الإسلام فوبيا

18

العدد 166 الصادر في يوليو 2019

الإسلام فوبيا

    في كلمته التي ألقاها، أمام الرئيس السيسي ولفيف كبير من رجال الأزهر، فيما يعرف بليلة القدر عند الأحباء المسلمين، الليلة التي يؤمنون أنه تنزل فيها القرآن من عند ربهم، ركز الأمام الأكبر شيخ الأزهر العريق على كلمة واحدة فقط وهي “الإسلام فوبيا”، حتى أن الوقت الذي استغرقه فضيلته في الكلام عن هذه الكلمة الواحدة، أصلها، ومن هم الذين أطلقوها وعدم مقاومة استخدامها حتى من الدول الإسلامية نفسها، بالإضافة إلى كل ما تعلق بها، استغرق أكثر من ثلاثة أرباع الوقت الذي ألقى فيه كلمته بكاملها. فقد قال سيادته بالحرف الواحد: “أتحدَّثُ عن “الإسلام فوبيا”، تلك الكلمة اللقيطة والتي ما فتى علماء المسلمين ومفكروهم الأحرار يفندونها ويكشفون عن زيفها وتفاهتها منذُ أكثر من خمسة عشر عامًا في ندوات ومؤتمرات وأوراق علميَّة ونقديَّة وحوارات الأديان والحضارات – دون أيَّة ثمرةٍ تُذْكَر”.

    والحقيقة إنه لو كان اكتفى سيادته بالكلام عن “الإسلام فوبيا” فقط، ولم يتحدث أو يتطرق إلى ما أسماه الفوبيا المسيحية والفوبيا اليهودية والفوبيا البوذية والحروب الصليبية والعصا الغليظة التي لدى الغرب لضرب من يتجرأ ويقول الفوبيا المسيحية، ومعاناة المسلمين في العالم كله من المسيحيين معددًا الدول التي عانوا بها بدأً من البوسنة والهرسك إلى آخر المعاناة وأحدثها في نيوزيلاندا، وغيرها الكثير، لما كتبت أو علقت على ما قال، ولكان الأمر أصبح شأنًا إسلاميًا فحسب لا يعنيني في شيء، ولخرجت أنا منه كمسيحي، فهذا شأن إسلامي يحكم فيه، ويعلق عليه، ويتخذ ضده أو في صالحه من الإجراءات الواقية أو الرادعة قادة المسلمين في مصر والعالم العربي والإسلامي فحسب.

    أما أن يتطرق سيادته سواء بمجرد الذكر  أو بالمقارنة بين الإسلام فوبيا وفوبيا المسيحية، ففي هذه الحالة، يكون سيادته قد خرج إلى عالم مختلف ممن يهمهم الأمر، ويعنيهم الحديث والنقاش ووضع الحقائق والنقاط على الحروف على نفس المنصة التي كان يتكلم عليها هو، ولأصبح لزامًا على المسيحيين أن يضعوا هم أيضًا ما لديهم من معاناة وظلم وحرق للكنائس وخطف للقاصرات وأسلمتهم بطريقة أو بأخرى وتعرية النساء في قرى الصعيد على نفس طاولة المناقشات والأسئلة والإجابات التي يجلس عليها سيادته، دون الخوف من الإسلام فوبيا. ولو كنت أعلم أن أحد قادة طوائفنا المسيحية،  على اختلافها، سيجرؤ على الدفاع عنا كمسيحيين وعن مسيحيته وتعاليم مسيحه ويقوم بالرد على سيادته ردًا رسميًا موثقًا مكتوبًا، وخاصة على سؤاله الذي يخص المسيحين بالمقام الأول، وهو لماذا لم نسمع عن الفوبيا المسيحية أو الفوبيا اليهودية، لتركت الأمر لهم ودعوت لهم بخير الجزاء، ولكفوني ولكفوا المؤمنين شر القتال بالكلام واللسان وهو أضعف الإيمان، لكني أعلم أن أحدًا لن يجرؤ أن يرد على سؤاله وملاحظاته  وتلميحاته وتصريحاته عن المسيحيين، وخاصة الغربيين منهم، وذلك لأسباب كثيرة، لا داعي لذكرها في هذا المقام لأنها معروفة ونعلمها جميعًا، مسيحيون ومسلمون، والتي أقلها أهمية هي أن نتهم نحن أيضًا، كمصريين مسيحيين، بأننا مرضى بالإسلام فوبيا، ونتعرض لمزيد من الاضطهاد الممنهج، لذا فلا رادًا لقضاء الله ولأكن أنا كبش الفداء.

    أما تعريف كلمة فوبيا كما وردت بالقواميس الإنجليزية فهي، “الخوف الزائد من شيء، أو من وضع معين، خاصة إذا كان هذا الخوف ليس له تفسير  منطقي يعقل ويفهم”.

    وهناك فرق بين الخوف من الفعل المدمر أو الإرهاب الموجود حقيقة على أرض الواقع، أو الخوف الزائد من شيء أو وضع معين موجود وملموس، أو حتى الخوف الذي لا تبرير أو تفسير منطقي يعقل ويفهم له، وبين الخوف الطبيعي المبرر الذي يعاني منه الإنسان الطبيعي سليم العقل والمنطق وصاحب الحواس الطبيعية الذي يعيش في عالم الواقع، أي الخوف من، أو بسبب، خبرات سابقة لأحداث  أو أعمال عنف، أو تاريخ طويل من المعاناة والألم والمرور بأحداث مخيفة واقعية ملموسة، وخاصة إذا كانت هذه الأحداث والخبرات الأليمة السابقة قد استمرت لعديد من السنين أو القرون وتكررت بصور مختلفة وفي أوقات متقاربة أو متباعدة، دون تغيير أو مقاومة أو حتى شجب باللسان، وهو أضعف الإيمان، من القادة والمسؤولين عن سير الأمور الدينية في بلد ما، أولئك الذين يفتون في اليد التي يجب أن تأكل بها، والتي تلبس بها الساعة، أو الرجل التي تدخل بها دورة المياه، أو إذا كان استخدام شطافة الحمام يفسد الصيام من عدمه في رمضان وغيرها من أمور الدنيا التي لا تنفع الأحياء على الأرض ولا تشفع في الخلق يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون. والدليل على ما أقول إنه بالرغم من كل ما ارتكبته داعش وأتباعها من جرائم في حق البشرية والإنسانية جمعاء، مسيحيين ويزيديين ومسلمين وغيرهم، والتي أدانها البعيدون والقريبون من مؤمنين وكفرة، حتى أولئك الملحدون الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، بالرغم من إدانة كل هؤلاء، علنًا، لداعش وأتباعها وأذرعها في العالم كله، لم يستطع أو يوافق الطيب، شيخ الأزهر نفسه، الرجل الذي  يسعى قصار جهده لينفي ويقاوم تعبير الإسلام فوبيا ويطالب رؤساء وملوك العالم أن يتوقفوا عن استخدامها، ويعملوا ما في وسعهم لمحاربتها، هو نفسه ما استطاع أن يصدر فتوى من الأزهر بتكفير داعش، ومع ذلك لم يقل أحد من العالم كله، مسيحييه أو مسلميه، أن الرجل لم يستطع أن يقولها لأن العصا غليظة إذا أصدر الأزهر مثل هذه الفتوى، كما قال هو في خطابه، إن العصا غليظة لمن يتجرأ ويتكلم عن الفوبيا المسيحية، والعجيب أنه علل عدم موافقته على إصدار فتوى بأنهم جماعة خارجة عن الإسلام  بأن رجال داعش القتلة ينطقون بالشهادتين “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، وهذا في عرف قادة الأزهر المسلمين أبقى وأنفع وأثقل وزنًا من القتل والسلب وقطع الرقاب والاعتداء على الأبرياء واغتصاب الأطفال والنساء، فالبقاء عندهم للأثقل، وهو ما يتمشى مع الشريعة التي أنزلها رب السماء والأرض كما يعتقدون، وعلى عكس ذلك تمامًا، فإنهم يعتبرون أن تصوير مجرد نقد لداعش بواسطة ثلاثة مراهقين مسيحيين، ولو كان على  سبيل الفكاهة والتعجب من جماعة تصلي إلى رب الناس، إله الناس، ملك الناس، قبل أن تقتل الناس، صنعة يداه وملكه، تبارك اسمه، حتى لو كان التصوير على تليفون أحدهم المحمول الخاص به، ولمدة دقيقة ونصف، يعتبرون هذا الفعل جريمة يعاقب عليها المراهقون المسيحيون الثلاثة بالحبس لمدة خمس سنوات “كشد ودن” كما عبر عن ذلك القاضي العادل الذي أصدر عليهم حكمه. وبناء على هذا التعريف السابق للإسلام فوبيا يكون استخدام كلمة “الإسلام فوبيا” من جانب دول العالم المتحضر، استخدامًا خاطئًا  وليس في محله، لأن الخوف مما يقوم به بعض المسلمين المتطرفين في معظم بلدان العالم، شرقها وغرباها، ليس مجرد فوبيا وخوفًا لا تفسير منطقي له يعقل ويفهم، كما ينص عليه تعريف كلمة فوبيا في القواميس المختلفة، بل هو خوف طبيعي حقيقي واقعي له تفسير منطقي يُعْقَلْ ويُفْهَمْ وناتج عن ما ارتكبه ومازالوا يرتكبونه أولئك الظالمون من قتل وسلب وتدمير. فكلمة “الإسلام فوبيا” ليست كلمة “لقيطة” كما وصفها سيادته، بل هي كلمة وليدة رجال معروفي الهوية، ومكان إقاماتهم المعيشية ورتبهم وألقابهم الدينية، ووظائفهم الحكومية الاجتماعية، وهم أعضاء عاملون بجماعات إسلامية، تربوا على كره الدنيا وما فيها ومن فيها وخاصة المسيحيين، والتحق الغالبية العظمى منهم بمدارس ومعاهد وكليات أزهرية بسبب قلة تحصيلهم لدرجات كافية لدخولهم الجامعات المصرية الحكومية، التحقوا بجامعات دينية أنشأت خصيصًا منذ عشرات السنين لأمثالهم، لتربح المنافسة غير العادلة بين الطلبة المسيحيين والمسلمين، لزيادة عدد الطلبة المسيحيين عن عدد أترابهم المسلمين الذين ينجحون في امتحان الثانوية العامة بتفوق، والذين يحصلون على درجات أعلى منهم بكثير، لكنهم لا يستطيعون الالتحاق بكليات الدرجة الأولى، كما يعرفها المصريون، من طب وصيدلة وطب الأسنان والهندسة إلى آخره. والسبب الوحيد هو أنهم مسيحيون، وهذه الكليات تابعة لجامعة الأزهر ولا يدخلها إلا المسلمون بالرغم من أنها تمول بالمليارات من ضرائب المسيحيين والمسلمين.

    أما بداية استخدام تعبير “الإسلام فوبيا” كما تذكره بعض المراجع فيرجع زمنه إلى ما قبل سنة 1910، واختلف المؤرخون في زمن البدء في استخدام هذا المصطلح والأسباب الحقيقية وراء استخدامه، فمن قائل إن أول استخدام لهذه الكلمة كان بواسطة السيدات المسلمات المصريات في 1906 والسبب في ذلك كان خوف السيدات المسلمات من المتأسلمين والمتأسلمات وطريقة تعاملهم معهن كسيدات سافرات غير محجبات، أما في فرنسا فظهر هذا المصطلح في  كتاب للكاتب Alain Quellien والذي طبع في عام1910 . وكان أول ظهور لكلمة الإسلام فوبيا في إنجلترا في مقال كتبه إدوارد سعيد سنة1985  بواسطة شخص اسمه تريفوس فيليبس، الرئيس السابق للجنة المساواة وحقوق الإنسان البريطانية والذي كتب “وكما قد سبقت وشرحت في كتابي أن هذا المصطلح تم تدشينه من خلال منظمة تنتمي للإخوان المسلمين وهي المنظمة العالمية للفكر الإسلامي، وقد كتب عبد الرحمن محمد، أحد أعضاء تلك المنظمة المنشقين والذي كان شاهد عيان على ميلاد المصطلح: “إن هذا المصطلح الكريه ليس سوى كليشيه تمخضت به الأبحاث الإسلامية لضرب أي محاولات للنقد تحت الحزام “فمصطلح الإسلام فوبيا صمم خصيصًا للعقلية الغربية الليبرالية البيضاء الشاعرة بالذنب من سرقتها للحقوق المدنية للسود وممارستها الظلم ضد المواطنين الأصليين في أمريكا. فها هي الحجة المستخدمة من قبل كل دعاة سيادة الإسلام في الغرب ضد كل من يناقش ويدعو لرفض زحف الشريعة ويرفض تقييد حرية التعبير. وفي الواقع إن الإسلام فوبيا ليست سوى مصطلح يستخدمه دعاة أستاذية الإسلام لفرض قوانين الازدراء الإسلامية في الغرب”. إلى هنا انتهى ما كتبه فيليب تريفوس.

    وعليه فهذه “الإسلام فوبيا” الكلمة التي وصفها الشيخ الطيب بأنها كلمة “كريهة ولقيطة” هي بالحقيقة كلمة كريهة بسبب واضعيها ومستخدميها والغرض من وضعها وفرضها على المجتمع الدولي، لكنها كلمة ليست لقيطة لأننا نعرف الآن أباها وأمها كما سبقت الإشارة.

    وكما ذكرت سابقًا في هذا المقال أنه لو كان الدكتور الطيب قد مدح القرآن وجعله يتعالى فوق الزمان والمكان، وتكلم حتى عن حفظ الله له فحسب، دون مقارنته، غير العادلة، ببقية الكتب السماوية وجعله القرآن الكتاب الوحيد الذي تفرد الله بحفظه دون غيره لما علقت أنا على هذه النقطة بالذات، فهل كان فضيلته يحاول أن يؤكد ما اعتاد المسلمون جمعيًا على ترديده والإيمان به بأن كتابنا التوراة والإنجيل قد تحرفا ليبرروا وجود خلاف كلي بين ما ورد فيهما الاثنين، وخاصة إن التوراة والإنجيل أوحى بهما – سبحانه – بمئات السنين قبل كتابة القرآن، وقد أمروا في القرآن أن يؤمنوا بهما وبما أنزل فيهما، الله أعلم، لكن الشيخ قال “وقد صدق الله وعده فقيض لهذا الكتاب من وسائل الحفظ في الصدور وفى السطور ما لم يقيَّض لأى كتاب آخر من الكُتُب”.

    فللناس الحق وعليهم الواجب أن يرى كل منهم في كتابه أنه كتاب الله الذي حفظه – سبحانه – من التغيير والتبديل والتحريف، وأن يرى في نبيه أنه خاتم الأنبياء والمرسلين، لكن ليس من حق الإنسان أن يرى أن كتب الآخرين لم يحفظها الله كما حفظ كتابه، أو أن يرى نبيه هو أفضل الأنبياء والمرسلين، وأن يجاهر بهذا على مرأى ومسمع من أصحاب الكتب السماوية وأتباع الرسل الذين أتوا من قبل رسوله، وخاصة إذا كان من أرسل قبل نبيه هو من تفرد وتسامى بخصال وطباع ومعجزات لم يقترب منها غيره من الرسل والأنبياء، إذ لم يكن له كفؤً أحد، فهو الوحيد الذي نزل من السماء، والوحيد الذي لم يلد ولم يولد من مشيئة جسد أو مشيئة رجل، بل من الله مباشرة كما يشهد له ليس كتابه فقط، بل كتب الذين جاءوا بعده أيضًا، والوحيد الذي لم يستطع أن يمسه الشيطان عند ولادته، والوحيد الذي لم يكن له ذنب ليغفر ولا وزر لينقد ظهره فهو المكتوب عنه أنه “لم يعرف خطية ولم يكن في فمه غش”، وهو من ذهب إلى الأعمى وشفاه بلمسة منه، فما عبس ولا تولى، وهو الوحيد بين الأنبياء من لم يقتل أعداءه أو منتقديه أو رافضي قبول دينه وملكه عليهم، وهو الوحيد الذي كانت الشياطين تصرخ أمامه معترفة أمام الجميع أنه الله الظاهر في جسد إنسان وتتوسل إليه أن لا يرسلها إلى جهنم النار لأنها عرفته من هو وعلمت أن له سلطانًا في نفسه أن يعذبهم قبل الوقت، وهو الوحيد الذي دون الوحي السماوي إنه – تبارك اسمه صورة الله – غير المنظور وقد ذكر هو سبحانه وتنازل إلينا، في كتابة الإنجيل بكل صراحة ووضوح وحصر اللفظ أنه هو النور والباب والطريق والحق والحياة، والقيامة والشفيع الوحيد والوسيط بين الله والناس وهو ديان الأحياء والأموات لأنه مالك يوم الدين، الأول والأخر، البداية والنهاية والوحيد الذي جرؤ أن يقول “تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم” وغيرها الكثير الكثير ما لا يعد من الإعلانات عن شخصه وطبيعته سبحانه التي لا يتسع لها المجال.

    وهكذا الحال أيضًا مع ما قاله الشيخ الطيب عن القرآن  وجيوش المتربصين به الساهرين الملتمسين أن يجدوا فيه عيبًا وخاصة من الناحية العلمية وتجاربه المستقرة، قال الشيخ” وقد مرَّ على نزول هذا القرآن ما يقرب من خمسة عشر قرنًا من الزمان، وجيوشُ المتربِّصين به ساهرة تلتمس فيه العيوب وتُفتِّش عن الهفوات، إلَّا أنَّ أحدًا منهم لم يظفر ببغيته، فلم يستطع أن يُسَجِّلَ عليه هفوة واحدة يأباها العقل السليم، أو انحرافًا تضيق به الفطرة المتزنة، أو خطأً واحدًا يصدم ثوابت العلم وتجاربَ المستقرَّة”.

    فلو قال سيادته إن لا عيوب ولا أخطاء ولا هفوات في القرآن وسكت عند هذا الحد، لقلنا من حقه أن يرى كتابه كاملاً خاليًا من العيوب، لكن إن يقول عن المتربصين إنهم لم يجدوا فيه خطأ واحد يصدم ثوابت العلم وتجاربه المستقرة، فهذا الأمر سيجعل العلماء والدارسين وبعض مقدمي البرامج المحترمين من الجميع والذين منهم مسلمين سابقين على الفضائيات المسيحية تعيد أسئلتها التي تمتلئ بها برامجها، والتي لا إجابات شافية كافية لها من قبل علماء المسلمين العاملين بمؤسسة الأزهر حول ما يرونه  هؤلاء المتربصون، على حد قول الشيخ العزيز، من هفوات وأخطاء وانحرافات تضيق بها الفطرة المتزنة، وأخطاء تصدم ثوابت العلم وتجاربه المستقرة، وسيفتح باب الرد على سيادته من العلماء الذين رأوا بأم أعينهم وأكدوا أن الأرض كروية بكل الصور والوسائل العلمية وليست مسطحة وأن الجبال في الأرض لم تخلق كرواسٍ لئلا تميد بنا، فالأرض الحالية لن تميد بسكانها لأنه مكتوب عن سيدي المسيح أنه الحامل كل الأشياء بكلمة قدرته، وأنه هو الجالس على كرة الأرض، وأن الأرض محفوظة بكلمته إلى اليوم الذي سيأمر هو فيه بحرقها، فستحترق هي والمصنوعات التي عليها، فهذا ما ذكرته كتب العهدين القديم والجديد بكتابنا المقدس الموحى به من الله، والذي تكفل هو نفسه جل شأنه بحفظه أيضًا بطريقته الخاصة، ذكرت أن الأرض كروية بآلاف السنين قبل كتابة القرآن.

    وحيث أنه من المستحيل الرد أو حتى كتابة ملحوظات بسيطة وسريعة عن كل ما قاله الشيخ العزيز لضيق مساحة النشر، إلا أن هناك عدة نقاط لا يمكن أن نتجاهلها لطبيعتها ولقيمة قائلها العلمية والدينية والمجتمعية، والتي منها:

    (1) قال سيادته “أنَّنا حتى هذه اللَّحظة لا نسمع عن فوبيا المسيحية، ولا فوبيا اليهودية ولا البوذية ولا الهندوسية. والإجابة البسيطة السريعة على هذه الحقيقة التي ذكرها بأننا حتى هذه اللحظة لا نسمع عن فوبيا المسيحية لأننا ببساطة لا نرى المسيحيين يقتلون أو يصلبون أو يجزون رؤوس كائنات بشرية، رجال ونساء وأطفال، أو يحرقون لا كنائس ولا مساجد ولا حتى معابد يهودية، بالرغم من كره أكثرهم لليهود وبالرغم من كل ما عمله ضدهم اليهود منذ أن بدأت بشارة المسيح في فلسطين وحتى الآن، وإن حدث شيء من ما ذكرته سابقًا يحدث من شخص واحد لا ينتمي إلى هيئة أو جماعة عاقلة أو حتى متطرفة من المسيحيين الاسميين  الذين لا علاقة ولا شركة بينهم وبين رب الحب والسلام يسوع المسيح، وإذا حدث الاعتداء من مسيحي اسمي كما تقدم لا يسارع المسيحيون بالدفاع عنه ومحاولة إثبات أنه مجنون وغير مسؤول عن تصرفاته، بل يدين هذا التصرف الإجرامي رجل الشارع العادي المسيحي العادي، بغض النظر عن نوع دار العبادة المحروق حتى لو كان جامعًا سنيًا تصرخ ميكرفوناته بعد صلاة الجمعة داعية اللهم يتم أولادهم ويقول المصلون بكل حماس آمين، اللهم رمل نساءهم ويقول المصلون آمين، ولا يكتفي الأمريكان والأوربيون المسيحيون بالشجب والتنديد وإدانة المجرم الفاعل، بل يخرجون في مظاهرات ضد هذه النوعية الساقطة من الحارقين والمعتدين على بيوت العبادة، وليس ذلك فحسب، بل تقوم الكنائس بالتبرع لبناء المهدوم والمحروق وتعويض العائلات المتضررة وإيؤائهم في بيوتهم وإكرامهم إلى أن تنتهي الأزمة، ولا ننسى دور البوليس الذي يبذل قصارى جهده للقبض على الجناة وتقديمهم للمحاكمة العادلة، ولذا لا توجد فوبيا من المسيحية لأن المسيحيين الحقيقيين لابد لهم أن يتبعوا وصايا وتعاليم دينهم ومسيحهم الذي أوصاهم أن “أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم” وما طلب منهم – تبارك اسمه – يومًا أن يعدوا ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل ليرهبوا بها عدو الله وعدوهم، حيث أنه قد أبطل لهم المسيح – تبارك اسمه – تلك الآيات التي تتناسب مع قدراتهم النفسية وضغائنهم القلبية ومع تفكير الإنسان وقدرته على أن ينتقم لنفسه فلم تعد “عين بعين وسن بسن وكسر بكسر” صالحة بعد أن أعطى لهم – تبارك اسمه – بعد قيامته من الأموات وصعوده إلى السموات وإرساله لهم الروح القدس الذي يعينهم على تنفيذ وصاياه.

    (2) قلت يا فضيلة الإمام الأكبر في كلمتك أيضًا عن الفوبيا ما نصه “ويقيني أنَّه لن تجرؤ جريدة أو قناة أو برنامج فضائي لا في الغرب ولا في الشرق على مجرَّد النطق بفوبيا ما شئت من المِلَل والنِّحَل والمذاهب”. وتعليقي على هذه المعلومة هي يقينًا أن أصغر طفل في سنوات عمره الأولى في المدرسة الابتدائية في البلاد التي تتمتع بحرية حقيقية يمكنه لا أن يجرؤ على النطق بكلمة فوبيا المسيحية وأن يتحدث عنها ويقنع بها المسيحيين فحسب، إن كان هناك ما يمكن أن يشار إليه في المسيحية على أنه مسبب للفوبيا من المسيحيين، وليس ذلك فقط بل إن أصغر طفل يمكنه أن يتكلم علانية عن سيدنا المسيح نفسه – تبارك اسمه – ويصفه بأبشع الأوصاف، بأنه كان من المثليين، وكذلك تنتج صناعة السينما الأمريكية التي تصور يسوع المسيح رب السماء والأرض، بأنه من المثليين وكان يوحنا الحبيب قرينه، كما تنتج أفلام كشفرة دا?نشي ومحاولة وصفه – تبارك اسمه – بأنه كان عشيق مريم المجدلية، وغيرها الكثير دون خوف من عصاة غليظة أو حتى رفيعة، فالعصاة الغليظة يستعملها بعض المسلمين البسطاء أو المتطرفين العنفاء أو المغيبين الجهلاء ليكسروا بها زجاج المحلات ونهب ما بداخلها، أو تكسير سيارة للشرطة أو المطافئ أو الإسعاف أو حتى سيارات المدنيين العزل الفقراء لمجرد تواجدهم داخل سياراتهم ومرورهم بأرض الاضطراب التي يخلقها أعداء الحياة لأتفه الأسباب، ويشعلون النار فيها كلها. والعصاة الغليظة يستخدمها من يريدون منع المصلين من دخول كنائسهم أو عندما يريدون إجبار عائلة مسيحية على ترك قريتها وغيرها من أسباب استخدام العصا الغليظة التي نصلى أن تكسر في يوم من الأيام، فسبحان القادر على كل شيء.

    (3) يقول الشيخ الطيب أيضًا في كلمته “مع أنَّ التاريخ يَشْهَد على أنَّ الأديان كلَّها نُسِبَت إليها أعمال عُنف، وأن من هذه الأعمال ما اُقترف تحت لافتة ديانات كبرى في العالم.. وفى قلب أمريكا نفسها، غير أنَّ المقام لا يتَّسِع لسَرْدِها..”.

    وردًا على هذه النقطة بالذات أقول إن هناك فرقًا بين أن تنسب للأديان أعمال عنف حتى ولو استخدم بعض الأغبياء  المجرمين من أصحاب هذا الدين لافتات كلافتة الصليب في حربها التي عرفت بالحروب الصليبية، وبين أن تنص الأديان صراحة سواء في أحاديثها أو كتبها أو حتى آياتها المدونة في كتبها على إمكانية ضرب الرقاب أو إرهاب عدو الله وعدوهم أو قطع يد أو ذراع سارق. وحيث إن كتاب الإنجيل ملئ بالآيات البينات التي تحض على الحب والمحبة لله وللناس وللوطن وللرؤساء وكل من هم في منصب وتطلب أن نصلى لأجلهم إذًا، فمن الطبيعي أن يقول الإمام الأكبر في كلمته “إننا، والحديث هنا عن المسلمين” حين نَذْكُر المجازر البشعة التي تعرَّض لها المسلمون على أيدى أبناء الأديان الأخرى – فإنَّنا لا نُحمِّل الدِّين المسيحي ولا المسيح عليه السلام ولا موسى عليه السلام ذرَّة واحدة من المسؤولية، ولا نصم دينًا من الأديان بوصمة الإرهاب والعُنف والتوحش، بل نظل على وعى عميق بالفرق الهائل بين الأديان وتعاليمها، وبين سماسرةِ الأديان في أسواق السِّلاح وساحات الحروب.

    ثم يختم سيادة كلمته بالقول “سِيادَة الرَّئيس! فإنه ليطالب علماء المسلمين، ويطالب إخوتهم من رجالات الكنائس في الشرق والغرب أن يبذلوا الجهود المنظمة من أجل مكافحة هذه الأكذوبة الماكرة الخدَّاعة، فما كان الإسلام يومًا إلَّا دعوة سلام وتراحم بين النَّاس.”.

    أما ردي على هذه النقطة، فهي أن الشرق والغرب لا يهمه في كثير أو قليل ترديد أو العمل على عدم استخدام كلمة الإسلام فوبيا، حيث أنه حتى إذا أراد العالم كله، علماء المسلمين ورجالات الكنائس في الشرق والغرب وبذلوا الجهود المنظمة من أجل مكافحة هذه التي أسميتها فضيلتكم أكذوبة ماكرة خادعة، فسيخرج من المسلمين أنفسهم الذين رفضتم في أزهركم العريق تكفيرهم وإدانتهم، وسيفجرون أنفسهم ومن حولهم في الكنائس والمعابد وحتى في مساجد الشيعة المسلمين أو بيوت العجزة أو في قرى الصعيد وبيوتها المصنوعة من الطين أو ناطحات نيويورك المصنوعة من الحديد فتزداد الإسلام فوبيا في العالم كله، أما إذا كنت حقًا ترغب في أن يتخلص العالم من الإسلام فوبيا، فالأمر سهل يسير فعليكم:

    أ- أن تدين أعمال العنف بكل أشكالها إدانة واضحة معلنة وتصدر فتوى إسلامية لكل من يرتكبها، إنه كافر بالإسلام وخارج عن جماعة المسلمين وتبدأ بالقاعدة وداعش وبوكو حرام إلى آخر القائمة، وأن توضح أن الكافر نهايته النار وبئس المصير حسب تعاليمكم الإسلامية.

    ب ـ أن تقوم فضيلتكم أولاً بتنقية البيت من الداخل وتطرد المتاجرين بالدين في أزهركم العريق، الذين وصفتهم في خطابك بسماسرة الأديان، وتقف ضد كل كتاب أو إصدار من علمائه يتطاول بشكل أو آخر على أصحاب الديانات الأخرى، فمن يكتب وينشر تحت لواءكم وبما يدفعه المسيحيون من أموال ضرائبهم أن “المسيحية ديانة فاشلة” ينبغي أن يحاسب ويُقدم اعتذار من الأزهر للمسيحين المصريين بطريقة أو بأخرى.

    ج ـ أن تكف سيادتكم ومن حولك من علماء المسلمين أولاً عن استخدام تعبير “الحروب الصليبية” ولا تقحمونه في كل خطبكم وكلماتكم لأنكم تعلمون أن هذه الحروب لم تكن صليبية، وما أمر بها المصلوب في يوم من الأيام، من بشرت الملائكة الناس جميعًا على الأرض يوم مولده – تبارك اسمه – قائلة “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة”. فرسالته لم تكن لإجبار الناس على قبول دينه، بل ليحصلوا على السلام والمسرة، والذي لم يذكر التاريخ بأكمله أن حربًا واحدًا قام على الأرض بين البلاد طيلة حياته بالجسد عليها.

    د – أن تعمل فضيلتكم بخطة علمية واضحة، تبدأها منذ نعومة أظافر الأطفال المسلمين بتنقية كتبهم المدرسية من كل ما يصور لهم أنهم خير أمة أخرجت للناس، وأن الفتوحات الإسلامية للعالم المعروف يومها كانت بطولات فرسان ورجال حرب، ولا تغرسون بهم أن الناس جميعًا لابد أن يقبلوا الإسلام دينًا وإلا ما سلمت، بأمر من الله، أرواحهم وغنائمهم من سطوة المسلمين.

    هـ ـ أخيرًا أقول إذا أمكنكم إصدار فتوى تضيف بها اسمين لأسماء الله الحسنى الواردة في الإسلام وهما “الله محبة” و “الله أبي” كما علمنا إياهم، نحن معشر المسيحيين سيد الأرض كلها، المسيح يسوع – تبارك اسمه، سيغير هذا حقًا من نوعية الخطاب الديني وهذا ما طالب به رئيس مصر المحبوب عبد الفتاح السيسي أزهركم أكثر من مرة وعلى مرأى ومسمع من الجميع.

    وحيث إنه ما يزال هناك الكثير والكثير من العبارات التي ذكرها الشيخ الطيب في كلمته بالاحتفال بليلة القدر، فإلى اللقاء في مقال آخر حول هذا الأمر.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا