الإسلام هو الحل

11

العدد 69 الصادر في يونيو 2011
الإسلام هو الحل

    روى لى أحد القساوسة وكان يكبرني في السن بعشرين سنة، قصة طفلته الصغيرة التي لم تكن يومها تتجاوز السنة من عمرها، وكيف أنها استيقظت ذات ليلة الساعة الثانية صباحاً وأخذت في الصراخ المستمر بأعلى صوتها. كانت عائلة الراعي تسكن قرية صغيرة بلا كهرباء وبالتالي بلا مصباح كهربائي فكانوا يستخدمون مصباح الكيروسين الذي يعرف عند العامة ” بلمبة الجاز”، أوقد الراعي لمبة الجاز وأخذ يفتش في جسد ابنته لعله يجد حشرة قد عضتها أو يعرف سبب صراخها الذي كان يسمع بوضوح خارج جدران شقتهم المتواضعة، ومع سكون الليل وقرب منازل القرية بعضها من بعض كان يبدو للراعي أن صوت طفلته يصل إلى أبعد منازل القرية، حاول إسكاتها بكل الطرق ولم يستطع، وفجأة نسيت الطفلة السبب الذي لأجله بدأت الصراخ وأصرت على أن تلمس زجاج لمبة الجاز بإصبعها الصغير الغض، حاول الأب المسكين أن يفهم الطفلة القاصر أن لمسها لزجاج لمبة الجاز سيحرق يدها، فتارة يقول لها “ده دح”، وتارة ينفخ في لمبة الجاز ويقول لها “أوف”، وتارة يمسك يدها قريباً من حرارة زجاج اللمبة لكن الطفلة واصلت الصراخ وتزايد صراخها وتشنجها العصبي وإصرارها على لمس اللمبة. كان الأب يحكي لي القصة بكل جوارحه وكأنها حدثت منذ دقائق، حاولت أن أبدي اهتمامي وتجاوبي مع الأب وقلت: “أكيد كانت مشكلة كبيرة، إزاي حليت هذه المشكلة؟ الله يكون في عونك” قال الأب والدموع تكاد تقطر من عينيه شفقة على صغيرته: أمسكت بإصبع ابنتي الصغيرة وتركتها تلمس زجاج لمبة الجاز المتوهج، امتقع وجهي، وقلت: حرام عليك يا راجل معقولة عملت كده، قال لي: “صدقني عملت كده” قلت: “الحقيقة، إنني أجد صعوبة في تخيل أنك تركت صغيرتك تلمس لمبة الجاز المشتعلة، ألم تكن هناك طريقة أخرى؟” ثم قلت: “وماذا كانت النتيجة؟” قال: “استنفذت كل المحاولات لإسكاتها ولم تفلح معها أية طريقة كما قلت لك بل كانت تزداد إصراراً وعناداً في تحقيق طلبها”. ثم قال: “لعدة دقائق استمرت طفلتي في الصراخ، بعدها أدارت وجهها عن المصباح ونامت حتى الصباح، ومنذ ذلك اليوم كلما أشعلت والدتها لمبة الجاز، أدارت وجهها بعيداً عنها بل وكانت وكأنها تحذر كل من حولها، واستمرت لمدة طويلة تنظر إلى المصباح حتى وهو مطفأ وتشير إليه وتقول: “أوف.. دح”. ليس ذلك فقط بل عندما أرادت أن تلمس كوب الشاي الساخن، بعد هذه الحادثة، كان كافياً جداً أن أشير إلى لمبة الجاز ثم إلى كوب الشاي وأقول لها “أوف.. دح” فتكف عن محاولة لمسها، فعلى رأي المثل “اللي لسعته الشربة ينفخ في الجيلاتي”. ضحكت وقلت مع أنني لا أعرف معنى “أوف.. أو دح” ومن أي لغة بدأت هذه الكلمات، لكن الحمد لله أنها عملت مفعولها مع طفلتك، وليس مع طفلتك فقط بل معنا جميعاً، فمن منا لا يذكر موقفاً كهذا مع اختلاف نوع كوب الشاي، أو لمبة الجاز، أو..أو..أو..

