الشعور بعدم الأمان

2

د. فيولا موريس

في وسط هذا العالم المضطرب المملوء بالأحداث المزعجة، حيث الحروب والكروب والكوارث الطبيعية والمجاعات، نجد أن أغلب الناس يعانون من الخوف والقلق والشعور بعدم الأمان النفسي.

ولكي نتكلم أولًا عن معنى الشعور بعدم الأمان لا بد أن نتعرف على المعنى العكسي لهذا المفهوم وهو الشعور بالأمان، فالشخص الآمن هو الذي يشعر بالاطمئنان والاستقرار، وهو القادر على أن يحدد مشاعره واحتياجاته ويفهمها، ولديه القدرة على فهم أفكاره، خاصةً الأفكار السلبية، كذلك هو الشخص الذي لديه قدر كبير من الهدوء الذاتي والثبات الانفعالي، بحيث ينعكس ذلك على سلوكه الإنساني وبالتالي على علاقاته بالآخرين، كما أنه يستمتع بقدر كافٍ من الصحة النفسية (والتي لا تعني الخلو من الأمراض ولكنها تعني التمتع بجودة الحياة النفسية والاجتماعية والجسدية).

لذلك فإن الشخص الذي يعاني من الشعور بعدم الأمان هو الذي يُصاب بالمشاعر المضطربة التي تقوده إلى أفكار مغلوطة والتي تؤدي به إلى سلوك مشوش ينعكس عليه وعلى المجتمع بالسلب، وفي النهاية يفقد توازنه النفسي وسلامه الداخلي وصحته النفسية حيث لا يمكنه الاستمتاع بالحياة.

ويُعتبر الشعور بعدم الأمان من أخطر وأصعب المشاعر السلبية التي يعاني منها الإنسان، حيث يصيب كافة مجالات الحياة (الاجتماعية والمادية والجسدية والروحية). فعلى المستوى الاجتماعي، فإن مصدر عدم الأمان هو معاناة الشخص من الأحداث الحياتية المحيطة به، ومن ضمنها الحروب والدمار والقتل والكوارث الطبيعية، إذ قد تصيبه بما يعرف باضطراب ما بعد الصدمة Post Trauma Stress Disorder. أما على المستوى المادي، فقد يشعر بالتهديد من دخوله في دائرة العوز والاحتياج المادي غير القادر على تسديدها. أما على الجسدي، فمن المعروف أن أغلب الأمراض التي تصيب الجسد هي تعبير عن المعاناة النفسية التي قد يكون مصدرها فقدان الإحساس بالأمان والسلام الداخلي. وعلى المستوى الروحي، فإن وقوع الشخص تحت طائلة التهديد والشعور بالعوز المادي والفقر الاجتماعي قد يُفقِده الأمان في الله، مصدر الخير والبركة، فيشك في صلاحه ومحبته مما يضعف إيمانه وتتعثر علاقته بالله وبالتالي يزداد شعوره بعدم الأمان. وهكذا يدخل في دائرة مفرغة من الشك وفقدان الثقة بالحماية الإلهية والشعور بعدم الأمان.

مظاهر الشعور بعدم الأمان

 هناك مظاهر متعددة للشعور بعدم الأمان من أهمها:

التسلط: بعض الأشخاص قد يجدوا في السيطرة والتسلط نوعًا من الشعور بالأمان، فهم يستمدون هذا الإحساس من خضوع الآخرين لمطالبهم ورغباتهم، وكلما زادت قدرتهم على السيطرة زاد إحساسهم بالأمان، وذلك مثل الرئيس الذي يستمد قوته من التسلط على مرؤوسيه، حيث إن الدافع وراء هذا التسلط هو احتياجه للشعور بالأمان.

الاعتمادية: يمارس بعض الأشخاص أسلوب الاعتمادية وهو مطالبة كل مَنْ حولهم بتلبية رغباتهم، وذلك مثل الأم التي تعتمد كليةً على أولادها إذ تجبرهم على القيام بتنفيذ كل أوامرها والتفرغ لخدمتها، وقد تستخدم بعض الحيل الدفاعية مثل الشفقة على الذات لجذب انتباههم حتى تكون في مركز اهتمامهم. إن ما يدفعها لتكون في محور دائرة حياتهم هو بحثها عن الشعور بالأمان.

الحرص الشديد: بعض الأشخاص لديهم حرص شديد على ممتلكاتهم وأموالهم إذ يتصفون بالبخل والشُّح الشديد لدرجة عدم قيامهم بالتزاماتهم الضرورية تجاه أنفسهم أو أسرهم. إنهم يتصورون أنه كلما ازدادت ثرواتهم وممتلكاتهم شعروا بالأمان، إلا أنهم مع الأسف لا يشعرون بالاكتفاء إذ يزدادون دائمًا حرصًا وبخلًا، وذلك لتسديد احتياجهم الشديد للشعور بالأمان.

الشراهة في الطعام: إن الأشخاص الذين يبحثون عن الأمان دائمًا ما نجدهم يميلون للشراهة في الأكل، وهذا ما يفسر لنا سلوك بعض الأشخاص الذين يملأون أطباقهم بكم هائل من الأطعمة يفوق احتياجهم، وخاصةً في المناسبات والاحتفالات العامة. إنه الإحساس العميق بفقدان الأمان.

الاضطرابات الشخصية: لقد أثبتت الأبحاث العلمية أن أغلب الاضطرابات الشخصية مثل السيكوباتية والنرجسية مصدرها هو فقدان الشخص الشعور بالأمان. إن هذه السلوكيات المضطربة قد تقود الشخص إلى الدخول في مرحلة المرض النفسي مثل البارانويا والاكتئاب الذهاني.

أسباب الشعور بعدم الأمان:

هناك أسباب مختلفة تدفع الشخص إلى الوقوع في بئر الإحساس بعدم الأمان، وذلك مثل الاستعدادات الشخصية Motivation، إلا أن من أهم الأسباب التي تؤدي إلى هذه المشاعر السلبية هي التنشئة الاجتماعية والنفسية وسوء التربية، ومن ضمنها:

– النبذ والإهمال:

من الأمور التي تلعب دورًا أساسيًا في تكوين مشاعر عدم الأمان تعرض الشخص في طفولته إلى التربية التي تتسم بالنبذ والإهمال، حيث تصله رسالة يشعر فيها بعدم القيمة والتفاهة، وأنه كم مهمل، فهو مجرد رقم على بطاقة هويته، فهو غير جدير بأن يحمل هوية إنسانية لها كيانها واعتبارها. إن مثل هذه المعاملة تنمي في داخله إحساسًا عميقًا بالشعور بعدم الأمان.

النقد المستمر والتنمر:

ترسِّب التربية المبنية على كلمات النقد واللوم والإدانة والاستهزاء والسخرية والخالية من كلمات التشجيع من طرف أهله، وكذلك أسلوب التنمر من أصدقائه المحيطين به، في داخل الشخص إحساسًا عميقًا بالفشل وخيبة الأمل، وتظل هذه الكلمات السلبية تلازمه طوال حياته، وقد ترسم له صورة سيئة عن توقعاته المستقبلية. وهكذا تستمر سلسلة الفشل في حياته، وفي النهاية تقوده هذه الأحاسيس إلى الشعور اليقيني بعدم الأمان.

الاحتياج المادي:

إن عدم تسديد الاحتياجات الضرورية والفقر والعوز المادي من العوامل الأساسية التي تؤثر تأثيرًا مباشرًا على الإحساس بعدم الأمان، إن هذا الإحساس يظل يرافق الشخص ويؤثر على سلوكه المستقبلي حتى بعد أن يصل إلى مرحلة من مراحل الاكتفاء المادي.

التدليل:

من أسباب الشعور بعدم الأمان التدليل في الطفولة، حيث لا يتيح الوالدين الفرصة لأبنائهم كي يمارسوا مسئولياتهم تجاه بعض المهام البسيطة. إن هذا التدليل يسلب الشخص إحساسه بدوره وقيمته وفاعليته في المجتمع، كما تصله رسالة بالعجز وعدم القدرة على تحمل المسئولية، وهكذا نجده يسلك بحسب الصورة التي كوَّنها عن نفسه (كما شعر في نفسه هكذا هو).

خطوات نحو الشعور بالأمان:

في البداية، لا بد من الاعتراف بأن مشاعر عدم الأمان قد تداهمنا بين لحظة وأخرى، خاصةً في الأحوال التي نرى فيها توقعاتنا نحو الظروف المحيطة بنا مخيبة للآمال.

لذلك علينا أن نعترف بأنه لا يوجد إلا طريق واحد فقط للوصول إلى بر الأمان في رحلة حياتنا، وهو الاتكال الكامل على الإله الأمين الذي دُفع إليه كل سلطان، وهو الذي يدير الكون كله بكلمة منه، فهو الأساس الراسخ الذي لا يتزعزع والمكتوب عنه صخر الدهور والذي ليس لديه تغيير أو ظل دوران.

لذلك فإن من المهم بمكان أن نعمل على تحويل أنظارنا من الأشياء غير الثابتة والمتزعزعة الأرضية والتي نستمد منها الأمان، مثل المال والصحة والسلطة والأهل والأصدقاء، ونتجه بأنظارنا إلى الثوابت السماوية حيث المسيح الجالس عن يمين الآب الذي في يديه مقاليد أمورنا والضامن لها. وبالتالي فنحن في حاجة إلى تغيير اتجاهاتنا وتجديد أذهاننا ولنختبر قول الكتاب المقدس: “تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة”.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا