ما أكثر الكلام اليوم عما يسمونه الذكاء الاصطناعي، والحديث عما هو الذكاء الاصطناعي، وما هي الحاجة الملحة لاختراعه وتطويره، وكيف نشأ، وما هي فوائده أو مضاره، وما هي طرق استخدامه وتأثيره على الفرد والمجتمع، إلى آخره من الأسئلة المحيرة والتي تحتاج إلى إجابات واضحة، مؤكدة، موثقة، قبل الاقتناع به وباستخدامه، الأمر الذي جعلني، كعادتي، أتفكر في كل ما أسمعه أو أشاهده من أمور حادثة او ستحدث حولي ونتائج حدوثها على الفرد والجماعة والكنيسة قبل أن تحدث. وقد كان من بين هذه الأمور أمر الذكاء الاصطناعي، لذا امتلأت رأسي بالعديد من الأسئلة المنطقية عنه.
مثل: ما هو الذكاء الاصطناعي كما يعرِّفه مخترعوه من العلماء والعاملين على تطويره واستخدامه؟ وهل حقًا هناك ما كان يُعرف بالذكاء الاصطناعي منذ بدء خليقة الله؟ وهل كان في فكر المولى سبحانه وتعالى ومشيئته أن يخترع أو يكتشف الإنسان مثل هذا الذكاء الاصطناعي أم انه سبحانه كان قد زود الإنسان به أوتوماتيكيًا يوم خَلْقِه، ذكرًا وأنثى زودهما به؟ ومَنْ يا ترى هو الأكثر احتياجًا للذكاء الاصطناعي؟ أهي المرأة وخاصةً عند البعض ممن يؤمنون ويعلمون أنها ناقصة عقل ودين؟ أم الرجال فقط، الذين هم قوامون على النساء؟ وكتحصيل حاصل، والأهم من البحث في الذكاء الاصطناعي، لا بد من الإجابة على الأسئلة التالية: إن كان هناك ذكاء اصطناعي فهل هناك أيضًا غباء اصطناعي حتم على الإنسان أن يصنع له مضادًا ومقابلًا ويطلق عليه ذكاء اصطناعي؟، وإن كان هناك غباء اصطناعي ولا بد من مقاومته بذكاء اصطناعي، فهل خلق المولى تبارك اسمه الإنسان بقصور في مستوى ذكائه أو قُل بنسبة من الغباء الخلقي الطبيعي ولذا يحاول الإنسان أن يستعيض عن هذا القصور في خليقة الخالق وتكوينه سبحانه للإنسان بعمل ذكاء اصطناعي بنفسه ولنفسه؟ وهل سيُرجِع الذكاء الاصطناعي الذكاء المفقود من الإنسان، ويعوض عن الغباء الاصطناعي أو الناقص فيه حتى أن الإنسان جاهد ويجاهد وسيستمر في جهاده لعمل اختراع الذكاء الاصطناعي؟ وهل ما يتحدث عنه الإنسان وما قام به ويستمر في عمله وتطويره وخلق مجالات مختلفة لاستخدامه هو فعلاً ذكاء اصطناعي أم هو الغباء الاصطناعي بعينه؟
ودعني أقرر في بداية إجاباتي على ما تيسر من هذه الأسئلة السابقة أنني لستُ ضد اختراع واستخدام الذكاء الاصطناعي عندما يُعطى لعقول قد سيطر عليها الحكيم العليم بكل شيء، وما دامت تستخدمه فقط فيما ينفع البشرية جمعاء. لكن من الواضح أنه كأي اختراع آخر يمكن أن يُستخدم في فائدة الخلق وتسهيل حياتهم، ويمكن أن يُستخدم أيضًا في تصعيبها بل وفي قتلهم وتدميرهم، كالسكين الحاد التي يمكن أن تُستخدم لعمل أشهى المأكولات وأيضًا قد تُستخدم في قتل مُعدي الطعام وآكليه أيضًا.
وللإجابة على هذه الأسئلة الكثيرة سألتزم بما جاء في كتاب الله الوحيد، الكتاب المقدس، من إجابات أو نصوص نزلت به، سواء نزلت خصيصًا للإجابة على مثل هذه الأسئلة أو ما نزل منها عامةً وينطبق على ما نحن بصدد بحثه.
وطبيعي أنه في بداية إجابتي على الأسئلة لا بد لي من تعريف الذكاء الاصطناعي أولاً، وبالتالي نستطيع فهم ووضع تعريف للغباء الاصطناعي إن وُجِدَ. أما تعريف العلماء والدارسين والمخترعين والمطورين للذكاء بصفة عامة فهو أن “الذكاء مصطلح يشمل القدرات العقلية المتعلقة بالقدرة على التحليل، والتخطيط، وحل المشاكل، وبناء الاستنتاجات، وسرعة التصرف، كما يشمل القدرة على التفكير المجرد، وجمع وتنسيق الأفكار، والتقاط اللغات، وسرعة التعلم، ويتضمن أيضًا، بحسب بعض العلماء، القدرة على الإحساس وإبداء المشاعر وفهم مشاعر الآخرين. وهذا ما يحاول العلماء إضافته أو صقله أو زيادته في الإنسان بواسطة الذكاء الاصطناعي. ويقولون إن البرلمان الأوروبي استغرق عامين للتوصل إلى تعريف لنظام الذكاء الاصطناعي، وهو برنامج تجري تغذيته “بمجموعة معينة من الأهداف التي يحددها الإنسان، لإنتاج مخرجات كالمحتوى أو التنبؤات أو التوصيات أو القرارات التي تؤثر على البيئات التي يتفاعل معها”.
وقد طورت شركة أبحاث الذكاء الاصطناعي “أوبن إيه آي” تقنية “تشات جي بي تي”بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية. ويدير الشركة سام أولتمان، ومن بين داعميها شركة مايكروسوفت وقطب التكنولوجيا إيلون ماسك. وقد أعلنت شركة أمازون أنها سوف تستثمر 4 مليارات دولار أمريكي في شركة “أنثروبيك” للذكاء الاصطناعي، ومقرها في سان فرانسيسكو، وهو ما يعكس المنافسة الشرسة بين أمازون ومايكروسوفت في مجال الذكاء الاصطناعي. ونشر مركز أمان الذكاء الاصطناعي، ومقره الولايات المتحدة، بيانًا عبر موقعه الإلكتروني، أيده العشرات من المتخصصين التكنولوجيين البارزين، وجاء في البيان “أن استخدام الذكاء الاصطناعي قد يولِّد معلومات خاطئة من شأنها أن تزعزع استقرار المجتمع”. وفي أسوأ السيناريوهات، قال الخبراء: “إن هذه الآلات قد تصبح ذكية للغاية بحيث تتولى زمام الأمور، ما قد يؤدي إلى انقراض البشرية”. (ويا سبحان الله، أي ذكاء هذا الذي يؤدي إلى تزعزع استقرار المجتمع، وقد يؤدي إلى انقراض البشرية).
و قالت رئيسة قطاع التكنولوجيا في الاتحاد الأوروبي مارجريت فيستاجر لـ “بي بي سي” إن قدرة الذكاء الاصطناعي على تضخيم التحيز أو التمييز أصبحت مصدر قلق كبير وسببًا مُلحًا لإيجاد حل. (و يا سبحان الله، أي ذكاء هذا الذي أصبح مصدر قلق كبير وسببًا مُلحًا لإيجاد حل).
وواضح من التعريف السابق للذكاء الاصطناعي أنه يشخص في حد ذاته تعريف الغباء الاصطناعي وهو عدم قدرة الإنسان الطبيعي على ممارسة كل ما تقدم بالقدر الكافي، لذا حاول الإنسان ويحاول وسيحاول أن يرتقي بقدراته وملكاته وعالمه باختراع واستخدام الذكاء الاصطناعي، واختراع عقول إليكترونية من حاسبات وكمبيوترات معقدة التركيب حتى يستطيع بها أن يعوض النقص في الذكاء الذي يعاني منه كإنسان.
والسؤال هنا هو: هل هناك غباء اصطناعي كما أن هناك ذكاءً اصطناعيًا؟ أما الإجابة الواضحة البسيطة على هذا السؤال فهي أن الحقائق الروحية والكتابية المدونة في كتاب الله الوحيد، التوراة والإنجيل، حتى تلك الحقائق الروحية، غير المكتوبة بالنص، أو خصيصًا لبحث مثل هذا الأمر، جميعها تؤكد أنه لم يكن هناك في فكر المولى، مع أنه سبحانه كلي العلم وهو العليم بكل شيء، ما يُعرف بالذكاء الاصطناعي في تعاليم المولى سبحانه وتعالى، ولم يكن في خطته أو عزمه أن يخلق أو يعطي الإنسان الإمكانية لعمل ما يُعَرِّفُه الإنسان اليوم بالذكاء الاصطناعي، حيث إنه لم يكن الإنسان في حاجة إليه يوم خلقه، فالذكاء كله هو ذكاء طبيعي قام المولى تبارك اسمه بخلقه وبوضعه في الإنسان كاملًا يوم خلقه، لكن الإنسان، بدلًا من أن يستخدم ذكاءه الطبيعي المخلوق معه عندما خلقه الله، قرر أن يخلط هذا الذكاء الخَلْقِي الطبيعي بما ظنه أنه ذكاء اصطناعي بشري إنساني، وهو ليس من خلق المولى في شيء. وقرر الإنسان خلط ذكائه الاصطناعي بذكائه الرباني المعطى له من المولى، فنتج عن هذه الخلطة التي كان وسيطها ومخترعها الشيطان ما يُعرف بالغباء الاصطناعي، فتم في الإنسان القول الكتابي: “وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَ”.
لذا، ومما تقدم، فالكتاب المقدس يؤكد أنه ليس هناك غباء خلقي بأمر المولى سبحانه، بل ما الغباء إلا غباء اصطناعي فقط من صنع الإنسان ليعوض ما فقده في جنة عدن من ذكاء إلهي سماوي فطري، حتى لو أطلق عليه الإنسان أو ظن أنه ذكاء اصطناعي إلا أنه هو الغباء الاصطناعي بذاته، ويتضح هذا من الأسباب التالية:
أن الله العظيم كلي القدرة والحكمة حاشا له أن يخلق غباءً بأي شكل من الأشكال، فهل يخلق الحكيم في ذاته، كلي الحكمة بطبيعته، يخلق غباءً أو هل تنتج وتلد الحكمة غباءً؟ وهناك العديد من الآيات والمقاطع الكتابية التي تؤكد هذه الحقيقة:
أ- يقول تنزيل الحكيم العليم الكتاب المقدس إن الله خلق الإنسان على صورته “فَخَلَقَ اللهُ الإنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرا وَأنْثَى خَلَقَهُمْ” (تكوين 1: 27). فهل هناك أي قدر من الغباء في صورة أو طبيعة المولى تبارك اسمه، الذي نستغفره ونتوب إليه، حتى يخلق عليها خلائقه؟ حاشا.
ب- يقول الكتاب المقدس أيضًا إن الله، الفعال لما يريد، أحضر إلى آدم كل حيوانات البرية وكل طيور السماء ليرى ماذا يدعوها بأسمائها، أفلا يدل ذلك على ذكاء آدم الخارق الذي أعطاه له الخالق سبحانه يومئذٍ في خلقه، وهو ذكاء غير اصطناعي بل طبيعي رباني الهي، فُطِرَ عليه آدم وحواء يوم خلقهما، كما سبقت الإشارة؟ فيذكر الوحي الإلهي في تكوين 2 والعددين 19 و20 “وَجَبَلَ الرَّبُّ الإلَهُ مِنَ الأرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ فَاحْضَرَهَا إلى ادَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا. فَدَعَا ادَمُ بِأسْمَاءٍ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ.”
ج- ألم يقل الوحي الكتابي عن خلق آدم في اليوم السادس من أيام الخليقة: “وَرَأى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإذَا هُوَ حَسَنٌ جِدّا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْما سَادِسا”؟ فهل كان هناك ولو القدر الضئيل من الغباء الخلقي في خليقة الله التي رآها الحكيم العليم سبحانه أنها حسنة جدًا؟ وهكذا تشهد كل كتب الأديان، السماوية منها وغير السماوية عن الله بالقول: “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم”. إذا فلماذا هذه التسمية، الغباء الاصطناعي، لأنه ليس هناك ما يُعرف بالغباء الطبيعي أو الخَلْقِي، ولأن الذكاء الاصطناعي ما هو إلا محاولة فاشلة لاسترداد واستعادة ما خَلَقَ الله الإنسان عليه من ذكاء فطري يوم خلقه.
أما أهم المظاهر والدلائل القاطعة التي تدل على إصابة الإنسان الفجائية، وفي الحال، بالغباء الاصطناعي الذي جبله الإنسان لنفسه وبنفسه وتبناه بعد خلقه وطاعته لإبليس فهي كثيرة على أي حال، اذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
أ- أولها وأخطرها هو تصديق الإنسان للكذاب وأبو كل كذاب، الشيطان، وتكذيب الصادق الأمين، فلقد حذَّر المولى آدم وحواء قبل أن يأتي الرجيم لغوايتها وقال لهما: “يوم تأكلا من هذه الشجرة (شجرة معرفة الخير والشر) التي هي في وسط الجنة موتًا تموتا”، وجاء الشيطان اللعين وقال لهما: “لا لن تموتا”، وقدم لهما الدليل على عدم موتهما قائلًا: “بل الله عالم أنكما يوم تأكلا منها ستنفتح أعينكما وتصيران كالله عارفين الخير والشر”، فصدقاه وكذبا ربهما. لقد أصابهما الوسواس الخناس في مقتل وزرع بهما غباء اصطناعي فاستعملاه أول ما استعملاه مع نفسيهما ومع خالقهما تبارك اسمه.
ب- أليس من الغباء أن يحاول الإنسان أن يكون كالله عارفًا الخير والشر كما يعرفهما تبارك اسمه؟ ألا يتطلب هذا أن يكون للإنسان نفس العلم والعقل والمقدرة على الاستيعاب كخالقه؟ وهل يمكن أن تصير للإنسان قدرة خالقه وعلمه وعقله؟
ج- مما يؤكد أيضًا إصابة الإنسان بالغباء الاصطناعي محاولته للاختباء من الخالق مَنْ له عينان تخترقان أستار الظلام والظلمة لا تظلم لديه، فعندما سأل المولى تبارك اسمه آدم أول سؤال تم تدوينه في الكتاب المقدس مخاطبًا إياه: “آدم، أين أنت؟” أجابه آدم بغباء محكم قائلًا: “سمعتُ صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأتُ”، فهل يمكن أن يختبئ الإنسان من خالقه؟
وهكذا توارثت الأجيال هذا الغباء الاصطناعي الذي صنعه آدم وحواء والشيطان في جنة عدن. فمن مظاهر الغباء الاصطناعي الذي توارثه أبناء آدم وحواء ما يلي:
أ- أن يُحَوِّل قايين، الابن الأول والبكر لآدم وحواء، خلافًا حول قناعاته وإيمانياته الدينية والروحية في طريقة عبادة المولى مع أخيه هابيل إلى مذبحة دموية وغدر وقتل وتصفية جسدية لأخيه الوحيد على الأرض، فيا له من غباء اصطناعي شرير تحكم في عقل وكيان قايين حتى يقوم على أخيه ويقتله! أليست العبادة لله وحده؟ أو ليس الدين لله والوطن للجميع كما يحلو للإنسان أن يقول؟ إلا أن الإنسان لم يزل يستخدم هذا الغباء الاصطناعي في التعامل مع مَنْ يخالفه في الدين والإيمانيات ويكرر فعلة قايين النكراء بأن يقوم على أخيه ويقتله ويردد ويقحم اسم المولى نفسه في كل ما يمارسه من قتل وعدوان، فعبارة “الله أكبر، الله أكبر” أصبحت وكأنها كلمة السر عند قتل مَنْ يخالفوننا في الدين والعقيدة، و”قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر” أصبحت ناموسًا إلهيًا سماويًا في التعامل معهم، و”مَنْ بدل دينه فاقتلوه!” لماذا؟، أليس الدين هو علاقة روحية، قلبية، شخصية، بين الإنسان وخالقه، أو هكذا ينبغي أن يكون وهكذا أوجدها المولى سبحانه لتكون.
ب- أليس من الغباء الاصطناعي أن يظن قايين أن الله، كلي العلم، لا يعلم أين هابيل أخوه عندما سأله سبحانه: “أين هابيل أخيك” فيكذب قايين ويدعى عدم معرفته بمكان هابيل وهو الذي قتله ودفنه وظن أن أحدًا لن يعلم بواقعة القتل، حتى العليم السميع، فيتطاول في غبائه الاصطناعي على الله ويجيبه سبحانه: “أحارس أنا لأخي؟” نعم. يا له من غباء رهيب قد تمكن من الإنسان إلى هذه الدرجة.
ج- أليس من الغباء الاصطناعي ألا يصدق الناس أنبياء الله المرسلين منه سبحانه عندما يدعونهم للرجوع للمولى تبارك اسمه والتوبة له وقبول عفوه وغفرانه ورحمته؟ ألم يكرز نبي الله نوح للناس في الأرض سنين طويلة محذرًا إياهم أن طوفانًا سيغرق ويهلك الأرض ولم يصدقه أحد فهلك جميع البشر مَنْ كانوا على الأرض ماعدا نوح وعائلته؟
د- أليس من الغباء الاصطناعي أن يعرف الناس أن طوفانًا أغرق وأهلك الأرض كلها لأن القدير على كل شيء هو الذي أمر بذلك فكان، ثم وعد أنه لن يهلك الأرض مرة ثانية بالطوفان كما عمل في المرة الأولى، ومع ذلك لا يصدقه الإنسان مخترع الغباء الاصطناعي فيقرر أن يبني برجًا يمس رأسه السماء حتى إذا نسخ المولى كلامه وقرر إغراق الأرض مرة ثانية يكون الإنسان في مأمن من غضبه؟
هـ- أليس من الغباء الاصطناعي أن يظن الإنسان أن الله كلي العلم والمعرفة والقدرة يمكن أن ينسخ كلامه ويغير ما خرج من شفتيه ويرجع فيما قاله، ولذا يتصارع مع غيره من البشر حول ما نسخ وما لم ينسخ؟ ألم يقل القدير: “لا انقض عهدي ولا أغير ما خرج من شفتي”؟ أفبعد ما قال بفمه الطاهر: “سمعتم أنه قيل: عين بعين وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر بل مَنْ لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضًا. ومَنْ أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضًا. ومَنْ سخرك ميلًا واحدًا فاذهب معه اثنين. مَنْ سالك فأعطه ومَنْ أراد أن يقترض منك فلا ترده” أيرجع في كلامه ويقول للناس: “وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”؟
و- أليس من مظاهر الغباء الاصطناعي أن يحاول الإنسان تجميل النفس من الخارج، بينما هو من الداخل ملئ بأعمال الجسد والتي قال عنها الكتاب المقدس: “وأعمال الجسد ظاهرة، التي هي: زنى عهارة نجاسة دعارة عبادة الأوثان سحر عداوة خصام غيرة سخط تحزب شقاق بدعة حسد قتل سكر بطر، وأمثال هذه التي أسبق فأقول لكم عنها كما سبقتُ فقلتُ أيضًا: إن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله”، وفي الوقت نفسه يرفض الإنسان ويبتعد عن ثمر الروح الذي هو: محبة فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة تعفف. ألم يصف السيد المسيح تبارك اسمه أمثال هؤلاء بأنهم كالقبور المبيضة والمزينة في قوله: “ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تشبهون قبورًا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة”؟
ز- أليس من الغباء الاصطناعي أن يضع المولى أمام الإنسان خيارين، الموت والحياة، ويوصيه تعالى بواسطة عبده موسى قائلًا: “أشهد عليكم اليوم السماء والأرض. قد جعلتُ قدامك الحياة والموت. البركة واللعنة. فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك”، ومع هذا يصر الإنسان على اختيار الموت؟
ح- أليس من الغباء الاصطناعي أن يدخل إنسان أو دولة أو منظمة الحرب مع عدو أقوى وأشرس وأكثر علمًا وعتادًا منها دون أن تحسب الأمر، فتتسبب في قتل الصغار والكبار من بين شعبها وخراب أرضها، ورجوع بلادها إلى عصر الجاهلية، بسبب عنجهيتها وكبريائها ومصالحها الشخصية كما هو حادث اليوم بين إسرائيل وفلسطين؟ ألم يسمعوا ويعوا قول المسيح: “وأي ملك إن ذهب لمقاتلة ملك آخر في حرب لا يجلس أولًا ويتشاور: هل يستطيع أن يلاقي بعشرة آلاف الذي يأتي عليه بعشرين ألفًا؟ وإلا فما دام ذلك بعيدًا يرسل سفارة ويسال ما هو للصلح”؟ وقال أيضًا: “ومَنْ منكم وهو يريد أن يبني برجًا لا يجلس أولًا ويحسب النفقة هل عنده ما يلزم لكماله؟ لئلا يضع الأساس ولا يقدر أن يكمل فيبتدئ جميع الناظرين يهزأون به قائلين: هذا الإنسان ابتدأ يبني ولم يقدر أن يكمل”.
ولرب سائل يسأل: ماذا يمكن للإنسان أن يعمل في وقتنا الحاضر بعد أن اخترع لنفسه غباءً اصطناعيًا مدمرًا فابتعد بسببه عن المولى وعن الأدب والأخلاق والإيمان والعيش القويم؟ هل هناك من طريقة لاسترداد الذكاء الطبيعي الذي خلق عليه الله سبحانه الإنسان، وخاصةً بعد أن أعلن القدير في كتابه الوحيد، التوراة والإنجيل، عن غضبه على جميع الناس بسبب ظلام ذهنهم وقلبهم الغبي، في قوله تعالى: “إن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم، الذين يحجزون الحق بالإثم. إذ معرفة الله ظاهرة فيهم، لأن الله أظهرها لهم، لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات، قدرته السرمدية ولاهوته، حتى أنهم بلا عذر. لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله، بل حمقوا في أفكارهم، وأظلم قلبهم الغبي. وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء؟”
وللإجابة على هذا السؤال أقول: نعم، الله لا يعدم وسيلة، ولا يمنع خير عن السالكين بالكمال، فالحل لاستعادة الذكاء الروحي والجسدي الذي خلق المولى الإنسان به هو في قبول وصاياه والعيش بها والالتزام بمعونة روحه القدوس على تنفيذها بحذافيرها، لذا دوَّن لنا الكتاب المقدس الآيات التي تؤكد ذلك في قوله تبارك اسمه: “وصاياك جعلتني أحكم من أعدائي”، “وفتح كلامك ينير يعقل الجهال”، و”سراج لرجلي كلامك ونور سبيلي”، وغيرها الكثير.
ولقد حذَّرنا المولى من الغباء الاصطناعي في قوله: “الحكماء يذخرون معرفة، أما فم الغبي فهلاك قريب”، “شفتا الصديق تهديان كثيرين، أما الأغبياء فيموتون من نقص الفهم”، “الغبي يصدق كل كلمة والذكي ينتبه إلى خطواته”، “الأغبياء يرثون الحماقة والأذكياء يُتوجون بالمعرفة”، “الذكي يبصر الشر فيتوارى، والحمقى يعبرون فيعاقبون”. وغيرها الكثير من الآيات البينات.
اللهم يا مَنْ وهبت لنا يوم خلقتنا الذكاء
نعترف أننا أفسدنا خليقتك واخترنا بإرادتنا الغباء
ظننا أننا باختيارنا للغباء سنصير دونك من الحكماء
فعصيناك، وصدقنا عدوك الشرير، فمتنا بعد أن كنا من الأحياء
حاولنا علاج أنفسنا فاختبأنا من وجهك يا مَنْ تملأ الأرض والسماء
أخَطْنَا لأنفسنا، من أوراق تين، مآزر لتسترنا عن وجهك الوضاء
لكن هيهات، فهل تستر أوراق التين عورة أمثالنا من الأغبياء؟
فشمسك الحامية تحرق أوراق التين وما تخفي خلفها من أشياء
لذا فلم تبق لنا سوى رحمتك وغفرانك وصفحك أبوابًا للرجاء
فاقبل اعتذارنا وتوبتنا، وامنحنا من لدنك رحمة وعزاءً.