    لقد سارعت هذه القصة إلى ذهني عندما كنت أجلس مع أحد الأصدقاء والأخوة المتنصرين نتجاذب أطراف الحديث عما يحدث في مصر في هذه الأيام، ما يفعله ويصرح به السلفيون والإخوان المسلمون وشيوخ الفضائيات، وكيف أثروا على رجل الشارع المصري الطيب المسكين ووجدوا ملايين الأتباع يسمعونهم ويصدقونهم وينفذون ما يقولونه لهم دون تفكير أو حساب للعواقب والتداعيات. سألته عندها: “بصفتك مسلماً سابقاً ومسيحياً مؤمناً حقيقياً بالسيد المسيح وكتابه، بل وربما تكون المسلم المتنصر الأشهر في الشرق الأوسط الآن، ما هو العلاج لحالة الشارع المصري اليوم؟” ابتسم وقال: “تطبيق الشريعة الإسلامية، وترك الجماعات الإسلامية والسفليين يعملون ما يريدون في مصر” لم يكمل صديقي إجابته لكني فهمت قصده وقفز إلى عقلي موضوع وعنوان هذا المقال وهو “الإسلام هو الحل”، وعندها تذكرت قصة الراعي وطفلته قلت لنفسي إن أسرع طريقة لمعرفة الحقيقة والاقتناع بها هي التجربة، لذا قال الأولون “درهم تجربة أثقل من طن كلام”.

    لعدة عقود رفعت جماعة الإخوان المسلمون شعار “الإسلام هو الحل” منذ أسسها حسن البنا وكانت مصر يومها محكومة بملوك غيرمصريي الأصل وبدول أوروبية كانت رمزاً للكفر والإلحاد في نظره ونظر أتباعه، ولم يكن هناك حل للخروج من هذا الوضع الشائك وإصلاح مصر سوى تطبيق شريعة المولى تبارك اسمه “من وجهة نظره” على كل نواحي الحياة، لذا أطلق هذا الشعار، ولست أظن أن المصريين يعرفون ما يطلبون عندما يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية في مصر أو جعل مصر دولة دينية مهما اختلفت التفاسير حول معنى الدولة الدينية الإسلامية ، والسبب في عدم معرفة المصريين بما يطالبون به هو

     أولاً: أنهم لم يجربوا الدولة الدينية من قبل ولا يعرفون ما هي الدولة الدينية، مع أن القليل من الدولة الدينية الذي اختبروه حتى الأن كان كافياً لكل ذي عقل حتى يرفضها تماماً.

    ثانياً: لأنهم لا يقرأون ولا يطلعون على ما وصلت إليه الدول التي تطبق الشريعة الإسلامية من تدني في كل المستويات.

    ثالثاً: ولأنهم لا يقرأون فهم يصدقون كل ما يقال لهم، فالسعودية والسودان وإيران قالت إن كل ما يحدث لهم من مشاكل ومصائب هي لأنهم لا يطبقون الشريعة الإسلامية في بلادهم فطبقوها فازدادت المشاكل، فقالوا لأن الشريعة لا تطبق بالكامل واتهموا رؤساءهم وملوكهم بالفساد. ولأنهم لا يقرأون فمن السهل على أي شاب كان في مقتبل العمر كحسن نصر الله أو بن لادن أو غيره ممن لا خبرة لهم ومن تثقلت حياتهم بكل مشاكل الدنيا أن يفتي ويشرح ويعلم العامة عن مضار عدم تطبيق الشريعة فيتجاوب معه الشارع العربي.

    رابعاً: ولأن هذه الشعوب تعودت على غلق عقولها وعدم التفكير والسير وراء قائد أو رئيس أو إمام دون تفكير، أو خوفاً من بطش القادة بهم، وهم في الوقت نفسه يعانون من أنواع كثيرة من المشاكل والإحباطات والاضطهادات فلابد لهم أن يبحثوا عن شماعة يعلقون عليها كل ما بداخلهم وعن مخرج ليهربوا به منها، وأي مخرج أسهل وأجمل وأسرع من مخرج ديني يعد الخلق وعوداً رائعة براقة إن هم تابوا عن شرورهم وقبلوا شريعة المولى كدستور لهم وقاوموا وقوموا المنكر بقلوبهم ثم بألسنتهم ثم أيديهم إن لزم الأمر، وعندها سيكون لهم جنات تجري من تحتها الأنهار وحريات في الأرض وحوريات في الجنة، من منا يكره هذا الحل السريع الأعظم؟

    ولعلم القادة والرؤساء والملوك العرب بهذه الضعفات والنقائص في شعوبهم، لذا فقد أخذوا يلعبون بالنار مقدمين لهذه الشعوب ما يريدون أن يسمعوه من وعود وعهود وخطط وخطوات لا ينفذ منها شيء سوى ما يريده هؤلاء القادة لتحقيق مصالحهم ومآربهم فقط، ولعلم شيوخ الفضائيات بها أيضاً أخذوا يلهبون مشاعر العامة بالعزف على قيثارة الدين ذات العشرات من الأوتار التي لا تتناغم بعضها مع بعض وخاصة أوتار الشريعة الإسلامية ومرضاة الله سبحانه وتعالى، ووتر تكفير الحاكم والثواب الممنوح للشعوب إن هم حطموا الطاغوت، ورفعوا راية الإسلام هو الحل. ثم وتر المادة الثانية من الدستور الذي عزفت عليه خفافيش الظلام لحن معركة الصناديق، ووتر كاميليا الذي عزفوا عليه لحن المسلمات القاصرات المخطوفات والمحبوسات في الأديرة والكنائس، ثم وتر الحقد والضغينة والكراهية لا للمسيحيين فقط مع أنهم الحاصلون على الجزء الأكبر من لحن هذا الوتر بل لإخوانهم في الدين الواحد والمطالبين أيضاً بتطبيق مبدأ “الإسلام هو الحل”، ثم ذلك الوتر الكريه الحزين الذي يعزفون عليه لحن العنف والإرهاب وحرق الكنائس ومحاصرتها ومداهمة الأديرة وأماكن العبادة وغيرها.

    فإذا كان شعب مصر البسيط الطيب لا يفقه ماذا يطلب فعلينا كإعلاميين أن نقول لهم هذا “دح.. أوف” مع علمنا الكامل أن هذا لن يجدي معهم في شيء وسيستمر صراخهم ويرفعون شعارهم “الإسلام هم الحل” لأن الذين يشجعونهم على هذا الصراخ يتربحون من هذه الحركة الدينية ويمولهم ملوك ورؤساء يهمهم زعزعة الاستقرار والسلام في المنطقة العربية ويهمهم أن يلهوا الناس في معارك دينية كمسلمين مع مسلمين ومسلمين مع مسيحيين حتى لا يكون التركيز عليهم وعلى الفحشاء التي يرتكبونها في حق شعوبهم ودينهم والإنسانية كلها، ثم خفافيش الظلام الذين يُدفع لهم بالدولار ويُرفعون من أئمة مغمورة في مساجدهم لا يسمع عنهم أحد سوى دائرتهم الضيقة إلى أعلام ورموز للإسلام ونشره والدفاع عنه، فإذا اتقى هؤلاء الله وكفوا عن إلهاب مشاعر الناس وآمنوا وعلموا بأن تحكم رجال الدين، من أي دين، في إدارة البلاد لن يأتي إلا بالوبال على هذه الدولة وهذا الدين، فستقطع أرزاقهم، وسيعودوا إلى جحورهم وسيفقدوا شهرتهم وزعامتهم الزائفة الكاذبة، الأمر الذي لا يمكن أن يحتملوه.

    ثم بعد أن نقول “دح.. أوف” ولا تجدي هذه شيئاً فلابد من أن نترك شعب مصر يجرب تطبيق الشريعة ورفع راية “الإسلام هو الحل”، تماماً كما سمح صديقي لطفلته أن تلمس “لمبة الجاز”.

    وما أنا موقنه وواثق منه أن بعد الخمسة سنوات الأولى من تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر وتحويلها إلى دولة إسلامية دينية سيحدث تماماً ما حدث في إيران من بعد الخوميني، فلقد طلب 85% من الإيرانيين أن تصبح إيران دولة دينية إسلامية وهكذا رحبوا بالخوميني ونصبوه على عرش البلاد والعباد واليوم أصبح 65% من أولئك المرحبين شيوعيين ملحدين يكرهون الدين والقادة الدينيين.

    في السعودية، يطوف أعضاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المدينة يضربون من لا يغلقون محالهم في وقت الصلاة، يجلدون كل امرأة يظهر منها ولو كعب رجلها، يوقفون السيارات ليطلعوا على رخص قيادة أي رجل تركب بجانبه امرأة، وإن لم يكن محرماً يحكمون عليه بما يريدون وينفذون الحكم في الحال، لا يرى أحدهم وفي يده زجاجة خمر في مكان عام وتمتلئ بها بيوتهم. وفي إحصائية أخيرة قيل إن 45% من الشعب السعودي يمارسون العلاقات الجنسية المثلية. ينفر السعوديون من الشريعة. الإنسان لا يمكن أن يتغلب على شهواته وملذاته بقدرته أو نتيجة لخوفه من الناس أو القادة والحكام، لابد من متنفس من الشريعة، فيلف الكل من الباب الواسع، بوابة مصر ذات الـ 80 مليون والتي يعيش 80% منهم تحت خط الفقر، الأسعار في مصر رخيصة بالنسبة للدول الأوربية، العائلات فيها ترضى بقليله، ينزل فحول السعودية يسكنون في المهندسين والزمالك، البوابون معظمهم قوادون والشقق المفروشة معروفة لمباحث الأمن، تجارة عظيمة منتظمة يستفيد منها الكبير والصغير، وكل واحدة بثمنها.. بنات إمبابة وبولاق لهم سعر، العجوزة والمهندسين سعر آخر، للبكر سعر وللمرأة سعر آخر، إذا كان من أولياء الله الصالحين الذين يؤمنون بالشريعة الإسلامية، بريالات قليلة يضيف المأذون عدة سنوات على عمر القاصر، وفي لحظات أصبحت الصغيرة زوجة البغل السعودي– الحاج- على سنة الله ورسوله، لا تراها والدتها إلا بعد انقضاء الصيف ورجوع الحاج إلى الأراضي المقدسة، وتعود المسكينة إلى إمبابة. اختفى الحاج وتبين أن كل تليفوناته وكروته الشخصية التي أعطاها لوالد العروس مضروبة، لا يستدل عليه أحد لا في مصر ولا في السعودية، فقد عاد ليحج مرة أخرى وغفر له المولى ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وتبقى الضحية في مصر شهوراً قليلة ثم تحتضن طفلاً سفاحاً، وتذهب إلى مكتب السجل المدني لاستخراج شهادة ميلاد له، تكتب اسم الوالد في شهادة ميلاد طفلها “محمد عبد الستار”، فهي لا تعرف حتى اسم الحاج أبو الولد، اخترعت هذا الاسم فهو وليد التو واللحظة لإخفاء معالم الجريمة عن موظف السجل المدني لأنه سألها اسم الوالد إيه، ردت عليه وقد أخفت وجهها في أطراف حجابها: والله يا أفندي ما أنا عارفة!! ولم تفق إلا على صرخة الموظف الذي يؤمن أيضاً بتطبيق الشريعة والدولة الدينية قائلاً: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، مش عارفة أبو ابنك يبقى مين؟ استغفر الله، تبتسم المسكينة ابتسامة يائسة وتقول للموظف والجمع الواقف حوله: إزاي يا أستاذ في واحدة ما تعرفش اسم أبو ابنها مين، الحاج محمد عبد الستار، فيهز الموظف رأسه: أمال ليه بتقولي إنك والله ما أنت عارفة؟ أصلي كنت مشغولة مش مركزة معاك يا أفندي، وحياة أبوك ما تخدش علي أنت عارف الدنيا كلها مشاكل ومشاغل، اسمه محمد عبد الستار يا أخويا. ينظر الموظف في دفتره ويقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ويكرر اسم الولد أحمد واسم الوالد محمد عبد الستار، اسم الوالدة، محل الإقامة، الديانة مسلم، ديانة الوالدة مسلمة، ديانة الوالد مسلم، تتمتم الأم: “يا ريتني أقدر أقولك ما تكتبش ديانته مسلم، هو ده مسلم، المسلم ما يعملش كده”، تضحك الفتاة ضحكة بائسة وتقول لنفسها: “لأ، ده مسلم وحج ومن السعودية كمان، وعايش في مكة جنب قبر الرسول”. يسلم الموظف شهادة الميلاد للأم، تأخذها منه وتدس في يده جنيهات قليلة وتقول: “حاجة بسيطة على قد الحال” يخاطبها الموظف بقرف: “روحي يا ست مع السلامة” تسير المسكينة في الشارع تتكلم لنفسها.. منك لله يا حاج، ربنا ما يكسبك، ولا يجعلك مقام في السعودية، وما تشوف راحة طول عمرك لا أنت ولا اللي زيك.

    السيدات المحترمات المصريات زملاء العمل لا موضوع لديهن يحكون فيه إلا فتاوى خفافيش الظلام.. تقول إحداهن لصديقتها شفتي المخفي اللي اسمه الشيخ السحلاوي والفتوة المنيلة اللي كان بيفتيها على التليفزيون إمبارح؟ لا ما سمعتوش، الراجل ده ما بحبش أشوف وشه، فتوة إيه، قال واحدة بتقوله يا مولانا زوجي مريض جنسياً لا مؤاخذة، ده من وجهة نظري يعني، بيطلب مني الجماع في أوقات عجيبة وغير مناسبة، وأنا امرأة عاملة باشتغل 10 ساعات في اليوم علشان أصرف عليه، ولما بعترض بيقولي الشرع بيقول كده، وأنت شغلتك إرضاء زوجك حتى ولو كنت في المطبخ وإلا لعنتك الملائكة وغضب عليك الرحمن، إيه رأيك يا فضيلة المفتي؟ وواحدة ثانية بتقوله: “أنا محجبة ومش عايزة أغضب ربنا وشغلي بيحكم علي أكون في المكتب مع رئيس لمدة طويلة، تفتكر فضيلتك كيف أبقى على عملي ولا أغضب المولى عز وجل، وبغض النظر عن إجابة فضيلته التي أكد فيها صدق قول زوج الأولى، ووضع حلاً للثانية أسوأ من المشكلة نفسها، قالت الصديقة: وإيه هو الجديد ما طول عمرهم بيفتوا ويقولوا نفس الكلام، فتجيبها صديقتها: لا زمان كانوا بيقولوا كلام فقط، إنما الآن بعد تطبيق الشريعة وحكم المولى فكلامهم ملزم وإقامة الحدود على المرأة شيء مفعل.

    ولعلك عزيزي القارئ تلاحظ أنني أسرد فقط بعض المواقف العملية الحقيقية الواقعية التي تحدث اليوم في مصر وقبل أن يطبق نظام الدولة الدينية فكم وكم يكون المستقبل.

    هل ستتحمل المرأة المصرية أن تُعَامَل على أنها ناقصة عقل ودين فتستمر في تقبلها لمبدأ أنها أقل من الرجل ومخلوقة من ضلع أعوج، وشهادتها نصف شهادة الرجل لأن الرجال قوامون عليها بما فضل الله بعضهم على بعض درجات؟ هل سيأتي اليوم الذي فيه تُجلَد المرأة لارتدائها البنطلون، أو لسفورها؟ وهل ستُمنع المرأة من أن تقود سيارتها في الطريق العام كالسعودية التي تدعي أنها تحكم بشريعة الله سبحانه وتعالى، أو في السودان التي وقف الرجال فيها ينظرون إلى المرأة وهي تُجلد وتتلوي وكأنها، كما وصفها أحدهم، ترقص رقصة الموت فيستمتع الجلاد ومن حوله برقصها وصراخها لارتدائها البنطلون، وهذا كله بمباركة البشير وأعوانه. إن نظرة بسيطة متأملة على مسرحيات الفنان عادل إمام وأفلامه السينمائية من الإرهابي للإرهاب والكباب وحسن ومرقس والواد سيد الشغال وغيرها لتجسد لنا ما ستكون عليه مصر إذا ما حُكمت بالشريعة الإسلامية لأنه في الحقيقة ليس من أحد على الأرض يعرف ما هي الشريعة الإسلامية، فإيران الشيعية تقول أنها تحكم بالشريعة الإسلامية، والسعودية الوهابية تقول نفس القول، والسودان تدعي نفس الادعاء وهكذا، والجماعات الإسلامية والسلفية والإخوان المسلمون كل يرى أن “الإسلام هو الحل” مع اختلافهم معاً في كثير حتى من أصول الدين. فيظن العامة في مصر أن المسيحيين المصريين هم الذين يعترضون على الدولة الدينية الإسلامية لأن شريعة الإسلام تتضاد مع شريعتهم فيرى البعض أن المسيحيين لابد لهم من قبول الشريعة الإسلامية كالمصدر الرئيسي للتشريع وإن لم يعجبهم فليرحلوا، لكن الأمر ليس كذلك فهناك من المسلمين المستنيرين الذين ينعتهم خفافيش الظلام بالعلمانيين وكأنها لعنة حاقت بهم وهم ضد الإسلام والمسلمين من يرفضون الدولة الدينية التي ترفع شعار “الإسلام هو الحل”.

    أما بالنسبة للمسيحيين فلست أعتقد في أن تطبيق الدولة الدينية الإسلامية عليهم سيشكل فرقاً كبيراً في حياتهم، فهم مضطهدون في كلا الحالتين، كنائسهم تحرق وأبناؤهم يقتلون ويزجون في السجون بدون سبب أو لأتفه الأسباب، ولن يضيرهم أن يعيشوا في اضطهاد مرير وتفرقة عنصرية وضغوط رهيبة لمدة خمسة سنوات مقبلة ليجرب إخوانهم المسلمون الحياة تحت علم “الإسلام هو الحل” وتصبح دولة دينية إسلامية والشريعة تصبح المصدر الوحيد للشريعة، وعندها سيقوم الإخوة المسلمون بثورة جديدة على خفافيش الظلام وشيوخ الفضائيات وظلم المفتين ومن نصبوا أنفسهم كأولي الأمر فيهم. أما الاضطهاد فهو مفيد جداً للكنيسة، فالاضطهاد يوحد كلمة المؤمنين الحقيقيين بالمسيح ويجمع شملهم ويقربهم بعضهم من بعض أكثر من أي أمر آخر، والاضطهاد يدفع الكنيسة للصلاة وتقوية العلاقة بالله وبمسيحه، والاضطهاد يقوي إيمان المؤمنين فيدعون الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة، والاضطهاد يحفز المؤمنين ويزيد غيرتهم لربح النفوس للمسيح من كل قبيلة وشعب وأمة ولسان كما تمتد غيرهم لربح النفوس للمعذِبين والمضطهدِين، وهذه كلها حقائق ومسلمات في المسيحية وكلها بعكس ما يظن المضطهدون فإنهم يظنون أنهم قادرون على إخماد أصوات المؤمنين وحركتهم وإلغاء تأثيرهم، فالذين تشتتوا من جراء الضيق جالوا مبشرين بالكلمة، هكذا انتشرت المسيحية، ليس عن طريق المستريحين في صهيون بل المتفرقين الذين في الشتات، واضطهاد المسيحيين سيلفت نظر العالم كله إليهم، فربما يتحرك الأحرار في كل مكان لجعل المسيحيين العرب محمية إنسانية لخيرهم وخير بلادهم.

    إن أنجح وأسرع طريقة لخروج مصر بثورة حقيقية لتستمتع بالحرية والديمقراطية الحقيقية وتعود إلى صوابها وترفض الدولة الدينية هي أن تطبق الشريعة بكل حذافيرها وأن تقيم الحدود كاملة فتقطع يد السارق وتجلد الزاني وتتعامل بمبدأ عين بعين وسن بسن، حتى إذا لم تطبق الشريعة إلا على الفقراء والغلابة والمعدمين في الأرض كما هو الحال في كل دول العالم التي تحكم بالشريعة وأن يطلق القادة والأغنياء أحرار ليحكموا أنفسهم وغيرهم بما يستحسنون، لأن هؤلاء الغلابة والمساكين هم الذين قادوا الثورة وهم وحدهم القادرون على التغيير الحقيقي وليحكم العلماء الدينيون مصر كما يحلو لهم وعندها فقط سيعرف الجميع المعنى الصحيح لعبارة “الإسلام هو الحل”.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا