهتمون كثيرًا بالسياسة وردود أفعالهم لا ترقى لمستوى التأثير المحلى أو الدولي. فهم يبكون على أولادهم ويصفقون للقتلة في نفس الوقت، يطلبون وظائف في البوليس والمخابرات ولا يحصلون عليها، فيمضغون الحصى، ويعيبون زمانهم والعيب فيهم وما لزمانهم عيب سواهم.

    إن تناول موضوع كهذا لا يكفيه مقال أو عدة مقالات أو حتى كتاب واحد أو عدة كتب. فهناك حرفيًا مئات الأسئلة والأفكار التى لابد من الإجابة عليها والتفكير فيها وتحليلها ووضع الحلول لها، لكن مهما كان حجم هذا الموضوع، فهو موضوع هام وخطير ومصيرى ولابد من دراسته دراسة وافية.

    ومما لا شك فيه، أن الإجابة على كل الأسئلة السابقة لا يعرفها جيدًا سوى البطريرك نفسه، وبعضها يعرفها هو ورجال الحكومة المصرية من رياسات ومخابرات وباشاوات، ولا يعرفها على حقيقتها ودوافعها ودقائقها ونتائجها القريبة والبعيدة إلا علام الغيوب وحده سبحانه، وتنازل إلينا في المسيح. أما نحن العامة من الشعب، فالمعلنات لنا والسرائر لله، ولذا فإجاباتنا وتحليلاتنا للأمور، مهما أوتينا من قدرة على الفحص والفهم والتعليق، تكون قاصرة بقدر ما نعرف ونرى ونسمع ونفهم ونحلل.

    لقد نجحت الحكومة المصرية أن تصور أن الإرهاب خارجي، وأن الإرهابيين مستوردون من الخارج واتخذت من شماعة داعش دليلاً على صدقها المزعوم، وها هو بطريرك الأقباط يؤكد هذه الكذبة للعالم الخارجي ويثنى عليها وكأن الإرهاب والاضطهاد ظهر في مصر مع ظهور داعش وقبله لم يكن هناك اضطهاد للمسيحيين ولا إرهاب في مصر! ففي كلمات قليلة أكد البطريرك أنه ما أبعد المصريين مسلمين ومسيحيين عن هذه الهجمات. أما الشق الثاني من الجملة أن المسلمين والمسيحيين عاشوا دائمًا في سلام معًا.

    ولعل أحد أسباب سعادة الحكومة المصرية الآن بما أرسله البابا للسفارات والكونجرس أن هذه الوثيقة أحدثت شرخًا كبيرًا بين المسيحيين في مصر، فبعضهم يأخذ الأمور كمسلمات، بنفس مبدأ لا تناقش ولا تجادل ولا تفتح فمك ببنت شفة فما يقوله البابا منزل وهو أحكم منا جميعًا ولا يجوز أن تخالف رئيس دينك فيما يقول أو يفعل، والبعض الآخر يستخدم ما حباه الله، تبارك اسمه، من عقل ومنطق وفهم ولسان في التعبير عن ما يراه من خطأ في رسالته وتصريحاته. والسؤال: هل عاش حقًا المسيحيون والمسلمون دائمًا في سلام؟  والإجابة البسيطة المخلصة الصادقة هي لا لم يعش المسيحيون والمسلمون في سلام يومًا واحدًا في مصر، على الأقل منذ أن كنت أنا طفلاً وحتى الآن! فكأطفال مسيحيين عندما كنا نسمع الآذان في الراديو أو التليفزيون كنا نجري بكل سرعة لإغلاقها وإسكات أصواتها.  هذه هى الحقيقة التى لا بد من الاعتراف بها بغض النظر عن نتائج إعلانها، فدفن الرؤوس في الرمال لم يعد يجدى نفعًا في هذه الأيام وعندما كنا نذهب للكنيسة كنا نخاف الأطفال المسلمين لأنهم كانوا يقذفوننا بالحجارة والتراب والقاذورات، كما كتبت في مقالي السابق “أقباط المهجر”، وكأطفال كنا نرى الخوف على وجوه آبائنا وأمهاتنا عند التعامل مع المسلمين.

    إن أعجب ما جاء بخطاب الأنبا تاوضروس قوله: “لو تم حرق كنائسنا، سنصلى مع إخواننا المسلمين في المساجد، وإذا حرقوا المساجد سنصلى معًا في الشوارع”! وسؤالي لغبطة البطريرك: كيف والمسلمون المتطرفون لا يتركوننا في حالنا نصلي في كنائسنا وأديرتنا، كيف والمسلمون، حتى المسالمون منهم، لا يتركوننا نصلي في بيوتنا، كيف والمسلمون لا يتركوننا نرمم بيوتنا أو كنائسنا؟! ويكفي أن ينادي منادٍ أن “يا أمة لا إله إلا الله أعينوا!  فالمسيحيون يبنون كنيسة في قريتنا”، فتتحول القرية إلى جحيم مستعر ومحرقة أخرى تضاف إلى ما صنعه هتلر في ألمانيا مع اليهود، هل حقًا يا غبطة البطريرك تقصد ما تقول في هذه الجزئية من خطابك؟ فإن كنت لا تقصده حرفيًا، فأنت تستخف بعقلية المسيحيين والمسلمين وأولئك الذين أرسلت لهم خطابك وإن كنت تقصده حقًا، فلا تعليق عندي كمسيحي مصرى سوى أننى لا ولن أوافق على الإطلاق على الصلاة للمسيح في الجامع، حتى لو سمح لي الأصدقاء المسلمون بالصلاة هناك، فلا خلطة للمسيح مع روح ضد المسيح.

    في النهاية، أقول إن على المسئولين عن الكنيسة باختلاف طوائفها أن يعيشوا في الواقع ويعلموا أن العالم أصبح قرية صغيرة، وإخفاء الحال أصبح من المحال وأن يقولوا الحق ويدافعوا عن رعية الله التى أقامهم عليها أساقفة.  نصلى أن يأتى اليوم الذي يعيش فيه المسيحيون أزهى عصورهم بحق وحقيق لا بالكلام ولا باللسان.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا