العلب الفارغة

5

حسن إسماعيل

‏”لا أهتم إن كانت الأحداث التي أمر بها سعيدة أم بائسة، لأن ما أدركه تمامًا أن عليَّ معانقتها جميعًا بكل الأحوال!” – نيتشه

وأنت بتعمل شكل الزخارف لأنها أسهل وبتهرب وتترك مخاض وتشكيل ونحت الجوهر لأنه أصعب

ما تزعلش لما تبعد عن أرض الموعد الجواني جدًا

لكل زمن صعب وقاسي..

ناس شواطئ

وطوق نجاة

وعكاز سند

وحضن مجاني بطعم الأبد

لما تسأل اسأل بجد وبحق وحقيقي

لما تبحث ابحث بجد وبحق وحقيقي

فتش بجد.. افهم بجد.. اصغي بجد.. اضحك بجد.. احزن بجد.. عييييش بجد

مافيش تعب عاقل وبجد جوه كيانك.. مش هتحصده

ومافيش هجس وفهلوة جوه كيانك.. مش هتحصده

ولمن أعطى نفسه إلى الدرجة القصوى دون أدنى انتظار

ولمن ينتمي بروحه

وكيف عبر على الفقراء دون مخاض يجعل منه قطعة خبز حي ورشفة ماء

وكيف لم يهتم بالمأسورين وتركهم بين أنياب الجلادين دون أدنى امتعاض حتى في غرفته الخاصة

ولماذا لم يختبر عهد الإخلاء

ولماذا لم تجذبه الحرية واستساغ عبوديته اليومية

ولماذا لم يلمس قلوب الأطفال وترك داء السواد يمتلكه

كيف أغلق بابه في وجه العجائز وسر الحب المجاني فاحتفظ بفقره الروحي إلى حد الجفاف

كيف لم يتأمل الكون وعرف أن الحقيقة تكمن في التناغم حتى الفوضوي منها

مشاعره لم تعرف العري أمام شخص واحد فقط.. حتى هذا الواحد لم يجده رغم الزحام اللزج والضوضاء الصماء

أحلام الحب لم تعرف النور لأنه لم يقطن غير الظلام واجتهد في العبور على الفرص بكل ضمير ميت

لم يكتشف كم التيجان التي لديه.. لأنه أضاع عمره في التلصص ورصد تيجان الآخرين

يسكر حتى الثمالة بكأس الأشياء.. لعله ينسى أنه كلي الأشياء ولكنه في الحقيقة لا شيء

كل الأرقام التي ترقص على مسرحه يُخرجها مخرج صفري

يصنع كنز من اللحظات المقتولة بجدارة

الكأس الأولى: تواجه رغبتك وقدرتك.. وتعريك كطفل باحث بلا ضوضاء

الكأس الثانية: تسقط عنك عجرفة أغلال الجوهر

أكذوبة الأنا المنتفخة بمجد الباطل

الكأس الثالثة: تأخذ قلبك حيث لا تشاء

الكأس الرابعة: تجعلك تكتشف صمت الاشتهاء

الكأس الخامسة: تصير في شبه الناس كشاه تساق لنبع النهر

الكأس السادسة: تختبر اللحظة الممجدة واليوم الذي كألف عام وخلود الدهر

الكأس السابعة: ترى مَنْ هم رفاق الدرب وتعرف سر الاتحاد وعمق الفطام

فتعبر في السرائر التي لا تعبر وتتخطى الحياة والموت..

مع الوقت يتضع التفرد ويكسر مرايا الجذب الخرافية

مع الوقت لا يترك آثار أقدامه تصنع خريطة وهمية

يصل إلى ما يصل إليه باتضاع وبصمت وباحتجاب

اللغة لا تقدر أن تجسِّد تجربتك الخاصة جدًا

اللغة تقدر أن تُحرِّفها فقط

تجعلها حربائية.. تناسب كل الأجسام

فيتخيل المــُـكرر أنه عاش ما يكرره بالكلام

فالببغاء لم ولن يصل

والقرود مازالت تسكن الجبلاية هناك

فلا تقلد أحد

ولا تتخيل نفسك مرايا انعكاس

التفاصيل.. العلب الفارغة

هناك مَنْ يضع فيها المعنى أو العبث

الملح أو اللاطعم

المألوف الجميل أو تكرار الباطل

الله أو الشيطان

الأنا أو الآخر

أو كل شيء أو لا شيء

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا