الديانة (-) (شرطة) والمذكور مرتد

11

العدد 30 الصادر في مارس 2008
كونشينة الايام ومقالات أخرى
الديانة (-) (شرطة) والمذكور مرتد

عودنا القضاء المصري بين الحين والآخر على الحكم في قضية من القضايا حكماً غريباً محيراً للعقول والأذهان, وباعثاً للدهشة والأحزان على ما وصلنا إليه في شرقنا العربي من الغي والتوهان، فالحكم عادة ما يكون عجيباً وتفسيره وتبريره عادة ما يكونان أعجب وأغرب من الحكم ذاته، والأمثلة على ذلك كثيرة آخرها الحكم بأن توضع (-) شرطة في خانة الديانة في قضية البهائيين المصريين وأن يذكر أن  المذكور “كان مسلماً لوقت” أو غيره من العبارات التي لابد أن تضاف بحكم المحكمة في خانة الديانة بعد كلمة مسيحي التي تفضلت بها المحكمة، كما يعتقد البعض، على من كان مسيحياً ثم أسلم لوقت ما ثم قرر الرجوع للمسيحية مرة أخرى.

والآن وبعد أن خمدت قليلاً ذروة الفرح لدى المغيبين الذين هللوا لكلا الحكمين وتعانقوا في المحكمة وهنأ بعضهم البعض, وأولئك الذين شكروا الحكومة المصرية على موقفها وإصدارها هذا الحكم, وكأن الحكم صادر عن الحكومة وليس عن هيئة محكمة قضائية المفروض أنها تحكم حسب الدستور والقانون بغض النظر عن رأي الحكومة، ثم أولئك الذين امتدحوا القضاء المصري وقالوا إن هذا وسام على صدر القضاء المصري ودلالة على نزاهة القضاء المصري وسابقة لم تحدث من قبل في مصر وإلى آخره من التعليقات والتصريحات التي أقل ما يقال عنها أنها تصريحات تعكس ما وصلنا إليه في مصر والعالم العربي من سيطرة لروح الغي الذي أفردت له مقالاً خاصاً في عدد سابق من جريدة الطريق والحق، والتي يمكنك عزيزى القاريء مطالعتها على موقع الجريدة الإلكتروني.

وكأنه من الطبيعي والمتوقع من الحكومة المصرية وغيرها من الحكومات العربية أن ترفض مثل هذه القضايا كما رفضت قضية محمد حجازي، ومن الطبيعي والمتوقع من القضاء المصري أن لا يكون نزيهاً وأن لا يحكم بالعدل، لذلك هلل وكبر المساكين المغيبون عندما صدرت هذه الأحكام مستخدمين نفس العقلية الشرق أوسطية التي أقنعتها الحكومات العربية بأن الحرية هبة من الحكومات للشعوب التي لا تستحقها، فعلى الشعوب أن تشكر المولى تبارك اسمه على أي قدر من الحرية توهب لها, وتناست الشعوب العربية. إن الحرية هبة من المولى سبحانه لخليقته وإنها حق خلقه المولى جل شأنه فيها يوم تكوينها في بطون أمهاتهم، تماماً هي نفس العقلية التي تحدث بها مسئول كبير في الطائفة الإنجيلية وكنا في اجتماع “اتحاد الكنائس الإنجيلية الشرق أوسطية بأمريكا”, والذي أتشرف برئاسته. وكان سيادته يريد أن يدلل لنا على مدى تغير المناخ الديني والسياسي في مصر، فقال بالحرف الواحد: “الحكومة الآن تمنحنا قرارات بترخيص وبناء الكنائس كل عام أكثر مما قبله ولنا الحرية أن نفتح دور العبادة ونصلى فيها في الوقت الذي نريده، وأنا شخصياً أكتب مقالات ساخنة للجرائد والمجلات الحكومية والخاصة ولا ينالها مقص الرقيب”.. وعدّد سيادته أشياء كثيرة مشابهة. كان الرجل مخلصاً يحاول الدفاع عن الحكومة ويهدئ النفوس الثائرة بعد حادثة العياط وما حدث فيها للعائلات المسيحية على أيدي المسلمين، فكانت النتيجة أن نظر الحاضرون بعضهم لبعض باستنكار لما يقوله سيادته وتعجب, وبعضهم نظر بأسى وإشفاق وأنا منهم لما وصلت إليه عقلية حتى المسئولين بالطوائف المسيحية في البلاد العربية نتيجة للضغوط المستمرة على عقولهم لمدة طويلة من الزمان، فإذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت الرقص.

أقول بعد أن خمدت نيران الفرحة والتكبيرات والتهليلات, دعونا نفكر بموضوعية في هذين الحكمين ونحلل الأسباب التى أدت إلى إصدارهما على هذا النحو المضحك المبكي، فما معنى أن توضع في خانة الديانة للشخص البهائي (-) شرطة، هل تعني هذه الشرطة أن هذا الشخص ليس له ديانة أم أن ديانته غير معترف بها من الحكومة المصرية أو القضاء المصري أو الشريعة الإسلامية، وما الفرق بين (-) وكلمة بهائي أو بهائية، فالمعروف أن اللغة هي استخدام ألفاظ أو حركات لها دلالات ومعاني متفق عليها بين أصحاب اللغة الواحدة، فعندما أذكر كلمة ورقة أو قلم رصاص فكل من يعرف اللغة العربية يعرف ما هي الورقة وما هو القلم الرصاص، وإذا اتفقنا على تسمية الورقة مثلاً “ورنوقة” فكلما ذكر أحدنا كلمة ورنوقة عبرت هذه الكلمة عن الورقة المعروفة لدينا الآن. وبالمثل إذا اتفقنا بحكم المحكمة على استبدال كلمة “بهائي” بـ (-) أصبحت هذه الشرطة تعني بهائي والبهائي يعني شرطة، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت.

وهناك محبة خاصة بين الأنظمة المصرية والشَرطة في كثير من المجالات، فكم من مشاكل تسببت الشَرطة فيها بين كمساريي وسائقي الأتوبيسات التي لها شرطة أو شرطتين وبين ركابها، فعندما كنا طلبة في الجامعة كانت في محطة خلوصي بشبرا أتوبيسات (مائة وستة وسبعون بشرطة) و(مائة وأربعة وثلاثون بشرطتين) وبالطبع كان هناك 176 و134 من غير شرطة وكأن الأرقام والأسماء انتهت عند هذين الرقمين 176، 134 لذلك أضافت هيئة النقل العام (/)، (//) لهذه الأرقام. وكنا قبل أن نقفز في أحد هذه الأتوبيسات لابد لنا من التأكد هل هذا الأتوبيس بشرطة أم بدون شرطة أم بشرطتين، وكثيراً ما أسرع الأتوبيس وتركنا على المحطة وقوفاً لأننا لم نميز الشرطة بالسرعة الكافية. لا أدرى ما الذي ذكرني بهذا الأمر وأنا أقرأ عن الشَرطة التي ستوضع في خانة ديانة البهائيين، ولم يقل لنا القضاء ماذا سيوضع في خانة الديانة للملحدين الذين لا يعترفون بالله سبحانه وتعالى ولا بالبهائية أو الإسلام أو المسيحية أو اليهودية. أليس من الخطأ الروحي الجسيم أن نكتب في بطاقة أحدهم مسيحي أو مسلم وهو لا مسيحي ولا مسلم ولا معترف بوجوده تبارك اسمه.

ثم ماذا يمكن أن يكتب في خانة الديانة للمتنصرين الذين تصر الحكومة والقضاء على عدم الاعتراف بوجودهم بالرغم من كثرة عددهم الذي لا يعرفه إلا المولى تبارك اسمه والذي سيبينه اليوم الأخير؟ وما نفع أن يجبر المرء على حمل بيانات غير صحيحة عن نفسه في بطاقة هويته؟ ألا تعتبره المحكمة تزويراً إذا ذكر أن ديانة أحدهم مسيحي وهو مسلم أو مسلم وهو مسيحي, ومن هو المسيحي أو المسلم؟ أهو من ولد مسيحياً أو مسلماً, أم هو من كان أبوه مسيحياً أو مسلماً, أم هو من له إرادة وعقل وقرار حر يتخذ به ما يريده من ديانة له؟

ولماذا هذا الحكم، هل لأن الإسلام لا يعترف بدين آخر يأتي بعده، وهل كتابة كلمة بهائي أمام خانة الديانة في بطاقة البهائي تعني أن الإسلام يعترف بأن هناك ديانة تسمى البهائية؟ ثم ما دخل العقيدة الدينية بما يُكتب في بطاقة الأفراد من بيانات، ماذا لو سارت بقية الدول على هذا المنوال؟ فالدول المسيحية مثلاً إذا طبقت نفس المبدأ الذي يطبق في مصر مع البهائيين لابد أن تكتب فى خانة الديانة للمسلم (-) فالمسيحية لا تكتم سراً بأنها لا تعترف بدين آخر جاء بعد دين السيد المسيح تبارك اسمه. ما الذي كان سيعمله المسلمون في هذه الحالة هل كانوا سيلجأون للقضاء كما لجأ البهائيون أم كانوا سيكسرون المحلات والشوارع ويشعلون النيران في الأخضر واليابس في هذه الدول المسيحية مطالبين بحقهم في أن تذكر ديانتهم في هوياتهم، فالمسلمون يطالبون بما يرون أنه حقوقهم في كل بلاد العالم, بغض النظر عن شريعة البلاد التي يعيشون فيها, وهم يستخدمون كل الطرق في تحقيق ذلك. فهم يثورون إذا سُئلت إحداهن بأن تخلع النقاب للتعرف على شخصيتها بواسطة امرأة مثلها في الدوائر الحكومية والمطارات, وكم من جرائم ارتكبت من رجال ارتدوا النقاب حتى يخفون هوياتهم, والمسلمون يطالبون الحكومات بأن يطبقوا قوانين الشريعة الإسلامية عندما يتعلق الأمر بالزواج والطلاق والميراث حتى في البلاد التي تؤمن بأن تعدد الزوجات جريمة يعاقب عليها القانون وقد نجحت كثير من خططهم في بلاد العالم وعلى رأسها إنجلترا وغيرها.

وماذا لو طبقت إسرائيل نفس المبدأ علينا كمسيحيين أو مسلمين؟ فحسب العقيدة اليهودية التواراتية ينقسم العالم إلى قسمين، يهودي وأممي، والأممي هو كل من هو غير يهودي، وليس ذلك فقط فالشعب اليهودي حسب ما جاء في تنزيل الحكيم العليم، الكتاب المقدس، كانوا يسمون الأمم, أي كل من ليس يهودياً بالكلب. فماذا لو وضعت إسرائيل في خانة الديانة أمام المسيحيين أو المسلمين شرطة أو أممي أو كلب حسب شريعتهم التي يؤمنون بها تماماً كما نؤمن نحن المسيحيين بشريعتنا ويؤمن المسلمون بشريعتهم.

وعلى نفس هذا المنوال بالنسبة لكتابة “مسلم لبعض الوقت” أليست هذه العبارة تعنى أن المذكور مرتد عن الإسلام، أليست هذه  دعوة صريحة حسب الشريعة والفتاوى الأزهرية الإسلامية بأن هذا المذكور محلل دمه حيث أنه مرتد. حتى إذا غير الأزهر فتاواه السابقة بفتوى جديدة تتمشى مع متطلبات ومقتضيات الوضع في مثل هذه القضية في هذه الأيام, فتوى مفادها أن الديانة المسيحية ديانة سماوية جاءت قبل الإسلام، فليس بمرتد من يكون مسيحياً ثم مسلماً ثم يعود للمسيحية مرة أخرى.

تُرى كيف سيعامل مثل هؤلاء المرتدين في المصالح الحكومية وغير الحكومية وفي أشغالهم وعلاقاتهم مع المجتمع، فمجرد كون الإنسان مسيحي ومدرجة ديانته في البطاقة يجلب عليه المعاناة حيثما ذهب، فكم وكم لو كان ليس فقط مسيحياً بل مسيحياً مسلماً بعض الوقت ومرتداً في النهاية.

ثم ما الفرق بين مسيحي اعتنق الإسلام لفترة لسبب ما، ثم تركه ورجع إلى مسيحيته، وبين مسلم لم يختر والديه أو ديانته يوم مولده، ثم قرر وفقاً لحق الاختيار والحرية التي فطرنا عليها بارئ الأرواح أن يعتنق المسيحية؟ لماذا لا يسمح لهؤلاء بكتابة ديانتهم الحقيقية التي هم عليها ويؤمنون بها في هواياتهم؟ ثم ما الفرق بين هؤلاء الذين دخلوا الإسلام من المسيحية لوقت ما ثم رجعوا إلى مسيحيتهم، وبين أولئك المرتدين الذين دخلوا الإسلام يوم فُتحت بلادهم بالقوة لوقت ما، ثم إذ مات نبي الإسلام قرروا الرجوع إلى ديانتهم مرة أخرى، ألم يجرد الخليفة الأول جيشاً وقاتلهم وأعادهم إلى الإسلام؟ فلماذا يُسمح لهؤلاء بالرجوع إلى مسيحيتهم ثم تعلق على ظهورهم “مسلم لبعض الوقت”؟

تُرى ما الذي سيجعل القضاء يحكم بمثل هذه الأحكام؟ والإجابة قد تكون في واحدة أو أكثر مما يلي:

أولاً: الحكومات العربية والقضاء العربي يعتبرها هزيمة كبرى إذا كسب فرد أو جماعة أو حتى ملايين من المواطنين قضية ترفع ضد الحكومة مهما كانت هذه القضية ومهما كان تأثيرها على الرأي العام. فالحكومات العربية والقضاء العربي لا يُهزم أبداً ويعتبرها هزيمة بأن يحكم لصالح خصومه، وهو دائماً على حق, وهو الذي يقرر مصائر الناس، ما يأكلون، ما يشربون وخلافه، ففي كل بلاد العالم المتحضرة المتقدمه تكون السلطة العليا للشعب، فالشعب هو صاحب الكلمة الأخيرة, والشعب هو دافع الضرائب, والشعب هو منتخب ممثليه, والشعب هو الذي يقرر أية حكومة تحكمه, والشعب هو صاحب الحق في أن يسحب الثقة من حكوماته ورؤسائه ويعزلهم وقت ما يشاء، أما الحكومات العربية فقد جاء معظمها إما بانقلابات عسكرية لم تكن للإرادة الشعبية يد فيها, أو اغتيالات دموية للرؤساء القدامى، وتولى سافكو الدماء زمام الأمور وأجبروا الشعب على الاحتفال بعيد الثورة أي بيوم الانقلاب أو الاقتتال. وجثم العسكريون على أنفاس شعوبهم، وليس من منقذ لهذه الشعوب. والبعض الآخر ملّكه الإنجليز أو الفرنسيون أو الأمريكان عندما قسموا تركة الوطن العربي وجعلوا منهم ملوكاً وأمراء وسلاطين، وعلى الشعب أن يهتف بحياة الملك والأمير والسلطان ثم يهتف لأولاده من بعده، وتم فيهم القول أعطي من لا يملك لمن لا يستحق.

ثانياً: الحكومات العربية والقضاء العربي يضع من القوانين ما يضمن بقاءه وتحكمه في الشعب المسكين المقهور، وكثيراً ما يضع قوانين متضاربة متخالفة بعضها مع بعض ونصوصاً متنافرة في دساتير بلادها، فالأمر لا يتعدى أوراقاً يلعب بها وفقاً للاحتياج وطبقاً للحالة والأوضاع الراهنة. فمادة تقول إن حرية العقيدة والعبادة مكفولة للجميع، وأخرى تقول الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وثالثة تقول إن المواطنين جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات.. ورابعة تحكم بالحكم الهمايوني في إنشاء وتصليح الكنائس.. وغيرها وغيرها.

وفي كل البلاد التي تتمتع بالحرية الحقيقية يكون المتهم فيها بريئاً حتى تثبت إدانته, أما في البلاد العربية فالبرئ مجرم أثيم حتى تثبت براءته. فصاحب جواز السفر المصري القادم من العراق أو الأردن لابد أن يُعرض على مكتب أمن المطار قبل أن يأخذ على جوازه ختم الوصول، وإذا زرت كمسيحي مدينة بيت لحم فهذا معناه أنك زرت إسرائيل، وإذا زرت إسرائيل فأنت من المغضوب عليهم والضالين وعليك أن تثبت أنك لست عميلاً للموساد وإلا لماذا زرت مدينة في إسرائيل حتى لو كانت خاضعة للحكم الفلسطيني. وإذا كنت قبطياً تعيش في الخارج فأنت من أقباط المهجر، وهي في نظر البعض جريمة ينبغي أن تتبرأ منها. المهم أنت دائماً متهم بشيء أو أكثر وعليك أن تثبت براءتك.

ربما صدرت هذه الأحكام بهذه الطريقة منعاً لاثارة الشغب والاضطربات من المدافعين عن تطبيق الشريعة الإسلامية في كل موقف من المواقف مهما كان هذا الموقف.

ربما صدرت أيضاً لإرضاء الطرفين، فالبهائيون في سرور لما اعتبروه نصف انتصار بتخلصهم من كلمة مسلم في خانة الديانة، والمسيحيون المرتدون عن الإسلام شكروا المولى سبحانه وتعالى أنه لم يطبق عليهم حد الردة حتى الآن وسمح لهم بالرجوع إلى المسيحية، والمسلمون شعروا بالفخر والانتصار لأن القضاء لم يرضخ لا للبهائيين ولا للمرتدين والمسيحيين ولم يحقق لهم مطالبهم بل أمسك بالعصا من المنتصف ولتحيا مصر.

ولعل كل هذه الحلول والأحكام لهذه القضايا الشائكة ما هي إلا مسكنات تعطى لجسد مصر العليل حتى يحافظ على شكله الخارجي. فنحن العرب يهمنا الحفاظ على الشكل الخارجي أكثر من الحلول الجذرية للأمور. فلماذا الإصرار من الأصل على ذكر الديانة في بطاقة الهوية, ما الذي تضيفه للشخص إن كان مسيحياً أو مسلماً أو يهودياً أو بهائياً.

والحقيقة وللإنصاف أقول إن الحكومة في وضع لا تُحسد عليه، فإذا حذفت الديانة من هوية الفرد لثار المتأسلمون وقالوا كيف تحذفون الإسلام من هوياتنا ولاعتبروها تراجعاً من الحكومة وهزيمة لها أمام الضغط المسيحي والبهائي، ولاتهمت الحكومة بالمعاداة للإسلام وشريعته. ومن ناحية أخرى فالبهائيون والمسيحيون لا يمثلون أكثر من 15 – 20% من الشعب، وهؤلاء منقسمون على بعضهم البعض وليس لهم صوت أو كيان موحد يُدافع عنهم ويرعى مصالحهم ويطالب بحقوقهم المسلوبة، أما إذا أبقت الحكومة على خانة الديانة في الهوية، نعم سيعتبر هذا نصراً للمسلمين ولكن العالم كله يتعجب ويضرب الكف على الكف من إصرار الحكومة المصرية على الإبقاء على خانة الديانة في الهوية غير عالمين أو حاسبين للمخاطر والأهوال التي يمكن أن تعانيها البلاد من اتخاذ هذا القرار، مع أن الحكومات العربية لقادرة على إسكات شعوبها عندما تريد ولها من الخبرة ومن الوسائل الكثير لتحقيق هذا.

إن مسألة حذف خانة الديانة من البطاقة ستحل أزمة البهائيين، المسيحيين، الملحدين والمتنصرين وغيرهم، وفي نفس الوقت لن تضير المسلمين في شيء، وستسكت الشامتين المشهرين بمصر والبلاد العربية من جهة هذا الأمر. صدقوني إن أغلب المسيحيين الذين ينادون بحذف الديانة من البطاقة لا يعلمون لماذا يريدون ذلك, وإن أغلب المسلمين الذين يقاومون إجراء حذف الديانة لا يعلمون أيضاً لماذا يتمسكون بهذا، اللهم إلا أن كلاً منا يريد أن يعمل عكس ما يريده الآخر، فالخضوع للآخر هزيمة غير مقبولة في عقولنا كما سبق أن أوضحت.

اللهم ألغ لنا ذكر دياناتنا في هوياتنا ولا تلغ إيماننا، وامنحنا حكمة لتدبير شؤننا ولا تسلمنا لمرامنا وأهوائنا. اللهم أبعد روح الغي عنا ولا تسمح لنا بأن نضل نفوسنا، اللهم احفظ لنا مصرنا ولا ترفضنا وتسلط علينا قساتنا. اللهم أعط الحكمة لأولى الأمر منا ولا تدفعنا ليد أعدائنا، فأنت الملك والحكم وحدك، وأنت إلهنا وربنا.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا