كثيرًا ما نعرف أشخاصًا يعانون من أعراض مَرَضية كالصداع النصفي أو آلام في منطقة البطن أو آلام روماتزمية حادة، وأحيانًا تظهر أشكال أخرى قد تبدو غريبة مثل الشلل النصفي أو الخرس وفقدان الصوت، إلا أن الفحوصات الطبية تشير إلى عدم وجود أي أمراض عضوية أو فسيولوجية وراء هذه الأعراض. وفي الواقع فإن هذه الأعراض ما هي إلا عَرَض من أعراض الأمراض النفس الجسدية، فالسبب وراء شكواهم هو معاناتهم من صراعات وضغوط نفسية عنيفة أدت إلى حالة من القلق والتوتر ظهرت في شكل أعراض حسية جسيمة، أي في صورة مرض عضوي، وهو ما يُعرف بالأمراض السيكوسوماتية Poycho-sommatic.
ويُعتبر اضطراب الهستيريا التحويلية شكلًا من أشكال هذه الأمراض، وفيه تتحول المعاناة النفسية إلى صراعات حادة تؤدي بالشخص إلى الشعور بالقلق والتوتر الذي لا يمكن مواجهته فيلجأ إلى استبعاد هذه المشاعر من دائرة وعيه حيث يكبتها في اللاشعور إلا أنها تظهر في شكل مرض عضوي كوسيلة دفاعية لتخفيف حدة القلق والتوتر الذي يعاني منه.
ومن الجدير بالذكر أن الهستيريا التحويلية تصيب الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب الهستيري، وهو منتشر بين النساء أكثر من الرجال بنسبة 1: 10، وقد ثبت بالدراسات العلمية أنه مرتبط بالأعراض النرجسية. وأغلب النساء المصابات بهذا الاضطراب هن اللاتي لديهن رغبة ملحة في أن يكن مركز اهتمام الآخرين، فهن يسعين دائمًا إلى محاولة اجتذاب اهتمام المحيطين بهن سواء في العمل أو في المناسبات العامة كالحفلات أو السهرات وأحيانًا في الأماكن الدينية، إذ تلجأ هذه الشخصية إلى المبالغة في مظهرها الخارجي أو في طريقة كلامها وسلوكها كالضحك بصوت عالي أو المبالغة في سرد أحاديث مطولة ليس لها أي مضمون إلا مجرد لفت انتباه المحيطين بها، وفي الغالب فإن هذه الأحاديث تدل على سطحية التفكير.
كما تتميز الشخصية الهستيرية بالتقلب المزاجي، سواء في مشاعرها أو آرائها، بالإضافة لاعتقادها بأن لها مكانة متميزة وأفضلية لدى أصدقائها أكثر من الآخرين، كما تستخدم أسلوب الانجذاب الجنسي لدى الرجال وذلك بهدف السيطرة والتحكم فيهم. وللهستيريا التحويلية أشكال متعددة قد تبدو غريبة كما سبق القول، ومن أشهرها ما يلي:
– الشلل الهستيري: سواء الشلل النصفي أو الثنائي، ومن أشهر الحالات هي حالة ضابط الجيش الذي يُستدعى للاشتراك في الحرب مما يجعله يقع في صراع لاشعوري بين تأدية واجبه الوطني وبين الخوف من الموت. وقد عبَّر عن هذا الصراع النفسي في شكل شلل عضوي ليده اليمنى، وبذلك حوَّل الألم النفسي إلى ألم عضوي.
– العمى الهستيري: قد تظهر الهستيريا التحويلية في شكل عمى أي فقدان الرؤية التام، ومن أشهر الحالات هي حالة الفتاة التي كانت تعمل في إحدى الشركات كسكرتيرة تقوم بالكتابة على الآلة الكاتبة إلا أنها تعرضت للتحرش الجنسي من قِبل صاحب العمل مما أدى إلى وقوعها في صراع عنيف بين احتياجها الشديد للعمل وبين تعرضها للتحرش، إلا أن هذا الصراع انتهى بإصابتها بالعمى الهستيري وبالتالي وجدت حلًا لاشعوريًا لإنهاء معاناتها النفسية.
– العجز الجنسي: قد نجد بعض الأزواج غير قادرين على ممارسة الجنس مع شركاء حياتهم وربما يرجع ذلك إلى صراعات لاشعورية قد يكون مصدرها صدمات طفولية كرؤية والدته في وضع خيانة لوالده، أو الزوجة التي كانت تشعر بالفراغ الجنسي نظرًا للظروف المرضية لزوجها فكانت تعبِّر عن ذلك بوخز جسدها بالإبر.
– حركات التشنج الهستيرية: وهي حركات تظهر غالبًا في منطقة الرقبة أو الذراعين، ومن أشهر هذه الحالات الزوجة التي كان زوجها يسيء معاملتها فأصبحت تعبِّر عن ذلك بإصابتها بتشنج في منطقة الرقبة إذ تميل برأسها في الجهة المخالفة للمكان الذي يجلس فيه زوجها بجوارها وهكذا عبَّرت عن كراهيتها له. كما يمكن أن يصاب البلعوم بالتشنج إذ يشعر المريض وكأن شوكة تقف في منطقة البلع.
– اضطراب الكلام أو فقدان الصوت (الأفيزيا): وفيها يتعرض الشخص إلى صدمة مفاجئة كأن يخرج عليه لص في طريق مظلم يهدده بآلة حادة ليسلبه نقوده أو سيارته مما قد يؤدي به إلى فقدان صوته لفترة زمنية قد تصل لستة أشهر وفي أحيان أخرى قد تصل إلى عام كامل.
– القيء والصداع الهستيري: من بين الحالات التي عُرضت عليَّ حالة فتاة ضغط والدها عليها لقبول عريس تقدم لها إلا أنه كانت لا تميل له بل كانت تكرهه. لقد عاشت في صراع شديد بين طاعة والدها وبين كراهيتها للعريس ولذلك فقد كانت تعبِّر عن هذا الصراع بالقيء والصداع المستمر كلما قام العريس بزيارة منزلهم. وللأسف لم يكن أحد من عائلتها متفهمًا لهذا الوضع وانتهى الأمر بإتمام الزفاف والذي باء بالفشل.
– التشنج والإغماء الهستيري: تعرضت إحدى الفتيات المراهقات والتي كنت أتابع حالتها لإهانات متعددة من طرف إحدى المدرسات والتي كانت تحاول إيذاء مشاعرها أمام أصدقائها في الفصل مما سبب لها صدمة نفسية، وقد كانت تعبِّر عن غضبها برد فعل هستيري وهو حالة تشنج وإغماء أثناء اليوم الدراسي. وظلت حالتها تسوء إلى أن أشرتُ على أهلها بنقلها إلى مدرسة أخرى وبالتالي توقفت نوبات التشنج والإغماء واستعادت الفتاة توازنها النفسي.
– الحمل الكاذب: إحدى صور الهستيريا التحويلية الغريبة هي الحمل الكاذب، وهذا النوع منتشر في الأوساط الريفية حيث الاهتمام الزائد بالإنجاب، فالمرأة العاقر في الريف تشعر دائمًا بالخزي والعار نتيجة عدم قدرتها على الإنجاب ولذلك فإن حالات الحمل الكاذب نجدها متكررة في الريف، وعلى ذلك ففي أحيان كثيرة تشعر المرأة التي تأخرت في الإنجاب بأعراض الحمل وقد يكون حملًا كاذبًا، وهو وسيلة دفاعية تعبِّر بها عن صراعها بين إحساسها بالخزي والعار وخوفها من الطلاق والخجل من أهلها وبين عدم قدرتها على الإنجاب.
أساليب العلاج:
– بدايةً قبل تبني أسلوب العلاج المناسب لا بد من استبعاد الأسباب العضوية ولذلك نقوم بإجراء فحوصات طبية متعددة للتأكد من سلامة المريض جسميًا.
– جلسات التحليل النفسي: لقد وجد الباحثون أن هناك علاقة واضحة بين السبب النفسي والمرض الهستيري، بمعنى أن الجزء المصاب له علاقة مباشرة بالسبب الأصلي للمشكلة، وذلك كما في حالة الحمل الكاذب. ولذلك فإن من أنجح الأساليب العلاجية جلسات التحليل النفسي حيث يمكن للمعالج الاطلاع على جذور المشكلة وذلك بمراجعة صراعاته النفسية، فقد اكتُشف أن من أسباب اضطراب الهستيريا التحويلية ما يرجع إلى صدمات الطفولة أو الأسلوب الخاطئ في التربية، فقد وُجِدَ أن الطفل في المهد الذي لا تستجيب الأم لبكائه يلجأ إلى زيادة صرخاته وهكذا يكتسب الطفل نمطًا جديدًا للتعليم وهو المبالغة في إظهار مشاعره فيزيد من صرخاته وبكائه حتى يحصل على مطالبه. كما أن إهمال الأم لابنتها في مراحلها العمرية المختلفة يجعلها تتجه إلى الأب كي تحصل على التدليل الكافي منه وبالتالي تُشبِع احتياجها العاطفي، ولذلك فهي دائمًا تتجه لمحاولة جذب انتباه الجنس الآخر حتى تستمر في إشباع عواطفها.
– تقديم برنامج معرفي سلوكي C.B.T: وفيه يقوم المعالج بالتركيز على تحفيز المريض على تبني نمط فكري جديد، إذ أن الفكر هو أساس تغذية المشاعر والدوافع التي تحرك السلوك. لذلك فإن العلاج المعرفي والسلوكي يقوم على أساس تغيير طريقة تفكير المريض ليساهم بالتالي في تعديل استجاباته تجاه صراعاته النفسية.
وأخيرًا علينا أن ندرك أن أهم خطوة لعلاج الصراعات النفسية هي التمسك بكلمة الله الحية والفعالة المُعلَّنة لنا في الكتاب المقدس فهي المرجعية الأساسية لأسلوب حياتنا وطريقة تفكيرنا لتتمجد أذهاننا بروح الحق المحرر والمُغيِّر فنختبر إرادة الله الصالحة والمَرضية والكاملة من نحونا.