الحقائق ليست بعيدة!

48

عـادل عطيـة

   كل مَنْ شاهد الفيلم المصري “طباخ الرئيس” وجد القصة مليئة بالمغامرة، والألم، والشجاعة، والمرح، والحب، وأعمق المشاعر الإنسانية، وتمنى أن يكون هو هذا “الطباخ” الذي يُعبِّر عن الأكثرية المقهورة المحرومة، وأن يكون هو همزة الوصل بين الرئيس وشعبه، فينقل له نبض الشارع وآلام الناس، وهمومهم ومشاكلهم الحقيقية التي طالما يحجبها رقباء لا يرحمون من حاشية الرئيس، الذين يستقبلون رسائل معاناتهم بترقيمها برقم أبدي في سلة المهملات، ويُجمِّلون للرئيس كل شيء رديء على حوائط وسائل الإعلام الرسمية!

   في الفيلم، نجح رجال الرئيس الذين يُحكمون الدائرة البغيضة حوله – في واحدة من ردود أفعالهم الدنيئة – أن يبعدوا “الطباخ” بعيدًا عنه!

   ومَنْ منا لم يأت عليه حزن عميق، ولم يستطع أن يخفي الدموع المحبوسة خلف عينيه، وهو يشاهد “الطبّاخ” مُلقى على الأرض، يضيع صوته في غمرة الضجيج الذي تسببه أفواه رجال قساة يصعب تحريك عواطفهم؟!

   قد يبدو فقدان “الطباخ” نهاية لكل حقيقة، ولكن “الطباخ” الذي لم يخطب ود الرئيس بأخبار زائفة، وكان يشير للشعب بكل معاناته في: المأكل، والمسكن، والوظيفة، وفي كل مناحي حياته، لا يزال موجودًا، وقريبًا جدًا -رغم الإقصاء الرمزي لكل إقصاء في الفيلم- من كل: رئيس، وحاكم، ومسئول في أي وقت وأي مكان يتحلى بالاستقامة والإحساس بالناس البسطاء واحتياجاتهم، والرغبة الدائمة في اللقاء بهم في أحيائهم ومقاهيهم، وفهم همومهم.

   هذا “الطباخ”، لم يعد ضمن مشاهد مفعمة من الماضي، وإنما أصبح -بعد أن ثقب شاشة الحاسوب- يهتف في الحشد المنتظر على أطراف الإنترنت، معبِّرًا عن وجوده بإدراك جديد، وأنه كفيل بالأمر، ولن يترك أمانته ورسالته!

   وعلى كل راعٍ مسئول عن رعيته أن يملك الرغبة الصادقة في اختراق الحصار من حوله، وأن ينقر بأصابع اهتمامه على أزرار لوحة المفاتيح، ويزور المدونين في مدوناتهم، ويتعرف إليهم وإلى رغباتهم، مهما كانت ذاتية، ويتخذهم حلفاء ومشاركين له في صنع القرار، وأن يعرج على المواقع الملتهبة على الشبكة العنكبوتية التي تحمل أسماء الأقليات العرقية والدينية في بلاده، فيرى وجوه المنبوذين والمضطهدين، ويستمع إلى أناتهم، ويداوي جراحاتهم!

   أنه لمن دواعي أملنا، وما يجعلنا نتحول إلى حالمين تمتلئ رؤوسنا بالرؤى، ألا يترك الإنترنت مسافة بين الرئيس وبين المواطن، وألا تكون الحقائق على الإنترنت بعيدة!

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا