يشغل بالي كثيراً في هذه الأيام البحث عن حلول لمشاكلنا الكثيرة نحن المسيحيين الذين نعيش فيما هو مفترض أنها بلادنا في الشرق الأوسط، ومن الواضح أن مشاكل الإنسان، كل إنسان، تزداد بمرور الأيام ولا سيما مشاكل الشرق أوسطيين، وتحديداً مشاكلنا نحن المسيحيين الشرق أوسطيين، فتارة أرى أن “الحب هو الحل” (كما كتبت في مقال سابق تحت هذا العنوان) فنبذ التعصب والكراهية والحقد والضغينة لهو أقصر الطرق وأنجحها في التغلب على عدوان الناس وإرهابهم بعضهم البعض. لكن ماذا يفعل الحب بمفرده إن لم يسانده ويزده ويجسده آيات بينات من عند المولى تبارك اسمه وأحاديث ووصايا وحكم وأمثال تحض على الحب، ماذا يفعل الحب وحده وكيف نأتي به إن لم يسكبه الخالق في قلوبنا، فنحب بعضنا بعضاً من قلب طاهر وبشدة، وكيف يسكبه تبارك اسمه في قلوب أغلقها أصحابها على كراهية الآخر وعقول استسلمت لغواية الوسواس الخناس الذي أقنعها أن الدين عند الله دينها وأنهم خير أمة أخرجت للناس، وأن غيرهم هم الكفار وما للظالمين من أنصار. وهذا لا ينطبق على أصحاب دين بعينه، إنما هذا هو إيمان كل دين حتى ولو لم يدون صراحة في كتب بعضها، وإلا لما آمن به أصحابه وتمسكوا به.
ثم تارةً أرى أن “المسيح هو الحل” (كما كتبت أيضاً سابقاً تحت هذا العنوان)، نعم فهو الحل، لكن ماذا سيعمل المسيح في قلوب وعقول تؤمن بأنه ما صلبوه وما قتلوه ولكن شبه لهم، وأخرى تؤمن أنه صلبوه وقتلوه ولم يشبه لهم، ويقولون أنهم مسيحيون لكنهم لا يعطونه مكانته وسلطانه على نفوسهم، فهم فقط يؤمنون ويقشعرون كالشياطين التي تعرف وتؤمن تماماً بحقيقة صلبه ودفنه وقيامته لكنها ترفضها وتقاومها وتشكك فيها.
ومع أنني أؤمن أن “المسيح هو الحل” وأن “الحب هو الحل”، فالمسيح هو الحب المتجسد، إلا أنني أرى اليوم أن “الاتحاد هو الحل”، فاتحاد الإنسان بربه وخالقه، واتحاده بالمسيح يسوع تبارك اسمه، واتحاده بالحب الأزلي المتجسد في شخص المسيح السرمدي هو الحل لكل مشاكل المسيحيين على الأرض.
الاتحاد بين الإنسان وخالقه، والإنسان وأخيه الإنسان، كان منذ الأزل وسيظل إلى الأبد صلب الخطة الإلهية القديمة المتجددة لإيجاد عالم أفضل، وإنسان أقدر ومستقبل أكثر إشراقاً.
فلقد كانت كائنات السماء الملائكية تعمل في اتحاد وانسجام مع خالقها تبارك اسمه، فالمولى جل شأنه هو الجالس على كرسي عالٍ ومرتفع والملائكة والرؤساء واقفون أمامه لخدمته وحمده وشكره وعبادته، وفجأة حدث الانقسام، ملاك كبير رئيس، فكر أن يضع كرسيه بجوار كرسي المولى تبارك اسمه فسقط هو وأتباعه إلى سماء الجلد والهواء وحدث أول انقسام في خليقة الله سبحانه، ومنذ ذلك الحين فهم الرجيم أن سعادة الإنسان وقوته وتأثيره ومستقبله مرتبط باتحاده بالآخرين أو بعده عنهم، وعلم أن الطريقة الوحيدة لإيقاع البشر في الضعف والحيرة والمشاكل والحروب والقتل والنهب والسرقة، هي استعمال مبدأ شرير يعرف بفرق تُسد. فاستعمل هذا المبدأ مع بني البشر منذ بدء الخليقة وإلى اليوم فبعد أن كان آدم وحواء متحدين بعضهما ببعض وبخالقهما، فرقهما الشيطان فانفصل آدم وحواء عن الله، ثم انفصل أحدهما عن الآخر يوم قال آدم للمولى “المرأة التي أعطيتني..” لائماً حواء أنها هي التي أغوته للأكل من الشجرة المحرمة. والأخوان الأولان قايين وهابيل فرقهما الوسواس فقام قايين على أخيه وقتله، وإسحق وإسماعيل عاشا متفرقين غريبين عن بعضهما بعد أن طرد إبراهيم الجارية المصرية هاجر وابنها، ويعقوب وعيسو فرقهما الخناس وكاد أحدهما أن يقتل الآخر، ويوسف وإخوته، وحثي في العهد الجديد، الكنيسة الأولى، الجيش المرهب بألوية، بعد أن كانت هيبة الله عليهم وما كانوا يحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء وما كانوا يربطونه في الأرض، يكون مربوطاً في السماء، أصبح فريق منهم يقول أنا لبولس وأنا لأبولس وأنا لصفا وأنا للمسيح، وفي أيامنا هذه الغبراء، نرى الكنيسة التي اقتناها المسيح بدمه، أصبحت مذاهب وطقوساً وعقائد ومللاًً ونحلاً وطوائف، فالكنيسة في أمريكا أشبه ما تكون بالمؤسسة التجارية المبنية على جمع الأموال واستخدامها فيما ينفع وما لا ينفع جسد المسيح في شيء. والكنيسة في أوروبا تغط في نوم عميق وتخسر مبانيها وتأثيرها وقوتها وتتنازل عن ممتلكاتها ومبادئها وعقائدها بل وربها، وتفتح الباب لأعداء المسيح ليتحكموا فيها ويقودوها حيثما يشاءون. والكنيسة في الشرق الأوسط مغلوبة على أمرها استسلمت لروح ضد المسيح فتفرقت وتفتتت بين إنجيلي وأرثوذكسي وكاثوليكي، ثم إلى مذاهب وطوائف إنجيلية وطوائف أرثوذكسية وكاثوليكية، وانقسمت الكنيسة الجامعة الرسولية على بعضها، ونجحت خطة الوسواس الخناس في تفتيت الكنيسة واستعمل في ذلك كل الطرق والوسائل، استعمل سلاح الخوف والتخويف وسلاح الغي والكذب والتضليل وسلاح الرياسات وحب التسلط والتملك وحكم الغير، ثم سلاح الانحلال الخلقي والأدبي، والجشع وحب المال فاختفت البقية التقية الأمينة التي نشكر الله على وجودها، وتراجعت عن الوصول للعالم أجمع والكرازة بالإنجيل للخليقة كما أوصاها إلهها سيد الخلق ورب المرسلين.
لقد فطنت حكومات الأرض وأنظمتها البوليسية إلى سياسة فرق تسد وتفننت في تفتيت الجماعات والاتحادات والروابط إلى كيانات صغيرة متناحرة، واختفت هي عن المشهد وكأنها لا ذنب لها ولا حول ولا قوة فيما يحدث في كنيسة اليوم، لذلك فالحكومات في الشرق الأوسط لا تخاف الكنيسة ولا المسيحيين ولا تضعهم في حسابها في أية قرارات أو خطط واعتبارات. فمسيحيو مصر وحدها يمكنهم أن يكونوا دولة قائمة بذاتها يفوق تعدادها تعداد السكان في الأردن أو الكويت أو ليبيا أو الإمارات وغيرها، ومع ذلك تتردى حالتهم يوماً بعد يوم والكل يتربص بهم، الجماعات الإسلامية المعتدلة والمتطرفة، الشيوخ والمتأسلمون من رجال البوليس والقضاء، أجهزة الإعلام والإذاعة والتليفزيون، المناهج الدراسية ومدرسي اللغة العربية في كافة الفصول والمراحل وما إلي ذلك.
وبدلاً من أن يفطن المسيحيون إلى هذه السياسة الشيطانية ويتصدوا لها اكتفوا بالصراخ والعويل وندب الحظ، ومنهم من اتجه إلى الصلاة إلى الله ليصنع لهم خلاصاً وهم في انشقاق وخصام مع إخوانهم غير عالمين أن خلاصهم في وحدتهم معه سبحانه وتعالى ومع بعضهم البعض.
فنظرة بسيطة لما يحدث اليوم في الأوساط الكنسية تدلك على مدى نجاح العدو في استخدام سياسة فرق تسد، فمذهب إنجيلي يتصارع فيه فريقان من القسوس على رئاسة المذهب، رئيس حقيقي منتخب ورئيس قرر خطف كرسي الرئاسة منه، واتهم كل منهما الآخر بالسرقة والانحراف عن الصواب ولازال الصراع مستمراً، مذهب إنجيلي ثانٍ يتصارع فيه رئيس المذهب مع قسوسه، ترفع القضايا المدنية في المحاكم الأرضية، يكسب الرئيس مرة ويخسر القسوس مرات ولازال الصراع مستمراً، مذهب إنجيلي ثالث يتصارع فيه الإخوان على رئاسة كلية اللاهوت التابعة للمجمع ولازال الصراع مستمراً. صراع حول بطريرك جديد وآخر تسلم رياسته من مرقس الرسول ولازال الصراع مستمراً، تهديد بمنع التعامل مع الجريدة التي كنا نقرأها منذ نعومة أظافرنا لأنها انتقدت الكنيسة ولازال الصراع مستمراً، بنات تخطف وقاصرات يجبرن على ترك ديانتهن، مسيحيون يكتبون في خانة الديانة في بطاقتهم مسلمين وعليهم أن يغيروها إن استطاعوا لذلك سبيلاً، مؤمنون بالمسيح وبدينه وبكفارته وخلاصه، حكم عليهم أن يظهروا عكس ما يبطنون، كنائس تغلق لأتفه الأسباب وكنائس تهاجم بلا حساب، والمختلون عقلياً موجودون في كل صوب وفج لمهاجمة المصلين “المشركين” في معابدهم وكنائسهم، العالم كله يتكلم عن أحوال المسيحيين العرب في الشرق الأوسط، والكنيسة في خوف تهتف عاش الصليب مع الهلال، المستغلون والمزايدون يربحون وتكثر ثرواتهم، والمناضلون يصارعون وحدهم في حلبة صراع غير متكافئة الأطراف. والحل… الحل… الحل… الاتحاد هو الحل.
هذا هو الحل الذي وضعه السيد المسيح تبارك اسمه في كتابه العظيم المقدس في يوحنا 17، فلقد أفرد تبارك اسمه صلاة خاصة للمولى القدير يطلب فيها أن يكون المؤمنون به له المجد واحداً مع بعضهم البعض ومع المولى جل شأنه، وعندها فقط وفقاً لكلامه له المجد سيعرف الناس من هو شخص المسيح، سيؤمنون به، وسيعلمون أنه من عند الله خرج وإلى الله رجع وهو ديان الأرض والسماء، وحينئذ سيعم الأمن والسلام والحب والرحمة والشفقة والاطمئنان، فلكي تسمع الحكومات للكنيسة وللمسيحيين في بلادها لابد من وحدتهم واتحادهم، اتحاداً حقيقياً روحياً، فيصبحون قوة يرهبون بها عدو الله وعدوهم، وهناك أكثر من مليون إنجيلي ناطق باللغة العربية متفرقون في شتات الأرض كلها وأكثر من نصف مليون منهم من المسيحيين المصريين وحدهم، ترى ماذا يمكن أن يفعل هؤلاء وما مدى تأثيرهم على العالم من حولهم إذا اتحدوا معاً. لقد كنت من أول من هداهم المولى للعمل على اتحاد الكنائس والمؤمنين للتصدي لروح ضد المسيح، فلقد وهبنا القدير تبارك اسمه مجموعة من الإخوة والأخوات وأنا أن نؤسس اتحاد الشباب المسيحي المصري ثم الدولي لخدمة الإخوة العرب على اختلاف طوائفهم وجنسياتهم وديانتهم، لأننا نؤمن أن لله مختارين من كل قبيلة وشعب ولسان اتحدنا معاً فأوصلنا رسالة المسيح إلى أقصى الأرض، لم نحتج أن نهدد أحداً أو أن نرهب أحداً، لم نحتج أن نقنع أحداً بأن يفجر نفسه للدفاع عن حق الله في الأرض، لم نحتج أن نجبر الناس على قبول المسيح والمسيحية كديانة لهم، لكن كل ما عملنا أننا اتحدنا بإخلاص وتواضع وحب لخليقته المولى تبارك اسمه دون النظر إلى لون أو دين أو عقيدة، فانجذب الناس لشخص المسيح الذي فينا ورأينا الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، اتحدنا كإنجيليين ناطقين باللغة العربية ومتفرقين في شتات الولايات الأمريكية وكندا لخدمة مواطنينا وأهلنا ونحن على ثقة في إلهنا أن اتحادنا سيكون لخير بلادنا وعالمنا وديننا ومسيحنا وربنا.
ونحن على استعداد كاتحاد الكنائس الإنجيلية الشرق أوسطية بأمريكا الشمالية أن نمد يد العون والتعضيد لكل الباحثين عن الحق والعاملين على مرضاة الله، والوقوف خلف بلادنا في سرائها وضرائها، نحن على استعداد أن نتعاون مع الرؤساء والحكومات ونساند كل حركة للبناء والتعمير وعمل الخير، متحدين معاً لخدمة الكنيسة العامة في الشرق الأوسط، وخدمة الفقراء والمحتاجين، ليس من المسيحيين فحسب، بل للخليقة كلها كما علمنا سيد كل الأرض، المسيح يسوع تبارك اسمه، سنتعاون معاً على البر والتقوى، وليس على الإثم والعدوان، سنقف معاً لنرفع أصواتنا ضد الظلم والقهر والعدوان، لا على المسيحيين فحسب، بل على كل إنسان، كل مظلوم طريد في الأرض، لذا فنحن نقول أنه لن يصلح حال الكنيسة في الشرق الأوسط إلا إذا اتحدت الكنيسة الأرثوذكسية القبطية والإنجيلية والكاثوليكية، اتحاداً قلبياً يتم فيه نبذ كل أنواع التعصب والاستعلاء وتكفير الآخر، لابد لأقطاب الكنيسة أن يجلسوا على مائدة مستديرة في وحدة حقيقية للتوبة عن أنفسهم وكنائسهم ومذاهبهم وطوائفهم، ثم نرفع صوتاً واحداً وبنفس واحدة للقادر أن يخلصهم من ضعفهم وتفككهم وفقرهم الروحي وعندئذ فقط سيصل صوتهم إلى قلب الحكومات والعروش والسلاطين.
ولوضع طرق عملية يمكن تطبيقها للوصول إلى ذلك الاتحاد أرى أن تتخلى الطوائف والمذاهب والكنائس عن الانشغال فقط بمصالحها الشخصية وأن عليها أن تهتم بما للآخرين، فما دامت المصالح الشخصية تحكم علاقات الكنائس والطوائف فلن تتحد أبداً ولن يسمع صوتها ولن يلتفت لها أحد.
* لابد من تكوين لجنة تتكلم باسم المسيحيين الشرق أوسطيين من الإنجيليين والأرثوذكس والكاثوليك، بصوت واحد دون تفرقة أو انقسام.
* لابد من الاشتراك معاً في صلوات موحدة للقادر على التدخل في أمورنا وشؤوننا ليرحمنا ويعفو عنا فهو أرحم الراحمين.
* لابد من إبداء الرأي الموحد في كل القضايا المطروحة على الساحة في بلادنا والتمسك بتعاليم المسيح تبارك اسمه في مواجهة كل معتدٍ على حق المسيح وكنيسته في الشرق الأوسط.
* لابد من تعليم أولادنا أن دم الشهداء هو الوسيلة الأكيدة لنشر الحق، حق المسيح في هذه البلاد. باتحاد الكنيسة معاً ستستخدم كل الإمكانيات لعمل المستحيل لحل مشاكل المسيحيين. والله المستعان.