الضغوط النفسية.. والسوشيال ميديا

4

د. فيولا موريس

لا شك أن من الأمور الهامة والأكثر انتشارًا وخاصة في عصر الإنترنت، معاناة الأغلبية من الضغوط النفسية والتي أصبحت على قائمة كتالوج الصحة النفسية، حيث يتسابق معظم الناس على معرفة كل ما هو جديد من الأخبار كما يحرصون على مشاهدة كل ما يدور حول العالم من أحداث من خلال السوشيال ميديا والتي يغلب عليها الطابع الكارثي، وذلك مثل الأزمات الاقتصادية والغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار الجنوني وانخفاض قيمة العملة المحلية وتزايد حالات البطالة وانتشار الجريمة وضحايا القتل، بالإضافة للتغيرات المناخية التي أدت إلى حدوث كوارث طبيعية وذلك خلال تبعات الكوفيد 19، وأخيرًا الأخبار المتعلقة بالحروب وخاصةً الحرب الروسية-الأوكرانية التي يعاني العالم من ويلاتها والتي قد تنذر باشتعال حرب عالمية ثالثة.

هذه المحفزات الخارجية التي يعيش أغلب سكان الكرة الأرضية تحت وطأتها تملأ الأجواء بالتهديد والمخاوف، مما أدى إلى الزيادة الملحوظة في الإصابة بالضغوط النفسية. وفي الواقع فإن الضغوط النفسية تؤثر بالسلب على النشاط الإنساني، حيث يفرز المخ هرمونًا محفزًا للغدة النخامية يُعرف بالكورتيزول Stress Hormone. وهذا الهرمون يعمل على توازن الجسم حيث ينظم ضغط الدم والسكر كما ينظم دائرة النوم والصحيان.

إن زيادة هرمون الكورتيزول في الجسم تجعل الأشخاص أقل قدرة على ممارسة أنشطتهم اليومية، إذ تقل مستويات الطاقة الذهنية والجسمية لديهم فيصابون بالخمول والتعب والعصبية والغضب بالإضافة لعدم انتظام النوم واضطراب في التفكير والذاكرة وعدم القدرة على اتخاذ القرار، وقد يشعرون بعدم التقدير لذواتهم وفي أحيان كثيرة يؤدي ذلك إلى كراهيتهم لأنفسهم وإحساسهم بالذنب مما يصيبهم بالتوتر والقلق والوسواس، وقد يصل بهم الأمر إلى الدخول في بئر الاكتئاب. وفي الأغلب فإن الضغط النفسي ينعكس في شكل أمراض جسدية كالإصابة بالقولون العصبي أو قرحة المعدة أو آلام في العظام وارتفاع ضغط الدم والسكر إلى آخر هذه الأمراض التي تؤثر بالتالي على أجهزة الجسم وخاصةً الجهاز العصبي وجهاز المناعة.

وللهروب من دائرة الضغط النفسي والتخلص من الضجيج الذي يملأ أفكار الشخص بالاضطراب والقلق بالإضافة لعدم قدرته على مواجهة الواقع (هنا والآن)، يلجأ إلى إدمان وسائل التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والإنستجرام والتيك توك، حيث يجد عالمًا افتراضيًا يعزز من قيمته ويمنحه شعورًا مزيفًا بالسعادة، وذلك من خلال عدد الأشخاص الذين يسجلون إعجابهم بما يقدمه على صفحته، إلا أن هذا العالم قد يخلق مناخًا من التنافسية والمقارنة وأحيانًا التنمر. وهكذا يلعب العالم المزيف دورًا هامًا في تشكيل صورة الشخص عن نفسه، حيث تتأرجح بين القبول والرفض، بالإضافة لدخول الشخص في بوتقة العزلة والانفصال عن العالم الخارجي zoning out قد تصل به إلى عالم التوحد وهو بداية منحدر الاكتئاب للأشخاص الذين يستخدمون الإنستجرام والتيك توك والذي يفوق بكثير الأشخاص الذين لا يستخدمون هذه التطبيقات وخاصةً بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و30 عامًا.

علاج الضغوط النفسية

في البداية لا بد أن تتعلم أن تنفصل عن المثيرات الخارجية المزعجة وذلك بالابتعاد عن مصادر الأخبار المحملة بالتوتر والقلق ومنح نفسك فترات راحة من السوشيال ميديا حتى يمكنك حماية ذهنك ومشاعرك من الضغوط النفسية.

تعلَّم أن تجلس منفردًا من وقت إلى آخر حين تستمتع بالهدوء النفسي وتستعيد الذكريات السارة من ذاكرتك وبالتالي تعمل على بناء ذاكرة المشاعر الإيجابية المختزنة في ذهنك. وهكذا تعيد برمجة لغة المخ التي تساعدك على تغيير رؤيتك لإحداث الحياة.

ضع أولويات لمهامك اليومية واكتبها في الأجندة الخاصة بك واجعل توازنًا بين الواجبات المختلفة الملقاة عليك، سواء الخاصة بالواجبات الوظيفية أو الأسرية أو نشاطاتك الروحية، حتى تتجنب الاحتراق النفسي الذي يستنفذ طاقتك النفسية.

اعلم أن الحياة محملة بالأحداث السارة والأحداث المؤلمة وضع أمامك وعد السيد المسيح إذ لم يعدنا بحياة سهلة مريحة ولكنه وعد أن يسندنا في الظروف العصيبة (الذي فيكم أعظم من الذي في العالم).

أعد صياغة قراءة المواقف المؤلمة بطريقة مختلفة فالله يحول كل الأشياء لخيرنا، وتذكَّر بولس وسيلا حينما كانا في سجن فيلبي؛ لقد حولا المشهد المأساوي إلى مشهد ممتلئ بالفرح والابتهاج.

تصالح مع الأوضاع التي لا يمكنك تغييرها واقبل التسليم بالواقع دون مقاومة وتعلَّم لغة الشكر حتى تستمتع بمعونة ومعية الرب (سلمنا فصرنا نُحمل).

تعلَّم مهارات الحياة، بمعنى أن تقول (لا) للمهام التي لا يمكنك القيام بها أو التي هي ليست ذات أهمية أو ضرورة أو التي تسبب لك ضغطًا نفسيًا كتوصيل جار لك بسيارتك لمقابلة صديق له، وابتعد عن الأشخاص المستغلين أو المسيطرين.

وأخيرًا لا بد أن تُفعِّل مشاعر الاتكال على الرب وذلك بأن ترفع سقف إيمانك ورجائك، فالله هو المتحكم في إدارة الكون ولديه كتالوج تشغيل أجسادنا وأفكارنا ومشاعرنا بل والأحداث من حولنا. ولقد ثبت بالتجربة العملية أن الأشخاص الذين لديهم علاقة حية بالمسيح ويمثل مركز الحياة لهم هم أقل عرضةً للضغوط النفسية، حيث يمكنهم التعامل مع ضغوط الحياة بصبر وطول أناة والتسليم الكامل لمشيئته الصالحة والمَرضية والكاملة.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا