الحرب ليست.. للأقوياء الحلقة (21)

3

شبنة هو ابن عم الطفلة التي ماتت أمها أثناء ولادتها وسبقها أباها، وقد اتفق شبنة مع عمته رفقة أن تسمي الطفلة اليتيمة هداسا. كانت العمة “رفقة” هي الأم الروحية لكل أبناء عشيرتهم. أضاع “أبيحائل”، والد الطفلة، قبل مماته ثروته مع تجار غرباء ولم يحتمل الخيانة فمرض.
وبسبب علاقة شبنة (مردخاي) بهذه الطفلة الصغيرة التي غزت محبتها قلبه، أعاد اكتشاف نفسه. لقد وجد أنه لا زال قادرًا على العطاء والحب والاهتمام، واختبر مشاعر من نوع جديد أضفت الحيوية والانتعاش على حياته. تطورت العلاقة بين شبنة والطفلة الصغيرة وأصبح يخاف عليها من أي شيء. التحق مردخاي بالعمل في القصر الملكي. وذات يوم، أقام الملك حفلًا كبيرًا تسللت إليه هداسا سرًا، رأت أمور لم تتوقعها، عاد مردخاي من الاحتفال متوعكًا، انقطع عن الذهاب إلى القصر وجرت أحداث كثيرة في القصر فماذا حدث؟ (يمكنك قراءة الحلقات السابقة على موقع الجريدة.)
بينما كان الملك يواجه صراع الأمواج العاتية، ساد هدوء حذر في شوشن العاصمة وفي بقية أجزاء الإمبراطورية التي لم يتم جمع العذارى فيها بعد… فطبقًا للترتيب المُعد كان يتم جمع الفتيات من قِبل وكلاء الملك والفرق العسكرية المصاحبة بتسلسل المناطق من الأبعد للأقرب.
وقد منح هذا الساكنين في شوشن القليل من الوقت للتصرف… كان “مردخاي” قد سبق وجمع عشيرته في يوم كتابته للمرسوم الملكي الذي سيُرسل في جميع أنحاء الإمبراطورية لإيجاد حل ورفع صلوات طلبًا للإنقاذ.
لم يكن هناك خيار بالرفض، فالرافضون سيتم إعدامهم مع أسرهم وتؤول ممتلكاتهم لبيت الملك… كان الأمر أشبه بسبي الجواري، فلن تتمكن أُسر هؤلاء الفتيات من رؤيتهن مرة أخرى لأنهن سيبقين بين حريم الملك… وفرصة الفوز بلقب ملكة البلاد ضعيفة جدًا أمام هذا العدد الهائل من مختلف الجنسيات والبلدان… لذا استعدوا ببناء مخابئ بممرات خفية أسفل البيوت… وبالطبع لم تخرج أيًا من الفتيات العذارى خارج منازلهن لأيام، منتظرات بترقب ما يمكن أن يحدث.
–         أبي… أبي… أبي
–         هه… نعم… هل تقولين شيئًا؟
–         أحاول أن أتحدث معك… يبدو أن بالك مشغول.
–         نعم… الوضع مُقلق.
–         ولكن… ألم تقل لي قبلًا إنك لا تخاف لأنك متكل على الله؟
–          نعم… نعم، بالطبع.
–          أنا أيضًا لا أخاف…
–          “هداسا”، ولكنك لا تفهمين… هذا الأمر لا يجب التهاون فيه… لو أخذوكِ لن أتمكن من رؤيتك ثانية… ستقضين حياتك بين حريم الملك وسراريه… لن أحتمل هذا.
–         ههه… ولِمَ لا أصبح ملكة البلاد… الملكة “هداسا”… فلتحيا الملكة “هداسا”.
قاطعها “مردخاي” بتبرم:
–         كفي… أنتِ لا تدركين حجم المأساة التي تواجهنا، ولا تتحملين أدنى قدر من المسئولية.
ثم خرج من المنزل متحيرًا وهائمًا على وجهه… فمهما بلغ عدد معارفه ومهما دفع… لا يمكن أن يتجاوز أحد مرسوم الملك.
*********
حافظت القوات الفارسية على تقدمها العسكري تجاه احتلال اليونان بوتيرة ثابتة لكنها شديدة البطء، ووصلت إلى جبال الأوليمب بحلول شهر أغسطس.
كان التوقيت في صالح “أحشويروش”، فهذه فترة الإعداد للألعاب الأولمبية والاحتفال بمهرجان كارنيا الديني، وتفويت أيًا منهما يُغضِب الآلهة، لذا بادر بإرسال رسول يطلب منهم الاستسلام.
انطلق رسول الملك “أحشويروش” ليلاقي الملك اليوناني “ليونيداس” حاكم اسبرطة ومعه رسالة بالاستسلام…
كان منظر الرسول مرعبًا… وقد تأجج بأسلحة حول وسطه ووضع حلقتين صغيرتين في أخر حاجبه الأيسر، وسن عاجي صغير يتدلى من جانب أنفه الأيمن كان قد حصل عليهما من معركته الأخيرة.
وصل الرسول أمام قصر الملك وقد حمل في يده تسع جماجم مربوطة معًا متوجة بتيجان الملوك المهزومين، ورفعها لأعلى بيمينه، ويده اليسرى شدت لجام الفرس الذي رفع رجليه الأماميتين وصهل عاليًا…
وقف رئيس الجيش أسفل السلم المؤدي لمدخل القصر لاستقبال الرسول… وما أن رآه يتصرف هكذا لم يحرك ساكنًا بل قال:
–         محاولة رخيصة من البرابرة لإرهاب الملوك.
نزل الرسول عن فرسه وطلب لقاء الملك لإبلاغه رسالة من ملك الملوك “أحشويروش”، أو كما يطلقون هم عليه “زركسيس”، مفادها:
–         استسلم… لن تصمد أمام جيوشنا… عدد جنودنا أضعاف… أضعاف عدد مدينتكم.
رد عليه القائد بابتسامة هادئة:
–         العبرة ليست بالعدد… كثيرون عبيد ولكن قليلين محاربون.
ثم أخذه، ودخل به هو والوفد المصاحب إلى داخل إحدى غرف القصر التي لم يخرجوا منها أبدًا.
*********
ومن غرفة القيادة انتظر الملك “أحشويروش” هو ومجلسه العسكري عودة الرسل، ولكن عدم عودتهم كانت هي رد الاسبرطيين عليه… بادر أحد قادة القوات بالقول:
–         مولاي، الاستطلاعات الأولية تنبئ بأن جيش الأعداء صغير جدًا مقارنة بنا… سنسحقهم بمنتهى السهولة.
–         نعم… كل تحركاتنا نحو الجنوب ناجحة، لقد اكتسحنا اكتساحًا بعد عبور مضيق هيليسبونت.
–         أعتقد أن الملك اليوناني “ليونيداس” حاكم اسبرطة قتل رسولك أيها الملك العظيم… لن يستسلموا.
–         حسنًا، فليتقدم الجيش.
تقدَّم الجيش وبعد أول التحام… قال قائد الجيش للملك:
–         مولاي… سقطت أعداد هائلة منا… يبدو أن الاسبرطيين محاربون لا يُستهان بهم…
–         أرسلوا الجواسيس لدراسة معالم المكان…
–         حسنًا، مولاي…
–         مولاي… هم يتوجهون نحو ممر ثيرموبيلاى بجانب الساحل، ليقفوا عند المضيق ويمنعوا تقدمنا.
–         فلنحاصرهم إذن.
حاصرهم الجيش الفارسي أربعة أيام، ثم قام بالهجوم في اليوم الخامس، واستمرت ملحمة صمود الاسبرطيين يومين، أوقعوا فيها بهم خسائر كبيرة…
–         مولاي، لقد استدرجوا أسطولنا لخليج ضيق… لا يمكن لسفينتين المرور به.. سيعلق الجيش هنا… سفننا متداخلة مع بعضها البعض لا نستطيع حتى المناورة…
–         أصدر أمرًا بالتراجع…
–         الأوامر لا تصل بسهولة إلى الأقسام المختلفة من الجيش… هناك ارتباك ليس بقليل بين القوات.
أعاد الجيش الفارسي ترتيب تشكيلاته من جديد، فرغم تعداده الكبير إلا أن قلة منهم محاربون حقيقيون. ومع ذلك، أمر الملك باستمرار القتال… نزل الفرس بمجموعة سبارابارا[1] فيما قرر الاسبرطيون الالتحام معهم التحامًا مباشرًا بالرماح، وكانت النتيجة قتل وجرح عدد كبير من الفرس فانسحبوا… ثم أصدر الملك قرارًا بنزول تشكيل تاكابارا[2] في اليوم التالي، وكانت النتيجة أن انهزموا هم أيضًا.

[1] Sparabara هم العمود الفقري للجيش الفارسي وأول مَنْ ينخرط في القتال، وكانوا يحملون دروعًا مستطيلة مصنوعة من الخوص مبطنة بالكتان ويستخدمون رماحًا بطول مترين، وقد حمتهم الدروع من السهام بشكل فعال ولكنها لم تكن بالقوة الكافية لحمايتهم من الرماح.
[2] Takabara هي وحدة في الجيش تُعتبر قواتًا خاصة، وقد كانوا ضمن فرق خاصة من البلتاستس أو حملة ثلاث رماح، واحد في يد للرمي واثنان في اليد الأخرى مع الدرع كذخيرة إضافية، وكانت دروعهم من الخوص والخيزران الخفيف على شكل هلال، وكانوا يستخدمون أسلحة محلية الصنع كالفأس الخفيف يُسمى Sagaris وملابسهم من الكتان الخفيف والجلد.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا