في بداية نشأته، كان مصطلح الإرهاب ملازمًا للثورة الفرنسية التي اشتعلت في عام 1798، ثم جاء تعريفه في قاموس لاروس الصغير في عام 2005 بأنه “جملة الأفعال العنيفة التي تمارسها منظمة ما لخلق مناخ من عدم الأمان، سواء بالنسبة للدولة أو بالنسبة للمجتمع.” ومثال ذلك ما حدث في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين للتعبير عن أفعال بها الحركة الفوضوية لاغتيال الرئيس الفرنسي كارنو في عام 1894 والرئيس الأمريكي ماكنتسي في عام 1901. وفي هذا السياق، ظل تعريف لاروس للإرهاب للإشارة إلى النظام السياسي الذي يمارس سلطته وهيمنته على الشعب استنادًا إلى ما يثيره من رعب، ومثال ذلك الاستعمار الأوروبي والأنظمة العسكرية في أمريكا اللاتينية والأنظمة الفاشية والحقبة الستالينية في روسيا والمكارثية في أمريكا.
أما أنا فقد سمعتُ به في 16 مارس من عام 1978 الذي كان اليوم الأخير للمؤتمر الدولي الفلسفي الأول للجمعية الفلسفية الأفروآسيوية التي كنتُ حينها مؤسسها ورئيسها، وكان انعقاده في القاعة الكبرى لجامعة الدول العربية تحت عنوان “الفلسفة والحضارة”. وكنا في ذلك اليوم مدعوين للغداء من قِبل رئيس تحرير الأهرام الأستاذ علي حمدي الجمال الذي غادر هذه الدنيا قبل انعقاده. وإثر انتهاء الغداء، أعلن الراديو خبرًا مؤلمًا مفاده أن رئيس وزراء إيطاليا الأسبق وأمين عام الحزب الديمقراطي المسيحي، قد اختطفته الأولوية الحمراء وهي منظمة سرية إيطالية تأسست في عام 1970، وكانت غايتها انسحاب إيطاليا من حلف شمال الأطلنطي. وبعد اختطافه حاكمته وأصدرت عليه حكمًا بالموت، إلا أنها أعلنت أنه في الإمكان الإفراج عنه إذا اعترفت الحكومة الإيطالية بمشروعية تأسيس حزب للأولوية الحمراء. وعندما رُفض المطلب تم إعدام مورو في 9 مايو من ذلك العام. وإثر إعدامه، قررت إيطاليا أن تكون ذكرى إعدامه احتفالًا بضحايا الإرهاب.
وكان ألدو مورو قد ترأس حكومة بلاده مرتين: الأولى من عام 1963 إلى 1968 والثانية من 1974 إلى 1976، كما شغل وزارة الخارجية مرتين: الأولى من 1969 إلى 1970 والثانية من 1973 إلى 1974.
وتعود أهميته التاريخية إلى فتحه حوارًا مع الحزب الشيوعي الإيطالي الذي توصل معه إلى اتفاق يمتنع معه الحزب الشيوعي عن معارضة الحُكم في البرلمان. وكان هذا الاتفاق تمهيدًا لإنجاز المساومة التاريخية ومفادها مشاركة الشيوعيين في الحكم. أما الأولوية الحمراء فقد تمكنت الشرطة الإيطالية من تفكيكها في عام 1980. وفي يناير من عام 1979، قرر الرئيس الأمريكي كارتر تدعيم الأصولية الإسلامية عندما قرر السوفيت غزو أفغانستان في ذلك العام. وفي أول فبراير من ذلك العام، عاد آية الله الخوميني إلى إيران بعد أن كان منفيًا في باريس لمدة خمسة عشر عامًا. وفي 12 فبراير من ذلك العام، أعلن تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ودخلت المخابرات الأمريكية في علاقة سرية مع مستشاري الخوميني. ولكن في 4 نوفمبر من ذلك العام، حوصر موظفو السفارة الأمريكية في طهران من قِبل الأصوليين الإسلاميين واتخذوهم رهائن. ومع ذلك قررت المخابرات الأمريكية ضرورة تأسيس تحالف بين البيت الأبيض والإخوان المسلمين من أجل وضع إستراتيجية جغرافية سياسية لمواجهة الاتحاد السوفيتي. وفي 9 فبراير من ذلك العام، أصبح الشاذلي بن جديد الرئيس الرابع للجمهورية الجزائرية، فقرر تدعيم الأصولية الإسلامية. وعندئذٍ استدعى الشيخ محمد الغزالي الأصولي من مصر وعيَّنه أستاذًا بجامعة الأمير عبد القادر، ثم أمر بأن يكون له حديث ديني متواصل في الإذاعة والتليفزيون. وفي عام 1980، نشأت أول جماعة إرهابية مدفوعة بأوامر دينية وبدأت بثلاثة إرهابيين حتى وصلت في عام 1992 إلى أحد عشر إرهابيًا. وفي عام 1995، وصلت إلى ستة وعشرين، ومعها تكونت ست وخمسون جماعة إرهابية، و46% من هذه الجماعات أصبحت دولية، ومن أشهر أعمالها الإرهابية تفجير مبنى مركز التجارة العالمي في عام 1993، وتفجير مبنى الحكومة الفيدرالية في مدينة أوكلاهوما في عام 1995، وتفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا. وكل هذه التفجيرات مسجلة في تقرير اللجنة القومية عن الإرهاب والصادر في أغسطس من عام 2000. إلا أن نقطة الضعف في هذا التقرير مردودة إلى غياب تفسير هذه الأحداث في السياق الاجتماعي والاقتصادي. ومع ذلك فإن أهمية التقرير مردودة إلى إشارته إلى هوية هؤلاء الإرهابيين إذ هي محصورة في الطبقة التي تخدم المجتمع مثل المدرسين والعمال الاجتماعيين والطلاب والعاطلين والمحالين إلى التقاعد، وكان هدف هؤلاء تحقيق الخير العام لكل المجتمعات. وفي يوليو من عام 1990، انعقد في لندن مهرجان الإمام علي بمناسبة مرور 14 قرنًا على وفاته – الغدير الأغر. وقد طلبت مني اللجنة التحضيرية للمهرجان، المشاركة ببحث فاخترت له عنوانًا هو «الفكر السياسي عند الإمام علي»، وانتهيتُ منه إلى أن فكره السياسي كان خاليًا من الأصولية ومنحازًا إلى العلمانية بسبب التزامه بما هو نسبى. وفوجئت بمكالمة تليفونية من المسئول عن اللجنة التنفيذية يطلب مني إرسال البحث قبل موعد المؤتمر. ترددتُ في الاستجابة لأنني اعتدتُ على عدم اطلاع أحد على ما أكتبه قبل موعد المؤتمر، إلا أن الإلحاح المتواصل ألزمني بإرساله. وعندما وصلتُ إلى لندن ودخلتُ غرفتي بالفندق إذا بشيخ معمم يستأذن في الدخول فاستجبتُ. قال: “أنا اسمي محمد بحر العلوم، عراقي الجنسية وعضو اللجنة التنفيذية. قرأتُ بحثك وبناءً عليه أطلب منك ضرورة حذف مصطلحين وهما الأصولية والعلمانية لأن عدم حذفهما يؤدي بالضرورة إلى نتائج سلبية لا نعرف مداها في سياق مشاركة ما يقرب من 40 من الملالي بإيران.” ومع ذلك اعترضتُ بدعوى أن حذفهما يُحدِث خللًا جسيمًا ليس في الإمكان تفاديه، ولكنه رفض بدعوى أنني قادر على إحداث المطلوب. قلتُ: “دعني أحاول”، وقد كان ولكن على مضض.