السعادة الدائمة أم الأشياء الفارغة

12

أشرف ونيس 

بحثت عن موطئ قدم لها بين غابر الأزمنة ولحظاتها الآنية؛ تعثرت خطواتها بين مشقة الطرقات وانكساراتها الحادة؛ ضلت الوصول إلى موضع راحتها حيث بيتها ووطنها ومسقط رأسها… وما كان ذلك سوى لكثافة سحب أنهرها ودماسة لياليها الليلاء…. وهكذا باتت (السعادة) خالية من كل ما يضفي عليها بعضًا من الابتسامات وشيئًا من الضحكات حيث خلت القلوب منها بل هي التي ما وجدت راحتها بين تلك القلوب وأصحابها، وقت أن تفاعلت الأذهان مع القلوب آمرة إياها بأن تغدق جهدًا جهيدًا بحثًا ونبشًا بين نفايات المادة ومضامينها الفارغة عن قبس من الفرح وومض من السرور!!!

تزحزح اليقين عن موضعه وقت أن تشرذمت الحقيقة ومحتواها الثمين إلى بعض من الأجزاء التي اخترقها سراب الزيف واضمحلال الحق، فلم تعد السعادة بكل ما تحتويه من سكينة وصفاء وسلام نابعة من باطن الإنسان وكيانه الداخلي، لكنها تسربلت عن دون رغبة منها بوهن الثبات وضعف الإثبات وقت أن كان الخارج هو ما يصنع بل يخلق ثوب السعادة وفحواها في نظر ضعاف البصر وفاقدي البصيرة! لكنها لم تلبث إلا حينًا حتى صرخت مدوية بصوتها، مسرعة من قلوب وأفئدة مَنْ وجدوها بين أحضان الأشياء وفقدانها المؤكد، باحثة عن راحتها وأريحيتها في أنفس قد مزجت قمة الإنسانية في معناها الحق بالإرضاء بالقليل كما الكثير والزهيد كما عظيم القدر ورفيع الكم.

سيظل فاقدًا لمعنى السعادة وكنهها مَن لهث عن وجودها وكينونتها العصماء بين ما يمكن أن يباع بالمال ويُشترى ببعض منه، فليس على سطح ما نطأه بأقدامنا من يابس وتراب شيئًا دائمًا باعثًا للابتهاج وجالبًا للاغتباط، فلقد كان وما زال وسيظل عالم الروح صرح ومقر وبيت السعادة الأزلي الأبدي، منه تصول وتجول فتستجدي مَنْ استجدى قدومها إليه غاضض النظر في ذلك عن كل ما له شكل أو ملمس، واضعًا في قرارة أعماقه ونفسه أن ديمومة وجودها متماهية وممتزجة بكل ما هو روحي وغير مرئي، وليس للمادة نصيب أو قسمة أو حظوة في ذلك.

لحظات تائهة، أيام ضائعة، سنون ذاهبة إلى لحد وجودها، كان ذلك من أعمار مَنْ ضلوا الدرب والطريق، شاخصين إلى السعادة في غير موضعها ووجودها، خالطين في ذلك بين أفراح وقتية تأتي لتذهب، أو قل إنها تتوارى قبل أن تكون وبين السعادة كقيمة هي منهاج للحياة ونهج للعيش والتعايش على طول الخط الذي يبدأ عنده انبثاقنا من رحم العدم إلى مثوانا الأبدي والأخير. فيا ليت الأذهان تعدل عن ظلام الضلال إلى ضوء وضياء الحقيقة القابعة في قلب الحق غير القابل للانقسام أو الفصل بأي حال كان أو سيكون؛ السعادة هي حالة داخلية، غير موجودة في الأشياء وفراغها، بل تستمدها القلوب والأنفس من خارجها، ليس من مرمى أفقها بل من فوق حيث عالم الروح ودنا الأرواح!!!

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا