كثيرًا ما يصعب على أذهان الناس التمييز بين مرض الشيزوفرنيا (الفصام) وبين اضطراب تعدد الشخصية (الانفصال)، إذ أن هناك خلطًا بين كلا المرضين حتى أن بعض البرامج التليفزيونية تصف الأشخاص المصابين بمرض الشيزوفرنيا بأنهم مرضى بتعدد الشخصيات. وقد يرجع هذا الخلط إلى التشابه في اسمي كل منهما، فالشيزوفرنيا Schizophrenia تعني باللغة العربية (الفصام) بينما تعدد الشخصية Dissociative يُترجم في بعض الأحيان بمعنى (الانفصال)، إلا أن هناك فارقًا كبيرًا بين كل من المرضين.
لذلك وجدتُ لزامًا عليَّ كباحثة نفسية أن أوضح في هذا المقال الفرق بين كل منهما لمنع هذا الخلط لدى بعض الناس. فالفصام أو الشيزوفرنيا هو مرض عقلي يُعرف بسرطان العقل، وهو من أكثر الأمراض النفسية خطورةً، حيث يحدث اضطراب عقلي يتناول الشخصية بأكملها، فهو لا يشمل فقط الجانب الفكري واللغوي وإنما يمتد أيضًا إلى الجوانب الأخرى للشخصية فيصيب الجانب الوجداني والانفعالي والسلوكي للشخص.
وقد ترجع أسبابه في الأغلب إلى العوامل الوراثية والجينية أو قد ينتج من خلل في الجهاز العصبي المركزي. ويتميز مرض الشيزوفرنيا بإصابة المريض بالهلاوس سواء السمعية أو البصرية وأحيانًا اللمسية، حيث يسمع المريض أصواتًا تناديه أو يرى صورًا لأشخاص غير موجودين في الواقع، كرؤية القديسين أو المتوحدين. وفي أحيان أخرى، يرى صورًا يشعر معها بالرعب والفزع كرؤية أشكال غريبة، أو قد يحس ببعض الحشرات تسير على جسده أو بفئران تأكل أصابع قدميه إلى آخر هذه الهلاوس، كما يصاب أيضًا بما يُعرف بالضلالات Delusion وهو اضطراب يصيب الجانب المعرفي فيتوهم أنه مبعوث من السماء لإنقاذ البشرية. وتلعب العقيدة الدينية دورًا كبيرًا في هذا الأمر، فقد يتوهم بأنه أحد البطاركة الكبار أو أنه من المبشرين المشهورين مثل بيلي جراهام أو رسول جاء لهداية البشرية. ومن أشهر مَنْ أُصيبوا بهذا المرض الرئيس الأمريكي أبراهام لنكولن وابن اينشتين.
ومريض الشيزوفرنيا غالبًا ما ينفصل عن الواقع فيصنع لنفسه عالمًا مستقلًا تمامًا عن العالم الذي يعيش فيه، وكثيرًا ما نجده يتكلم مع نفسه بلغة غريبة وجمل غير مترابطة وكلمات غير مفهومة، كما أن علاقاته بالآخرين يشوبها الشك حتى في أقرب الناس إليه كزوجته أو أبنائه. والشيزوفرنيا أنواع متعددة من أشهرها الفصام البارانوي، حيث يشعر المريض بالعظمة والتفوق ويعتقد أن أغلب الناس تقف عائقًا أمام طموحاته، كما يصاب باضطراب الاضطهاد كأن يتوهم بأن المخابرات العامة تراقبه وتحاول أن توقع به وتؤذيه.
ويجدر بالقول بأن علاج الشيزوفرنيا لا تجدي معه الجلسات النفسية، إذ يحتاج المريض إلى علاج دوائي من الطبيب المتخصص الذي يحدد الجرعات اللازمة لكل حالة، وفي الغالب فإن المريض يخضع للعلاج طوال فترة حياته.
والخلاصة أنه يمكن تشخيص مرض الفصام أو الشيزوفرنيا بأنه خلل في التفكير يؤدي إلى الهلاوس والضلالات، بالإضافة إلى أن كلام المريض يكون غير مفهوم ويغلب عليه عدم الترابط ويفتقد للمنطقية. وفي الأغلب فإن العوامل الوراثية والجينية تلعب دورًا كبيرًا في ظهور المرض.
أما اضطراب تعدد الشخصية فهو يُعد من الأمراض العقلية النادر حدوثها، فهو يصيب 2% من عدد سكان العالم ويظهر أكثر في السيدات وذلك بنسبة 6 : 1. وهو يصيب الأشخاص باختلال في الهوية، بمعنى أنه تكون للمريض أكثر من شخصية منفصلة عن بعضها ولكل منها نمط مختلف عن الآخر، سواء في الاسم أو الجنس أو المشاعر، ولا يعرفون عن بعضهم أي شيء. فقد يحمل المريض شخصية رجل في فترة من الفترات ثم يصبح في فترة أخرى امرأة تختلف في الميول والخصائص والصفات. وقد تكون للمريض عدة شخصيات قد تصل إلى 7 أو 8 شخصيات وفي حالات نادرة قد تصل إلى 23 شخصية لا تمت بصلة للشخصية الأصلية. ويحدث هذا المرض نتيجة إساءات متكررة أو صدمات في الطفولة Trauma، خاصةً الصدمات العاطفية مثل الاعتداء الجنسي أو البدني، أو قد ينشأ من الكوارث الطبيعية أو الحروب التي عانى منها المريض.
ولاضطراب تعدد الهوية أشكال مختلفة من أهمها ما يلي:
1- تعدد الشخصية Multiple Personality: وفيها تستحوذ على فكر المريض عدة شخصيات مختلفة فيقوم بأداء دور كل شخصية على حدة بكل ما تحمله من صفات ورغبات وعلاقات منفصلة عن بعضها وعن الشخصية الأصلية كما سبق القول.
2- النسيان: وهو ما يعرف بالأمنيزيا Amnesia، وفيه ينسى المريض هويته بالكامل فيترك بيته وعائلته وعمله ويعيش بشخصية مختلفة تمامًا ناسيًا ماضيه السابق، أو قد ينسى فترة كاملة من فترات حياته أو مرحلة عمرية عاشها في الماضي.
3- الشكل الثالث: يشعر المريض فيه فجأة بأنه ليس هو وبأنه خارج جسده وغريب عنه، كما يشعر بالغرابة وعدم الألفة مع الأشخاص والأماكن التي اعتاد أن يراها.
وقد اكتُشفت أول حالة عام 1862 وهي حالة فلاح اسمه (لوي فيفت) كان في الحقل يزرع وفجأة التفت حول يده أفعى كبيرة مما أصابه بصدمة جعلته يهرب تاركًا اسمه وأفكاره ومشاعره ليعيش شخصية أخرى مختلفة تمامًا في الصفات والخصائص.
ويُعتبر اضطراب تعدد الشخصية نتيجة لتكوين وسيلة دفاعية لا شعورية، فبسبب عجز المريض عن استيعاب صدمات الطفولة يلجأ إلى فصل نفسه عن الشخصية الأصلية ويهرب إلى شخصية جديدة، وذلك ليتسنى له نسيان صدمات الطفولة. ومن أشهر الأعمال الفنية التي عرضت مثل هذا الاضطراب مسلسل (مستر روبوت).
ولعلاج اضطراب تعدد الشخصية، لا بد من خضوع المريض للعلاج السلوكي والمعرفي لأنه أكثر فاعليةً من العلاج الدوائي، إلا إذا صاحبت هذا الاضطراب بعض الأعراض الأخرى مثل القلق أو الاكتئاب وعندئذٍ يلجأ المعالج إلى الأدوية التي تخفف من حدة هذه الأعراض.
كما أن العلاج يختلف بحسب المدرسة التي ينتمي إليها الطبيب المعالج، فالبعض يرى أن أفضل وسيلة للعلاج هي دمج الشخصيات حتى ترجع الشخصية الأصلية للمريض، وذلك بتحريره من تأثير الصدمة التي سببت له الخوف والفزع، كما يعمل الطبيب على تقوية الشخصية الأصلية حتى يمكنها التجاوب مع المجتمع.
أما المدرسة الأخرى فهدفها هو أن تجعل كل الشخصيات المختلفة تتعايش مع بعضها وأن تكون هناك أرضية توافق مشتركة بين الشخصيات حتى تعيش في نظام واحد بإنسان واحد. على أننا لا ننكر أن مثل هذا الاضطراب في حاجة إلى معالج متخصص رفيع المستوى وعلى درجة عالية من الكفاءة العلمية وأن طريق الشفاء قد يستغرق سنوات طويلة.
والخلاصة مما سبق هي أنه يوجد اختلاف كيفي بين كل من مرض الشيزوفرنيا ومرض اضطراب تعدد الشخصية وذلك على مستوى الخصائص والأعراض والعلاج. وأخيرًا فإنه من المهم أن نطلب من الرب القدير أن يحمي أفكارنا وعقولنا من الصدمات الكارثية التي تواجهنا وأن نعيش حياة هادئة مطمئنة وأن يحفظ أذهاننا ليكون لنا فكر المسيح وأن نكون في ملء مشيئته الصالحة والمَرضية والكاملة.