العدد 80 الصادر في مايو 2012 الكنيسة في أحضان الإخوان
لا شك أن تاريخ الكنيسة بمصر لم يكن مشرفاً في كثير من الأوقات، وبالتحديد من بعد أن سلمت الكنيسة مصر لأيدي الغزاة من الجزيرة العربية، ولم تطلب مساعدة إلهها الحي ليرد عنها ذلك الخطر الداهم، وبالذات في الآونة الأخيرة، خاصة عندما كانت تواجه الصعوبات والمثبطات والتجارب والضيقات، وفي بداية الحديث لا بد لنا مِن تعريف مَن، أو ما هي الكنيسة، فكلمة الكنيسة تطلق أولاً: على عموم المسيحيين كجماعات لها نفس الطائفة أو المذهب، بأن يقال الكنيسة الإنجيلية أو الأرثوذكسية أو الكاثوليكية، أو نفس القطر بأن يقال الكنيسة في العراق أو في مصر، وهذا التعريف للكنيسة يشمل جميع المسيحيين في مصر أو العراق، ثانياً: تطلق كلمة كنيسة على جماعات محلية كالكنيسة الرسولية بالمكان الفلاني أو كنيسة العذراء الأرثوذكسية بالقرية الفلانية، ثالثاً: تطلق كلمة كنيسة على المبنى الذي يجتمع فيه المسيحيون المحليون التابعون لمكان معين، بأن يقال الكنيسة المعمدانية بالقرية أو المدينة أو الشارع المحدد، لكن التعريف الأهم من كل هذا هو التعريف الروحي للكنيسة، بأنها جماعة المُخَلَّصين المولودين ثانية بعمل المسيح الكفاري على الصليب، وهي جماعة مرتحلة ومتغربة في هذه الأرض المؤقتة الدوام. ويمكن حصر معنى الكنيسة في مقالي هذا في النوعين الأول والرابع، أي أنها عموم المسيحيين في مصر، كما في النوع الأول، الذين منهم المولودين ثانية ومنهم من لم يولَدوا من فوق، أي لم يأخذوا السلطان أن يصيروا أولاد الله، أي غير المخلصين، وغير المؤمنين باسمه، تبارك وتنازل إلينا، والنوع الرابع، وهم المولودين من الله. وكنت، ويا للأسف، أود أن أجد في معرض حديثي كلاماً يختلف تمام الاختلاف لأقوله عندما أتكلم عن النوعين، أي عن الكنيسة العامة بمصر وعن كنيسة الله، جسد المسيح الحي الذي اقتناه بدمه، والذي خطط له أن يكون عمود الحق وقاعدته، الكنيسة التي هي المؤمنين الحقيقيين، المولودين ليس بمشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله، الجماعة المرتحلة المتغربة، لكنني في الحقيقة لا أجد الاختلاف في الأشكال، والتصرفات، والأقوال والأفعال والأفكار كبيرا، وفي بعض الأحيان ليس حتى ملحوظاً أن هناك اختلاف، من الأصل، بين الاثنين، بل وفي معظم الأحيان، يكون العكس، أي تكون أقوال وأفعال وأفكار أولئك الذين يُعرفون بالمؤمنين، بل والخدام الذين عرَّضوا عصائبهم وياقات قمصانهم وزينوها بالصغير والكبير من الصلبان والأوشحة، و مُرْتَدي الأرواب التي تفنن مصمموها، ومفصلوها في ألوانها، وأحجامها، وديكوراتها من صلبان وحمامات وشرائط ورسوم، أولئك الذين يعيشون في ازدواجية روحية غريبة دافنين رؤوسهم في الرمال وكأن أحداً لا يراهم أو يعرف شرورهم، وقد نصبوا أنفسهم في وظائف ومناصب وأماكن ليسوا لها بمستحقين، ولأمانتها خائنين، ولأولادها معثرين، فوقفوا في الأبواب ولم يدخلوا ولم يجعلوا الداخلين يدخلون. يتحدثون في كل المواقف التي يفعلون حسناً إن صمتوا فيها، ويتكلمون في مواقف أخرى حيث لا ينبغي عليهم أن يتكلموا، وإذا ما تكلموا نطقوا بما لا علم لهم ولا يقين، ويصمتون حينما يتحتم عليهم الكلام، ودوافعهم الأولى لا تعدوا أن تكون إلا نتيجة للجبن والخوف والتملق والانهزامية التي يعيشون فيها والمصالح الشخصية، والمناصب الكنسية والاجتماعية والسياسية التي يحلمون بالحصول عليها، ضاربين بالتعاليم الأخلاقية والمقاييس الإنسانية والمعاريف الاجتماعية والمعايير الكتابية والأمثلة الروحية عرض الحائط، ومتخيلين في عالم اللا واقع ومنفذين في عالم الواقع لأفكارهم، دون الرجوع لكبير أو عالم أو متخصص أو مرشد، لكل ما هو غير كتابي، أو حتى مسيحي في الأصل من الأمور، ومتحدثين عن أفعالهم الشنيعة وكأنهم الأبطال المغاوير الذين عدَّلوا لنا التاريخ المسيحي المصري، وضبطوا لخاطرنا المعوج من الأحداث الكنسية والحكومية، ورجَّعوا لنا نهضة الكنيسة الأولى التي فقدناها على أيديهم، وكأنهم براء من كل هذا، كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب، وتكون كلماتهم وأفعالهم أسوأ بما لا يقاس من غير المؤمنين. اما المصيبة الكبرى، فإن ردود أفعال رعيتهم، وأعضاء جماعاتهم وتابعيهم تتمرجح بين غير مبال بالأحداث وكأنه يعيش في كوكب آخر، وبين ثائر ناقم موجوع القلب والعقل والجسد من هول ما يراه حوله، لكن لا حول له ولا قوة، فكيف يُسمع صوته، وكيف يعبر عن شكواه، وهو لا يمتلك لا جريدة مسيحية، ولا قناة فضائية، ولا وساطة إنسانية تجعل آراءه تسمع لأبعد من شفاهه وحنجرته، وإن امتلك أحدها فالويل له لو تكلم وأشار للفساد الحادث في الكنيسة، فالكل سيقف ضده، وسيتخلى عنه الأصدقاء، وسيتهمونه بأنه سامري وبه شيطان، أو بسيطرة روح غريب عليه بعد أن كان ظريفاً ولطيفاً ومهادناً لكل ما كان يحدث حوله، ربما سيتهمونه بعدم الروحانية والتحريض على الثورة الداخلية للأفراد والكنائس والقادة، وفي النهاية فهو والعياذ بالرحمن من الخاسرين.
وليتني بقادر أن أقول مع إرميا النبي الباكي “أحشائي أحشائي! توجعني جدران قلبي. يئن فيّ قلبي. لا أستطيع السكوت. لأَنكِ سَمعتِ يَا نَفسي صَوتَ الْبوقِ وَهُتافَ الْحربِ”.
لقد هالني وراعني وأحزنني كثيراً أن يذهب قادة الكنيسة الإنجيلية، كنيستي التي أعتز بها وأكن لقادتها كل محبة واحترام، تذهب للقاء قادة جماعة الإخوان المسلمين. وهنا أنا أسجل رأيي الخاص في هذه السطور، وأنا وحدي مسئول عما أقول، وأظن أيضاً أنني أعبر بطريقة أو بأخرى عن رأي قطاع كبير من المسيحيين الإنجيليين الذين أتمنى أن يخرجوا عن صمتهم ويكتبوا لي وللمسئولين عن الكنيسة رأيهم بصراحة حول هذا الموضوع. ومع أنني لست ضد إظهار كل أنواع المحبة والتسامح والمودة ومد الجسور مع غير المسيحيين، تلك الشماعة التي علق عليها القادة الإنجيليون كل ما ارتكبوه في الفترة الماضية من تصرفات، أقل ما يقال عنها، إنها خاطئة ومريبة، ويؤاخذون عليها. ولقد سؤلت في مناسبات عديدة، سواء في لقاءات شخصية أو عمومية أو حتى على الهواء مباشرة في بعض الفضائيات المسيحية، أن أقدم تفسيراً ورأياً في هذه المسألة. وكانت الأسئلة، ما هدف القادة من هذه الزيارة، ولماذا جماعة الإخوان المسلمين بالذات، أو ليس زيارة قادتنا لهم بمثابة اعتراف صريح بهم كجماعة إسلامية، أما كان من الأجدر بالمؤسسة الكنسية أن تقصر تعاملها مع الأزهر كمؤسسة دينية معترف بها رسمياً دون الالتجاء للتعامل مع المحظورة التي لم يفك الحظر رسمياً عنها حتى الآن، ترى ماذا كان موقف الأزهر من هذه الزيارة؟ ماذا لو لم يكن الرئيس القادم من الإخوان؟ ماذا سيكون موقفه من الكنيسة وقادتها؟ أمزيد من الاحترام أم مزيد من الاستخفاف بقرارات الكنيسة ومواقفها غير المدروسة في المرات التالية؟ وهل ستعود الكنيسة مرة أخرى لتنتقد المحظورة إرضاءً للرئيس الجديد، إن جاء من غير جماعة الإخوان المسلمين؟ لماذا لم يقم القادة حواراً مع السلفيين والعلمانيين وغيرهم من فئات الشعب؟ ألا يمكن أن تفهم هذه الزيارة على أنها تحيز لفريق دون الآخر من الفرق الكثيرة الممثلة في الشارع المصري اليوم؟ لماذا أسرع قادة الكنيسة الإنجيلية في عمل هذه الزيارة دون الانتظار إلى ما ستسفر عنه الأيام القادمة من انتخاب للرئيس الجديد؟ من كان يُمثل الوفد الذي ذهب لملاقاة هذه الجماعة، والمكون كله من قادة المذهب الإنجيلي المشيخي ما عدا واحد فقط من كنيسة الإخوة؟ هل كان هذا الوفد يمثل رئاسة الطائفة الإنجيلية برئاسة المجلس الملي الإنجيلى العام بكل مذاهبه، أم كان يمثل الكنيسة المشيخية الإنجيلية فقط؟ فإن كان هذا الوفد يمثل الطائفة الإنجيلية كلها، فلماذا لم نسمع عن ممثل للكنيسة الرسولية أوغيرها؟ فهل عرض عليهم الأمر وطُلب منهم أن يحضر مندوب عنهم ليكون ضمن هذا الوفد ورفضوا؟ أم لم يعرض عليهم الأمر من أصله لأسباب لا داعي لتناولها في هذا المقام؟ وإن كان هذا الوفد ممثل للكنيسة المشيخية، فلماذا ضم هذا الوفد عضواً من كنيسة الإخوة؟ وهل كان عضو طائفة الإخوة ممثلاً رسمياً لهم أم أنه ذهب بصفته الشخصية؟ وهل وافق فلاحو الكتاب، كما يحلو للكثيرين أن يطلقوا عليهم، والذين نعتبرهم سلفيوا الطوائف المسيحية المصرية وأكثرها حفاظاً على المسيحية الأولى وتعاليم كتابنا المقدس، على أن يذهب ممثل عنهم لطلب ود جماعة الإخوان المسلمين؟ وبغض النظر عن من كان يمثل هذا الوفد يبقى السؤال: من كلف ووكَّل هؤلاء الناس بالذهاب؟ هل اتخذت رئاسة الطائفة قرارا بذلك، بعد مناقشة وحساب للعواقب واقتراع وتسجيل للأراء وعدد الأصوات الموافقة والمعارضة لهذه الزيارة، حتى نستطيع أن نتطلع على كل هذا ونحاسب المحسن والمسيء؟ وما هو هدف الزيارة على كل حال، هل فكر أحدهم في عواقبها “وحسبوها صح” حتى يقدموا على هذه الخطوة؟ هل استشار هؤلاء القادة الرب في الذهاب من عدمه؟ وهل أجابهم الرب جواباً واضحاً على سؤالهم؟ أم أنهم على علم بالأمور، وهم من المحنكين في انتهاز الفرص بما لا يترك لهم مجالاً أو مكاناً لسماع صوت الرب؟ أم أن موضوع سماع صوت الرب قد أصبح “موضة قديمة” لا يذكرها أو يتكلم عنها إلا “العبط” من الطوائف المهتمة بالغيبيات والمواهب والرؤى والإعلانات؟!!
ومن الواضح أنني لم أكن ولن أكون بقادر أن أجيب عن الكثير من هذه الأسئلة الهامة التي لدىَّ منها الكثير والكثير، والتي من حقنا نحن كمسيحيين وكإنجيليين أن نأخذ إجابة عليها. بل ومن حقنا أن نحاكم أولئك الذين يزجون بأسمائنا كإنجيليين في مواقف نحن لم نوافق عليها، ولم نستشر فيها وكأننا قطيع من الأغنام نساق وراء من نصبوا أنفسهم على كراسي قيادتنا. فلو قامت رئاسة المذهب المشيخي بزيارة جماعة الإخوان لكان هذا من شأنهم كمذهب، أما أن يزج باسم الطائفة الإنجيلية كلها في هذا العمل فلابد من التساؤل والمحاسبة، فلقد مضى عصر تحكّم اللاعب الواحد في المباراة، وتحكّم القيادات الكنسية في الشعب. وإن استمرت هذه التصرفات من رئاسة الطائفة فستفتح هذه التصرفات الباب للشباب المسيحي الذي شارك في ثورة 25 يناير أن يطالب بمعرفة كل صغيرة وكبيرة تجري وراء الكواليس في هذا المجلس، فما سمعناه عنه في القديم يجعلنا نطالب بإلغائه من أساسه، فماذا أفادنا هذا المجلس كإنجيليين مصريين. فلست أتذكر مشكلة واحدة من المشاكل الذي اعترضته كان بقادر على حلها، فمازالت المذاهب منقسمة على بعضها، وقد نجح بعضها في انتزاع حكماً من حكومة مبارك للانفصال عن رئاسة الطائفة. ولازالت بعض كنائسنا مغلقة حتى الآن، وكم من شبابنا زج به في السجون ولم يخاطب هذا المجلس حكومة المخلوع ومباحث أمنه للإفراج عنهم، ولم نسمع من هذا المجلس ما يحدد موقفه من الثورة وما يحدث في مصر إلا بعد أن اتضحت الأمور وبدأت التصريحات من بعض مرضى الظهور بوسائل الإعلام، تصريحات شخصية ووجهات نظر فردية، لكنها قيلت وقدمت على أنها من رئاسة الطائفة الإنجيلية. لذا فأنا أطالب بحل هذا المجلس الملي الإنجيلي العام، ورئاسة الطائفة الإنجيلية، وليحكم كل مذهب نفسه، فلم تكن فكرة إقامة هذا المجلس وهذه الرئاسة إلا فكرة بوليسية خديوية لتسهيل تحكم الحكومة في المسيحيين الإنجيليين عن طريق التعامل مع شخص واحد ممثلاً لعدد قليل من المسيحيين، الذين يمثلون بدورهم مجموع الإنجيليين المصريين. ألم يعلمونا هم أن الكنيسة لا يجب أن تخاف من الناس والأحداث والمقاومين، ألم يقرأوا ما جاء في سفر يشوع والأصحاح التاسع، عن الجبعونيين، ما نصه “وأما سكان جبعون لما سمعوا بما عمله يشوع بأريحا وعاي، فهم عملوا بغدر ومضوا وداروا وأخذوا جوالق بالية لحميرهم وزقاق خمر بالية مشققة ومربوطة، ونعالا بالية ومرقعة في أرجلهم وثيابا رثة عليهم وكل خبز زادهم يابس قد صار فتاتا، وساروا إلى يشوع إلى المحلة في الجلجال وقالوا له ولرجال إسرائيل من أرض بعيدة جئنا والآن اقطعوا لنا عهدا. فقال رجال إسرائيل للحويين لعلك ساكن في وسطي فكيف أقطع لك عهدا. فقالوا ليشوع عبيدك نحن. فقال لهم يشوع من أنتم ومن أين جئتم. فقالوا له من أرض بعيدة جدا جاء عبيدك على اسم الرب إلهك. لأننا سمعنا خبره وكل ما عمل بمصر، وكل ما عمل بملكي الأموريين اللذين في عبر الأردن سيحون ملك حشبون وعوج ملك باشان، الذي في عشتاروث. فكلمنا شيوخنا وجميع سكان أرضنا قائلين خذوا بأيديكم زادا للطريق واذهبوا للقائهم وقولوا لهم عبيدكم نحن. والآن اقطعوا لنا عهدا. هذا خبزنا سخنا تزودناه من بيوتنا يوم خروجنا لكي نسير إليكم وها هو الآن يابس قد صار فتاتا. وهذه زقاق الخمر التي ملأناها جديدة هوذا قد تشققت وهذه ثيابنا ونعالنا قد بليت من طول الطريق جدا. فأخذ الرجال من زادهم ومن فم الرب لم يسألوا.”. ألم يحذر المولى شعبه في القديم من أن يقطع أي عهد مع الشعوب والأمم الذين حولهم لعلمه السابق بتأثير هذه العهود والمخالطات الردية على شعبه، هل انقلبت الآية اليوم وأصبحت الكنيسة هي التي تذهب لأعداء صليب المسيح لترتمى في أحضانهم وتطلب ودهم؟ هل انقلبت الآية اليوم وأصبحت الكنيسة هي التي ترهب وترتعب ويقع عليها رعب ورهبة المسلمين، بدلا من أن يقع عليهم رعب ورهبة الكنيسة فيأتوا طالبين التقرب ومد الجسور؟! ألم تقرأ الكنيسة اليوم ما تفوهت به راحاب الزانية عندما خبأت الجاسوسين الذين أرسلهما يشوع لتجسس الأرض عندما قالت لهما «علمت أن الرب قد أعطاكم الأرض وأن رعبكم قد وقع علينا، وأن جميع سكان الأرض ذابوا من أجلكم. لأننا قد سمعنا كيف يبس الرب مياه بحر سوف قدامكم عند خروجكم من مصر, وما عملتموه بملكي الأموريين اللذين في عبر الأردن: سيحون وعوج, اللذين حرمتموهما. سمعنا فذابت قلوبنا ولم تبق بعد روح في إنسان بسببكم، لأن الرب إلهكم هو الله في السماء من فوق وعلى الأرض من تحت”. هل لا زالت الكنيسة الإنجيلية تعلم أن إلهنا هو الله في السموات من فوق وعلى الأرض من تحت؟ ألا تتعلم الكنيسة هذا الدرس من هذه الزانية؟ فلو كانت الكنيسة مازالت تعرف هذه الحقائق فلماذا ترتمي في أحضان الإخوان وكأنها تحتاج لهم؟ ولماذا تهابهم وترتعب منهم وتسرع لمد الجسور معهم؟ وإن لم تكن تعرف فهي في شر عظيم وعار! هل انعدمت الرؤيا الإلهية السماوية والروحية للأمور إلى هذا الحد؟! لذا فهكذا يفعل الله بالكنيسة الخائفة وهكذا يزيد، قائلاً: لأنكم خفتم من الإخوان المسلمين فإلى الإخوان تسلمون، ويكون أن ما يعمله الإخوان بالكنيسة في مصر أشر لكم مما عمله السابقون مجتمعين، لتعلموا قدر الإهانة التي أهنتموني بها يقول الرب، ها أيام تأتي تقولون فيها ليتنا لم ننزل إليهم ولم نضع أيدينا في أيديهم، ولا مددنا هذه الجسور. ها هي القصبة التي توكأتم عليها ستدخل في أكتافكم.
أما الهدف المعلن لهذه الزيارة التي سيظل التاريخ يذكرها بكل أسف وأسى وعار (على الأقل من وجهة نظري) هو أن قادتنا أرادوا أن يمدوا جسورا بيننا وبين جماعة الإخوان المسلمين، ولروحنة الأمور فهم يقولون لإظهار المحبة المسيحية العملية لهم. وأما الأسباب الخفية التي يقولونها في مكاتبهم همساً، هي أن الإخوان المسلمين هم الذين سيحكمون مصر، فنسبتهم في البرلمان المصري كبيرة وفرص انتخاب رئيس منهم كانت ليست بقليلة، والكنيسة الأرثوذكسية ستكون السباقة في إقامة علاقة معهم، ونحن لا نريد أن ننتظر لنكون في الصف الثاني، فها هو الأسقف الذي قال يوماً إن المسلمين ضيوف على مصر فقامت الدنيا ولم تقعد، وخرجت المظاهرات واشتعلت الحرائق والمشاغبات وطالبوه بالاعتذار عن مقولته، يقول إنه يمكننا أن نقول عن جماعة الإخوان المسلمين أنهم جماعة الإخوان المصريين، ولا عجب أن يكتب قادتنا خطابا يطلبون فيه مقابلة من يحركهم في مصر، وفي العالم كله، روح ضد المسيح، الذين ليس بالخفي أنهم ضد كل ما هو مسيحي، ضد بناء الكنائس أو إصلاح ما تهدم منها، ومن يجمعون بلطجيتهم في دقائق معدودات لهدم وغلق كل مكان يشتبه فيه أنه سيكون كنيسة، حتى لو كان المكان في الأصل كنيسة، ومرخصة من الحكومة ولا يألون جهداً لتصنيف الكنائس، وما يسمح لنا ببنائها ومالا يسمح لنا به، فبدلا من أن يعلن قادتنا على الملأ أننا ضد كل ما يمت بصلة للإخوان المسلمين من فكر وقول وفعل، نسرع بإلقاء أنفسنا بأحضانهم لأنهم الأقوى والأكثر، ومنهم سيأتي الرئيس إن آجلاً أم عاجلاً، يسرعون ويتباهون بمقابلة من يصرون على أن المسيحي مواطن من الدرجة الثانية، لا يحق له حتى الترشح لرئاسة الجمهورية، وعندما يمارس الإخوان المسلمون طريقتهم المعتادة في المراوغة والكذب وإمساك العصاة من النصف يفرح قادتنا ويقولون بنينا جسورا بيننا وبينهم، وقالوا لنا إن المسيحي يمكن أن يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية، وكأننا في حاجة إلى تصريحاتهم وقراراتهم كمسيحيين. وكأن قادة هذه الجماعة لا يغيرون ما خرج من شفاههم ولا ينقضون عهدهم، مع أن تاريخهم في المراوغة والكذب أكثر من معروف، فلقد أحجموا عن النزول في ميدان التحرير في باديء الأمر، ولما وجدوا أن الكفة راجحة للإطاحة بالرئيس المخلوع، ركبوا هذه الموجة وكأنهم أصحاب الثورة، قالوا لن نخطط للأغلبية في مجلسي الشعب والشورى، وعملوا عكس ما قالوا، وعدوا بعدم ترشيح ممثل لهم كرئيس للجمهورية وها هي صور مرشحهم تملأ الدنيا، ولقد أصر بيان الجماعة، الذي أصدروه بمناسبة زيارة الوفد الرفيع من الكنيسة الإنجيلية لمقرهم، على توضيح أن قيادات الكنيسة الإنجيلية هي التي طلبت الحوار واللقاء، وأن سعادة المرشد العام بحث الأمر ثم تفضل بالموافقة على هذا اللقاء. وملخص القول أن بارتماء الكنيسة في مصر في أحضان الإخوان تكون قد ارتكبت واحد من أشنع أخطائها على مر العصور والأزمان. ألم ترتمي الكنيسة في أحضان الغزاة الإسلاميين يوم فتحوا مصر القبطية، حتى قبل بداية حركة الإصلاح الإنجيلية، ظانين أن الإسلام هو الحل، فذاقوا على مر العصور والأزمان مرارة الاضطهاد؟!
ألا ينتفض الشعب الإنجيلي، وخاصة الشباب، ويعلنوا رفضهم أو قبولهم لهذه الزيارة؟!
فيا قادة الكنيسة بمصر اسمعوا وعوا كلام الزانية العاهرة الفاجرة راحاب، أن الرب قد أعطاكم الأرض، فإن لم تصدقوا وإن لم تعملوا ما يدل على إيمانكم أن الرب قد أعطاكم الأرض، فلن يقع رعبكم على أحد، ولن تدخلوها يقول الرب، بل ستتساقط جثثكم في برية الأحداث في مصر، وستدفنون بلا مناحة، ولن يندبونكم كما يصنع للعظماء. ليس ذلك فحسب، بل من لا يصدق الله سبحانه يجعله كاذباً، وحاشا لله، فلقد علمت راحاب أن إلهنا هو الله في السماء من فوق وعلى الأرض من تحت، وصدقت أنه يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر، فذاب قلبها وقلوب كل من في بلدها من جبروته، تبارك اسمه، وتحدت الملك وجنوده دون خوف فنجت نفسها وأهل بيتها من هلاك محقق. اللهم إني قد أبلغت اللهم فأشهد.