الكنيسة في مصر تحتاج إلى مارتن لوثر معاصر

12

العدد 147 الصادر في ديسمبر 2017
الكنيسة في مصر تحتاج إلى مارتن لوثر معاصر

    مرة أخرى ينتهي الشهر سريعًا ويحين الوقت لصدور عدد جديد من جريدة الطريق والحق، وتتعدد الأحداث والموضوعات الهامة التى لابد من تناولها والكتابة عنها. فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك حادث تفجير مسجد الروضةـ بسيناء والمئات التى فقدت حياتها على الأرض وذهبت الى مصيرها الأبدي بعيدًا عن الأرض مأسوف عليها، الأمر الذي يقرأه كل على هواه ووفقًا لرغباته ومخططاته واجندته الخاصة، فبعض المسلمين السنى يقرأونه على أنه لا يخصهم، فبالنسبة لهم كسنيين، الصوفيون الذين فقدوا حياتهم في المسجد ليسوا بمسلمين على أي حال، والمسيحيون ينقسمون في موقفهم إلى جماعات مختلفة في رؤيتها لهذا الحدث، فالمسيحي الحقيقي الذي يحيا ويتبع تعاليم المسيح:”أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم.أحسنوا إلى مبغضيكم”.  يرون في هذا الحدث مأساة إنسانية حقيقية، وعمل شيطاني محض، ويصلون لأجل عائلات المصابين والمتوفين طالبين لهم الصبر والسلوان والتعزية من رب العباد، فريق آخر من المسيحيين الاسميين الذين لا يتبعون تعاليم المسيح، كما أراد هو سبحانه، بالرغم من كرههم لهذا الحادث وإدانتهم له، يرون أن الله حاكم عادل يجازى أصحاب الأديان الأخرى عن ما يعملون بهم من شر بشر، بالرغم من وصيته تعالى للبشر:”لا تجازوا أحدًا عن شر بشر”.  فكم بالحري هو نفسه سبحانه، يروه – تبارك اسمه – يجازيهم في مساجدهم وعقر دارهم، ويسقيهم من نفس الكأس الذي يشرب منه المسيحيون في كنائسهم وأماكن عبادتهم، أما موقف الحكومة المصرية فمتعدد الجوانب، فمثل هذه الأحداث بالنسبة للنظام المصري قد يعمل في صالحهم وفي نفس الوقت يعمل في عكس مصلحتهم وخططهم، فمن جانب تصور مثل هذه الأحداث وتؤكد للمصريين ضعف وهشاشة الأمن المصرى في مراقبة وملاحقة المجرمين أصحاب مثل هذه التفجيرات الشيطانية، وكشفها وإبطال خططها حتى قبل حدوثها، وتزيد من إحساس رجل الشارع العادي بفشل الأمن المصري في حماية نفسه والمصريين جميعًا، وتزيد من إحباط المواطن المصري ويأسه من اعتقاده أن الأحوال الاجتماعية والدينية والأمنية في مصر يمكن أن تتغير للأحسن وبالتالي تقرب مثل هذه التفجيرات والحوادث الشعب المصري من نقطة الصفر التي ستدفعهم جميعًاإلى ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ومن ناحية أخرى ترى الحكومة في حدث كهذا، فرصة ذهبية يمكن اغتنامها وبابًا للهرب منه إذا ما اعترض المسيحيون المصريون على ما يحدث لهم من إرهاب وقتل وتفجير لكنائسهم، ومخرجًا من إدانة العالم كله للحكومة المصرية في عدم الحماية والدفاع عن الأقباط المقيمين في مصر، فالأمر يمكن أن يصوره المغرضون للحكومات خارج مصر على أن الإرهاب ليس بين مسلمين ومسيحيين، بل هكذا الحال بين مسلمين ومسلمين، أو بتعبير آخر بين الدواعش والمسلمين والمسيحيين على السواء. وفي النهاية وعلى كل حال من الأحوال ووجه من الوجوه، فالمسيحيون هم دائمًا الخاسرون.

    الموضوع الثاني ذات الأهمية والذي كان لابد من تناوله هو موضوع رفض معمودية الكاثوليك وقرار مجمع الأساقفة الأرثوذكس بهذا الشأن والذي أدلى به الأسقف مكاريوس، والشكل والطريقة والأسلوب والمفردات التى أدلى الأسقف بها هذا القرار وكيف أنه رسم صورة مغلوطة مشوهة للكنيسة الإنجيلية مؤكدًا أن مؤسسيها في مصر أجانب جاءوا إلى مصر لأغراض مشبوهة، لم يفصح عنها تمامًا ولذا لن أذكرها أنا أيضًا في مقالي هذا، ولما لم يقدروا هؤلاء الوافدين الأجانب، على حد قوله، تحقيق أغراضهم التى جاءوا لأجلها انتبهوا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية وأرادوا أن يبشروهم على حد تعبيرهم ولهذا الموضوع مقال منفرد في المستقبل القريب إن أبقانا الرب وعشنا.

    أما ثالث الموضوعات المهمة والتى لابد من تناولها هو موضوع إصلاح الكنيسة من الداخل، بمناسبة مرور خمسمائة سنة على ذكرى الإصلاح الإنجيلي الذي بدأ وانتشر من ألمانيا على يد مارتن لوثر الراهب الكاثوليكي، والحفل الكبير الذي أقيم من رئاسة الطائفة الأنجيلية المصرية بهذه المناسبة. وحيث انني لست من المتدينين الذين يحرمون على أنفسهم عمل أية احتفالات من أي نوع متحججين بكمية الأموال المنصرفة على حفل مثل هذا والوقت الضائع في الترتيبات والتدريبات والتنقلات للوفود المشاركة واحتياج الفقراء الذين لا يجدون القوت الضروري ليومهم وبالتالي لسان حالهم هو الاعتراض على أية حفلات حتى تلك الاحتفالات الكنسية الروحية وخاصة عند معرفتهم لكم الأموال التى انفقت ويقولون لماذا هذا الإتلاف، إلا أنني أثق أنه لكي نحتفل بحدث ما أو نتذكره في محفل عام لابد أن تتوفر في الحدث المحتفل به وفي الظروف المحيطة به مجموعة عناصر ضرورية:

    أ- أن يكون أصحاب الاحتفال أو من يقومون به مازالوا يسيرون على نهج الذكرى للشخص أو الحدث المحتفل بها، مثال على ذلك، إذا احتفلت بعيد ميلاد أبي لا بد لأبي أن يكون حيًا يرزق، وإن مات بطل الاحتفال بعيد ميلاده، وإن احتفلت بذكرى تحرير سيناء مثلاً لابد أن تكون سيناء قد تحررت فعلاً ومازالت تستمتع بالحرية التى نحتفل بها، لكن إذا عادت سيناء إلى حالتها الأولى من الاحتلال سواء بمن احتلوها سابقًاأو بمحتل جديد في العقلية والأيديولوجية وخلافه، فلا مجال للاحتفال بعيد تحرير سيناء، وهكذا أمر الاحتفال بثورة التصحيح التيأجراها مارتن لوثر، فإن كانت الكنيسة في مصر تسير على طريق الإصلاح الذي نادى به مارتن لوثر في يوم ما لكان من حق الكنيسة وواجبها أن تحتفل بالإصلاح اللوثري وغيره،إما إذا كانت الكنيسة العامة في مصر تسير عكس طريق الإصلاح تمامًا، فما فائدة الاحتفال بذكرى لم تبق منها إلا الذكرى نفسها وقليل من الممارسات والعقائد المعمول بها حتى اليوم إلى جانب الكم الضخم من الأمور والانجرافات والضلالات والانجرافات التى تستوجب مجئ مارتن لوثر جديد للكنيسة الإنجيلية، دعنى أشرح ما أوجزت، كانت رسالة الله لمارتن لوثر أن قهر الجسد والصوم والصلاة ليس فرضًا على الناس ليعملوها، ولا علاقة لكل هذا بإرضاء الله بل بتهذيب النفس، والانفصال عن العالم الحاضر الشرير وأن عدم الزواج لنوعية معينة من البشر سواء أكانوا كهنة أو أساقفة أم باباوات لا يجعل من الفرد أقدس من غيره أو أقرب لله من أقرانه المتزوجين، وأن القديسين ليسوا نوعية خاصة من البشراكتسبوا القداسة بسبب كراسيهم أو مناصبهم حيث يناديهم الناس بصاحب القداسة أو حتى بجهادهم وتبتلهم وعزلهم أنفسهم في الجبال والمغاير وهم ليسوا في حاجة أن تأخذ الكنيسة ورياساتها قرارًا بمنح أحدهم أو إحداهن لقب القديس أو القديسة بل القديسون، وفقًا لتعاليم الكتاب المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هم كل من تقدست أرواحهم وتطهرت أجسادهم بدم المسيح من خطاياهم، فأصبحوا خليقة جديدة يسكن فيهم الروح القدس ولذا سموا قديسين، وبالتالي لا فضل لهم فيما وصلوا إليه ولا مكانة تعطى لأحدهم بأي سبب من الأسباب أو حال من الأحوال خارج هذا القانون السماوي، حتى لو كان القديس شربل أو القديس أنطونيوس وغيرهم ممن منحهم الناس لقب قديس وحتى لو كانت القديسة العذراء مريم نفسها من اصطفاها الله وفضلها على نساء العالمين، فهي التى قالت عن نفسها إنها أمة الرب، وأن الله مخلصها، في أنشودتها “تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي”،  وقالت لجبرائيل الملاك يوم أن بشرها بمولد سيد الأرض والسماء “هوذا أنا أمة الرب ليكن لي كقولك”، واليوم فقد انحرفت الكنيسة العامة بما فيها بعض القسوس الإنجيليين عن هذه المبادئ اللوثرية الإلهية البسيطة والواضحة التى لا تقبل التأويل أو التبديل  وبالرغم من هذا الانجراف البين الواضح فنحن لا نصحح الإعوجاج لكن نحتفل بذكرى الإصلاح ونحن في قمة الإعوجاج والتشويش وخلط التبن مع الحنطة.

    لقد فتح المولى – تبارك اسمه – عيون مارتن لوثر على حقيقة إن “البار بالإيمان يحيا”، أي إن البار هو ذلك الشخص الذي يعيش ويسلك ويتحرك بالإيمان. وإكتشف مارتن لوثر أن الوصايا الكتابية واضحة وصريحة كما في القول “فلا يحكم عليكم أحد من جهة أكل أو شرب أو عيد أو هلال”، من توقيت للصلاة وما يؤكل وما لا يؤكل في أيام معنية، واليوم أصبحت الأنظمة الكنسية وما يلزم به الناس من صوم لمدد معينة وأكل أطعمة محددة مطهية بمواد مقننة، والاحتفال بأعياد ورؤوس شهور وذكرى من سبقونا إلى المجد وغيرها الكثير الذي لا يعد أو يحصى من ممارسات كنسية، أصبحت هي الحاكم الأول للإنسان المسيحي المسكين الذي لا حول له ولا قوة. ومع ذلك فنحن نحتفل بذكرى الأصلاح الإنجيلي ونحن لا نعيشه.

    لقد اكتشف مارتن لوثر أن الكهنوت ليس قاصرًا على أناس بالذات يتحكمون في مصائر الناس وأقدارهم، وأن الكهنوت هو لجميع المؤمنين، وأن الكتاب المقدس للجميع ولابد أن يقرأ من الجميع دون وصاية أو شرح أو تفسير خاص ومع ذلك فمازالت حتى الكنيسة الإنجيلية تؤمن وتمارس وتدافع عن عكس هذه الحقائق الكتابية الواضحة متخذة طرق ملتوية غير محددة المعالم لمشاكلة هذا العالم الحاضر.

    مما تقدم نرى أن الاحتفال بالذكرى في الكتاب المقدس يكون ليس لمجرد الاحتفال وقضاء وقت ممتع في شركة مع المؤمنين فحسب بل للرجوع إلى الحدث وأهميته وتفاصيله وتطبيق كلام الله حوله.

    ولقد وضع القدير تفاصيل الاحتفال الدقيقة بكل عيد أو مناسبة في شعبه القديم إسرائيل، فعلى سبيل المثال لا الحصر في عيد الفصح، أو عيد العبور، كان طلب الرب من شعبه في القديم أن يعملوا عيد الفصح ليتذكروا يوم خروجهم من أرض مصر بيد قوية وبذراع شديدة، يعملوه في صحراء سيناء وفي أرض ميراثهم عند دخولهم إليها، يعملونه ما داموا خارج مصر، لكن إذا كان الشعب رجع مرة أخرى إلى أرض مصر، أرض العبودية كما عرفها الكتاب المقدس، لكان الاحتفال بعيد الفصح لا معنى له ولا مكان له، وهكذا الحال بالنسبة إلى عيد المظال وهو أحد الأعياد التى أوصى بها القدير  شعبه. لقد كان شرطًاأساسيًا لممارسة معظم أعياد الشعب القديم هو عزل الخمير تمامًا من أي شخص أو بيت حيث أن الخمير كانت ولا تزال في الكتاب المقدس تشير إلى كل ما هو ليس إلهي من خطية وعوائد وتعاليم غريبة وممارسات ليست حسب الكلمة النبوية التى هي أثبت، ولم يكن عزل الخمير في هذه الأعياد شيئًا اختياريًاأو لمجرد النظافة الخارجية بل إجبارياً حتمياً لابد أن يحدث وعقاب من يحتفل بعيد الفصح أو عيد المظال وفي بيته أو نفسه أو حياته خمير تقطع تلك النفس من الشعب دون محاباة لكاهن كبير أو صغير، مغمور أو شهير فالكل سواسية أمام القوانين الإلهية.

    وعلى ضوء كل ماذكرت سابقًا أتساءل، ألا تحتاج الكنيسة الإنجيلية اليوم إلى مارتن لوثر معاصرًا ليستخدمه الله في تطهيرها والوقوف أمام باباواتها المعاصرين؟  مع علمي الكامل أن الكنيسة لا تحتاج إلى شخص يقود ثورة بل تحتاج إلى توبة حقيقة ورجوع من القلب عن كل ما بها من زغل وشرور حتى نستطيع أن نحتفل بحق العام القادم بذكرى ثورة التصحيح الإنجيلي، لقد وضع رئيس الطائفة الإنجيلية في احتفال رئاسة الطائفة بهذه المناسبة يده على عدة نقاط أساسية وتحديات جوهرية لا مفر من دراستها واتخاذ قرارات حازمة ملزمة بشأنها تطبق على الكبير والصغير الغني والفقير القسيس الذي يرعى عشرات الأفراد والذي يرعى الآلاف فلا فرق بينهم. فهل سنرى تنفيذًا عمليًا ودراسة كتابية لهذه النقاط وخطوات عملية نحو إصلاح الكنيسة الإنجيلية بمختلف مذاهبها أم أن الأمر سيقتصر على مجرد احتفال تم وذهب إلى طي النسيان؟ أصلي أن يفتقد الله مصر والكنيسة العامة وخاصة الإنجيلية برحمته وإصلاحه وبركته.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا